1

ع َر ٌب بِال َر ب

اإللحاد وحرية المعتقد في الشرق األوسط

براين ويتاكر

Brian Whitaker

2

اإلشعار القانوني

تّم نشر هذا الكتاب ألول مرة باللغة اإلنجليزية سنة 2014 تحت عنوان "Arabs Without God" وهو متوفر بنسختين

ورقّية والكترونية على موقع Amazon.com.

وُنشرت الترجمة العربية للكتاب بموجب ترخيص (CC BY-NC-ND 4.0 Creative Commons( ما يعني أ ّن باإلمكان نسخها وتوزيعها في أ ّي شكل، لكن ألغ ارض غير تجارية فقط. يمكن االطالع على الشروط واألحكام الكاملة هنا:

https://creativecommons.org/licenses/by-nc-nd/4.0/legalcode

3

المحتويات

مقدمة ...... 5

الجزء األول: طر ق إلى اإللحاد

الفصل األول: إنكار هللا وهدُم المجتمع ...... 9

الفصل الثاني: اإللحاد في التاريخ العربي ...... 41

الفصل الثالث: كتا ُب هللا ...... 61

الفصل الرابع: خسارتهم ِلدينهم ...... 80

الفصل الخامس: اإللحاد والجنس )النوع( والميول الجنسيّة ...... 101

الجزء الثاني: حماية الدين

ِ الفصل السادس: امتيازات الّدين ...... 123

الفصل السابع: مسل م للمرة األولى مسل م دائما ...... 140

الفصل الثامن: الح ّق في اإلساءة والتسّبب بال ّصدمة واإلزعاج ..... 159

الفصل التاسع: طعُم الحرّية؟ ...... 173

الفصل العاشر: سياسات اإللحاد ...... 196

المصادر والمالحظات ...... 213

4

مقدمة

يسوُد اعتقا د في الدول الغربية أن العرب جميعهم مسلمون ومتعصبون دينيا ، لكن الواقع أكثُر تعقيدا من

ن ن ن ذلك، فالمسلمو ليسوا عنص ا ر واحدا فقط، بل هم مذاه ُب شتّى، فمنهُم السّنة وال ّشيعة وال ّسلفيّو والوّهابيّو

والزيديون والصوفي ون والعلويون واإلباضيون واإلسماعيليون وغيرهم؛ كما أن كل عرب ٍّي ليس مسلما ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ُّ ّ

بالضرورة، فهناك الماليين من المسيحيين العرب، وأعدا د أق َّل من الدروِز واليهود، يُضا ُف إلى هذا المزيج

1 عد د مت ازي د من العرب الذين أعلن وا إلحاَدهم مؤخ ا ر، أو انضموا إلى الالأدرّيين ، أو المشّككين بالدْين،

وخصوصا من فئة الشباب.

ق وقد يتواجد غير المؤمنين في الشر األوسط، َم ْن هم في الخفاء في الغالب، ولكْن هم في الفترة األخيرة

بدأوا بالظهور واإلفصاح عن آرائهم مستفيدين من الخدمات التي وفرتها وسائل التواصل االجتماعي من

جهة، واالنتفاضات التي أطاحت بالطغاة العرب، وش ّجعتهم على رفع أصواتهم من جهة أخرى .

في البلدان التي يهيمن الدين فيها على معظم جوانب الحياة اليومية، يسّب ُب التحدي العلني لإليمان والدْين

صدم ة لألسرة والمجتمع وحتى للحكومات، وقد ت َعّ ر َض العديد ممن أقدموا على هذا التحدي لالعتقال

لمجرد البوح بأفكارهم، واض ُط ر آخرون للعيش في المنفى، ناهيك عن تلقي بعضهم تهديدا ٍّت باإلعدام،

1الالأدرية هو االعتقاد بأن وجود هللا والميتافيزيقيات أمو ر ال سبيل إلى معرفتها، وكلمة "الالأدري" تعني "بال دراية أو بال علم"، وبعبارةٍ أخرى هي فلسفة أو مذه ب الديني يعتقد باستحالة التعرف على وجود هللا أو التوصل لهذا اإليمان ضمن شروط الحياة اإلنسانية.

5

ولذلك ُيف ّضل غالبية هؤالء عدَم البوح بمعتقداتهم والتعبيَر عنها خوفا من ردود أفعال األسرة واألصدقاء

وأرباب العمل.

تُمثّل هذه األصوات المعارضة للمعتقدات والتقاليد السائدة مشكل ة للمجتمع المحافظ الذي اعتاد االمتثا َل ِ للعادات والتقاليد، وبدرجة أكبر ت ُسّب ُب تلك األصوات مشكلة لألنظمة االستبدادية التي تُؤس ُس شرعيتها ٍّ ٍّ المزعومة على أسس ومؤهالت دينية، وهي ظاهرة ُيرَّج ُح أ ْن تنمَو رغم الجهود التي تُبذل لقمعها.

لقد أصبح الشباب العربي اليوم أكثر ا ّط العا على العالم الخارجي من األجيال السابقة، وذلك بفضل

اإلنترنت والقنوات الفضائية واالختالط مع ثقافات أخرى نتيجة العيش في ال ُغربة؛ وغالبا ما ُيعّبرون عن ِ ٍّ استيائهم عند مقارنة الوضع في بلدانهم بالوضع في البلدان األخرى، فيأتي رفضهم للدين كَرد فعل على

الواقع الذي يعيشونه، وواحدا من مطالبهم بإجراء تغييرات سياسية واجتماعية واسعة.

ِ وقد كان الدي ُن أحَد أسباب موجة السخط التي اعترت الشباب العربي، وهو أم ر ال مفَّر منه أل ّن الّدين في ٍّ الدول العربية - بعيدا عن كونه مسألة شخصية - أصبح ُمسَّي َسا إلى حّ د كبير ومسؤوال عن الكثير من

القيود االجتماعية التي ت ُتسبب في الكثيَر من اإلحباط، وخاص ة بين الشباب.

ال يهد ُف هذا الكتاب إلى الترويج لإللحاد أو إلى توجيه انتقادات معينة لإلسالم بوصفه الدي َن السائَد في

المنطقة، وانما يهدف إلى د ارسة قضيِة اإللحاد كظاهرة اجتماعية، وتسليط الضوء على أسبابها وعواقبها،

ومناقشة ح ّق غير المؤمنين في أن يعاملوا كما ت ُعامل األغلبية في المجتمع.

ٍّ اليزال الدين ُيعاَم ل عموما كواحد من المقدسات، ليبقى إنكاره أو مواجهته التحد َي األكبر مقارنة بأي قيد ِ ٍّ أو ُم َحَّرٍّم آخر رغم ما شهده الخ طاب العاّم في الدول العربية من انفتا ٍّح كبير خالل السنوات القليلة

الماضية، وما رافق ذلك من تحطيٍّم لكثيٍّر من المحرمات السائدة - حيث أصبح التكلم اليوم ممكنا وعلى

ٍّ المأل في مواضي َع لم يكن الخوض فيها متاحا أبدا قبل عقد من الزمن.

6

ٍّ ِ ُيثيُر ما سب َق ذكرهُ تساؤالت هامة حول أفضل السبل للضغط في سبيل إحداث التغيير، فبعض الشباب

غير المؤمن ممن قابلتهم بغرض تأليف هذا الكتاب يمكن وصفهم كناشطين يشّك كون في الّد ين بجميع

أشكاله، ويت َحّد ونه عالني ة، كما أ ّن هنالك آخرين مّمن يريدون حياة هادئة وحسب، وال يرون حاجة

لإلعالن عن إنكارهم للدْين؛ ولكنهم في المقابل يرفضون أ ْن يتّم إجبارهم على االمتثال للقواعد واآلراء التي ِ ٍّ يفرضها عليهم المؤمنون ؛ إّال أن ك َال ال ّص نفين يواجهان صعوبات كثيرة في ذلك، وقد يصطدمون ببعض

القوانين المعمول بها في بالدهم.

ونتيج ة لذلك يواج ُه غيُر المؤمنين من العرب ص ار َعْين منفصلين، أحدهما ص ارعهم مع الّد ين نفسه،

واآلخر مع المجتمعات والحكومات التي ترفض قبول فكرة إنكارهم للّد ين؛ ويشترك هؤالء )أي غير

المؤمنين( مع الماليين من العرب المتدّينين، ومع األقلّي ات الّد ينّي ة خصوصا ، في سعيهم لنيل حقوقهم

وحرّي اتهم الشخصّي ة؛ كحرّي ة المعتقد وحري ّة الت ّعبير وحرّي ة ال ّض مير.

وقد يجد م ن ال يمتثل للمعتقدات والتقاليد الس ائدة في الش رق األوسط والعالم العربي تحديدا نفسه ضحية ُ َ ْ ُ ّ ّ ّ

لقوانين التجديف والّ رّدة، أو قد يتعرض للت ّحامل والت ّمييز ال ّط ائفيين.

ورغم أ ّن المؤمنين وغير المؤمنين هم على َطرَف ي نقيض فيما يتعلق بمعتقداتهم الدينية، إال أّن هم قد

يجدون أنفسهم في خند ٍّق واحد في معركتهم لنيل حرية المعتقد، لذا فإن مساح ة كبيرة من هذا الكتاب

تخ ّط ت موضوع اإللحاد لتناقش موضوع الحري ّة الّد ينّي ة وهو ما يهّم المؤمنين وغير المؤمنين على حد

سواء.

لكن بالرغم من ذلك تْل قى معتقدات األقلّي ات الدينية قبوال أكثر من اإللحاد في العالم العربي، وهناك بعض

االعتراف بالتنوع الديني؛ على األقل فيما يخ ّص األديان السماوية بالرغم وجود بعض التحامل والتع ّسف

والتمييز ضد أفراد هذه األقليات، إال أن الكفَر الصري َح باهلل يُقاَبل من جهة ثانية بنفوِر عامة الناس من

7

الملحدين، ومن هذا المنطلق، تمثّل المعاملة التي يتلقاها غيُر المؤمنين االختباَر األصع َب فيما يتعلق ِ بحرية المعتقد في الدول التي يهيمن فيها المتدينون على مؤسسات الدولة، فال نستطيع أ ْن نقول أ ّن

الحرية تحققت فعال إال عندما يصبح الملحد مقبوال بين العامة وحين ُيحترم كإنسا ٍّن عادي.

8

الجزء األول: طر ق إلى اإللحاد

الفصل األول: إنكار هللا وهد م المجتمع

ِ ِ في َبلدة قلقيلية الفلسطينية، خطرت فكَرة غريبة لوليد الحسيني، وهو شا ُّب في الخامسة والعشرين من

عمره حين رأى أ ّن الوقت قد حان ألن يكون هلل صفحة خاصة به على موقع "فيسبوك"، فأنشأ تلك

الصفحة وأطلق عليها تسمية "أنا هللا"، وأعلن فيها ساخ ا ر أّن ه هللا، وأنه في قادِم األياِم سوف يتواصل

مباشرة مع عباده من خالل موقع "فيسبوك"؛ ألن قرونا من الزمن مّرت دوَن أن تصل رسالته رغم أنه

أرسل ُ رسال لذلك.

ِ ِ ِ إحدى اإلرشادات اإللهية التخيلية التي كتبها ونشرها الحسيني بأسلوب مشابه ألسلوب القرآن تحرُم شرب

الويسكي ممزوجا بالبيبسي، حيث قال أ ّن "هللا" أمرهم أ ْن يمزجوا الويسكي بالماء بدال من البيبسي، وفي

منشور آخر للحسيني، يَن َص ُح هللا عباده بتعاطي الحشيش.

لم تك ِن السلطات الفلسطينية مسرورة بنشاط الحسيني الحائز على شهادة جامعية من قسم تقنّيات

االتصاالت، وبعد أيام قليلة من نشره تلك المقوالت الساخرة تم اعتقاله بينما كان يلعب الورق في أحد

المقاهي حيث دخل عنصران من الشرطة السرية إلى المقهى واعتقاله، وُ وضع في السجن عدة أشهر،

قضى جزءا منها في الحبس االنف اردي. يعيش الحسيني اآلن في منفاه في فرنسا بعيدا عن عائلته

وأصدقائه.

وقد واجه آخرون مصي ا ر مشابها لمصير الحسيني بسبب منشورات معادية للدين نشروها على شبكة

اإلنترنت؛ أحد هؤالء هو ألبير صابر، وهو مصري سافر إلى سويس ار على إثر زّجه في السجن بتهمة

9

"التهجم على اإلسالم والمسيحية، وازدراء الشعائر والمقدسات الدينية والسخرية منها فضال عن إهانة

األنبياء،" بعد تخليه عن الديانة المسيحية مف ّضال اإللحاد.

وهناك أيضا الطالب المغربي قاسم الغ ازلي الذي كان في المدرسة الثانوية وراح ينشر منشورات عن

ِ ِ اإللحاد على شبكة اإلنترنت دون الكشف عن هويته؛ إلى أ ْن تم كشفه عن طريق ُم درّس ه الذي وّج ه له ِ تهمة "زعزعة الدين"؛ مما دفع بزمالئه إلى قذفه بالحجارة؛ كما أ ّن إمام القرية منعه من دخول المسجد،

فقرر قاسم التوارَي عن األنظار إلى أ ْن حصل على اللجوء في سويسرا، مثله في ذلك مثل ألبير صابر.

ِ ِ أّما الحسيني، فتُعتََبُر حال ُة تحوله إلى اإللحاد حال ة نموذجية بجميع المقاييس، فقد ُ ول َد في فلسطين لعائلة ِ ِ كانت "مسلمة عادية"، على حد وصفه؛ لكّن ه أخذ يطرح في المدرسة اإلعدادية أسئل ة عديدة من قبيل "هل

نحن مخّي ر ون في تصرفاتنا أم مسّي ر ون؟" فوجد الحسيني نفسه ودون قصد أمام مسألة حرية اإلرادة ِ والقضاء والقدر، وهي المسألة الذي شغلت با َل علماء الدين لقرون طويلة، إ ْن كان هللا ُكّل َّ ي المعرفة فإنه

يستطيع التنبؤ باألعمال الشريرة قبل حدوثها، وان كان ُكِّل َّي القدرة، فإنه يستطيع أن يمنعها من الحدوث؛

ِ ِِ إذا ، إ ْن كان الخير صف َة هللا، َف ل َم يرضى الشَّر ل َخْلقه ثم يعاقُب هم عليه؟ وتقول إحدى آيات القرآن: "وما

تشاؤون إال أ ْن يشاء هللا رب العالمين )سورة التكوير: اآلية 29(.

ِِ ِ طرح الحسيني تساؤالته أمام ُمَعّل مه في المدرسة، فكان الجواب أ ْن طرَح مثل هذه األسئلة حرام. يقول

الحسيني: "لم أحصل على إجابة عن أسئلتي، فذهبت إلى إمام البلدة وسألته السؤال ذاته، لكنني حصلت

منه على اإلجابة وردة الفعل ذاتهما، وهي: "ال يجوز طرح مثل هذه األسئلة." تعتبر هذه اإلجابة هي

الشائعة في المجتمعات السلطوّية؛ كما أ ّن عربا كثيرين ممن تركوا الدين سمع وا اإلجابة ذاتها، وهذا ما

دفعهم للبحث عن اإلجابة، وكانت هي العامل الرئيس في دفع بعض الشباب المسلم أ ْن يسلك طريق

اإللحاد.

10

ِ ازداد فضول "الحسيني" يوما بعد يوٍّم، ف ار َح ُيفتّ ُش عن اإلجابة باحثا في الكتب؛ يقول الحسيني:

ِ ِ ِ ِ ِ "ذهب ُت إلى مكتبة المدرسة ، والى المكتبة العامة الموجودة في مدينتي التي بإمكانك أ ْن

تجد فيها الكثير من الكتب الدينية، ولكن يستحيل العثور على أي كتاب ينتقد الدين. لقد

ِ قضي ُت نحو أربعة أعواٍّم في البحث، وكلما تعمقت بشكل أكبر كلما اكتشف ُت أمو ا ر لم أكن ِ أعرفها من قبل، وبدأ ُت باالبتعاد عن الدين شيئا فشيئا حتى ترك ُت اإلسالم في السنة

األولى من الجامعة."1

ٍّ ٍّ ربما لبساطته، لم يجد "الحسيني" أ َّي شيء غري ٍّب في الق ارر الذي ْاتخذه، حيث كان على د ارية أ ّن كثي ا ر

من الكتاب الفلسطينيين المشهورين طرحوا أسئل ة تخ ُّص الدين من بينهم إدوارد سعيد )الذي أعلن بص ارحة

ِ ِ أنه ال أدرّي (، والشاعر محمود درويش والروائي غسان كنفاني )الذي كان عضوا بار ا ز في الجبهة العامة ِ لتحرير فلسطين(، لكن عندما أخبر الحسيني زمال َءهُ في الجامعة أنه ترك اإلسالم، شعر بالصدمة إزاء

ردة فعلهم حيث قالوا له: "هذا ال يجوز، هذا حرام، افعل ما تشاء ولكن ال تتخلى عن اإلسالم." َق َص َد ٍّ "الحسيني" بعض الشيوعيين باحثا عندهم عن شيء م َن التشجيع، ولكن ردة فعلهم كانت متشابه ة حيث

قالوا له: "ال يجوز لك ترك اإلسالم، نحن ال نأخذ من الشيوعية إال طريقتها في القتال."

لم تثنه ردوُد الفعل تلك عن هدفه، فأنشأ مجموع ة من المدّونات إحداها باللغة العربية تدعى "نور العقل" ِ وُمَدوَن ة أخرى باللغة اإلنكليزية سّماها "الملحد الفخور"، يقول الحسيني: "بدأ ُت بالكثير م َن النقاشات في

تلك المدونات، ك ُّل ما كنت أصبو إليه كان الوصوَل إلى الحقيقة، ولم تكن النقاشات كثيرة ، ولم يتابعني

أحد في بادئ األمر". وكتب "الحسيني" في إحدى المدونات منشو ا ر في أواخر شهر آب/أغسطس سنة

2010، قبل شهرين من اعتقاله:

11

ن ِ ِ "يسألني المسلمو عادة لَم تخليت عن اإلسالم؟ الشيء الذي صدمني هو عدم َقبُول

المسلمين فكرة أ ّن ترَك اإلسالم هو خيا ر متا ح لكل شخ ٍّص، ولكل شخ ٍّص الح ُّق في

ن ِ اختياره، كما أنهم يعتقدو أن ك َّل من يتخلى عن اإلسالَم هو عمي ل أو مخب ر للدول ِ ٍّ الغربية وبشكل أساس ٍّي عمي ل إلس ارئيل، وبأن من يترك اإلسالم يحصل على مبالغ مالية

كبيرة من حكومات تلك الدول لقاء الخدمات السرية التي يقوم بها. ال يستوعب المسلمون

أ ّن الناس أح ار ر في أفكارهم ومعتقداتهم بالشكل الذي يرونه مناسبا . أرد ُت التوضيح

بكتابتي لهذا المقال أ ّن الديانتين المسيحية واليهودية ليستا أفضل من اإلسالم، وعلى

القارئ أال يظن أنني أرفض اإلسالم وحده من بين الديانات األخرى، بل أعتبر أ ّن جميع

2 الديانات أساطي ر تعصف بالعقل، وركا م من اله ارء تتنافس."

ِ ق ات ُهَم الحسيني بإهانة اإلسالم، والتهجم على الديانات، والتحريض على الصراع الديني، واستغر األمر

أربع َة أشهٍّر ليتم تحويله إلى المحاكمة. يقول الحسيني أنه حضر أمام المحكمة أكثر من عشر م ار ٍّت ؛

وفي كل مرة كان يتم تأجيل النط ِق بالحكم. ويعتقد أن سبب اعتقاله سياسي أكثر من كونه دينيا؛ أال وهو ّ نتيجة التنافس بين السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية وحركة حماس اإلسالمية في قطاع غزة، حيث

ٍّ وّج هت حماس اتهامات للسلطة الفلسطينية بأنها لم تكن متدّي نة بالقدر الكافي، لذلك أخذت السلطة

الفلسطينية على نفسها محاولة إظهار بعض االستحقاق والشرعية الدينية.

يضيف الحسيني:

"خالل األشهر األربعة األولى لم أكن أنام سوى ساعتين أو ثالث ساعا ٍّت في كل ليلٍّة،

وأقضي بقية الوقت أجيب عن تساؤالتهم واقفا على قدمي، وكانت أسئلتهم: من كان يدفع ّ لك؟ هل تتعامل مع الموساد )المخابرات اإلسرائيلية(؟ هل تعمل مع آخرين؟ كان جوابي

12

ال، كل ما أقوم به هو كتابة مقاالتي وأفكاري، هذا كل شيء. كما اعتقدوا أنني أحص ُل

على تمويل من بعض الحكومات فتحققوا من حسابي المصرفي . بقيت طيلة تلك الشهور ّ

األربعة على هذه الحالة وحيدا طوال الوقت."

"اّد عوا أنهم اعتقلوني خشية أن يقتلني شخ ص ما؛ لك ّن ذلك كان جزءا من الحملة

اإلعالمية التي أطلقوها لتبرير احتجازي. قل ُت لهم: كيف تقومون بحمايتي؟ إن كن ُت

ِ ن موجودا هنا من أجل سالمتي، َفلَم ال تسمحو لي بالنوم إذا ؟ ولماذا تسألونني كل هذه

األسئلة؟ ولماذا تأخذونني إلى المحكمة؟"

ِ ِ أُطل َق س ار ُح الحسيني بعد احتجاز استمّر عشرة أشهٍّر ، و ُطلب منه أال يستخدم اإلنترنت وأّال يُجري ٍّ اتصاالت بهاتفه النقال، كما كان عليه أ ْن يراجع مخفر الشرطة في كل مساء.

لم تكن تلك نهاية المشكلة آل ّن السلطات الفلسطينية كانت تعتقل الحسيني في كل مرة يتم فيها نشر أ َّي

شيء يهاجم اإلسالم ألنه أصبح موض َع ُشبهة، فيقول: "كانوا يعتقلونني في أمسيات الخميس ألن

المحكمة تأخذ عطلة في يومي الجمعة والسبت فأقضي الوق َت في المعتقل، ويطلقون س ارحي يوم األحد ِ ِ معلنين ب ارَءتي وهكذا؛ إلى أ ْن أخبرتني ص َحفَي ة أمريكية في القدس كنت على تواصل معها أنه ربما يجب

علي التفكير بالسفر." ّ

سافر الحسيني بعد ذلك إلى األردن ب ا ر وطلب المساعدة من السفارة الفرنسية، ويقول: "علم ُت أ ّن فرنسا

كانت تمارس ضغوطا على السلطة الفلسطينية بعد أ ْن سمعوا بقصتي، فحصل ُت بعد بضعة أيام على

تأشيرة تسمح لي بالعمل والعيش في فرنسا."

ٍّ ٍّ ِ ِ تعّرض ألبير صابر الملحد المصرّي المنحدر من عائلة مسيحية قبطية إلى النفي أيضا ب َسَبب منشو ارته

على شبكة اإلنترنت. يقول صابر: "بدأت بالحديث عن الدين والسياسة عندما كنت في السنة الجامعية

13

األولى؛ حيث كان لدي صفحة بموقع "Geocities" على شبكة اإلنترنت؛ نشرُت بعض المقاالت فيها

بهدف مشاركة أفكاري ."

عندما انتشرت آ ارؤه في جامعة بني سويف ارح اإلسالميون يهددونه، وتعرض بحسب زعمه لثالث

ِ محاوالت اغتيال، وعندما أخبر صابر َحَرَس الجامعة بذلك؛ نصحوه بترك د ارسته بدل أن يأمنوا له

الحماية، وقالوا له: "عليك أال تأتي إلى الجامعة مرة أخرى، نحن ال نستطيع أن نحميك أو ندعمك، عليك

أن تغادر الجامعة." أخذ صابر بنصيحتهم وأنتقل إلى جامعة أخرى محوال د ارسته من الفلسفة إلى علوم

الكمبيوتر، لكن متاعبه تجددت بعد ثورة 2011 في مصر عندما لفتت منشوراته على اإلنترنت انتباه َ

اإلسالميين من جديد، وأراد الكثيرون في حينها تناقل األشياء السيئة عنه.

في سنة 2012 َسَّب َب انتشار مقطع فيديو مدته 14 دقيقة تم إنتاجه في الواليات المتحدة بعنوان "براءة ٍّ ِ المسلمين" مظاه ارت في الكثير من الُدَول المسلمة، وتم محاصرة السفارة األمريكية في القاهرة من قبل

المتظاهرين، كما انتشرت موجا ُت شغ ٍّب في العالم خّلفت نحو 50 قتيال .

ِ ُيظهر الفيلم عدا ء واضحا للمسلمين، وقد ُنشَر على موقع يوتيوب بهدف الترويج لفيلٍّم طويل، ووصفته

مجلة "Vanity Fair" في أحد مقاالتها بأنه "ليس إال فيلم هواة؛ حيث تبدو حواراته َغيِر مت اربطة؛ كما أ ّن

الطريقة التي ُحرر فيها الفيلم تبدو متقلبة، وأدا ؤه ميلود ارميا حتى في اللقطات الصامتة. من الواضح أ ّن ٍّ هدف الفيلم كان اإلساءة إلى المسلمين عن طريق تصويِر النبي محمد بأنه مجر م متعط ش للدماء، وزيُر ٍّ ٍّ ٍّ 3 نساء ومنجذ ب جنسيا لألطفال وذو رغبات جنسية متنوعة."

ٍّ أثارت األخبار التي تم تداولها عن الفيلم إشاعات كثيرة في مصر؛ فقد ذكرت بعض المواقع اإلسالمية أ ّن

ٍّ مقطع الفيديو هذا هو تروي ج لفيلٍّم طويل مدته ساعتان سُي عرض مجانا بجميع دور السينما في الواليات

المتحدة األمريكية بتاريخ الحادي عشر من أيلول )الذكرى السنوية لهجمات أيلول/سبتمبر 2001(. يقول

14

ِ صابر إن الكثير من أصدقائه سألوه عن الفيلم، ويضيف أن الشائعات التي د ارت حول الفيلم غيُر

صحيحة، فأ ارد أ ْن يوضح الصورة، فقال:

"قمت بمشاركة هذا الفيلم على اإلنترنت لشرح قصته الحقيقية، وليس بهدف إهانة

ٍّ ٍّ ِ المسلمين، حيث أ ّن الفيلَم كان مجرد قصة مزيفة ، وأ ّن مقطع الفيديو الذي ُنشَر ردي َء

التصوير أكثر من كونه فيلما وذو جودة منخفضة؛ كما أ ّن القصة كانت بالغة السوء."

بعد أيام قليلة انتشرت صورة صابر، ورقم هاتفه، وعنوان منزله على شبكات التواصل االجتماعي، فيقول:

"راح الناس يتصلون بي ويرسلون لي رسائل يهددوني فيها بقتلي وبمعاقبتي من قبيل:

ٍّ "سوف نأتيك إلى منزلك." كما زعموا أنني أسي ُء إلى اإلسالِم ، وأشيا َء أخرى مشابهة .

أجبتهم أ ّن هذا غير صحيح، وبأنني ال أسيء لإلسالم، وأ ّن لدي مدون ة وبإمكانهم ق ارءة

كتاباتي ومشاهدة مقاطع الفيديو التي قمت بنشرها، وشرحت لهم بأ ّن كل ما أقوم به هو

المقارنة بين األديان ألنني درست الفلسفة والديانات؛ وهذا سبب مناقشتي لها."

اجتمع حش د من نحو 200 إلى 300 شخص أمام منزل صابر، مما استدعى اتصاله بالشرطة؛ لكنهم لم

يهتموا بذلك بادئ األمر، ولكن وبعد مضي نصف ساعة بدأ الحشد بتحطيم باب منزله، فاتصل الجيران

بالشرطة مرات عدة، واعتقلت الشرط ُة صابر فور وصولهم، وات ُّهم وه تحت المادة 98 من قانون العقوبات

ِ ٍّ المصري التي تجّرُم استخدام الدين "لشحن األفكار المتطرفة بنية إحداث العصيان، أو إهانة ديانة ِ ِ إبراهيمية، أو إضعاف اْلُلحمة الوطنية ،" ووفقا لعريضة االتهام ُذكر أ ّن صابر قام "بإهانة هللا، والتشكيك ِ بكتب الديانات اإلبراهيمية، وانكار وجود هللا وخلقه للبشر،" وتمت إدانته، وُحكَم عليه بالسجن لثالث ٍّ سنوات، لُي ْف َرَج عنه بكفالة مالية سافر بعدها إلى سويسرا.

15

من الصعب تجنب الدين في الشرق األوسط، حتى بالنسبة لمن يحاولون ذلك، فمآذن الجوامع تصَدح ِ ِ ِ باألذان للصالة، كما أ ّن لحى الرجال، وُخُمَر النساء، واالستخدام المستمر للمصطلحات الدينية في

األحادي ِث اليوميِة تظهر مقدار االلت ازم الديني في هذه المنطقة.

إ ّن لمعظِم الدول العربية ديان ة رسمي ة وقوانين تمت صياغتها تبعا لمفاهيَم دينية، وُي عتبر االنتماء الديني ِ ِ ِ ِ في بعض الدول أم ا ر بال َغ األهمية لدرجة ذ كره في الهوية الشخصية ؛ كما أ ّن الخيا ارت مقصورة على

ِ ٍّ الديانات المعتَ رف بها رسميا ؛ وفي بعض األحيان ليس هنالك مجال لالختيار بين الديانات أصال ، حيث ٍّ تقرر الدولة ديانة الفرد تبعا لدين والديه، كما ُي عتبر تغيير ديانة الفرد من ديانة إلى أخرى أم ا ر صعبا ، ٍّ وربما غير قانوني، كما أ ّن الزواج في م ارسٍّم ال دينية يمك ُن أ ْن يكوَن مستحيال دوَن السفر إلى الخارج.

ق ٍّ ٍّ الستحواَذ الدين على الناس في الشر األوسط جذو ر تاريخية؛ فقد ُولدت ثالث ديانات رئيسية في هذه ٍّ ٍّ ٍّ المنطقة؛ هي اإلسالُم والمسيحي ُة واليهودية. تّدعي جميع هذه الديانات أّن ها على عالقة خاصة مع كائن

عظيٍّم يتصف بأنه أزلي كِلي القد ِرة ومطلق الحكمِة ؛ لكن البشر العاديين ال يستطيعون رؤيته. تنافس هذه ّ ّ ُ َ ُ ّ ُ

الديانات التوحيدية بعضها بعضا بالرغم من القواسم المشتركة فيما بينها؛ كما أ ّن هنالك تنافسا بين ِ الطوائ ِف الموجودة في الديانة الواحدة، وتأويالت متضاربة إل اردة هللا من قبل أولئك الذين يّدعون معرفة ِ ِ الحقيقة المطلقة ، مما أدى إلى سفك الكثير من الدماء على مّر العصور.

في الدول التي تَمتاُز بالتنوع الديني كلبنان وسورية والعراق، يتم التقسيم الطائفي تبعا للجغ ارفيا ومكان

الوالدة والمعتقد، وتتم اإلشارة إلى القرى والبلدات واألحياء تبعا للطائفة السائدة فيها: فهناك السنية

والشيعية والمارونية والدرزية والعلوية...إلخ. إن السؤال الذي يسأله اللبنانيون مثال عندما يريدون التعر َف

على بعضهم بعضا : "من أي منطقة أنت؟" ُيعتبر الطريقة المؤدبة للسؤال عن الديانة أو الطائفة أو اآلراء

السياسية أحيانا .

16

هذا ال يعني أ ّن العرب ذاتهم لم يطرحوا تساؤالت عن الدين وتأثيره القوي في الشرق األوس ُط ، حتى من

بين الذين لديهم ميو ل دينية. إ ّن الدعوة إلى حرية المعتقد والدولة العلمانية والقضاء على الطائفية ال تعني

بالضرورة أ ّن من يدعو لذلك يفتقر إلى اإليمان، وقد ازدادت النقاشات التي تخص هذه المواضيع بعد

اندالع الثو ار ِت العربية.

ولكن ماذا عن هؤالء الذين يريدون الهرو َب من الّدين هروبا كليا ؟ إ ّن العرب غير المؤمنين والملحد ون

والالأدري ون هم جزء من ظاه ٍّرة جديدٍّة ، ولكن أعدادهم في ازدياد، وقد ارتفع صوتهم مؤخ ا ر وبدأوا بالظهور

بفضل اإلمكانيات التي أتاحتها شبكة اإلنترنت، وهم ال ينادون بحرية الدين فحسب بل بالتحرر من الدين

كليا ، وهذه خطوة أكثر ارديكالية بكثير.

إ ّن اإليمان باهلل أو عدم اإليمان به، وممارسة الشعائر الدينية أو عدم ممارستها هي مسائ ُل داعب ْت أحيانا

عقول الماليين من الناس قبل اتخاذ القرار بسنوات. ُي عتبُر هذا األمر ق ار ا ر شخصيا في مناط َق كثيرة من ٍّ العالم وال يحق ألحد التدخ َل فيه، ولكن في المجتمع العربي ُي عتَب ر التصريح العلني بالكفر باهلل، أو برفض

الدين أم ا ر صادما ، أو خطي ا ر في بعض األحيان، ونتيج ة لذلك اختار الكثيرون إبقاء إلحادهم طي الكتمان

لعدم إغضاب أسرهم.

ويتبنى من لديهم الجرأة للمجاهرة بإلحادهم اللغ َة التي يستخدمها المطالبون بحقوق المثليين جنسيا ،

ويقولون إ ّن هذا األمر سيتك ّشف ويبرز أكثر في المستقبل. هنالك تشابه بين اإللحاد والمثلية الجنسية؛

حيث ت ُعتبر من المحرمات في المجتمع العربي ولها ذات العواقب في حال اإلعالن عن أ ّي منها، ويمكن ِ ِ ِ ِ أن يؤدي ذلك إلى النفي من قَبل العائلة واألصدقاء والمجتم ِع المحل ِي، فضال عن االصطدام بالقانون .

ِ من الطبيعي أن تقلق العائالت المتدينة عندما تعرف أ ّن أحد أحبائهم قد ُقّد َر له أ ْن ُيعاق َب بالدخول إلى

الجحيم، وبالنسبة للعربي الذي ترك اإلسالم؛ هناك بعض التعقيدات األخرى التي عليه مواجهتها، فالدين

17

في الوطن العربي ال ُيعتبر مجرد مسألة إيما ٍّن أو كفر، وال يُن َظر إليه بالضرورة على أّن ه حري ة شخصية،

كما أ ّن لإلسالم منا ٍّح اجتماعية قوية مبنية على مصطلح األمة، وأقصُد بها مجتمع عموم المؤمنين،

ويميل هذا المجتمع إلى النفوِر من التعبير عن الحرية الفردية، والشذوذ عنه، حيث يجب على األف ارد أ ْن

يتجمعوا ويتصرفوا - أمام العامة على األقل - بطرٍّق تتماشى مع روِح المجتم ِع اإلسالمي، وعندما

ٍّ ِ ِ يتصر ُف الفرُد بشكل ال يتواف ُق مع قواعد السلوك العامة - وخاص ة إذا ما جاهر بذلك - فسُين َظُر إليه ِ على أنه مَدم ر لتماسك المجتمع وتضامنه.

ِ ِزْد على ذلك أ ّن الدي َن في الشرق األوسط غالبا ما يشك ُل مكونا أساسيا في شعوِر النا ِس بالهوية ؛ ففي ٍّ ٍّ استطالع أر ٍّي أُجري في س ّت دول عربية َوَجَد المستطلعون في أرب ٍّع منها وهي األردن والمغرب والسعودية ِ ِ ِ ِ ِ واإلما ارت أ ّن مصطل َح "الهوية اإلسالمية" يتقدم على مصطل ِح "الهوية الوطنية"، و"الهوية العربية"، أما في

4 مصر ولبنان فقد أتت "الهوية الوطنية" في المقدمة بحسب االستطالع نفسه . إ ّن هذا األمر يضفي ُبْعدا ِ سياسيا لدور الدين في المجتمع العربي، حيث ُيعتَبُر اإلحياء اإلسالمي وصعود الحركات اإلسالمية في

أواخر القرِن العشرين إحدى الوسائل الدفاعية، أو بمعنى آخر، ت عتبر ردة فع ٍّل على تهديٍّد حقيقي من ُ ُ َ ّ

الخارج عموما ، ومن الغرب خصوصا .

تعود بدايا ُت هذه النزعة إلى الهزيمة المدوّي ة التي تلقاها العرب في حرب 1967 ضد إسرائيل، حيث كان ِ لتلك الهزيمة صدمة نفسية كبيرة، واعتبر اإلسالميون انتشاَر القومية والعلمانية واالبتعاَد عن الطري ِق

المقّد ِس أحد أهَّم أسباب تلك الهزيمة، وقد عززت الكثير من األحداث الالحقة األخرى فكرةَ أ ّن وقوف هللا

إلى جانب المسلمين تجعل خسارتهم في حروبهم أم ا ر مستحيال ، ومن األمثلة على ذلك الثورة اإلسالمية

في إيران ونجاح "المجاهدين" في دحر القوات السوفييتية في أفغانستان في أواخر الثمانينيا ِت من القرِن

العشرين وانسحاب إسرائيل من جنو ِب لبنان الذي اعتبرته حرك ُة المقاومِة الشيعية "حزب هللا" انتصا ا ر لها.

18

ِ إ ّن التركيَز على المظاهر الخارجية هو أحُد نتائ ِج اعتبار الدين سم ة من سمات الهوية، فلكي نربط الدين

بالهوية ربطا وثيقا ُ، ال بّد من التعبير عن الّد ين بشكل واضح، ومن العالمات المميزة لذلك هو ازدياُد عدد

النساء اللواتي يرتدين الحجاب مقارن ة بعدده ّن في خمسينيات وستينيات القرِن العشرين، كما يؤدي ذلك ِ ِ إلى التركيز على أد ّق تفاصيل الشعائِر الدينية، فغالبا ما توصف قواعُد السلوك الصحيحة في اإلسالم

بأد ِق تفاصيلها وباالستناد إلى أبسط أدلة من القرآن، وينطبق هذا األمر على مستوى المجتمع بمحاوال ٍّت

ٍّ ٍّ لوضع قواعَد إسالمية واضحة في المجال العام؛ إما من خال ِل االقتداء باألق ارن، أو عن طري ِق فرضها

بالقوة.

ِ ِ أض ْف إلى ذلك مشكلة ال ُرهاب من اإلسالم )اإلسالموفوبيا( والتي انتشرت خصوصا بعد هجمات تنظيم

القاعدة في نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من أيلول/سبتمبر سنة 2001، كما أ َّن تصويَر ك ّل مسلٍّم

على أن ه إرهابي محتمل، وحجز المشتبٍّه بهم في معتقل "غوانتنامو"، واالعتداءا ِت المتكررة ضد المسلمين، ّ ُ َ َ َ

والتمييز المماَ رس بحقهم أدى إلى خلق حساسيات كثيرة، وعزز من المزاعم القائلة بأ ّن المسلمين عموما

معرض ون لالعتداء. وفي منا ٍّخ كهذا سوف ت ُفهم محاوالت التشكيك بالقرآن وتعاليمه على أنها ضر ب من

التحريض.

إ ّن ما سب َق يوق ُع العرَب الذين يقّ ررون اإللحاد في مشاك َل جّمة، فهناك الص ارع الفكري بين اإليمان ٍّ واإللحاد، لكن ال يمكن ببساطة فص ُل هذا عن المشاكل األخرى الم ارفقة للدين في الشرق األوسط. إ َّن

العرب الذين يتخلون عن اإلسالم ُيتَّهمون بأنهم يخونوَن هويتهم وثقافتهم، والملحدون عندما يؤكدون على

حقهم في اإللحاد فهم يؤكدون على حقهم في حرية التفكير واالعتقاد، وهو حق يملكه الجميع، حتى

األف ارد األكثر ورعا وتقوى .

19

ق ُي عتبر جمي ُع المواطنين في المملكة العربية السعودية مسلمين رسميا سوا ء ارق لهم ذلك أم لم ير ، وُي منع

ممارسة أيِة ديانة أخرى هناك، وتحاول السلطات السعودية أن تصور المملكة على أنها بلد وِرع وتقي إلى ّ ْ َ َ ّ ٍّ ِ حّد ُيفَر ُض فيه على أصحاب المحا ّل التجارية إغالُق ها في أوقات الصالة، كما يتوجب على السعوديين

التقُّيَد بقواني ِن اللبا ِس والسلوك اإلسالمي. غير أ ّن استطالعا لل أري أج اره معهد WIN/Gallup"

"International الدولي زعزع م ازعم المملكة بالقداسة، وقد دار االستطالع حول الدي ِن واإللحاِد ، وشمل

57 دول ة من بينها المملكة العربية السعودية، وأظهر أ ّن 19% مّم ن تَّم ت مقابلتهم في السعودية قال وا

5 أنهم غير متدينين كما وصف 5% منهم أنف َس هم أّن هم مقتنعون باإللحاد ، وقد كانت نسبة الذين عَّرفوا عن

أنفسهم في المملكة العربية السعودية بأنهم ملحدون ، األعلى بين جميع الدول اإلسالمية التي شملها

االستطالع. توضح هذه األرقام - إ ْن ص َّح ْت - أ ّن رب َع ُسكان المملكة على األقل ممن يسكنون في ِ المدن التي أُجري فيها االستطالع ليس عندهم أ َّي اهتماٍّم معّي ن بالدين، وأ ّن شخصا من بين ك ّل عشرين

شخصا ليس ملحدا فحسب وانما على استعداد لإلفصاح عن إلحاده أمام القائم على استطالع الرأي ذاك؛

رغم اعتبار االعت ارف باإللحاد واحدة من الج ارئم التي ُيَعاَق ُب عليها باإلعدام في المملكة العربية السعودية.

ٍّ وعلى إثر االستطالع راح رجال الّد ين في المملكة يفكرون مليّا في كيفية وضع حّد النتشار اإللحاد بدال َّ ِ من مناقشة نتائج االستطالع كما ُيفتَر ُض بهم فعله، واستهل ْت مقال ة ُنشَرت في صحيفة "الوطن" السعودية

بما يلي:

"علينا محاربة ظاهرة اإللحاد عن طريق إطال ِق مباد ار ٍّت تقضي عليها في ب ارعمها، وذلك

ٍّ ٍّ قبل أ ْن تستفحل في قلوب أبنائنا وبناتنا، وال يمكننا تنفيذ ذلك إال بإطالق حملة وطنية

شاملة. إ َّن الشباب السعودي ينغمسون في مستنقع اإللحاد المظلم عند ت َصّف ِح مواق ِع

20

ِ التواصل االجتماعي فيقرؤون ما يكتبه الملحدون ؛ كما أ َّن الطال َب المبت َعثين الذين

يدرسون في الجامعات الغربية يخوضون حوا ار ٍّت حول اإللحاد مع أساتذتهم."

ِ ٍّ ٍّ واخت ُتَم ت المقالة بالّد عوة إلى وضع خ ّط ة است ارتيجّي ة وطنّي ة لمحاربة اإللحاد وحماية الّد ين حيث تقول:

"ما يحدث اليوم في الساحة من جهوٍّد للتصدي للمالحدة الجدد، إنما هي مباد ار ت فردية ِ محدودة، والقضية تحتاج لوقفة المجتمع كّله، ال أ ْن ت ُتَ رُك لُف اردى الدعاة واجتهادات طلبة

العلم العشوائية على فضلها ونفعها وخيرّي تها، ولكنها محدودة التأثير. ال بد لهذا المل ّف ٍّ ٍّ من است ارتيجّي ة وطنّي ة تتبناها المؤسسات الشرعية في بالدنا وتقوم بدورها وواجبها في

حماية دين هللا، فكما قمنا بحملة ضد التطّ رف الديني، وكشف منابعه وجذوره، علينا اليوم

كمجتمع التصدي لظاهرة التطرف المضاد المتمثل في هؤالء المالحدة الجدد. لع َّل و ازرة

الشؤون اإلسالمية ووزيرها الفاضل معالي الشيخ صالح آل الشيخ، يتبنى هذه المسؤولية،

عبر وضع است ارتيجيات ُكْبرى، لح ْم لة مرّكزة ضد اإللحاد القادم، واالستعانة بخب ارء

متخصصين في التخطيط، إ ْن كان بإنشاء مراكز متخصصة في محاورة الشباب،

واشهارها إعالميا كي يسهل الوصوُل إليها، أو ببث برامج تلفازية في القنوات العامة ....

أميل إلى إنشاء قناة فضائية متخصصة، والتركيز على إنتاج برامج علمية تناقش

ٍّ ُّ ِ بأسلوب عصرّي كل الش َب ه التي يلقيها شياطين اإللحاد على شبابنا... إ ّن معالجة الداء

في بداياته أسهل بكثير قبل أ ّن يستفحل كالسرطان في الجسم، ونندم حينها على عجزنا،

والت ساعة مندم."6

قد تبدو دعوة كاتب المقال إلى معاملة اإللحاد معامل َة اإلرهاب أم ا ر مثي ا ر للسخرية بعض الشيء، لكن

السلطات السعودية كانت قد بدأت بد ارسة هذِه الفك ِرة بجدية، حيث أعلنت في شهر كانون الثاني/يناير

21

ٍّ ٍّ ٍّ سنة 2014 عن قانون فضفاض جديد ضّد اإلرهاب يح ُظر الدعوة إلى اإللحاد بأ ّي شكل كان، كما ِ 7 يحظر التشكيك في أساسيات الدين اإلسالمي التي بُنيت عليها المملكة .

تعتبر مساواةُ اإللحاد باإلرهاب في المصطلحات السعودية أم ا ر فيه بع ُض المنط ِق ألن اإللحاد يشكل

تهديدا للمبادئ األساسية للدولة السعودية، فالقانوَن األساسي لسنة 1992، أو ما يشبه الدستور، يربط

وبقوة ما بين اإلسالم والدولة:

ٍّ المادة األولى )1(: "المملكةُ العربية السعودية" دول ة إسالمي ة ذا َت سيادة تامة، دينها اإلسالُم ِ ودستورها كتا َب هللا تعالى وسنة رسوله صلى هللا عليه وسلم...

المادة السادسة )6(: يبايع المواطنون المل َك على كتاب هللا تعالى، وسنة رسوله، وعلى

السمع والطاعة...

المادة السابعة )7(: يستمد الحكُم في المملكة العربية السعودي ُة سلطتَ ُه من كتاب هللا تعلى،

وسنة رسوله.

المادة الثامنة )8(: يقوم الحكم في المملكة العربية السعوديةُ على أساس العدل والشورى

والمساواة وفق الشريعة اإلسالمية.

المادة التاسعة )9(: األسرة هي نواة المجتم ِع السعود ِي، ويرّبى أف اردها على أساس العقيدة

اإلسالمية.

المادة الحادية عشرة )11(: يقوم المجتمع السعودي على أسا ٍّس من اعتصاِم أف ارِده بحبل

هللا، وتعاونهم على البِّر والتقوى، والتكافل فيما بينهم، وعدم تفرقهم...

المادة الثالثة عشرة )13(: يهدف التعليم إلى غرس العقيدة اإلسالمية في نفوس الَّن ْشء...

22

ن ِ المادة الثالثة والعشرو )23(: تحمي الدولة عقيدة اإلسالَم، وتُ َطب ُق شريعته، وتأمر

بالمعروف وتنهى عن المنكر، وتقوم بواجب الدعوة إلى هللا8.

ال يستطيع الملحدون تقُّب َل ذلك إذا ما أ اردوا التمسك بمبادئهم، كما ال تستطيع المملكة َقبُوَل اإللحاد دوَن

تغيير األساسات التي بنيت عليها، ومن الصعب توُّقع ح ٍّ ل لهذه المشكلة دون إحداث تغيير سياس ٍّي ُ َ ُ ّ َ ّ

جذرٍّّي .

تَْعلُم الحكومة السعودية أ ّن بإمكانها التأثير في تفكير الناس لكنها ال تستطيع التحكم به تحكما مطلقا ، لذا ٍّ ِ فهي تستمر في فرض قواعَد سلوك إسالمية وفي نفس الوقت تُ ْسك ُت أصوات غير المؤمنين، غير أ ّن

بعض رجال الدين يشككون في نجاح ذلك على المدى الطويل.

يقول غازي المغلوث األستاُذ في قسم الثقافِة اإلسالميِة في جامعة األحساء في حديثه لصحيفة Saudi

Gazette: "سيكون لقمع الملحدين ومهاجمتهم نتائ ُج عكسية على األرجح، حيث سيؤدي ذلك إلى

تصرف الشبا ِب بعنف، فضال عن زيادة تعلقهم باإللحاد، ولذا فمن المهم جدا أن نحاو رهم وتناقشهم

بطريقة ودية، فالفوز بالقلوب أهم من احتالل المدن."؛ في حين دعا يوسف الغامدي أستاذ العقيدة في

جامعة أم القرى إلى الدخول في حوا ارت "مقنعة ومؤثرة" مع هؤالء الشباب، ويرى أ ّن "اإللحاَد ظاهرة فكرية

ال سلوكية، لذا يجب التعامل معها بطريقة فكرية.9

كما أ ّن السعوديين ارحوا يتساءلون عن سبب ظهور اإللحاد في المملكة، فبعضهم ألقى بكامل اللوم على

التأثير الغربي واالخت ارعات الحديثة مثل ألعاب الفيديو، لدرجة أ ّن أحدهم يرى "أ ّن أعداء اإلسالم

يستخدمون هذه الحيلة لتضليل األطفال السعوديين عن طريق األلعاب التي تر ّوج لإللحاد وال ّش رك وتهدف

إلى حرفهم عن دينهِم ."10

23

إحدى النظريات األخرى ، والتي تبدو معقول ة أكثر، ترى أ ّن سبب ابتعاد السعوديين عن الدين هو الطريقة

التي يدَّرس فيها هذا الد ين والمواقف الرجعية وغالبا الرجعية بشكل هزلي ، والتي تصدر عن الكثير من َُ ُ ّ ّ

رجال الدين في المملكة، فقد أشار أحد الكت ّاب في صحيفة المدينة إلى إجبار طالب المدارس على حفظ

قوائم طويلة من المحرمات، ولكن عندما يتركون المدرسة يجدون أ ّن الكبار يخرقون هذه القوانين

باستمرار. يقول الكاتب:

"بينما يكبر أطفالنا يشاهدون تناقضا كبير بين ما يتعلمونه في المدرسة، وبين ما

يشاهدونه في الحياة العملية؛ فهم يشاهدون البالغين يرتكبون يوميا تصرفات تتنافى مع

اإلسالم، فمثال يالحظ الطفل والَده يتكاسل عن الذهاب إلى المسجد ألداء الصالة عند

سماعه األذان؛ غير أ ّن هذا الطالب يتعلم في المدرسة أ ّن عدم تأدية الصالة على وقتها

يعتبر نوعا من الكفر، كما يتعلم الطالب والطالبات أ ّن الترفيه ح ار م، في حين أّن هم

يشاهدون عددا كبي ا ر من الرجال والنساء الذين يذهبون إلى حدائق التسلية أو حتى

يسافرون خارج المملكة لغرض الترفيه."11

يعتقد الملحُد السعود ُّي عمر هادي أ َّن نسبة المرتدين عن الدين ربما تكون أعلى مما ظهر في استطالع

الرأي الذي أجراه معهد "WIN/Gallup International"؛ رغم أ ّن بعض الذين جاهروا بتخليهم عن

الدي َن قد قاموا بذلك "كردة فعل عكسية" للقيود المشددة التي يفرضها المجتمع السعودي على المواطنين،

ويرى عمر، )اسمه مستعار(، أنه إذا ما انتقل ذا ُت األف ارد إلى بالد الغرب فلربما يعودون إلى اإلسالم من

جديد، ويضيف قائال :

"إ ّن الشكوك التي انتابتني هي في ازدياد بسبب الطريقة التي تعلمنا بها، ورغم المحاوالت

المتكررة لتقديم الشرح الكافي لكنها لم تكن منطقية، وحينئذ أمرونا أن نغلق أفواهنا وأن

24

نقبل األمر كما هو. عليهم إقنا ُعنا من خالل تدريس الدين بطريقة فيها لباقة أكثر، ربما

تنجح هذه الطريقة مع أغلب الناس، ولكن سوف يبقى هناك بع ض ممن لن يقتنعوا البتة.

أنا أفهم المعضلة التي تواجههم، ففور شروعهم في إصالحه سيبدو الدين بشريا أكثر من

12 كونه إلهيا وبالتالي سيفقد قداسته."

ويضيف عمر أن الكثير من رجال الدين السعوديين فقدوا كثي ا ر من مصداقيتهم عندما رفضوا االخت ارعات

التكنولوجية بادئ ظهورها، ومن ثم تراجعوا عن ذلك عندما أثبتت تلك االختراعات جدواها وفائدتها للناس.

فيقول:

"أعلن الكثير من رجال الدين السعوديين قبل عشرين عاما مض ْت أن جميع أنواع

التصوير محرمة، وأّنها ذن ب، وسوف تحشر في النار إذا التقطت صورة لك. أعرف

كثيرين ممن قاموا بالفعل بحرق جميع صورهم، لكن بعد مضي عشرين عاما ظهر رجال

الدين هؤالء على التلفاز وفي الصحف المطبوعة وهم يقولون: ربما ال ُيعتبر التقاط

الصوِر ذنبا عظيما . ماذا إذا عن األشخاص الذين قاموا بحرق صورهم؟"

ُيظ ِهر أغلب علماء الدين تطرفا وعدوانية شديدة أمام أي اختراع جديد في بادئ األمر، وينطبق هذا على

الهواتف النقالة المزودة بكاميراوعلى أشرطة الكاسيت ومشغالت الفيديو. يقول عمر: "لد َّي نسخ ة من

فتوى تح ريم استخدام الهواتف المزودة بكامي ار، لكن الجميع يملك اليوم هذه الهواتف، إ ّن هذا التناقض في

كيفية التعامل مع االختراعات الحديثة هو ما يدفع إلى الشك في كل شيء آخر يقوله رجال الدين هؤالء."

في يومنا هذا، تْل قى العبا ارت التي يطلقها علماء الدين اهتماما عند جمهوٍّر أكبَر من ذي قبل، وهي

تكشف لديهم جهال أو انفصاال عن الواقع، حيث تتناقل وسائل اإلعالم الرسمية عن المواقع اإللكترونية

الدينية تلك العبارات مما يؤدي إلى أخذها من قبل القارئين على محمل الجد. تنقل وسائل اإلعالم

25

ِ السعودية أحيانا تصريحات رجال الدين بتجرد، وأحيانا بآ ارء متناقضة، ولكن يبدو أ ّن هذه التصريحات

ٍّ المرفقة بالتقارير تقدم نوعا من التسلية، مما يظهر رجال الدين هؤالء بصورة ُمضحكة، وما أ ْن يتم نشر

كلماتهم على وسائل اإلعالم الرسمية حتى تصبح تحت رحمة وسائل التواصل االجتماعي.

أثناء انتشار فايروس "كورونا" في المملكة العربية السعودية، نشرت جريدة الحياة تصريحا لعبد هللا

العمراني، وهو أحد مشايخ مدينة تبوك اّدعى فيه أنه اكتش َف عالجا للفايروس أثناء أبحاثه في "الطب

النبوي ." رفض العمراني البوح عن طبيعة العالج ولكنه أضاف قائال إنه استعمله لعالج اإليدز وسرطان

الدم )اللوكيميا(13 ونجح العالج، على إثر ذلك اقترح مستخدمو موقع تويتر على العمراني أن يترك الطب

ويتفرغ للدين، أثناء ذلك، تساءل رج ُل دي ٍّن سعود ي بار ز حول ما إذا كان باإلمكان اعتبار المتوفين نتيج ة

لمرض "ك ورونا" شهداء أم ال، لكنه أعلن بعد ذلك أنهم ال يعتبرون شهداء إال في حال أعلنت منظمة

الصحة العالمية أن الفايروس أصبح وبا ء .

ٍّ ِ في مناسبة أخرى، اّدعى الشيخ صالح بن سعد اللحيدان، وهو أحُد المعارضين للحملة التي تسمح للنساء

السعوديات بقيادة السيا ارت، بأن بحثا علم يا قام به أظهر أن قيادة السيارة تؤثر على مبايض النساء كما

أنها تؤدي أيضا إلى َتَل ٍّف في الحوض. هذا هو السبب، كما يقول الشيخ، أن النساء اللواتي يُقْدن

السيا ارت بشكل مستمٍّر يلْد َن أطفاال مصابين بخل ٍّع والد ٍّي بنسب مختلفة. أما قناة العربية، القناة اإلخبارية

المملوكة من قبل المملكة العربية السعودية، فقد نقلت بدورها تصريحات الشيخ مرفق ة ببعض التصريحات

الساخرة المنشورة على موقع تويتر باإلضافة إلى تصري ٍّح لرئيس الشرطة الدينية قائال : "ال تتضمن

14 الشريعة اإلسالمية نصا يحرم قيادة الم أرة للسيارة." وبدوره قام الفنان الكوميدي هشام فجة المولود في

السعودية بالتهكم على ادعاءات اللحيدان بخصوص تضرر مبايض النساء وذلك في أغنية أداها برفقة

26

صديقيه بعنوان "ال أيتها المرأة، ال لقيادة السيارة"؛ وتم غناؤها على موسيقى أغنية "بوب مارلي": "ال أيتها

ِ 15 المرأة، ال للبكاء"، وحصدت األغنية أكثر من 11 مليون مشاهدة عندما ُنشَرْت على موقع يوتيوب .

ِ ووفقا لمقالة أر ٍّي ُنشرْت في صحيفة الوطن، تعتبر المحاو ارت التي يجريها الطالب المبت َعثون للد ارسة في

الخارج مع أساتذتهم في الجامعات األوربية إحدى العوامل الرئيسية األخرى التي قادت الشباب السعودي

16 إلى "مستنقع اإللحاد المظلم،" ويعتبر هذا التصريح نقدا مبطنا ألحد مشاريع الملك عبد هللا: "برنامج

ِ الملك عبد هللا للمنح الد ارسية" الذي لم يستطع ني َل وّد رجال الدين والمتشددين السعوديين. تم افتتاح

المشروع سنة 2005 بكلفة سنوية تصل إلى 9 مليار ريال سعودي؛ ويقدم دعما ماليا لـنحو 125000

طال ٍّب سعود ٍّي للد ارسة في جامعات خارِج حدود المملكة، وتقع أغلب هذه الجامعات في "الواليات المتحدة

ِ األمريكية، وتُقدر نسب ُة الطالبات اإلناث في برنامج الم َن ح الدراسية بنحو 30%. تم تفسير هذه الخطوة

رسميا على أنها استثمار للمستقبل االقتصادي في المملكة، أي لخلق قوة عم ٍّل متعلمٍّة ومتقدمٍّة والتي

بالنتيجة تؤدي إلى تخفيف االعتماد على الخب ارت األجنبية إال أنها تؤدي أيضا إلى تعزيز التغيير

االجتماعي من خالل ا ّطالع الشباب السعودي على ثقافات أخرى وهو ما يعارضه المحافظون.

قالت صحيفة "Saudi Gazette" في إحدى مقاالتها: "من خالل وجهة نظر اآلخرين إلى ثقافتك يمكنك

معرفة القيمة الحقيقية لتلك الثقافة". وقال الطالب الذين شاركوا في برنامج المنح الدراسية للصحيفة أ ّن

البرنامج ساعدهم على "تََقبل األفكار واألشخاص المختلفين" كما أنه علمهم "حقيقة التفكير النقدي،" ولكنه

أدى أيضا إلى زيادة سخطهم عند عودتهم إلى المملكة. كما أن أحد الطلبة الذين درسوا القانون في

الخارج علق قائال: "تفرض علي مهنتي التعامل مع أكثر األنظمة القانونية رجعية في العالم، ذلك النظام ّ ٍّ الذي يتطور بخطوات بطيئة جدا ". كما عّل ق ْت إحدى الطالبات أنه "من الصعب التأقلم مع الفوضى

ٍّ 17 الموجودة هنا )في المملكة العربية السعودية( بعد االعتياد على أسلوب آخَر أكثَر تحض ا ر في الخارج."

27

بدوره شَّبه سعود القبلي، وهو عالِم سياسي وصحفي في جريدة الوطن، برنامج البعثا ِت السعودي ببرنامج َ البعثات التعليمية التي أطلقها محمد علي باشا إلى أوربا في عشرينيا ِت القرِن التاسع عشر والذي ساعد

في بناء مصر الحديثة وشّكل فيما بعد الدافع الرئيس لقياِم النهضة العربية، فيمكن ألي شخص يزور

المملكة اليوم أن يرى الشبا َب السعود َي وقد أصبح أكثَر ثق ة بنفسه ومنفتحا بشكل أكبٍّر على العالم وأكثر ِ ِ ِ تقبال للُمثُل العالمية. يقول سعود القبلي: "ُيعتَبُر الشبا ُب السعود ُّي قوةَ التغيير الخفّي ة ، ومما الشك فيه

سوف أنها ستغّير المجتم َع في السنين القادمة، وكما يبدو أن الحكوم َة تالحظ هذا التغيير وتستفيد منه

على أمل أن يأتي هذا التغيير بشكل تدريجي بدال من أن يفرض من األعلى."18 ْ َ ُْ َ َ

َّ ِ ال ش ّك أن االنفتاح الذي وّف ره برنام ُج البعثات قد أث ر في وجهات النظِر الدينّي ة لبعض الطلبة المشاركين

في برنامج المنح الدراسية. يقول عمر هادي: "عندما تَكبُر وتترعرعُ في السعودية يتم تشرْيُب َك فكرة أ َّن ٍّ غير المسلمين هم كائنا ت شريرة، وأنهم سوف يذهبون إلى الجحيم، وأن كل فرد غيَر مسلٍّم يترَّب ُص بك،

لكن عندما تذهب وتعيش معهم وتأكل وتدرس معهم وتختلط بهم بطريقة طبيعية بسيطة تالحظ أنهم ليسوا

أش ار ا ر. بعد فت ٍّرة من الزمن يدفعك هذا ألن تقول: "لقد لمس ُت الكثير من الكرم واللطف في هؤالء الناس ٍّ لدرجة تجعل من الصعب التصديق أنهم سُي ْح َشُرْوَن في جهنم."

َدَفَع ْت مخاو ُف تأثير برنامج البعثات الد ارسية على المجتمع السعودي أحَد المشايخ السعوديين إلى

االّدعاء بأ َّن "السفَر إلى بالد الكفر لغر َض العمل أو الد ارسة ح ار م شرعا ، إّال في حاالت الضرورة القصوى ٍّ ٍّ وبشروط محددة، وبأن من يموت في تلك البالد قد ُيحشر في جهنم." وبدوره قال الشيخ عبد هللا السويلم ِ الذي يعمل في برنامج إعادة تأهيل المساجين المؤيدين للقاعدة ـلصحيفة الحياة أن الشر َط األوَل للسما ِح ٍّ ٍّ بالسفِر إلى الخارج هو أ ْن يكون الفرد "ذا إيما ٍّن ارسخ" وأن يتمتع بحصانة دينية تمنعه من الوقوع في

28

"الشهوات"، وأضاف السويلم: "إن ك َّل شخ ٍّص يخا ُف على نفسه من الوقوِع في المحرمات مثل شرب

19 الكحول، عليه أال ُيسافر إلى بالد الكفر إال في حاالت الضرورة."

تُعتبر المملكة العربية السعودية ضحي ة لما وصفه "آلفن توفلرAlvin Toffler" "بالصدمة المستقبلية"؛

حيث حَّوَل اكتشا َف النفط المملك َة ، خال َل بضعة عقود من القرن العشرين، من إحدى أفقر الدول في

العالم إلى واحدة من أغناها، وما ت ازل المملكة تصارعُ لتتكيف مع ذلك التحول، كما يزداد المجتمع

السعودي استقطابا ؛ حيث يشن المحافظون حربا قد تكون خاسرة ضد انقضاض الحداثة؛ وذلك في ظل

غياب النقاش األكثر عقالنية للحفاظ على الوضع الحالي، ودفا ُع هم عن ذلك يأتي باستخدام الّد ين وب ّث

الخوف من الوقوع في الرذيلة وارتكاب المعاصي.

وبات َ ْت خاطئ ة تلك الفكرة ُ التي تقول: "إن الدين هو األساس للحفاظ على النظام في المجتمع". حيث َذَكر ِ ِ "فيل زوكرمان "Phil Zuckerman في كتاب "دليل كامبردج لإللحاد" أ ّن "الدَوَل ذا َت النسبة المرتفعة

من الملحدين تعتبر من أكثر الدول صحة وغنى على مستوى العالم." وألقى "زوكرمان" نظرة على الترتيب ُْ َ

العالمي للدول فيما يخ ّص المعتقد الديني، وقارنه مع مؤشر األمم المتحدة للتنمية البشرية، وكانت النتائج

صادم َة ؛ فالدول الخمس والعشروَن األعلى ترتيبا في المؤشر، باستثناء إيرلندا، تحوي نسبة مرتفع ة جدا ِ من الملحدين، في الطرف المقابل، تضمنت الدول الخمسوَن ، األدنى ترتيبا في المؤشر، نسبا منخفض ة

جدا من الملحدين.

وبشكل تفصيلي أكثر، واعتمادا على بيانات أخرى، وجد " زوكرمان" أ ّن :

 من بين األربعين دول ة األشد فق ا ر في العالم، جميُعها باستثناء "فيتنام" متدينة بشكل كبير.  ٍّ الدول الخمس والثالثون التي تتضمن أعلى نسبة أّم ي ّة بين الشباب، جميُعها دو ل متدينة

بشكل كبير.

29

 معّد ل وفّي ات األطفال الّ ر ّض ع هي األقل في الدول غير المتدينة؛ بينما هي األعلى في الدول

المتدينة.

 الدول العشر ذات المستوى األعلى في المساواة بين الجنسين دو ل ملحدة ، في حين أ ّن الدول

التي فيها أقل مستويات المساواة هي دو ل متدينة.  الدول ذات المعّدالت العالية من جرائم القتل هي دول متدينة، بينما تميل النسبة لالنخفاض

لتصل إلى درجاتها الدنيا في الدول األكثَر علمانية. ٍّ ٍّ يبدو أ ّن معدالت االنتحار في الدول المتدينة تسجل مستويات منخفضة ولكن قد يرجع سبب ذلك جزئيا

إلى محرمات دينية ت ُح ول دون تسجيل بعض حاالت الم وت على أنها انتحار.

يقدم ما سبق دليال واضحا على أ ّن انتشار اإللحاد ال يقود إلى انهيار المجتمع، وال يّد عي "زوكرمان" أ ّن

اإللحاد هو المسؤول عن المنافع الموجودة في المجتمعات األقل تدينا ، لكنه استنتج أ ّن المجتمع السليم

يؤّد ي إلى انتشار اإللحاد بينما يؤدي انعدام األمن االجتماعي إلى انتشار األيمان باهلل.

في عشرينيات القرن العشرين، اشتكى حسن البّن ا، مؤس ُس جماعة اإلخوان المسلمين، من موجة اإللحاد ِ والخالعة التي كانت تجتاح مصر، فاألوربيون، كما يقول: "أسسوا مدارَس ومعاهَد علمي ة وثقافي ة في قلب ِ ِ ِ 20ِ الجسد اإلسالمي تقوم بزرع الش ّك والِبَد ِع في نفوس أبناء األمة اإلسالمية ."

بحلول سنة 1994 تحّ ول اللوم إلى القنوات التلفزيونية الفضائية؛ حيث حّذرْت و ازرة الثقافة واإلرشاد ٍّ ٍّ اإلسالمي في الحكومة اإلي ارنية من أ ّن "هذه البرامج من تدبير اإلمبريالية العالمية كجزٍّء من خطة شاملة

21 للقضاء على ديننا وقيمنا المقدسة." غير أ ّن معظم اللوم اليوم ُيلقى على اإلنترنت حيث ُيْزَعم أنه ذو ٍّ قدرة كبيرة على نشر اإللحاد، وتّم أخذ ذلك كحجة للتحكم بالفضاء الرقمي، ومعاقبة أولئك الذين يسيؤون

استخدام اإلنترنت ضد الدين.

30

ُي عتبر اإلنترنت أداة ثمينة للملحدين ولمجموعات أخرى من المعارضين في الشرق األوسط؛ حيث ُي تيح ٍّ ٍّ الوصول إلى أفكاٍّر ومعلومات ال يمكن الوصول إليها محليا بأية طريقة أخرى، كما أ ّن اإلنترنت ُي مّكن

األفراد من التعبير عن أفكارهم عالنية، باإلضافة إلى تمكينهم من التواصل مع اآلخرين؛ إّم ا عن طريق

الدخول في نقاشا ٍّت معهم، أو من خالل التواص ِل مع أف ارٍّد لديهم العقلية ذاتها؛ ويحصل هذا التواصل في

ِ ِ الشرق األوسط غالبا خارج حدود القيود الحكومية؛ مفسحا بذلك المجا َل للجمي ِع بصرف النظِر عن حدود

المكان أو الوطن.

مما ال ش ك فيه أ ّن شبك َة اإلنترنت هي من األسباب الكثيرة التي سّهلت انتشاَر الفكر اإللحادي، غير أ ّن

أصحاب هذا الفكر ال يرون في اإلنترنت بحد ذاته السبب في انتشار تلك األفكار، وانما مجّ رُد وسيلة. إ ّن

الجهد المبذول لمحاربة الفكر اإللحادي على شبكة اإلنترنت لن يعال َج أسباب التشكيك بالدين، بل قد

يؤدي إلى إثارة المزيد من الفضول لدى أصحاب هذا الفكر، كما أنه لن يسعى وراء تلك المواد اإللحادية

إال أولئك الذين يشعرون أ ّن فيها ما يتفق مع أفكارهم؛ أضف إلى ذلك محاوالت فرض الرقابة خشية أ ْن

ال يستطيع الدين الفوز بالنقاش بالمنطق والدليل وحدهما.

يعزو رئيس قسم اإلعالم في قناة العربية ناصر الص ارمي المشكل َة األكبر إلى "المواقف التقليدية" والعجز

عن تلبية متطلبات الحاضِر واألجيال الشابة وعدم تقبل األفكار الجديدة، واالتجاه بدال من ذلك نحو القم ِع

ولوِم حريِة التعبيِر التي ينادي بها الملحدون. يقول الصرامي:

ِ "لم تأت مواقع اإلنترنت وشبكات التواصل االجتماعي بأ ّي جديد، بل كشفت ما كان خفيا

عنا بسبب طبيعة ثقافتنا أو مستوى وعينا الثقافي واالجتماعي. إ ّن موقعي فيسبوك

وتويتر جعال المجهول معلوما ، كما وّف ار منص ة يستطيع الناس من خاللها التعبيَر عن

31

مشاعرهم؛ كما أنه ال يوجد تضلي َل فيها وال رقابة، وهذه هي لحظة بروز الحقيقة التي كنا

نتفادى مواجهتها."22

إحدى النقاط األخرى الجديرة بالمالحظة هي أ ّن كمية المواد المنتشرة على اإلنترنت والتي تعبر عن

اإللحاد تعتبر قليل ة إذا ما قورنت بالعدد الكبير من المواقع الدينية ومنها المواقع اإلسالمية والمسيحية التي

تتجادل فيما بينها حول فكرة أ ُّي األديان هو الدين الحق.

ترى األستاذة في قسم األدب اإلنكليزي في جامعة اإلسكندرية في مصر ُعميرة نويرة أن شبكة اإلنترنت ِ سال ح ذو حّد ين، فقد انتشرت بواسطته الكثير من المذاهب والمعتقدات الدينية التقليدية، كما أ ّن

اإلسالميين وجدوا في اإلنترنت مساحة لصوتهم، وهناك عدد كبير من المواقع اإللكترونية التي تدافع عن

اآلراء المتزمتة والمحافظة.

أقب َل المسلمون على استخدام اإلنترنت بسرعة كبيرة رغم تحذي ارت المحافظين ونهيهم عن االخت ارعات

الحديثة، وفي السنوات األولى وجد المسلمون صعوبا ٍّت تقنية في كتابة صفحات اإلنترنت باللغة العربية؛

وبحلول سنة 2000 أصبح لدى أغلب الحركات اإلسالمية المعروفة؛ كحركة حماس، وطالبان والكثير

من المجموعات واألف ارد األقل شهرة وجو د على شبكة اإلنترنت، وأحد أسباب ذلك هو اعتبار هذا النشاط

نوعا من أنواع الدعوة، والتي يعتبرها الكثيرون واجبا دينيا ، كما أ ّن بعضهم أثارته فكرة تمكن شبكة

اإلنترنت في يوٍّم من األيام من جمع مليار ونيف من المسلمين حول العالم في مجتمع ديني واحٍّد ، أو

"أمة رقمية" بشكل لم يحدث منذ األيام األولى لإلسالم23.

بدأ الشكوكيون )أو المشككين( العرب بالظهور إّبان تطور مواقع التواصل االجتماعي، ويقول سلطان ِ ِ سعود القاسمي، وهو أَ َحُد كتاب الصحف اإلما ارتية البارزين:

32

"قبل عقٍّد من ظهور فيسبوك وتويتر، كان برنامج "بالتوك" قد انتشر في دول الخليج

انتشاَر النار في الهشيم وذلك سنة 1998، فقد كان يقدم خدمة الدردشة بالصوت

والصورة؛ وما هي إال أسابيع حتى برزت عدة غرف دردشة في البرنامج كغرفة

"اإلنسانية" التي كان يشرف عليها كويتي، وغرفة "غير المتدينين"، وكان الغرض من

هاتين الغرفتين مناقشة مواضيع محددة. كما أن أحمد بن قريشان، وهو ملحد إماراتي

وواح د من المدونين البارزين في الخليج كتب أن "جميع الديانات تكذب" وأن "بإمكان

العلمانية تحرير الناس."24

يوجد اليوم نحو مائة صفحة على موقع فيسبوك تحتوي على كلمة ملحد في عنوانها، باإلضافة إلى

عشرات الصفحات التي تستخدم عبارة الملحدين العرب باللغة اإلنكليزية، وتتنوع هذه الصفحات بين

النشطة وغير النشطة، كما أ ّن لبعضها اآلخر آالفا من المتابعين، إضافة إلى عدد من المجموعات

المغلقة أو الخاصة.

أما خارج حدود الشرق األوسط، فتمتل ُك منظمات المسلمين السابقين في أمريكا الشمالية وانكلت ار وفرنسا

وبلجيكا وألمانيا ونيوزيالندا والدول اإلسكندنافية مواقع إلكترونية خاص ة بها؛ بالمقابل، يملك الملحدون

الذين تم نفيهم مؤخ ا ر كوليد الحسيني وقاسم الغزالي وألبير صابر مدوناتهم الخاص َة بهم أيضا .

ِ من نتائج هذا النشاط على اإلنترنت شعوُر الملحدين في الوطن العربي بأنهم أقل عزل ة من ذي قبل؛

يمكنهم أن يستجمعوا شجاعتهم ويتصلوا باآلخرين، رغم أ ّن كثي ا ر منهم ما ازلوا يخشون ذلك.

في مقابلة أجراها "ويليم باور" في صحيفة "Your Middle East" مع أحد الملحدين السعوديين، قال

ٍّ الملحد: "إ ّن موقعي فيسبوك وتويتر جعال العثور على أناس يمكن النقاش معهم، فضال عّمن لديهم اهتما م

بالقيم العلمانية، أم ا ر سهال "، مضيفا أن ّه شعر بالصدمة عندما قابل أشخاصا في األربعينيات

33

والخمسينيات من العمِر كانوا قد كتموا إلحادهم لعقود، حين قالوا: "إنهم لم يتمكنوا من العثور على

أشخاص يشاطرونهم فكرهم سوى في الفترة األخيرة حين التقوا باألجيال الشابة مّمن هم في العشرينيات

من عمرهم، كما أنهم وجدوا مجموعا ِت تواص ٍّل اجتماعي يستطيعون من خاللها مناقشة أفكارهم والبوح ّ بها."25

وصفت صحيفة "أسوشييتد بريس" حالة نموذجية في مصر بقولها:

ِ "صّرح مهندس مصري ُولَد مسلما ، ويبلغ من العمر 40 عاما لصحيفة "أسوشييتد برس"

بأنه اعتنق الفكر اإللحادي فترة طويلة ، لكنه أبقاه طي الكتمان؛ لكن ما دعت إليه الثورة ّ ّ ّ المصرية من إج ارء تغيي ارت جذريٍّة في البالد شجعه على البحث عبر اإلنترنت عن

آخرين يؤمنون بما يؤمن، وفي هذا يقول هذا المهندس: "قبل الثورة، كنت أعيش في عزلٍّة

ٍّ ٍّ كاملة ولم أكن أعرف أ َّي شخص يفكر كما أفكر، أّما اآلن فنملك من الجرأة ما لم نكن

نملك."26

ويوضح تقرير الصحيفة من خالل حالة المهندس "الحدود التي يحق للملحد الوصول إليها،" وكأغلب

الذين قابَل ْت هم صحيف ُة "أسوشييتد بريس"، استخدم المهندس اسما مستعا ا ر خوفا من االنتقام أو التعرض ِ للمضايقة أو الوقوع في مشاكل مع عائلته، كما أّنه ال يكشف عن هويته الحقيقية إال على شبكة

اإلنترنت.

ترى مجلة " إيكونيميست" أن مواقع التواصل االجتماعي توفر لغير المؤمنين قدرة كبيرة على التأثير، لكّن ها

في نفس الوقت تمنحهم من الشهرة ما يجعلهم أكثر عرضة للخطر، فأغلب م ْن لديهم نشاطا ت في اإللحاد ِ ِ على اإلنترنت واجهوا مشاك َل جّمة ، واعت ُق َل بع ُضهم بتهمة اإلساءة للدين. وتعتقد المجلة أ ّن السبب الرئيس

لذلك هو غياب التسامح الديني، وتضيف: "في خمسينيا ِت وستينيا ِت القرِن العشرين سادت العلمانية

34

ِ والتسامح الكثيَر من الدول اإلسالمية، لكن الدين في يومنا هذا طغى على الحياة العامة والحياة

السياسية." أّم ا سامي زبيدة وهو باحث في كلية "London’s Birkbeck College" فيتحدث عن تزايد

حدة االستقطاب في هذه الدول، فهناك ازديا د في التدين من ناحية وت ازي د لإللحاد والعلمانية في الناحية

األخرى .27

واجه الملحدون العرب الذين ينشطون على اإلنترنت خطَر انتقام السلطات؛ كما تعرضوا للمضايقات من

قبل الناشطين المسلمين الذين ارحوا يخترقون صفحات هؤالء الملحدين، أو استخدموا ميزة "اإلبالغ عن

إساءة" الموجودة في مواقع التواصل االجتماعي.

يقول الكاتب السويدي الملحد باسم البغدادي، وهو من أصول عراقية:

ٍّ "لقد تم تدمير شبك َة الملحدين العرب ومجموعات النقاش األخرى وُح ذفت بشكل ممنه ٍّج

بفعل الحمالت المنظمة التي شنها اإلسالميون على موقع فيسبوك من أجل اإلبالغ عن

هذه الصفحات وعن الملفات الشخصية للمشرفين عليها،" ويضيف البغدادي أ َّن حساباته

الشخصية على فيسبوك وتويتر تم تعطيلها عدة مرات بسبب هذه التبليغات، كما أ َّن

الكثير من مقاطع الفيديو التي تَّم رفعها على يوتيوب قد ُحذفت بسبب محتواها.

شهدت مواقع التواصل االجتماعي مثل تويتر ويوتيوب و فيسبوك منذ سنة 2010 نشاطا

محموما من قبل مجموعا ٍّت إسالميٍّة متطرفٍّة أو سلفية كان لها طريقتان في التعامل مع

ٍّ صفحات الملحدين، فهي إما أ ْن تقوم باختراق هذه الصفحات وتدميرها، أو تقوم بحمالت ٍّ منظمة لإلبالغ عنها، حيث يقوم أفراد تلك المجموعات، وبشكل مستمٍّّر ، بالتبليغ عن ٍّ ِ حسابات أو مقاط ِع فيديو مّم ا يؤدي إلى تعطيل الحساب أو حذف المحتوى من موقع

28 التواصل االجتماعي تلقائيا بسبب التبليغ عن محتواه."

35

بالرغم من ذلك استطاعت شبكة "الملحدين العرب" النجاة َ، لتصبح إحدى أكثر المواقع اإللكترونية شهرة

من نوعها29.

إضافة إلى ذلك، لجأ الناشطون الملحدون مؤخ ا ر إلى الفيديو، حيث أ َّن "قناة الملحدين العرب" على

يوتيوب(Arab Atheist Broadcasting) تقدم برنامج نقاش مدته ساعتان، ت ُعَ ر ُض منه حلقة واحدة

يوم الجمعة من ك ّل أسبوعين، يتبادل من خالله الملحدون النقاش باستخدام برنامج "سكايب"، وتراوحت

30 مشاهدة مقاطع الفيديو الشائعة ما بين حوالي 3000 إلى 4000 مشاهدة ، وهناك أيضا البرنام ُج

الحواري "البط األسود" "Black Ducks" الذي يقدمه ويخرجه اسماعيل محمد، وهو ملحد مصري،

فيقول اسماعيل أ َّن الهدف من البرنامج تشجي ُع الملحدين وغيِر المتدينين المصريين على الظهور للعل ِن ِ 31 واخبار العالم بتجربتهم، وسبب إلحادهم وكيف حدث ذلك ، مضيفا أ ّن اسم البرنامج اشتُّ َق من قصة

"هان كريستيان أندرسون " Hans Christian Andersen" التي تدور أحداثها عن "البطة الصغيرة

ِ القبيحة" التي كانت تُها َجُم وتتعر ُض لإلساءة حتى كبرت بشكل تدريجي لتتحول إلى بجعة بيضاء جميلة.

يوجد في األردن مجتم ع صغير من الملحدين يتواصلون قيما بينهم عن طريق مجموعة على موقع ِ ٍّ فيسبوك، وقد أُ ّس َس ْت هذه المجموعة سنة 2013، وكان فيها 30 عضوا فقط، ليرتف َع العدد في عاٍّم واحد

إلى 100 عضو، وتتراوح أعمار أعضاء المجموعة بين 16 و 44 عاما ، وتبلغ نسبة اإلناث فيها نحو

40%. يقول مدير المجموعة محمد خضرة: "إن بعض أعضاء المجموعة ملحدون منذ سنوات، في حين

تحول بعضهم إلى اإللحاد منذ فترة قصيرة،" ويضيف خضرة: "إنه يعرف نحو 100 ملحد أردني آخر أو

أكثر ممن لم ينضموا إلى المجموعة،" ويرى أ ّن السبب المان َع من ذلك أَّن ه "ما ي ازل في األردن متعصبون ،

حين يتعلق األمر بالسياسة أو المثلية الجنسية...الخ"، ولذلك حاول خضرة أ ْن يجمع من الناس ذوي ِ العقول المنفتحة، كما أنه يعلم أ ّن إلحاَد شخص ما ال يغير عقليته كليا بالضرورة، فال يزال هناك م َن

36

الملحدين َم ْن لديهم خو ف شدي د من المثلية الجنسية، كما أن بعضهم شديدو التطرف في آرائهم السياسية

حسب رأيه.

رغم أ ّن خضرة كان مستعدا للتعريف عن نفسه في المقابلة حين قال: "وصلت إلى مرحلة لم أعد أكترث

فيها لشيء،" إال أن أعضاء المجموعة بمجملهم ظلوا مجهولين، فغالبيتهم يخشون على عملهم وعلى

أسرهم.

على المستوى الحكومي يعتبر األردن أقل تشددا من المملكة العربية السعودية في موضوع اإللحاد، رغم

أ َّن من يرتُّد عن اإلسالم ي ُعاَق ُب بالحرمان من الحقوق المدنية أو ال ّس جن بتهمة الكفر، لك ّن المجتمع

واألسرة هما المشكلة الرئيسة في األردن، فاإللحاد، حاُله حا ُل الرذيلة، ُي عت ََب ُر "جريم َة شرف" في بعض

العائالت ُ ويعاَق ُب مرتكبوه بالموت قتال على يد األقارب خاص َة إذا كان الملحد أنثى.

أحد الملحدين، وهو أيضا مثلي الجنس وسبق له أن عمل إماما في أحد المساجد، استطاع الفرار من ّ الموت بأعجوبة بعد ظهوره في برنامج "البط األسود"، وتكلم فيه عن حياته الجنسية والدينية32. يقول

خضرة: "لقد حال بينه وبين الموت ساعات قليلة، حيث استطعنا بمساعدة أعضاء المجموعة ووالدته

إخراجه من منزله ونقله إلى لبنان." ويضيف خضرة:

ِ " َخسَر أحُد أصدقائي زوجته عندما أخبرها بأنه ملحد، وأنا نفسي خسرُت خطيبتي بعد أن

صارحتها بإلحادي، لم أستطع الكذب عليها، لذلك أخبرتها بأنني لست مسلما . تقبلت ذلك

بادئ األمر لكن بعد عدة شهور قالت لي: أنت ال تصلي، أنت لست مسلما ، لذا فالبد

أ ْن تكون أخالقك سيئة، وهذه كانت نقطة الخالف الرئيسة، والتي ُي ن َظ ُر فيها لغير المسلم

على أنه س ِيء الخلق، أو أ َّن من كان ملحدا فإنه يعيش كالبهائم. هذه هي نظرتهم إلينا ّ ُُ َ ْ ٍّ ِ حتى ُسئلت عدة م ارت: "ل َم ال أنام مع والدتي؟"

37

في هذه األثناء، كان على الحكومة األردنية أن تهادن المعارضة اإلسالمية باستلطافهم بين الفينة

واألخرى، يضيف خضرة:

ِ ٍّ "كلما أ اردت الحكومة استلطاَفُهم في أية قضية تقوم بمحاكمة أحد ما بتهمة الكفر، فقد

سجنت الحكوم ُة األردني ُة الشاعر المسلم إسالم سمحان بعد أن قدمت المعارضة

ٍّ ادعاءات ضّده، وتقوم الحكومة بذلك إلبقاء األمور تحت السيطرة من خالل عدم تلبية

مطالب المعارضة الكبيرة لتطبيق الشريعة اإلسالمية وانما تلبية المطالب الصغيرة منها."

33 تم اعتقال سمحان بتهمة "اإلساءة لألنبياء" بعد نشره شع ا ر اعتبرته المعارضة تجديفيا .

ُيعتبر تقديم الدعم هو إحدى مهمات المجموعة األردنية على موقع فيسبوك، إضافة إلى مناقشة اإلسالم

والحركات اإلسالمية بشكل عام واإلسالميين بشكل خاص، يضيف خضرة:

"إ ّن اإلسالم ليس تهديدا بحّد ذاته، فأنا ال أحارب اإلسالم بل أحارب اإلسالميين )أي

اإلسالم السياسي(، رغم أنني أختلف مع المسلمين لكن ليس عندي مشكلة مع إيمانهم

بما يرغبون . يمكن لإلسالم أو أّي ة ديانة أخرى أ ْن تسبب ال ّض رر ألي مجتمع؛ ولكن

التهديد الرئيس يكمن في اإلسالم المتشدد، ووقوع ترسانٍّة نوويٍّة بيد حاكم متشدد دينيا

ِ يكفي إلثبات وجهة نظري، وتعتبر فكرة أ ّن هللا يريد أمة تمثُّله ويأمرها بقتل وتدمير باقي

البشرية، هي أخطر ما اشتملت عليه العقيدة اإلسالمية، وهذه الفكرة هي ما يعمل ألجلها

اإلسالميون اليوم."

غير أ ّن خضرة القى بعض التشجيع من قبل الكثير من المجموعات الملحدة التي تنمو في دول أخرى

من المنطقة حيث يقول: "المجموعات المشابهة لمجموعتي منتشرة في كل مكان اآلن، وفي حال استطعنا

38

إبعاد جماعة اإلخوان المسلم ون عنا ودافع ْت عنا الدولة األردنية فسوف تجدنا منتشرين في كل مكان،

وحتى ذلك الحين علينا أن نبقى في الخفاء."34

ٍّ أما "مكتب ُة الملحدين العرب" فهي عبارة عن صفحة على موقع فيسبوك تتيح التحميل المجاني لكتب من

بينها ترجمات عربية لمؤلفات "باروش سبينوزا"، و"سيفن هوكنغ"، و"هانا آرنت"، و"بيرنارد راسل"، و"كارل

35 ساغان" و"ريتشارد دوكنز "، وكان الملحد العراقي المولد بسام قد ترجم كتاب "دوكنز" المشهور "َ وْه ُم هللا"

ونشره على اإلنترنت، وتحوي المكتبة الرقمية آنفة الذكر كتبا لمؤلفين عرب من بينهم الباحث العلماني

الج ازئري محمد أوركان والفيلسوف المصري م ارد وهبة والباحث فرج فودة العدو اللد د ولإلسالميين

المصريين والذي اغتيل سنة 1992.

أعطت المكتبة فرص ة للعرب كي يصلوا إلى الكتب واألفكار المعارضة للنظام القائم وهو ما يصعب

توفيره بأية وسيلة سوى عبر شبكة اإلنترنت. بعض هذه الكتب أّل فها كت ّاب أجانب وربما تخطت حاجز

الرقابة، باإلضافة إلى كتب أخرى قديمة متوفرة على اإلنترنت، ولكنها غير متاحة ورقيا حيث إنها ُكتبت

ٍّ بواسطة العرب في أزمنة أكثَر تحر ا ر، ورغم أ ّن هذه الكتب تنشر على اإلنترنت دوَن م ارعاة لحقوق الملكية

الفكرية، إال أ ّن الباحثة عميرة نويرة من جامعة اإلسكندرية تشعر بالرضى إزاء ذلك حيث تقول:

"كثي ر من الكتب الورقية غير المتوفرة في المكتبات متوفرة على اإلنترنت مجانا ، فعادة ما

يقوم أشخاص طيبون بتحويل هذه الكتب إلى كتب الكترونية بواسطة الماسح الضوئي

ومن ثم ينشرونها على اإلنترنت، وبعض هذه الكتب غير متوفرة بحلتها الورقية في

ٍّ المكتبات، وأعتقد أن هذا أم ر جيد، بالرغم من أنّه عم ل غير مصيب من الناحية

األخالقية، فبعض الكتب التي تم تأليفها في أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين غير

متوفرة في المكتبات، وال يمكن العثور عليها في أي مكا ٍّن سوى شبكة اإلنترنت، وهذا

39

شي ء عظي م ألننا لو أردنا شراء نسخة ورقية منها لن نستطيع ذلك، ال أعرف إ ْن كان

انتشار الكتب على اإلنترنت سوف يغّي ر عقلية الناس، ذلك أ َّن هذا األمر لم يحدث من

قبل، فعندما كنت شابة كّن ا نذهب إلى القاهرة خ ّص يصا لش ارء الكتب أو انتظار معرض

الكتب، أّما اليوم فأنا لست مضطرة إلى الذهاب إلى أي مكان، وأتساء ُل عن التأثير الذي

سيحدثه ذلك في مسائ ِل اإليما ِن واإللحاِد على المدى الطويل."

أما عمر هادي، الملحد السعودي، فيعتقد أ ْن هذا األمر سيكون بال ُغ األثر، فرغم وفاة فرج فودة منذ أكثر

من 20 عاما ، فإن كتاباته الالذعة مات ازل حي ة على اإلنترنت، ويقول هادي: "ما عليك سوى الذهاب إلى

موقع تويتر لتجد ما قاله فرج فودة وقد تم اقتباسه م ار ا ر وتك ار ا ر، وتأثيره لم يندثر بموته، وعندما ت ُْذ َك ُر

مقوالته أمام المتدينين تجدهم عاجزين عن الرد عليها باستثناء اقتباسا ٍّت آليا ٍّت من الق ارن."

ِ ال ُيعتبر فودة الوحيد في هذا المجال، فقد تشجع هادي وعاد إلى القرن العاشِر والى المتنبي الذي يعتبره

الكثيرون أفضل الشع ارء العرب. يقول هادي:

"إ ّن "للمتنبي" عبارة ارئعة ينتقد فيها هوس رجال الدين بالمظاهر وكيف أ ّن باقي األمم

36 سوف تضحك علينا ألن همنا الوحيد هو حلق شواربنا واطالة ذقوننا ، كما أ ّن لدينا ِ أشيا َء أخرى مثل لعنتنا الكبرى وهي اعتقاد مجموع ة من الناس بأن هللا لم يعط الحكمة ِ ِ ِ ِ لسواها، وت ُ ْظ ه ُر مث ُل هذه األحاديث المأخوذة من التاريخ اإلسالمي أ َّن نوعا من المقاومة

كان دائَم الحضور."

40

الفصل الثاني: اإللحاد في التاريخ العربي

ال يوجد في اللغة العربية م ارد ف دقي ق للكلمة اإلنكليزية "atheist" والتي تعني )ملحد(، فكلمة "ملحد" في اللغة اإلنكليزية مشتقة من كلمتي )a = غير( و)theos = إله( في اللغة اإلغريقية القديمة، وتشير

ص ارحة إلىعدم االعتقاد بوجود هللا أو اآللهة، أما المصطلحات العربية التي شاع استخدامها اليوم كـمصطلحي "ملحد" و"اإللحاد" فلها دالال ت أكثر فيما يخص االنحرافعن طريق اإليمان، فكلمة ملحد ال

ُيقصد بها الملحدون فقط، بل تشمل المرتدين والمهرطقين أيضا ، مما يجعل البح َث في تاريخ اإللحاد العربي أم ا ر صعبا ، غير أ ّن هذا يوحي بأ ّن من انتقد الّدين من العرب في الماضي لم يكن يعنيهم اإليمان باهلل أو عدمه فقط.

على مّر التاريخ العربي تجاوز الخوف من الملحدين الحّد مقارنة بعدد الملحدين حينها، فرغم قّل ة عدد ٍّ الملحدين المعروفين، إلى حد ما، في التاريخ اإلسالمي، إال أ ّن كثي ا ر من األطروحات الجدلية العربية ن ٍّ هاجم ْت من كان ينكر وجود هللا دو ذكر أسمائهم، حيث ُي ْع تَق ُد أ َّن أقدَم عمل من هذا القبيل هو كتاب ُّ ِ ٍّ ن "الرد على الملحد" للقاسِم بن ابراهيم، وهو عالُم دين من الطائفة الزيدية عاش في القر التاسع الميالدي، ن وكان شديَد الح رص على أ ْن يستقيَم المسلم و على الطريق القويم، فأّل ف كتابين في نفس الموضوع، هما ِ َّ "اإلثبات الصغير" و"اإلثبات الكبير" ُي عّل م فيهما ُق َّارَء ه ُ "الرد على المهرطقين والملحدين إذا ما َط لب هؤالء دليال على وجود هللا".

كتبت "ساره سترومسا Sarah Stroumsa" في كتابها "المفكرون األح ارر في العصور اإلسالمية الوسطى":

"من الطبيع ِي أن نستدل من كالم القاسم على أ َّن المهرطقين والملحدين المقصودين هنا ّ َّ ِ هم من أنكروا، أو على األق َل شّك كوا، بوجود هللا، وأن القاسم كان قلقا من قدرة هؤالء الملحدين على اإلقناع، غير أ ّن خصومه الفعلّي ين فيما يخ ُّص مسألة وجود هللا لم يكونوا ٍّ ِ أف اردا بعينهم، بل ذكرهم كفئات كالمهرطقين والملحدين والماديين والمشّككين، دون أ ْن يميز بين هذه الفئات بشك ٍّل واض ٍّح ؛ وعبثا نبحث اليوم عن اسم شخ ٍّص بذاته متهٍّم

بالجحود بوجود هللا، فلقد ظلوا مجهولين. أّم ا إذا ما برز اس م ما للعلن، فهو حتما

41

ٍّ لشخ ٍّص متهٍّم بهرطقة سيئة كاإللحاد، أو ما يؤدي إليه كما يقول علماء الّدين، وليس ٍّ ُِّ 1 لشخص شّكل اإللحاد ُصلب الهرطقة التي اته َم بها."

رغم أ ّن المفكرين األحرار كانوا موجودين فعال في العالم اإلسالمي في العصور الوسطى، إال أ ّن

"سترومسا" تتساءل فيما إذا كان و ْص ُف هؤالء بالملحدين دقيقا ؛ فالتفسير األكثر قبوال هو أ ّن للمفكري َن األح ارِر في ذلك العصر أولويا ٍّت مختلفة للعمل، لم يك ِن الِع لم قاد ا ر حينها على تقديم أفكاٍّر بديلة عن أصل الكون أو تطور األنواع، ولذلك لم يكن من المنطق ِي التشكيك بوجود الخالق؛ فكان ال َّط عن باألنبياء ّ ُ والوح ِي اإللهي في ذلك الوقت مالئما أكثر، وهذا ما فعلوه. ّ

تقوم الشهادتان على عنصرين أساسيين هما: رفض قطعي للشرِك باهلل، ال هوادة فيِه )ال إله إال هللا(، ُ َ ِ ِ ِ ٍّ واق ار ر بأ ّن )محمدا هو رسول هللا( خاتَُم األنبياء، وا ْن لم يكن الوحيَد في اإلسالم، وآخُر َم ْن ُكّل َف برسالة ٍّ سماوية إلى البشرية جمعا َء ، كما أ َّن اإلسالم يعترف بأنبياء الديانات السماوية األخرى كاليهودية ِ ِ ٍّ ِ َّ ِ ِ والمسيحية، بم ْن فيهُم السّيد المسي ُح، حيث يذكر الق آرن الكريم أنه " َ واِن ّم ْن أَُّمة إال َخال فيَها َنذي ر )سورة ِ ِ ٍّ فاطر: اآلية 24(." لكن في المقابل ال يعترف أتباع ُ الديانتين اليهودية والمسيحية بمحمد كنبي.

ٍّ ِ في خضِّم ادعاءات للنبوة المختَلف فيها، أصبح التمييز بين األنبياء الحقيقيين منهم والمَّدعي َن، بالنظر في حججهم وبراهينهم، مسأل ة مهم ة لذوي الميول الّدينية وللذين كفرو بجميع األنبياء، وفي ذلك كتبت "سترومسا":

ِ َّ ن "وفي سعيهُم الرامي إلى زعزعة ثقة الناس بمسألة النبوة، اتخَذ المفكرو األح ارر عدة اتجاهات؛ فمن الناحية النظرية، حاولوا إثبات أ ّن النبوة، كفك ٍّرة ، أم ر ال يقبله العقل، ومن ِ الناحية الجدلية، سعى هؤالء إلى إظهاِر ك ّل من ادعى النبوة َ على مدى التاريخ مظهَر المتالعب المحتال."

يرتبط اإلسالم بالنبوة أكثر من المسيحية واليهودية بكثير، فتقول "سترومسا" إ َّن ظهور المفكرين األح ارر الرافضين لفكرة النبوة يدل على موقع النبوة المركزي والمهم في الفكر اإلسالمي.

أُطِل قت تسمي ُة ملحد على شخصيتين بارزتين في القرنين التاسع والعاشر الميالديين، وهما ابن الراوندي

وأبو بكٍّر ال ارزّي وكالهما فارسيان رغم أن ال اروندي عاش فترة من الزمن في بغداد، وكان بينهما اختال ف كبي ر في طبيعة كل منهما، فعلى ما يبدو، لم يكن الراوندي يخجل من هذا األمر رغم اعتباره فضيحة، 42

بينما كان ال ارزّي عالما رصينا وموق ا ر؛ وقد ل ّخ ص الفيلسوف الوجود ّي المصرّي عبد الرحمن بدوي ، الذي عاش في القرن العشرين، وجهتي نظرهما على أنها "عقالنية إنكار النبوة"، و أرى أ ّن فرضيتهما المشتركة ٍّ كانت تقوم على أ ّن المنطق )أو العقل( كاف لتمييز الخير من الشر، لذا لم يكن هناك حاجة إلرسال الرسل الربانيين2.

ٍّق ِ ٍّ ويروي بدوي أ ّن ال اروندي وصف القرآن بأنه "كالُم مخلو ال يعرف الحكمة"، وأنه أنكر معج ازت ك ّل من ٍّ إب ارهيم ومحمد والمسي ِح، واعتبر أنها مجّ رد حيل ال أكثر؛ أما انتقادات "ال ارزّي " للنبوة والوحي فقد اختفت، ولكنها كانت ظاهرة في عناوين كتبه التي دارت حول "محتالو النبوة" و"دحض األديان"، ورغم أ َّن اهتمامه كان ينص ُّب على اإلسالم، إال أَّن ه هاجم المسيحية واليهودية والزرادشتية والمانوية، ويبدو أنه ناقش فكرة

أ ْن لو كان هللا حكيما حقا ، ما كان لي ُخ َّص أناسا بالنبوة دون سواهم ثَّم يؤيدهم بالقدرة على التأثير على اآلخرين، ومن ثم يحّ رض أتبا َعهم لالقتتال فيما بينهم.

كان ال ارزّي على ما يبدو مؤمنا باهلل حكيما رحيما ، لك َّن صراعه كان مع فكرة النبوة واألديان السماوية ِ والتعصب واالستبداد الذي قد ينجم عنها، فهو يرى أ ّن اإلله الحكيم يسّي ر الكون بطريقة مختلفة. وقد ُنقل عن ال ارزّي قوُله:

"ينبغي أن يكون السلوك األنسب للحكيم هو الحكمة وللرحيِم الرحم ُة وذلك بأ ْن يلهم جميع ِ ِ عباده معرفة ك ّل ما ينفعهم ويضرهم في الدنيا وفي اآلخرة؛ ال أ ْن يف ّض َل بع َض هم على بعض، فيكون بينهم تناف س وخال ف يكون فيه هالكهم.

"كان أتباع األديان السماوية قد تعلموا دينهم باتباع سلطة قادتهم، فيرفضون عامل

المالحظة العقلية، واالستفسار عن العقائد األساسية للدين، يقلصونها حينا ، ويحّ رمونها ِ ِ حينا آخر، متوارثين بذلك عادات قاَدتهم، مما اضطرهم إلى االمتناع عن التكهنات 3 بالمسائل الّدينية، فيوسُم بالكفر من تجرأ على مخالفة تلك التقاليد ."

كان من بين المفكرين األح ارر في عهد الخالفة العباسية الشاعُر الكفي ُف أبو العالء المعّ ري )-973 1057م(، شاع ر لم تترك قصائده –كما يقول "ر. أ. نيكلسون" - "جانبا من جوانب العصر إال وتطّرقت َّ ن ن إليه، حيث قد َم صورة حي ّ ة للفساد واالنحطاط التي يحت ُّل فيها ال ُحكام المستبدو والقضاة المرتشو ورجا ُل

43

ِ الّدين المنافقون وعديمو الضمير والمن ّج مون المحتالون وحشوُد الد ارويش المتنقلة والملحدون الق ارمطة 4 مقاما مرموقا ."

ٍّ كان المعّ ري من الموّح دين، ولكنه رغم ذلك، كما يرى "نيكلسون"، كان مّياال إلى االعتقاد بأن ك َّل شيء في هذا العالم مسير إلى مصيٍّر حتمي ال مفَّر منه بواسطة كائن كلي القدرة، فيه من األسرار ما ال طاقة ّ ّ ّ ٍّ ِ لمخلوق بسبر أغوا رها وال سبيل للنجاة من قدرته التي فاق ْت كل شيء." ُ ولد المعري في سوريا قرب مدينة ٍّ ِ حلب، لك َّن أفكاره تأث ّرت إلى حّ د كبير بعد أن أمضى عاما ونصف في بغداد عاصمة الدولة اإلسالمية آنذاك، "والتي كان يلجأ إليها الكثير من المسافرين والتجار من المشرق ؛ ويوجد فيها من كل عقيدٍّة وطائفٍّة 5 ومذه ٍّب ، كالمسيحيين واليهود والزرادشتيين والصابئين والصوفيين والماّد ي ّين والعقالني ّين."

ولدى عودته إلى مسقط رأسه في سوريا، انتهج المعّ ري التقش َف أسلوبا لحياته، فأصبح نباتيا ، ال يأتي النسا َء ؛ وكونه كان مّم ْن يرفض فكرة البعث والقيامة، فقد اعتبر المو َت خالصا من مآسي الحياة، وهذا ما دفعه إلى رفض الزواج واإلنجاب.

كانت آراء "المعري " تخرجه من المّل ة بشكل واضح، وهذا ما ظهر في بعض أبياته:

هفت الحنيفة والنصارى ما اهتدت ويهود حارت والمجوس مضلل ْه

إثنان أهل األرض: ذو عقـل بال ديــن وآخر ديّ ن ال عقل ل ْه

ٍّ فيسخر هنا من الحج إلى مك َة حيث على المؤمنين الطوا ُف سب َع م ارت حول الكعبة:

ِ ِ ِ َّ ِ ِ ِ ِ َسّبح َو َص ّل َو ُطف بَمك َة ازئ ا ر َسبعي َن ال َسبعا َفَلس َت بناسك

ِ ِ ِ ِ ِ ِ َجه َل الدياَن َة َمن إذا َعَر َضت َل ُه أ َطما ُع ُه َلم ُيل َف بالُمتَماسك

ويقول في موض ٍّع آخَر :

ِ إن الش ارئع ألقت بيننا إ َحنا وأودعتنا أفانين العـــداوات

رغم سلبيته، كان لدى "المعري " جانب إيجابي أكبر؛ حيث دعا إلى العقالنية والسعي وراء الحقيقة بوصف

ذلك مرشدا أخالقيا .

44

ِ قد يكون "المعري " محظوظا إْذ عاش في تلك ال ُحقبة من الزمن، فلو ّقّدَر له أ ْن يكتب اليوم ما كان يكتبه آنذاك ثم ينشر أشعاره تلك على "فيسبوك" لوجد نفسه في مأزق حقيقي، إما بسبب السلطات، أو بسبب

اإلسالميين الذين سيثير ذلك غضبهم. وفضال عن سخريته من القرآن، كت َب المعّ ري "رسالة الغف ارن" مصو ا ر فيها السماء كأنها صالون أدب ي بوهيمي، يشرح هذا الكتاب كيف تفادى المعّ ري النّق اَد ، َف َض َّم َن ِ ِ كتاَبه هجوما صريحا على المفكرين األح ارر؛ في ذات الوقت الذي عّبر فيه عن األمل في أال يكونوا بالسوء الذي ظهروا عليه. يعّل ق "نيكلسون" على المعّ ري قائال : "إ َّن شأ َن المعري في هذا شأ ُن العديد من ق 6 الحكماء في بالد المشر ، مّمن يلجؤون إلى التصنع والتقية كف ٍّّن جميل. "

أنهى المعّ ري مسيرته كشخصية تحظى باحت ارم كبير، على األقل في مسقط أرسه سوريا، فقد وصفه شاع ر فارس ي حين ازره، وكان في السبعينيات من عمره، بأّن ه "عين القوم في بلدته؛ وذلك أَّن ه كان غنيا ِ يب ّج ل ُه أبناء بلدته، ويجتم ُع حوله أكثُر من مائتي طالب جاؤوا إليه من أنحا َء شتى لسماع محاض ارت له في الشعر واألدب."7

ٍّ أّم ا عمر الخّيام المولوُد سن َة 1048 ميالدية، فقد عاش في عصٍّر قريب من عصر أبي العالء المعري ؛ وكان عالم رياضيات وفلك، ورغم أنه فارسي النسب ال عربي ، إال أ َّن شهرته في العالم العربي كانت ُّ ّ ّ ّ ِ ِ توازي شهرته في الغرب، وغالبا ما كان َي ستشه د الملحدون العرُب بكالمه، ورغم أنه ا ْش ت ُه َر بكونه عالما ، إال أ ّن اسمه اقترن بالرباعّي ات، وهي مجموعة قصائَد يتغنى فيها بشرب الخمر، ويسخر فيها من المعتقدات الّدينية أحيانا .

ٍّ اكتسب "الخّيام" سمعته كملحد - ربما عن طريق الخطأ - بسبب هذه األبيات الطائشة، فأصبح بذلك

واحدا من خمسة وأربعين "كاف ا ر"، ابتدا ء بالشاعر الروماني "لوكريتيوس Lucretius" وانتها ء بالناشط المعاصر "آيان هيرسي علي"؛ وقد وصفه الراحل "كريستوفر هيتشنز Christopher Hitchens" في ِ ٍّ كتابه "الملحد الجوال"، قائال : "ُي َش ّك ُك الخّياُم ص ارحة بفكرة أن هللا يتجّلى بذاته لشخص خال َف بقّي ة الناس، ٍّ ٍّ السيما في ضوء حقيقة واضحة جدا هي أ َّن م ْن اّد َعوا تأوي َل الوحي كان ُج ّل هّمهم استخداُم اّد عاءاتهم لتحقيق مكاسبهم وفرض سلطانهم على اآلخرين، ولم يكن الخّيام أول من الحظ هذا الجانب من الّدين، 8 لكّن ه كان من أكثرهم ذكا ء."

45

لكن ثمة مشاكل كثيرة في آ ارئه، فآ ارء الخيام الدينية كانت مثار جد ٍّل وخال ٍّف علمي كبير، فقد اعتبره ْ ُ ُ ّ ّ ُ َ ّ بعض النقاد صوفيا ال ملحدا ، كما ال ُيعرف عدد الرباعيات –المقاطع الشعرية الشهيرة - التي يمكن نسبها له، وفي كتابه "البح ُث عن عمر الخّيام" يقول علي دشتي:

"الحقيقة التي ال مفّر منها هي أ َّن ال ُك تَّا َب الذين عاصروا الخّيام و عرفوه لم يتكّل موا عنه بوصفه شاع ا ر، ولم يقتبسوا شيئا من شعره، أّما في القرنين الالحقين لوفاته بدأ عدّد ليس بالكثير من الرباعيات التي كتبها بالظهور في أعمال متنوعٍّة كالسير الذاتية والالهوتية

والتاريخية، حتى وصل مجموعها إلى ستين رباعية ، وذلك في منتصف القرن ال اربع

عشر، لكنها أخذت تزداد بشك ٍّل م ّطرٍّد إلى أ ْن وصل عددها بحلول القرن السابع عشر ِ ٍّ إلى ما بين 500 إلى 1000 رباعية، يمكن كش ُف زيف كثيٍّر منها ا فور ألسبا ٍّب لغوية وغيِر ذلك."9

وتجدر اإلشارة أيضا إلى أّن ه يجب التعامل بحذٍّر مع النسخة اإلنكليزية الشهيرة المترَج مة "إلدوارد فيتزجيرالدEdward Fitzgerald" ، والتي تعود إلى القرن التاسع عشر، وذلك أ َّن "فيتزجي ارلد" أخَذ هذه القصائد الفارسية على أَّن ها وحي إلهي وأعاد ترتيبها ليوِج د من نسج خيالِه يوما في حياة الخيام، ليصل َ َ ِ ّ من و ارء ذلك إلى ما كان يحب أ ْن يسميها "تحفة مستقل ة تماما "، فانتهج "فيتزجيرالد" الترجمة الحرة، معيدا صياغة الرباعيات لدرجٍّة يصعب معها معرفة المصدر الفارسي لبعض أبياته.

ِ وبصرف الّن ظر عّم ن كتب األبيات األصلي َة ، ما زالت الرباعيات تثير االهتمام باعتبارها انعكاسا لألفكار التي كانت سائدة حينها، والتي كانت ت ُعتَب ر مواضي َع شعرية مشروعة حينها، إّنما قد ال يكون هذا حاَل ها ِ اليوَم، ففي سنة 2013م ُحكَم على عازف البيانو والملحد التركي الشهير "فاضل ساي" بال ّس جن مع وقف ِ التنفيذ إْثَر اتهامه بالكفر و"التحريض على الك ارهية" على خلفية ن ْش ِره عددا من التغريدات، كان من بينها 10 أبيا ت لعمر الخّيام :

تقول إن أنهار النبيذ تتدفق في الجنة

أجن ة هي أم خمارة؟

وتقول إن حوريتين تنتظران المؤمنين؟

46

أَ َجَّن ة هي أم بيت للدعارة؟

ٍّ بحلول القرن التاس َع عشر بدأت أشكال اإللحاد في العالم اإلسالمي تظهُر بشكل أوض َح من ذي قبل، وفي ذلك يكتب "ساميولي شيلكيSamuli Schielke ":

"في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وما تالهما بدأ ْت موج ة جديدةُ من ِ ٍّ الع داء للّد ين تحظى بالقبول في أنحا َء مختلفة من العالم اإلسالمي، بما في ذلك اإللحاُد ، ِ ففي الوقت الذي بدأ فيه اإللحاد بالنمو في ظ ّل اإلمبراطورية اإلسالمية المزدهرة، جاءت ٍّ ٍّ الدورة الثانية لإللحاد في العالم اإلسالمي في ظروف مختلفة كلّيا ، أي في ظل توسع ِ االمب ارطورية األوروبية، والتي ألق ْت بظالل الش ّك على التقاليد المت ّبعة للمعرفة والتنظيم االجتماعي والّدين.

ِ ِ "ظهرْت حرية الفكر والحلقات المناوئة للكهنوتية أوَل األمِر في إي ارَن والهند واالمب ارطورية ِ العثمانية ، وبين المسلمين في روسيا وذلك في النصف الثاني من القرن التاس َع عشر، ِ ِ ِ وكان م ْن أكثر َم ْن ساهم في ذلك المسيحيون والعرُب المسلمون في الواليات العربية ِ ِ ِ الخاضعة لإلمب ارطورية العثمانية ، وحينها ظهرت النْ زعا ُت القومّي ُة المعادي ُة لرجال الّدين وللدين نفسه على نطاق أوسع من الحداثة العلمانية11."

ٍّ رغم أ َّن كثي ا ر مما سبق ُي ْع َ زى إلى التأثي ارت األجنبية أثناء فترة االستعمار، إال أ َّن "شيلكي" َي ستش ِه د بدليل من إي ارن في القرن التاسع عشر كي يشير إلى أ َّن "اإللحاد المعاصر بين المسلمين ليس مجرد نسخة

معَّد لة عن اإللحاد في العالم الغربي، إّن ما استمد جذوره من التقاليد األصلية )المحلية( أيضا والتي تتصف بالهرطقة."

ِ كان اسماعيل أدهم م ْن أعتى الملحدين المصرّي ين في ثالثينات القرن العشرين. وكان كاتبا وناقدا أدبيا من مدينة اإلسكندرية، وكتب في سنة 1936م كتابا يشّك ك فيه بصحة ومصداقية األحاديث النبوي ّة، ٍّ وأرس َل مائة نسخة مجانية من كتابه ذاك إلى علماء الّدين في األزهر وهو المركز القديم للتعاليم اإلسالمية في القاهرة، مما أثار غضب شيخ األزهر محمد مصطفى الم ارغي فتقّدم بشكو ى إلى وزارة ِ الداخلية، ُحظَر بعدها كتا ُب أدهم في غضون أياٍّم، وبعد عام من ذلك، أّل َف كتابا بعنوان "لماذا أنا

47

ِ ملحد؟"، والذي أثار جدال يفوق ما أثاره كتابه السابق وأّد ى إلى صدور رّد ة فع ٍّل ملتهبة من المتدينين المؤمنين.

يقول "شيكلي" معلقا على كتاب أدهَم الجدلي أنه كان مثاليا في طريقة تقديمه للعلوم كالفيزياء والرياضيات ٍّ ٍّ ونظرية التطور على وجه الخصوص كعقيدة جديدة تح ُّل مح َّل العقيدة الّدينية:

"لقد خرج ُت عن األديان وتخلي ُت عن كل المعتقدات وآمنت بالعلم وحده وبالمنطق العلمي ؛ وما أعظم ما كانت عليه دهشتي وع ج بي أ ّن ني وجدت نفسي أسعد حاال وأكثر ّ َ َ َ ّ َ اطمئنانا من حالتي حين كنت أغال ُب النف َس لالحتفاظ بعقيدتي."

ِ ٍّ وتبي ّن بعد ذلك أ ّن أدهم رغم هذا كّله لم يكن ملحدا فحس ُب ، بل وحالما إلى حّد ما، وربما ُي عَ زى ذلك إلى ٍّ ٍّ ٍّ خوفه من أّال تؤخَذ أعماله على محمل الجّد دون مؤهالت جامعية عالية، فجمع أدهم قائم ة متخَّي لة من

المؤهالت المثيرة لإلعجاب وكت َب على غالف أحد كتبه عندما كان ما يزال في الخامسة والعشرين من عمره:

"الدكتور ليت )هون(، دكتو اره في الفلسفة والعلوم )موسكو(، ونائب رئيس المعهد الروسي السوفييتي للدراسات اإلسالمية، وعضو األكاديمية السوفياتية الروسية للعلوم، وأستاذ سابق في الرياضيات العالية في جامعة سان بطرسبرج، وأستاذ في التاريخ اإلسالمي في كلية التاريخ، إسطنبول."

اد عى "أدهم" أن ه كتب أيضا سيرة ذاتية للنبي )باللغة األلمانية(، وثالثة مجل دا ٍّت في الت اريخ اإلسالمي ّ ّ ّ َ ّ ّ ّ ِ 12 ٍّ باّل لغة التركّي ة، ومجّل دين في الرياضّيات والفيزياء )باللغتين األلمانية والروسية (، وثالثة مجلدات عن ِ النظرية النسبية )أيضا باللغتين األلمانية والروسية(، ولم يتضح زي ُف هذه االدعاءات حتى العام 1972م عندما كشفت "مجلة األدب العربي" عن مقا ٍّل قالت فيه:

ِ ِ "لم يحصل أدهم على أيّة شهادة دكتو اره، ولم يكن يوما عضوا في أكاديمية العلوِم، ولم ٍّ ينشر أ ّي كتاب أو مقال، ال بالروسية وال باأللمانية وال حتى الفرنسية، وال صح َة لما قي َل ِ عن تأليفه مجّل دين باللغة التركية بعنوان "تاريخ اإلسالم"، كما ولْم تكن هنالك أي ُة عالقة صداقٍّة بينه وبين المستشرق الروسي "بارثولد" الذي توفي سنة 1930م، أي قبل عاٍّم من ّ

48

ادعاء أدهم بأنه ذهب إلى روسيا، ولم يتل َّق أي إط ارٍّء من المستشرق ال روسي 13 "كازيميرسكي" ألنه لم يكن هنالك شخ ص بهذا االسم أصال ."

وُيعتقد بأن أدهم لم يغادر مصر أبدا ، وقْد تَّم العثوُر عليه ميتا في البحر سنة 1940م، قبال َة شاطئ جليم في اإلسكندرية منتح ا ر وقد ترك رسالة في جيبه، وكان حينها في التاسعة والعشرين من عمره.

ٍّ ُيعتبر عبد الرحمن بدوي )1917-2002م( أول فيلسوف وجود ٍّّي مصرِّي الجنسّي ة، وقد دّرس في ِ الجامعات الليبية والكويتية؛ وأكثُر ما يستحق الذكَر م ْن أعماله كتابُه "من تاريخ اإللحاد في اإلسالم" الذي كتبه في أربعينيات القرن العشرين، وما ازل ُيق أ ُر إلى يومنا هذا. كانت آراؤه معقدة ، ولكنه دافع في سنواته األخيرة عن القرآن وعن النبي محمٍّد ضد هجمات المستشرقين14. ّ ّ ّ ِ ٍّ أّما عبد هللا القاسمي )1907-1996م( فقد ُ وص َف بشكل غير مالئٍّم على أَّن ه عّار ُب اإللحاد في الخليج العربي، وكان من تصريحاته: "إن احتالل اآللهة لعقولنا هو أسوأ ُ أنواع االحتالل؛" وهي مقولة ما ازل ّ ّ ٍّ ٍّ ٍّ الملحدون يرددونها إلى يومنا هذا. ُولد القاسمي في أسرة محافظة في منطقة نجد ، فيما أصبح اليوم ِ ٍّ المملكة العربية السعودية، وقد استه ّل مسيرته كأ ّي عالِم دي ٍّن عاد ٍّّي إلى حّد ما؛ بينما تقول بعض التقارير أّن ه كان متمي ا ز في فترة تدُّي نه قبل أن يتحول إلى اإللحاد. وُشِب ّه القاسمي باب ِن تيمّية عالِم الّدين الذي عاش في القرن الثالث والذي ح ِظ ي بإعجاب اإلسالميين؛ لكن ه طِرد من جامعة األزهر في القاهرة بسبب أفكاره َ َ ّ ُ َ 15 السلفّية .

جاء في ملحوظ ة ُنشرْت على موقع "الصحوة اإلسالمية" من قبل شخص يتضح أّن ه لم يك ْن متفقا مع إلحاد القاسمي : ّ

"انك َّب "القاسمي " على كتب الفلسفة، وكتب بعد بضع سنين كتبا غريبة عن الحداثة، ّ ِ وعندما حاول شيوخ السعودية إسكات ُه، اشتكى إلى الشيخ سّيد قطب زعيِم حركة اإلخوان المسلمين الذي أُعِد م بأمر من جمال عبد الناصر سنة 1966م. دافع سيد قطب، في بادئ األمر، عن حق القاسمي في الكالم، إلى أن تلقى من القاسم ِي مجموعة كت ٍّب ّ ّ ْ ّ َ ٍّ ومقاالت جديدة جعلته في حيرة من أمره، أّدت به إلى اتهامه بمحاولة تدمير اإلسالم، وقد كان سيد قطب محقا في اتهامه ذاك.

49

ارتد "القاسمي " ع ِن اإلسالم بعد ذلك، ع وِ رف عن واحد من أبنائه على األقل أَّنه كان قد ّ ّ ُ َ ّ ارتد عن دينه معه والده وعاش في مصر. لم ي كت ِب النجاح لمحاولة القاسم ِي تأسيس ُ ّ ُ ّ َ ٍّ ٍّ ٍّ ٍّ حركة إلحادية سياسية نتيج َة وقوف جمال عبد الناصر بوجه ذلك وس ْج نه م ارت عدة.

أقاَم القاسم ُّي بعد ذلك في لبنان فترة من الزمن، وانتسب خاللها إلى "الجمعية األدبية" ٍّ ٍّ ٍّ ِ ِ وكان ُيعاَم ل كشخصية اعتبارية هامة، إلى أن التقى في آخَر األمر بالشيخ ابن عقيل ٍّ ٍّ ال ازهرّي في "جاردن سيتي" في القاهرة، وكان هذا األخيُر ذا مي ازت متعددة ،، ودار بينهما ٍّ ٍّ جد ل طويل استمَّر بين أخذ ورّد حتى المساء.

كان القاسم ُّي يقتبس من كتب "إيمانويل كانط Immanuel Kant"، و"جون ستيوارت ِ ميل John Stuart Mill" حرفيا ، وكان يغّي ر موضوع َ النقاش في ك ّل م ٍّرة يستشهد فيها ِ ِ اب ُن عقيل بآ ارء الفالسفة العلمانيين "الكفار" أنفسهم والتي تنتقد هذين الفيلسوفين، وذاك أن القاسمي كان يش ِك ك بوجود هللا مستندا في كالمه بشك ٍّل أساس ٍّي إلى النق ِل الحرفي من ّ َّ ّ ّ ِ كتب فالسفة عصر التنوير، وعصر ما بعد التنوير، وفي ك ّل مرة يوشك فيها ابن عقيل على إقناعه، كان القاسمي يلتفت إلى موضوٍّع آخر يمكنه فيه إثبات وجهة نظره." ّ َ

ويضيف الكاتب:

"كان وحشا متغطرسا طوال حياته، ولم يت ْب أبدا ، إلى أ ْن مات في القاهرة بعد إصابته 16 بالسرطان ميت ة يأمل المرء أ ْن تكون بطيئ ة وطويلة ."

رغم وجود ك تا ٍّب ملحدين كالقاسمي والبدوي اللذان كانا قادرين على التعبير عن آرائهما في المواد ُ ّ ّ المطبوعة، إال أ َّن الجدل العربي في أمور الدين منذ منتصف القرن التاسع عشر وما تاله كان عموما َ ّ ّ يهتُّم بمسألة دور الّدين في المجتمع والسياسة أكثَر من اهتمامه بمسألة وجود هللا من عدمه. ولكي نفهم سبب ذلك، علينا أن نبحث في الخلفيات التاريخية، كانحسار االمبراطورية العثمانية، والهيمنة األوروبية، وصعود الحركات القومية، واالستقالل النهائي، فقد أصبحت أوروبا على وجه الخصوص موضع إعجا ٍّب ٍّ ومصدَر خطٍّر في آ ٍّن معا ؛ فقد كان ُين َظُر إليها، ال كخصٍّم فحسب، بل َك ت َ َح ّ د فات ٍّن أحيانا ، وفي ذلك كتب المؤرخ ألبرت حوراني:

50

"أصبح ْت قوة ُ وعظم ُة أوروبا، والعلوُم والتكنولوجيا الحديث ُة ، والمؤسسات السياسية في الدول األوروبية، واألخالق االجتماعية في المجتمعات الحديثة المواضي َع المفضلة َّ ِ ِ لل ُك ت اب العرب ، وقد أثارْت كتابات ُهْم تلك إشكالي ة أساسي ة تتلخص في كيف للعرب المسلمين واإلمبراطورية العثمانية أ ْن تواك َب التطور الذي وصلت إليه أوروبا وتصب َح 17 جزءا من العالم الحديث؟ "

أخذ ْت بعض المحاوالت البدائية للرّد على هذه األسئلة طاَبعا مألوفا ، حتى في يومنا هذا، ومثا ُل ذلك اإلصالح ُّي التونس ُّي خير الّدين المتوفى سنة 1889م، والذي حَّذ ر المسلمين من معاداة "ما يستوجب ِ ٍّ ٍّ المديح" في الديانات األُخرى، "وذلك ببساطة ألنهم دأبوا على الدعوة إلى تجنب ك ّل فعل أو ُعْرف يصدر 18 ٍّ ٍّ عن غير المسلمين." وقد واجه المسيحيون العرب في ك ّ ل من سوريا ولبنان كذلك تحديات من أوروبا، ولكن بوتي ٍّرة أق َّل . يقول حوراني:

ِ "قد تكون ال ُّس لطة الهرمي ّة للكنائ ِس ، المعتَ رف بها، والتي تدعمها الدولة، عائقا أمام حرّي ة تفكيرهم والتعبير عن أنفسهم، فاتجه بعضهم نحو العلمانية، أو البروتستانتية التي كانت قريبة من العلمانية في مجتم ٍّع تتحدد الهوية فيه على أسس االنتماء إلى جماعٍّة دينيٍّة معينة."19

كان المسلم ون منقسمين، فمنهم من رأى اإلسالم جزءا من المشكلة، ف َس َع وا لتقليص دوره، بينما رأى اآلخرون أّنه يجب تجديده وجعله جزءا من الح ّل ، وقد برز من الفئة األخيرة جمال الّدين األفغاني )1839-1897م( ومحمد عبده )1849-1905م( وذلك في القرن التاسع عشر.

حاول األفغاني الذي يعتقد أَّنه ينحدر من أصوٍّل فارسيٍّة أن يجد سبيال إلى تمكين المسلمين من مواكبة ّ ُ ََُ ّ ْ ٍّ العالم المتحضر بشكل ال ُيفقدهم وفا َء هم لذاتهم، وقد فعل ذلك من خالل اقت ار ِح منهجين للعمل، وصفهما حليم بركات بأنهما "متناقضان، وهما دة العوإلى المصادر األصلية لإلسالم واعتماُد األفكار والتقاليد ٍّ ٍّ ٍّ الليب ارلية األوروبية، بما في ذلك العلوم الغربية واقامة حكٍّم دستورٍّّي ووحدة اجتماعية، واج ارء انتخابات وتمثي ٍّل وطني."20 لكن األفغاني، رغم اندفاعه وحماسته للعلم، فقِد انتقد النظرية الداروينية بشدة. وذهب ّ ّ محمد عبده، تلميذ األفغاني في أفكا ِره إلى أبعد من ذلك في مسعى منه إلى التمييز بين المبادئ األساسية ُ ّ َ

51

لإلسالم، التي كان يعتبرها ثابت ة ودائمة، وبين القوانين والعادات اإلسالمية التي يمكن تكييفها، ولكن بحدود، مع الظروف المتغيرة.

ِ ٍّ أنجب ْت تلك الفترة ذاتُها أوَل المرّ وجين للقومية العربية، في ردة فعل على انهيار االمب ارطورية العثمانية في البداية، وبعد ذلك كانت لمواجهة اإلمبريالية الغربية. باإلضاف ة إلى التشجيع على تعزيز الشعور بالهوي ّة العربي ة، وليس اإلسالمي ة، فأثارت قضية القومية حينها تساؤال ٍّت عن الشكل الممكن للحكم الذاتي وعن ّ ّ ْ ُ ّ دور الّدين فيه، إن كان له دو ر أصال .

كان عبد الرحمن الكواكبي )1849-1902م( ِم ن أوائل م ن طالبوا بفصل الدين عن الدولة في التاريخ ّ ْ َ ْ ّ العربي الحديث، فدعا إلى تبني العلمانية وتشكيل حكوما ٍّت قوميٍّة تستند إلى مبادئ الديمق ارطية

واالشتراكية ومبدأ التسامح والتفكير وتحكيِم المنط ِق، واعتبَر االشت اركي َة هي السبيل للقضاء على ِ االستبداد، وات ّهم المتدينين المقّل دين "بمحاولة فرض سيطرتهم على المؤمنين ال ُسّذ ِج"، وذلك أنهم 21 يستخدمون الّدين "كأداة إلثارة التفرقة" بغية نشر "روح االستكانة واالمتثال."

ألغى مصطفى كمال أتاتورك، العلمان ُّي المتشّدُد، ومؤّس ُس الّد ولة التركية الحديثة، الخالف َة اإلسالمي َة سنة ٍّ ٍّ 1924م والتي بدأت بعد وفاة النبي بأياٍّم واستمّ رت، ولكن بأشكال وأماك َن مختلفة، إلى أ ْن تبناها ن ن ِ ٍّ السالطين العثمانيو في القر السادس عشر. أدى إلغا ُء "أتاتورك" للخالفة إلى بروز محاوالت إلعادة ِ إحياء الخالفة في أماك َن أُخرى ؛ رغم اعتقاد بع ِض المسلمين أّن هم أصبحوا أفضل حاال بدونها، ففي سنة ِ ٍّ 1925م تسَّب َب علي عبد ال ارزق، وهو شي خ من شيوخ األزهر، بإحداث جدل واس ٍّع حي َن أّل ف كتاب "اإلسالُم وأصول الحكم"، والذي اّد عى فيه أ ّن اإلسالم لم يحّد د نمطا محددا للحكم، وبالتالي فإ ّن المسلمين ِ أح ار ر باتخاذ نظام الحكم الذي يرونه مناسبا ، كما أرى أّن ه من الخطأ اعتباُر الخلفاء ممثلين عن هللا في ٍّ األرض، في الوقت الذي كانوا فيه مجَّ رَد قادة سياسي ّين ال أكثر، فأعطاهم هذا االعتقاد الخاطئ مسوغا الستعباد رعايا ُه م باسم الّدين. وقد ُطِرد عبد ال ارزق حينها من األزهر بسبب آ ارئه تلك.

ِ ِ وبالنظر إلى هذه الخلفّي ة، فإّن ه من غير المفاجئ أ ْن رّك زت النقاشا ُت في الّدين على القضايا ذات األهمية العملّي ة اآلنيّة أكثر من تركيزها على طرح األسئلة المجّ ردة عن وجود هللا. أنجب القرن العشرون الكثير من المفكرين العرب ممن مالوا إلى العلمانية كطه حسين ونجيب محفوظ الحائِز على جائزة نوبل في 22 األدب، أّم ا عدد الذين وصلوا إلى اإللحاد )س ا ر أو عالنية( فهو مح ُض تخمي ٍّن ال يمكن الجزم به .

52

ِ ِ ِ ِ كان للماركسية أتباع ُكث ر م َن العرب في العقود التي تلت الحرَب العالمّي َة الثاني َة، ارفقتها أفكا ر علمانية طغى عليها فيما بعد صعود اإلسالم السياسي، فبالرغم من ميل الن اس للت عبير عن إلحادهم بطريقٍّة غير ُ ّ ّ ٍّ ٍّ ِ ِ ِ مباشرة عبر نقاشات في الوجودّية على سبيل المثال، إال أ َّن الجَّو في ذروة اليسارية العربية كان ُم هيأ ٍّ بشكل أكبَر للتشكيك في األديان مّم ا هو عليه الحا ُل في اآلونة األخيرة.

ٍّ ٍّ ٍّ ما ازلت "بدرة"، وهي ناشطة نسائية والأدرية لبنانّية، تتذكُر حاالت في ك ّل من لبنان وسوريا؛ "حيث لْم يك ِن اإللحاد في عزلٍّة، بل في مجتمعا ٍّت" وتضيف قائلة :

"لْم أك ْن جزءا من هذه المجموعات، إّن ما كان لي أصدقا ُء فيها، وعندما انتقلت للعيش في بيرو َت اكتشف ُت عاَلما موازيا فيه جيل من البشر ينتمون إلى هذه الخلفية ممن نش ؤ وا ضمن هذه المجموعات الشبابية اليساري ّة وتربوا على هذه القيم، خصوصا فيما كان يسمى "الحركة الوطنية اللبنانية" التي ضّم ت كال من الحزب االشت اركي برئاسة كمال جنبالط والحزب القومي السوري االجتماعي والشيوعيين.

ِ أضف إلى ذلك أ َّن اإللحاد، وا ْن لم يتَّم التعامل معه كموضوع بحّ د ذاته، إال أ َّن المثقفين الذين نشطوا خالل فترة الحرب األهلية كانوا يتبَّن ون الفكر العلماني ويحرضون ضَّد ٍّ األديان في مواض َع كثيرة. وكانت الحياةُ الثقافي ُة في بيروت تزخُر باألمثلة واإلشارات إلى ن الوجودية والعبثّي ة، وخاص ة المسرُح التجريب ُّي في ستينيات القر العشرين، ثّم خالل ِ ِ الحرب األهلية، مّم ا أثر في ثقافة الدول العربّي ة في ذلك الوقت. ويصّ وُر أد ُب الحرب ِ ِ ِ 23 األهلية اللبنانّية الكثيَر م َن اآلراء اإللحادية. "

كانت خمسينيات وستينيات القرن العشرين، كما يرى "شيلكي"، حقبة ساد فيها تفاؤ ل كبي ر ُيعَّ وُل عليها ٍّ مستقب ل اشت ارك ي تقدم ي ، حيث كان التدّي ُن في ت ارج ٍّع بين ال ّس كان المدنيين من ذوي الثقافة العالية، في ك ّل ِ م َن الشرق األوسط وجنوب آسيا، إّال أ ِّ ن هذا األمر تغّي ر الحقا مع صعود الحركات اإلسالمّي ة في المنطقة وانهيار الش يوعي ة في أوروبا الشرقية. برغم ذلك كله كان "شيلكي" يرفض، إلى حٍّد ما، سعي ّ ّ ّ َ ِ الماركسية لمواجهة الّدين، فقد كانت اآل ارء اإللحادّي ة، وا ْن تَّم اإلشهار بها، تعكس غروَر النخبة أكثَر م ِن ِ ِ ا تّخا ذها شكل العدائية البغيضة لرجال الّدين في أوائل القرن العشرين." على العموم، ناد ا ر ما رّوَج الشيوعيون واالشت اركيون لإللحاد علنا في الّد ول المسلمة، ويقول "شيلكي": "على العكس من ذلك، فعادة

53

ما كانوا يحاولون مواجهة الّد عاية المناهضة للشيوعّي ة بقولهم إ َّن اإلسالم، إن تم فهمه فهما صحيحا ، يواف ُق االشت اركية تماما ." قد يكون هذا موقفا تكتيكيا لتجنب المواجهة المباشرة مع الّدين، إال أن "شيكلي" 24 يرى أ ّن هذا الموقف ينسجم في الواقع مع معتقدات غالبية ال ّش يوعيين في العالم اإلسالمي .

كانت جمهورية اليمن الديمق ارطية الشعبية تمثل النموذج التاريخي الوحيد للحكم الماركسي اللينيني في َ َّ َ ّ ّ الشرق األوسط، حين تأ َّس ست في جنوب البالد، وذلك بعد انسحاب بريطانيا من عدن سنة 1967م، وكانت حكومة هذا البلد تطمح إلى بناء مجتم ٍّع "عقالني اشت اركي" في أرض أسالف عائلة أسرة بن الدن، ّ ٍّ إال أّن ها وجدت نفسها مضطرة لمواجهة مسألة كيفية التعامل مع اإلسالم، فاتخذت إج ارءات صارمة ، وعنيفة أحيانا ، ضّد المؤسسة الّد ينية كتأميم األوقاف وتوظيف رجال الّدين لدى الدولة.

بإحكام سيطرته على المؤسسات الّدينية، انتهج النظاُم القائُم نهجا معقدا ، عمال بمشورة من الكتلة السوفييتية على ما يبدو، ويقال أ َّن اللجنة المركزية للحزب الوحدوي االشت اركي في ألمانيا الشرقية قد ّ ّ ِ أوصت النظاَم اليمن َّي بما يلي:

"إ َّن الّدين ُيستعمل كسالح ضّد كم، فلما ال تستعملون السالح ذاته ضَّد أعدائكم؟ لماذا تتخلون عن المبادرة لحساب الرجعيين واالنتهازيين؟ لم ال تكون المبادرة للتقدميين؟ لم ال

تقولون إننا ضّد ال أرسمالّي ة االستغاللي ّة؟ وقولوا في نفس الوقت إن سيدنا محمدا كان ضّد ال أرسمالية االستغاللية؟ فما من قا ٍّض وال فقيٍّه يقدر على اإلتيان بن ٍّص قرآني أو حديث ّ ّ نبوّي يثبت أن النبي محمد كان يؤيد ال أرسمالية االستغاللية، فالواقع أنه كان ضد االستغالل."25

دفع ذلك حكومة اليمن الديمقراطية الشعبية إلى الترويج لنمط من اإلسالم االشت اركي يحتف ل فيه بعيد َ ّ ُ َ ُ ِ ميالد "لينين" إلى جانب العديد من االحتفاالت الّدينية التقليدية. من وجهة نظر النظام الرسمية لم يكن هنالك أي تناق ٍّض حقيق ٍّي بين االشت اركية واإلسالم، رغم غياب اإلجما ِع على هذا األمر كما كان يبدو في ّ اليمن الجنوبي، فقد كان هنالك إسال م لألغنياء وآ َخ ُر للفقراء كما يقول سليم صالح محمد، الشخصية البارزة في الحزب، فالفق ارء يَ رون أ َّن اإلسالم نادى بالعدالة االجتماعية ووضع حّد ا لالستغالل، بينما 26 األغنياء يستغلون الّدين "لتحقيق أهدافهم الرجعية الخاصة على حساب منفعة الشعب وكدحهم،" كما ٍّ ٍّ وّفر ذلك أساسا لسياسة خارجية صورت اإلسالَم على أّن ه ُعرض ة للتهديد من قبل االمبريالية، رغم أ َّن

54

اليمن الجنوبي في الحقيقة كان هو البلد العربي الوحيد الذي أَّيد الغزو السوفييتي ألفغانستان سنة ّ َ 1979م، واستمر في دعِم النظام في كابول ضّد المجاهدين فترة من الزمن.

كان هنالك بعض أوجه ال َّش ب ه بين هذا النوع من اإلسالم االشت اركي في اليمن الجنوبي وبين الحركة ُ َ ّ "الالهوتية التحريرية" الكاثوليكية الُّ رومانية التي ظهرت في أمريكا الالتينية، والتي كان اهتمامها ُم ْن َص ب َّا على الفقر وغياب العدالة االجتماعية، مما دفع الفاتيكان إلى اعتبارها حركة سياسية بحتة تنقصها الروحانية. وفي د ارسة عن التعايش اله ّش والمضطرب بين اإلسالم والدولة في جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، عّلق "نورمان سيجار" بالقول "إ َّن االشت اركيين اليمنيين تعاملوا مع اإلسالم كظاه ٍّرة اجتماعيٍّة ٍّ ٍّ 27 اقتصادية معنية بعاَل منا فقط، في حين أنههم تجاهلوا أو رّبما هّمشوا الجوانب األُخرى من اإليمان."

وعلى الص عيد المحلي ، سعى االشت اركيون إلى تقلي ِص دور الدين في الحياة اليومي ة كلما أمكنهم ذلك، فتم ّ ّ ّ ّ َّ استبدا ُل قانون الشريعة بقوانين علمانية في معظم المناطق، بما في ذلك قانون األسرة، إال أ َّن النظام ِِ ِ ت ارجع عن إلغاء قانون المي ارث المستند إلى الشريعة اإلسالمّي ة. كان إصال ُح قانون المي ارث من أولويات االشت اركيين باعتباره ال يكفل المساواةَ في تقسيم الثروة، لكن حال ْت مخاو ُف من أ ْن ال يقب َل الشعب باألمر دون إصالحه.

في البلدان العربية، كانت صحف اليمن الجنوبي هي الوحيدة التي لم تنشر مواقيت الصالِة أو الصياِم في ُ ّ شهِر رمضان، إال أّنها كانت تسمح، ولو على مضض، بالصيام في شهر رمضان، وكان التلفزيون الرسمي يبث ب ارمج عن الط بخ في وقت صيام المسلمين، وساد تذمر ِم م ن كان يتغي ب عن العمل في ّ َ ّ َ َّ ْ ّ ُ شهر رمضان. وفي ذلك تقول "سيكار":

ٍّ "كانت وسائل اإلعالم الحكومية تنتقد باستم ارر تأخَر الموظفين في الق ّط اع العاِّ م عن الوصول إلى عملهم بح ّج ة أّن هم متعبون من سهر الليلة الماضية، وانص ارَفهم من العمل ٍّ باك ا ر بعد القيام بقسط قلي ٍّل من األعمال فقط. ويذكر أيضا أ ّن الكثير منهم كانوا يتظاهروا بالمرض كي يتغيبوا عن العمل."28

ِ ُقبي َل توُّح د شطرّي اليمن ووصول الماركسيين إلى ُس َّد ة الحكم سنة 1990م، كتبت "سيكار": ٍّ ٍّ "رغم سعي الدولة إلى غرس نظاٍّم ذي عقيدة ماركسية، إّال أ ّن القسم األكبر من سكان جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كان اليزال، على ما يبدو، عمي َق التأث ِّر باإلسالم 55

ٍّ بشكله التقليد ّي، إال أ ّن مؤش ارت قوي ة تشيُر إلى أ َّن السكان عموما كانوا منقسمين حول نظام الحكم، حتى أ ّن القيادةَ ذاتَها اعت رفت بوجود هذه الثغرة في شرعّي ة حكمها، فقد ِ اشتكى علي سالم ال بي ْض ، على سبيل المثال، وهو األمين العاّم للحزب االشتراكي ِ اليمني، في خطابه األخير، من "العقلية المتخلفة" ألبناء شعبه، واّد عى أ ّن زمن الشيوخ والسالطين اإلقطاعي ّين قد ول ّى، إال أ ّن عقليتهم وثقافتهم مازالت كما هي."

لم يكن علي سالم البيض ذاتُه بمنأ ى عن تأثير هذه العقلية، فقد تّم تعلي ُق جمي ِع أنشطته في الحزب بين 29 عامي 1979 و1980م بسبب ممارسته لحّق ه بالزواج من زوجٍّة ثانية .

َّ ِ ِ أد ت الهزيم ُة الُم ذّل ة للجيوش العربية في حرب حزيران سنة 1967م أماَم إس ارئي َل إلى ت ارج ِع القومي ّة العربيِة والفكِر العلمان ِي الذي طالما صاح بها، و أرى البعض أن هذه الهزيمة العسكرية جاءت عقابا من هللا ّ َ ّ للمسلمين النح ارفهم عن الطريق الصحيح. ويرى صالح الّدين المن ّجد، وهو باح ث سور ي انتهى به المطاف أ ِن استقّر في المملكة العربية السعودية، في كتابه "أعمدة النكبة: بح ث علم ي في أسباب هزيمة ِ 30 5 حزيران" أ َّن العرب قد ُهزُموا في الحرب بسبب "تخليهم عن إيمانهم باهلل، لذا فقد تخلى هللا عنهم." كما وت ُبين عناوين كتبه السياسية األخرى ُوجهة نظر منجد العامة التي تتضمن "بلشفة اإلسالم" و "وهم االشتراكية."

ِ أّم ا قسطنطين زريق، السورِّي المولد ، فقد قّد م تفسي ا ر مختلفا لهزيمة العرب في كتاب نشره في خمسينيات القرن العشرين تحت عنوان "معنى النكبة" يتحدث فيه عن طرد الفلسطينيين من ديارهم خالل فترة إنشاء

دولة إسرائيل، وبعد حرب حزيران سنة 1967م نشر كتابا آخر بعنوان "معنى الّن كبة مجددا " ع از فيه سب َب الهزيمة الرئيس في حرب حزي ارن إلى الُّ ركود في المجتمع العربي، فقد كان العرب، على حد قوله، بحاجٍّة َ ّ ّ إلى االنتقال من مجتم ٍّع يؤِم ن باألساطير، ويغِلب العاطفة والمشاعر ، إلى مجتم ٍّع علمي وعملي َُّ َ ّ ّ وعقالني 31. ّ ٍّ ِ وما يثير االهتمام أ َّن زريق ينحدر من أس ٍّرة مسيحية أرثوذكسية، غير أّن ه أرى دو ا ر إيجابيا لإلسالم وارثه الثقافي في القومية العربية، بشرِط فهِم "الطبيعة الحقيقية" لإلسالم، ويرى أ َّن التاريخ بين كيف أ َّن الحضارة ّ ّ َّ العربية ما ازدهرت إال بازدهار اإلسالم، وأنها تراجعت عندما ات ب َع العرُب الّدين بطريقة عمياء.

56

ٍّ ورغم أ ّن سنة 1967م كانت ت َُعّد نقط َة تحول انقلبت فيها الموازي ُن ضَّد القومية العلمانية، إال أ َّن ذلك لم يتجلى عمليا إال بعد قيام الثورة اإلي ارنية سنة 1979م، حين بدأ اإلسالم السياسي يظهر كقوٍّة أساسية في ّ البلدان العربية، وقد ساهمت حرب حزيران سنة 1967م في تمهيد الطريق لذلك. لقي ْت النظرية القائلة بأن

تلك الهزيمة في الحرب جاءت كعقاب من هللا قبوال واسعا ، حيث أعفى ذلك العرَب من الحاجة إلى القيام ٍّ ٍّ بأ ّي شيء سوى التم ُّس ك بالّدين بشكل أكبر، فكان لذلك آثار سلبية بدال من أن تكون محّف زة.

ن كانت الصحوة اإلسالمية في أواخر القر العشرين بعيدة كل البعد عّم ا كان يصبو إليه اإلصالحيون في ِ ِ ِ ِ ِ المائة عاٍّم المنصرمة عندما كانوا يْ و ُص ون بتََبّني األفكار "الجديرة بالثناء " من الّد يانات والثقافات األخرى، لك َّن ما ظهر كان ضربا من عودٍّة باإلسالم إلى عهدِه األوِل، إسالٍّم يرفض "البدع واألفكار الغريبة" باسم ِ األصالة، في الوقت الذي كانت فيه هوي ّة اإلسالم ت ُْب َن ى، في جزٍّء منها على األقل، على خياالت الماضي، فكان اإلص ارُر ال ّش ديد على التفسي ارت المتشّد دة لل ّش ريعة اإلسالمية أحَد هذه الجوانب، يضاف إلى ذلك جانب آخر هو التدين الواضح جدا، ي ت وَّق ع فيه من المؤمنين إظهار سلو ٍّك إسالم ٍّي قويٍّم من ُ ََُ ُ ُ ّ خالل م ارعاة قواعِد سلو ٍّك مقر ٍّرة مسبقا ، والتي كلما ازدادت تشددا ، ازداد تمثيلها للهوية اإلسالمية،

وبالتالي، ازد شعور َم ْن يلتزم بها بأنهم مسلمون صالحون .

يمكن العثور على تلك القواعد في الكثير من مواقع األنترنت، كموقع "مت ّقون على الهواء"، والذي يقدم إرشادا ٍّت مفصلة عن اللباس الشرعي للرجال، فيقول إن مالبس الرجال يجب أن تغطي كامل الجسد دون ّ ّ ْ أ ْن تصل إلى الكعبين وأال تكوَن ضيقة، كما ت َعتبُر اللونين األبي َض واألخضَر لونين مالئمين للرجال، على عكس اللون األحمر، ما لم يختلط بلوٍّن آخر، كما تنهى عن إدخال طرف القميص تحت البنطال.32

وفي سنة 2006م، حدث في مصَر جد ل ُملف ت عندما حذر الدكتور ارشد خليل، وهو خبي ر بالشريعة ِ اإلسالمية في األزهر، م ْن أ َّن التعرَي الكام َل أثناء الجماع يبطل الزواج، إال أ َّن رجال دين آخرين سرعان ما رّدوا عليه هذه المسأل َة ، حتى أ ّن أحدهم قال: "يجب السماح بك ّل ما َي زيُد التقرَب بين الزوجين." كما ِ ِ قال عالم دي ٍّن آخُر أّن ه يجوز للزوجين رؤية بعضهما ع ارة فيما عدا أعضائها التناسلية ، ناصحا بممارسة ٍّ ِ الجنس تحت غطاء لتجنب الوقوع في مشاك َل من هذا القبيل. ومن أكثر األمثلة غ اربة فيما يتعلق ب َس ّن ِ ِ األحكام الشرعية ما حد َث في الع ارق سن َة 2008م عندما َع َم َد المتشددون إلى فرض عزل الخضار على ِ َّ أساس "الجنس"؛ فقد اد عوا أ َّن الطماطَم مؤنثة بينما الخياُر مذك ر، لذا فإ ّن على بائعي الخضار تجن ُب ِ ِ 33 وضعهما جنبا إلى جنب، وأ ّن على النساء عدم ش ارء الخيار أو حتى لمسه .

57

ال غرابة أ ْن تدفع مواق ُف كهذه النا َس إلى االبتعاد عن اإلسالم، في حين يرى آخرون أّنها من أسباب البقاء في ظل الّدين، ولو باالسم فقط، لكي يتحدوها بفاعلية أكبر، ومنطقهم هنا أ ّن االستماع َ إلى ٍّ انتقادات لهذه المواقف أفض ُل، في حال صدرت عن "اإلصالحيين" المسلمين، أو عن المسلمين "التقدميين" أو حتى عن العلمانيين المؤمنين، مّم ا إذا صدرت عّم ن يرفضون اإلسالم رفضا كليا ، وال يعني ذلك بالضرورة أ ّن اإلصالحّي ين أو العلمانّي ين وغيرهم كاذبون، إال أ َّن من بينهم من يمكن وصفهم بانهم مؤمنون "تكتيكيون" يستحيل تقدير عددهم.

أما غسان عبدهللا فقد استعرض أعمال نحو عشرين مفك ا ر علمانيا في مقال نشره سنة 1999م تحت

عنوان "العلمانية الجديدة في العالم العربي"، فكان من المالحظ أ َّن أّي ا منهم لم يوصف في المقالة بالملحد، وعند سؤاله عن السبب، أجاب غسان عبدهللا أنه يعتقد أن نسبة كبيرة منهم ملحدون أو منكرون

لوجود هللا على األقل، فكثي ر منهم كان قد أقّر بذلك سّا ر، ويضيف قائال : "إ ّن نقَد اإلسالم في العالم العربي بالكتابة ليس قضي ة سهلة وال آمنة، ولكن عندما نق أر ما يكتبه العقالنيون باللغة العربية فإننا نطّ ور فكرة عَّم ا كان يقصده هؤالء الكتّاب عندما يستخدمون أسالي َب محددة للتعبير عن أفكارهم، وبالتالي يمكننا ن 34 استبصاُر مواقفهُم التي ال يجرؤو على البوِح بها ص ارحة ." ِ أحد الذين تناولهم مقا ُل عبد هللا هو عبد هللا محمد شحرور؛ وهو أستاذ سوري في الهندسة، كان فد نشر بدوره كتابا سنة 1990م حّل ل فيه نصوص القرآن. قادته عشرون عاما من البحث إلى االستنتاج بأ ّن الد ارسة الدينية التقليدية غير علميٍّة ، فاتخذ شحرور موقفا مناهضا لإلسالم بشك ٍّل أساسي ، وذلك في ّ ُ ّ مسعى منه للتوفيق بين اإلسالم والفلسفة الحديثة ووجهة النظر العقالنية للعلم والعالم، فكانت رؤيته َ ِ 35 للشريعة هي أ َّن الحكَم باسِم هللا كذبة كبيرة يستغلها من يريد الحفاظ على السلطة السياسية ، ورغم انتقاداته المتكررة للطريقة التي ُيمارس بها اإلسالم في الوقت ال ارهن، إال أنه ظ َّل مترددا في نبذ الّدين بشك ٍّل كامل، لك َّن قبول ه به بدا كخضوٍّع للواقع السياسي ال خضوعا هلل. يقول شحرور" َ ّ ق "بما أ ّن للّد ين دوَره المعيارّي الهاّم في مجتمعات الشر األوسط، فإنّي أعتبر تجاهله مستحيال ، وقد جَّرب الليب ارليون فع َل ذلك، إال أنهم فشلوا في محاوالتهم إسقاط ال ّص بغة السياسية الغربية على الدول العربية أو المسلمة، كما أ ارد الماركسيون فرض العلمنة في مسعى لتدمير الدين، ففشلوا أيضا ."36 ّ

58

ويعتبر موقع "مركز بحوث الدين" اإللكتروني والذي يصف نفسه بأنه "مركز أبحاث حديث إسالمي" مثاال ّ ّ ِ آخر على ذلك، فبدال من نبذ اإلسالم، يقول الموقع أ ّن هدفه "تحدي ُث رؤيتنا للقرآن وتوسعتها من أجل 37 توضي ِح حاالت سوء الفهِم، وفهم رساالته وامكاناته التي تم إهمالها." يقتبس الموقع من القرآن بشكل متكرر ودقيق، إال أ َّن القائمين عليه يوظفون القرآن في تقديم شيء ما يختلف عن تفسيرات اإلسالم السائدة في يومنا هذا، وفي ذلك يقول الموقع المذكور:

"نؤمن بأ َّن القرآن يرفض جميع أشكال الخرافات والعبادة العمياء والتمييز والظلم والعدوان

واالستبداد ونظام الحكم الّديني والتقاليد القمعية، كما نؤمن بأنه يوفر ويدعم األطَر العلمي َة غيَر المتزّمتة والديمق ارطي َة واالجتماعي َة واالقتصادي َة والعالمي َة التي تُفضي إلى ٍّ ِ ح ّل مشاكل اإلنسان المتعلقة بالحرب والقمع والجوع والعنصرية والتمييز والتخلف والجريمة التي رافقت اإلنسان منذ النشأة األولى لحضارته."

كما ويتفادى الموقع اإللحاَد الصري َح من خالل إعادة تعريف هللا فيقول:

ٍّ "نحن ال نؤمن باإلله كما ي اره التياُر الرئي ُس في األديان، بل نؤمن بإله، أو باألحرى بقوة ٍّ ٍّ ال ندركها، ليس له شك ل أو مكا ن، وليس له في المحصلة أّية منفعة شخصية، لكنه في ِ الوقت ذاته ال يتالعب بالبشر تال ُع َب الملك المستبّد الطاغية. ونحن ال نؤمن بالعبادة التخليصية، أو بأموٍّر خارقة للطبيعة؛ سيكون في هذا العالم مفاجآ ت لإلنسانية، ال ٍّ 38 حصَر لها؛ إال أنها جز ء من َخ ْل ٍّق واحد، فاهلل هو الكام ُل الذي لم ُيخَلق."

إ َّن للُن َس ِخ التقدمية من اإلسالم الكثيُر من الخصائص الّن مطية، أهّم ها أنهم يناقشون نظرتهم للقرآن من الناحية التاريخية على أ ّن أحكامه التي كانت تنطبق على زمن النبي يجب أ ْن ت َُف َّس َر اليوَم على ضوء الظروف المتغيرة، وهذا مناق ض لوجهة نظر اإلسالميين المؤمنين بوجوب الت ازِم القرآن حرفيا ال تاريخيا ، وأ ّن رسالته ال تتغّي ر بتغيِر الزمان والمكان، كما ويميل المسلمون التقدميون إلى رفض مرجعية األحاديث النبوية، ويرفضون الشريعة إذا ما مورست بشكلها التقليد ّي ويفضلون الدولة العلمانية عليها.

إ َّن غيَر المؤمنين الذين قابْل ت ُهم لغرض تأليف هذا الكتاب منقسمون حوَل ما إذا كان إصالح اإلسالم ممكنا ، فقد أرى البعض، أو تمن ّى على األقل، أ ْن يكوَن ذلك ممكنا . يرى جمال، وهو ملح د مصر ي، أ َّن اإلصالح ممكن جدا ، إال أنه لم يكن مقتنعا بفكرة أ ّن هنالك نسخ معتدل ة لإلسالم وأخرى ارديكالية، وعّدها

59

ٍّ ِ قضي َة اختالف بين الدعاة في طريقة تقديم الّدين "لكي تالئم هموَم ومخاو َف ش ارئ َح معينة من المجتمع.39" أما "بدرة" الكاتبة اللبنانية المناصرة للمرأة فتقول: "أنا ال أؤمن بإسالم أكثر ليبيرالية، فهنالك الكثير من الحركات الجديدة التي تشير إلى نصرة اإلسالم للمرأة؛ لكنني ال أؤمن بذلك، وربما يعزى ٍّ السبب في ذلك إلى أ َّن أول تواصل لي بالن ّص القرآني لم يكن إيجابيا تماما ، وال يمكن للمرء أ ْن يجمع بين ٍّ 40 أ ْن يكون مسلما صالحا - أو إلى حّد ما مسيحيا صالحا - ونصي ا ر للم أرة في الوقت نفسه". أما "أحمد سعيد"، وهو يمني، فيقول إنه كان مسلما تقدميا جدا قبل أن يرتد ع ِن اإلسالم، وهو اليوم أكثر ريبة في ّ ّ َ ُ إمكانية النجاح من ذي قبل، ويقول في ذلك: "لطالما َوَقَر في قلبي أ ّن في اإلسالم عيوبا ، لذا علينا ِ ٍّ إصال ُح ه وتطويره، كما أ ّن علينا أ ْن نعّزز إنسانيتنا وأ ْن نكون أكثر تحض ا ر؛ إال أ ّن الح ّل لم يأت بنتيجة ِ ٍّ مع الكثير من المسلمي َن، فقد ُغسل ْت أدمغتهم بشكل كبيٍّر. أعتقد أ ّن التعليم هو الح ّل، فإ ْن وّفرنا للمسلمين 41 تعليما قويا وشامال ، سيكتشفون الحقا أ ّن علينا أ ْن نكون بش ا ر قبل أن نكون مسلمين."

س ِئ ل الملحد المغربي قاسم الغ ازلي في مقابلٍّة أجرتها معه إحدى المجالت فيما إذا كان يعتقد بإمكانية ُ َ ّ ُ ِ إصالح اإلسالم، كما هي حا ُل بعض الطوائف المسيحية، فأجاب:

َِّ "ال يمكن في رأيي إصالح أو تنوير اإلسالميين ال ُسنة أو الشيعة ألنه ال توجد كنيسة إلصالحها، ففي اإلسالم نحن خاضعون لسلطة وتعاليم كتاب مقّدس، وهويت ُنا وفهُم نا ألنفسنا ينُبعا ِن من القرآن، ولو أ َّن المسلمين تمكنوا من استخدام عقولهم، دون الرجوِع 42 إلى كتا ٍّب يعتقدون أنه كالم هللا، ألمكنننا التحد ُث حينها عن التنوير."

إ َّن القرآن هو النقطة التي يتقاطع عندها الملحدون واإلسالميون اإلصالحيون ؛ ففي الوق ِت الذي يتَّفقون فيه على العلمانية، يستمُّد اإلصالحي ون ح ججهم في العلمانية من النص القرآني، وبقدر ما يحاولون إعادة ُ ّ ّ ّ َ تفسيره ليالئم عالمنا الحديث، إال أ ّن القرآن يبقى السلط َة أو المرجعية التي يلجؤون إليها في نهاية المطاف من أجل إثبات صحة آ ارءهم، وفي ذلك يختلف معهم الملحدون اختالفا كبي ا ر."

60

الفصل الثالث: كتا ب هللا

تحتاج األديان إلى إبراز مؤهالتها السماوية )أو اإللهية( وذلك الجتذاب أتبا ٍّع لها؛ فالمسيحي ُة اعتمد ِت ٍّ على قصص تسرُد معج ازت ال ّس يد المسيح، كتحويل الماء إلى خمٍّر ، وطرد الج ِّ ن، ومداواة المرضى ِ بالمسح عليهم ... الخ، وبلغت هذه القصص ذروتها في قصة بْع ث المسي ِح بعد الموت من جديد. ِ ِ يصع ُب تصدي ُق مثل هذه القصص بطبيعة الحال؛ ما حدا بالعديد من الناس للقول بأنها لم تحدث أصال ، ِ أو القول بعدم أخذها بحرفيتها. أّما بالنسبة ألولئك الذين يمكن إقناعهم بمثل هذه القصص، فنقطة قوتهم ِ هي في هذه الالمعقولية ، وهي حقيق ُة أ َّن البشر العاديين ال يستطيعون اإلتيان بالمعج ازت مّم ا أَّد ى إلى استنتاج مفاده أنها ال بد أن تكون من تدبير هللا.

يعتمد اإلسالم أيضا على المعج ازت، ولكن ليس بالدرجة نفسها. وخالفا للمسيح الذي ُزعم أّهن ابن هللا فالنبي محمد إنسان عادي، رغم أنه "المختار" من قبل هللا، فقد ت وِف ي وفاة طبيعية ولم يبعث إلى الحياة ّ ُُ ّ َ ُ ِ بعد ثالثة أيام؛ أّم ا المعج ازت التي ارتبطت بالنبي محمد فهي قليلة ، وليست أسا َس الّد ين اإلسالمي. م ْن هذه المعجزات اإلس ارء بالنب ِي محمٍّد من مكة إلى القدس وع ودته - ذهابا وايابا قاطعا أكثر من 1500 ُ ّ ميال - وأنه عِرج به من القدس إلى السماء في الليلة ذاتها1، ومنها ما ورد فيمن طلب من النبي آية على ُ َ َ ّ ِ صدقه، فما كان منه إّال أ ْن أشار إلى القمر فاْنش َّق القمر، وقد دأبت التقاليُد اإلسالمية على االحتفاء بذكرى هاتين المعجزتين، رغم أ ّن القرآن لم يشر إليهما إال بآيات قليلة، ودون ذكر التفاصيل في اآليتين َِّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َِّ ِ ِ التاليتين: " ُسْب َحا َن الذي أَ ْسَرى بَعْبده َلْي ال م َن اْلَم ْسجد اْل َحَارِم إَلى اْلَم ْسجد اْألَْق َصى الذي َباَرْكَنا َحْوَل ُه لُنرَيهُ ِ ِ َِّ ِ ِ ِ م ْن َآَياتَنا إن ُه ُهَو ال َّس مي ُع اْلَبصير" )سورة اإلس ارء: اآلية 1( و "اْقتََرَبت ال َّسا َع ُة َ وان َش َّق اْلَقَمُر" )سورة القمر: اآلية 1)

غير أن المسلمين يعتبرون القرآن نفسه أهَّم معج ٍّزة في اإلسالم، ويختلف اإلسالم في هذا الصدد اختالفا

كبي ا ر عن المسيحّي ة، فالمسيحي ّون غالبا ما يصفون االنجيل بأنه "كالم هللا" ووحي إلهي، وال يزعمون أّن ه ٍّ من تأليف هللا، إّنما مجموعة نصوص من مصادَر بشرية، أّم ا القرآن فيقال أَّهن كالم هللا مباشرة ، أنزله ِ على النبي محمد عن طريق جبريل، وُي َش ّك ُل هذا الزعم جوهر اإلسالم، فال إيما َن بدونه، وبالتالي هو ِ ن ن االّدعا ُء الذي يتفانى المسلمو في إثبات صحته، والمشككو في دحضه.

61

ن ِ استخدم المسلمو بعض الحجج في إطار جهودهُم ال ارمية إلى إثبات األصل اإللهي للقرآن، وترّك ز هذه الحجج على أن النبي محمد أهل للثقة، وعلى تمُّي ِز القرآن وتفرده في اللغة واألسلوب األدبي ، والحفاظ ّ ِ الدقيق على النص على مدى قرون، إضافة إلى األدّل ة بين ُدَّفتيه، كالتَّنُّبِؤ باألحداث والكشوف العلمية.

تسعى ال ُح ّج ة األولى إلثبات أ َّن محمدا كان شخصا نزيها وصادقا في إيمانه وأ َّن القرآن رسالة من هللا. يقول الشيخ محمد صالح المنجد، وهو رجل موظف لدى حكومة المملكة العربية السعودية:

"اصطفى هللا محمدا رغم أَّن ه عاش يتيما وكان أمّي ا ، ال يعرف الق ارءة أو الكتابة؛ وقد اجتمعت فيه كل الصفات والفضائل الحميدة إلى درجة الكمال، األمُر الذي ال يمكن ألحد آخر أن يمتلكه باستثناء األنبياء الذين حفظهُم هللا وهداهم. هذا المزيج من ال ّ صفات المثالية هي واحدة من أعظم البراهين على صدق نبوته، عليه الصالة والسالم."2

كما ويستشهد معهد التربية والمعلومات اإلسالمية في الواليات المتحدة بأمَّي ة النبي محمٍّد كدلي ٍّل على أَّن ه ال يمكن أن يكون قد كتب القرآن بنفسه:

"من المعروف جيدا أن محمدا كان أمّي ا ، وحتى من عاصره من غير المسلمين ومن المؤرخين في يومنا هذا يقّ رون بذلك، ولم يكن لديه معّل م ولم يدُ رس في مدرسة، ولم يسبق له أ ْن قال الشعر أو النثر.

ِ إ َّن القرآن، بأحكامه الشاملة وُخُلُّوه من التناقضات، فيه من الع َظمة ما اعترف بها حتى العلماء من غير المسلمين، فهو يعالج التشريعا ِت االجتماعي َة واالقتصادي َة والسياسي َة

والديني َة والتاري َخ ، ونظريات في الكون ، والكائنات الحّي ة، والفكر والمعامالت اإلنسانية والحرب والسالم والزواج والعبادة واألعمال التجارية، وكل ما يتعلق بالحياة، مع عدم وجود تناقضات في مبادئه."3

وبعد أ ِن استبعد المعهد بأن يكون النبي محمد هو من كتب القرآن، ذهب إلى افت ارضات أ ّن مؤلفين آخرين قد كتبوه، من العرب أو من غيرهم، أو حتى الشيطان، وباستبعاد هؤالء استنتج المعهد أن المؤلف الحقيقي ال بد أن يكون هللا.

62

ِ لك َّن االّ دعاء بأ َّن القرآن تنزيل إلهي شي ء ال يخلو من المجازفة، فالعمل األدبي المنسوب إلى هللا ال بد أن ٍّ يتصف بالكمال، يقول الشيخ المنجد واصفا القرآن بأنه "أع َظُم آية " من آيات هللا، اجتمَع ْت فيه المعج از ُت ٍّ في ك ّ ل من األسلوب والمحتوى ، فال يمكن للبشرية جمعاء تقليدها. يقع أسلو ُب القرآن األدب ُّي الذي أُنزل ٍّ ِ باللهجة المحلية الُق رشية من اللغة العربية في منزلة ما بين الشعر والنثر، وص ْي َغ بطريقة تجعل حفظه سهال ، والتشكي َك في فصاحته غاي ة ال تُدرك. أّما "محمد مرمدوك بيكثول Muhammad Marmaduke" Pickthall البريطاني الذي اعتنق اإلسالم سنة 1930 فقد نشَر واحدة من أكثر ترجمات للقرآن شهرة ، 4 واصفا لغ َة الق آر ِن بأنها "سيمفونية ال تُضاهى، أصواتها تسبب الدموع والنشوة."

إ َّن القرآن نف ُس ه ال يزعم أّن ه يستحيل اإلتيان بمثله فحسب، بل يتوعد من يحاول ذلك بالعذاب في نار جهنم:

ِ ٍّ ِ َّ ِ ِ ٍّ ِ ِ ِِ ِ ِن ِ "َ واِ ْن ُكنتُْم في َرْيب ّمَّما َن ْزلَنا َعَلى َعْبدَنا َفْأتُوْا ب ُس وَرة ّمن ّمْثله َواْد ُعوْا ُشَهَدا َءُكم ّمن ُدو ََّّللا ِ ِ ِ ِ َّ َّ َّ َِّ َّ ِ ِ إ ْن ُكنتُْم َصادقي َن ... َفإن لْم تَْفَعُلوْا َوَلن تَْفَعُلوْا َفاتُقوْا الناَر التي َوُقوُد َها النا ُس َواْلح َجاَرةُ أُعَّد ْت ِ ِ لْل َكافِري َن. )سورة البقرة: 24-23(

غم رالتهديد بالعقاب األبدي، كانت هناك الكثير من المحاوالت لتقليد القرآن. فقد أنتج أبو العالء

المعري، الفيلسوف والشاعر السوري المتوفى سنة 1057 م، محاكاة ساخرة للقرآن، وبعد أ ْن علم أ َّن عمله لم يك ْن له وْقع القرآن، قيل إنه أجاب: "عندما تق أر القرآن أليام وسنين طوال فسوف يكون له نفس الوقع ِ ِ في النفس." ما يوحي بأَّن ُه كان يقصد أ َّن أ ُْل َف َة الُق َّارء مع القرآن وكثرة قراءتهم له هي ما أكسبت القرآن هذا 5 الوْق َع والتأثير .

أّم ا المحاكاة ال ّس اخرة األحدث للقرآن فكانت "الفرقا ُن الح ُّق " وهو كتا ب نشر في الواليات المتحدة سنة 6 َّ ِ ٍّ 1999، وُك تب بأسلوب القرآن ولكن يحتوي رسالة مسيحّي ة ، ويبدو أن ه قد ُص ّم َم بطريقة تجعل الناس تقتنيه خطأ على أن ّه القرآن الكريم.

ٍّ في نفس الوقت تقريبا ، كان هناك حملة ضد موقع "SuraLikeIt" اإللكتروني الذي نشَر أرب َع آيات ٍّ ِ ٍّ ِ مكتوبة بأسلوب القرآن مترجمة إلى اللغة اإلنجليزية، مطل ُع إحداها:

(1) ألف الم صاد ميم

63

(2) قل يا أّي ها المسلمون أنتم في ضالل كبير.

(3) إ َّن للذين كفروا باهلل والمسي ِح في اآلخرة ناَر جهّنم ولهم عذا ب أليم. ٍّ (4) وجوه يوَم ئذ كالحة مسودة ، يسألون هللا َ العفَو، وهللا يفعل ما يشاء ... ِ ِ وزْد على ذلك أ َّن هذه اآليات المزعوم َة توحي بأ َّن النب َّي محمدا كان ُي ض ُّل المسلمين، وأ َّن محّم دا بدوره ِ كان يضّل ه الشيطان. ت َ َص َّد َر موق ُع "SuraLikeIt" الصفحات األولى لل ّص حف في مصر، حيث نّد د علماء األزهر بالموقع واعتبروا ما ي ُْن َش ُر فيه "عدوانا على الت ارث اإلنساني والقيم المقدسة ليس فقط للمسلمين، ولك ْن للبشرية جمعاء." وفي نهاية المطاف، اقتنعت شركة "أمريكا أون الين" التي استضافت الموقع السابق على اإلنترنت بضرورة حذفه، وعلى ما يبدو لم تكن هذه الشركة مدركة بأ َّن الّن اس يقّل دون

القرآن بغرض االسته ازء به منذ قرون، فبّ ررت موقفها قائلة : "إ َّن شروط الخدمة لدينا واضحة جدا بخصوص ما نسميه المحتوى غيُر المناسب، كالمحتوى الذي فيه افت ار ء أو تشويه للسمعة،" وهذا ما دفعها إلى حذف الموقع المذكور بسبب استهدافه لإلسالم على وجه الخصوص، غير أن موقع "SuraLikeIt" 7 لم يتوقف بل وجد شركات أخرى تستضيفه على شبكة اإلنترنت و ازد عدد اآليا ِت المقِّل دة من 4 إلى 12 .

ِ ٍّ ولكي يتَّم قبوُل القرآن على أّن ُه كالُم هللا المباشر ال بد من إثبات أ َ َّن آياته لم يطرأ عليها أ ُّي تغيير منذ نزولها على النبي محمد حتى يومنا هذا. يتألف القرآن من 114 سورة نزلت على أجزاء طوال 23 عاما وكان النبي محمد يتلوها على أتباعه ويحثهم على حفظها، وقد ك تب ت سور القرآن بعد وفاة النبي محمد ُ َ ْ ُ ّ سنة 622م على ما توافر من مواّد كالجلود والعظام وسعف النخل، وعندما توفي النبي سنة 622م لم ٍّ يكن قد َج َم َع هذه السوَر في كتاب واحد، وفي معركة اليمامة التي وقعت سنة 633م ُق تل الكثير من َّ َص حابته مّم ا أثار المخاوف من ضياع أج ازء من القرآن مالم ت ُت خْذ خطوا ت لحفظه: ِ "طل َب أبو بكر الصديق، الخليف ُة األول، م َن الصحابي زيد بن ثابت أَ َحُد كاتبي الوحي الذي َنَزل على النبي محمد أن يترأس لجنة تجمع سور القرآن في صحف من الورق .

ِ ِ ِ وللحفاظ على عملية ج ْم ِع القرآن خالية من األخطاء، لْم تقبل اللجن ُة إال النصوص التي ك تبت في حضور النبي محمد نفسه وشهادة اثنين من الرجال الث قات ممن سمعوا النبي ُ ّ ّ َّ ْ يتلو ما ي ارُد كتابته.

64

بعد أ ْن تَّم االنتها ُء م ْن عملية الجمع وحصولها على موافقة الصحابة باإلجماع، ُح ف َظ ْت ِ هذه الصح ُف عند أبي بكٍّر الصديق، وِم ْن ث َُّم الخليفة ُع مر من بعده والذي أعطاها بدوره البنته حفصة أرملة النبي محمد."8

ِ ٍّ ومع انتشار اإلسالم فيما بعد ُع ث َر على اختالفات بين النصوص، قيل إنها جاءت ت ََب َع ا الختالف اللهجات المحلّي ة، وللحفاظ على القرآن من االختالف، أمَر الخليفة عثمان الذي تولى الخالفة بين َسنتي -644 ِ ٍّ ِق ُّ 654م باعتماد ُم ص َح ف أبي بكر وحر باقي ال ن َس خ.

إ َّن هذه الجهود الرامية لمنع الن ِص األصل ِي للق آرن من الضيا ِع أو التحريف شكلت جزءا هاما كدليل على ّ ّ ّ َ ْ صحته وموثوقيته، ولكن البعض يرى في هذه الجهود دليال على أ َّن القرآن ليس كالما منزال ، واال الختار

هللا المتَّص ُف بالكمال طريقة موثوقة أكثر إلن ازل القرآن على النبي. وفي ذلك يقول الكاتب المصري الملحد محمد رمضان: "إ ّن َمَّما يدعو لل ُس خرية أ ْن تحاول إقناعي بأ ّن هذه كانت الطريقة الوحيدة التي بواسطتها نقل هللا بها علمه ومعرفته األهم للبشرية، ومن السخرية أيضا أنه اختار اللغة العربية دون غيرها."

وفي السنوات األخيرة ازداد اعتماُد المناظرين اإلسالمّي ين على "اإلعجاز العلمي" للقرآن إلثبات مصدره اإللهي، وقد طغت هذه الم ازعم على ال ُح َج ِج التقليدّي ة التي َد أ َ َب المدافعون عن القرآن على استخدامها، والفكرة األساسي ة هنا أ َّن سور القرآن تحوي معلومات علمية لم تكن معروفة في زمن النبي محمد مم ا يدل ّ ّ ّ ُّ على أّن ه كالُم هللا، ويقول معهد التربية والمعلومات اإلسالمية في ذلك:

"في القرآن معلوما ت عن العصور الغاب ِرة لم تكن معروفة من قبل المعاصرين للنبي محمد، وال حتى المؤرخين الذين عاشوا في الن ّصف األول من القرن العشرين، وهنالك

عش ار ُت اآليات التي فيها إشا ار ت إلى إعجا از ت علمية، بعضها لم ُي كت َش ْف أو ي ُثَب ْت إال مؤخ ا ر، وذلك في مجاال ٍّت عدٍّة كالكون واألحياء وعلم األجنة وعلم الفلك والفيزياء والجغرافيا واألرصاد الجوية والطب والتاريخ وعلم المحيطات ... الخ9

أصبح "اإلعجاز العلمي" منذ الثمانينيات أداة رئيسية للّد عوة اإلسالمّي ة، ويبدو أن ّه القى نجاحا كبي ا ر وأعطى للمسلمين شعو ا ر متجددا بالفخر بدينهم، بينما يرى آخرون أ َّن هذا قد ساهم كثي ا ر في التشكيك

بالّد ين اإلسالمي.

65

يرجع أصل "الِع ل ِم القرآني " إلى الطبيب الفرنسي "موريس بوكايلMaurice Bucaille" الذي ش غ ل منصب ُ ْ ّ َ َ َ َ ِ ِ ِ ِ َّ طبيب العائلة لدى الملك فيصل، ملك المملكة العربية السعودية في أوائل السبعينيات. أل َف "بوكايل" كتا َب "اإلنجي ُل والقرآ ُن والعلُم " وتم نشره سنة 1976م، ويقول فيه إ َّ ن اإلنجيل احتوى على الكثير من األخطاء ِ ِ العلمّي ة على خالف القرآن الذي كان متب ّص ا ر، ففي آياته ما يشير إلى االنفجار الكبير والثقوب السوداء وال َّس فِر في الفضاء. توفي "بوكايل" سنة 1988 لكن اسمه ما ازل حيا ، فالبحث في القرآن عن المعرفة ِ المسبقة لالكتشافات العلمية أصبح ُيعرف بـ "البوكايلية."

يعلق الفيزيائي الباكستاني "برويز هودبوي Pervez Hoodbhoy"قائال :

"إن طريقة "بوكايل" بسيطة ، فهو يطلب من ق ارئه التأم َل في بعض اآليات القرآنية، ثم ينتقي، من بين م ع ا ٍّن متنوعة آلية ما، معنى يطابق أو ينسجم مع حقيقة علمية ما... َ َ ٍّ ولفعل ذلك قام بجمع عدد كبير من اآليات القرآنية التي فيها إشا ار ت إلى النحل والعناكب والطيور والنباتات والخضروات من مختلف األنواع وحليب الحيوانات واألجنة والتناسل البشري ."10

ِ من نقاط ال ّض عف الواضحة في هذا الَّن هج أّن ه يعمل بشك ٍّل معكو ٍّس ، "فالمعرفة" العلمية في القرآن ال ِ تصبح واضحة جلّية إال بعد أ ْن يثبتها الع لم. ويضيف "هودبوي ": "ال يوجد في كتاب "بوكايل" تنب ؤ واحد ٍّ ٍّ بأ ّي حقيقة فيزيائية غيِر معروفة اآلن )أي أن كل ما في القرآن من حقائق علمية هي معروفة مسبقا (، وما في القرآن من نبوءات يمكن اختبارها بالمالحظة والتجربة في المستقبل."11

أحُد كبار المتأثرين "ببوكايل" في الثمانينيات هو الشي ُخ اليمن ُّي عبد المجيد الزندانى الذي دَّ رس في جامعة ن الملك عبد العزيز في المملكة العربية السعودية، و ارح يسعى للقاء علما َء غربي ّين مّم ن كانوا يزورو ٍّ ِ المملكة بهدف حملهم على قول أشيا َء إيجابية حول "المعرفة" العلمّي ة في القرآن الكريم. وقد ُوص َف ْت تقني ّة الزنداني في مقا ٍّل نشرته صحيف ُة "وول ستريت جورنال" للكاتب "دانيال جولدن Daniel Golden":

"انطلقت مسيرة ُ الزنداني عندما قَّد م أحُد مساعديه، وهو مصطفى عبد الباسط أحمد، عَل َق ة إلى البورفيسور “كيث مور Keith Moore" من جامعة "تورنتو" والذي ألفت كتبا ارجت كثي ا ر في مجال علم األجنة."

66

ِ ٍّ ِ أ ارد مصطفى أ ْن يّب ي َن له أ َّن اآلية التي تصف َخ ْل َق اإلنسان من علقة ت َُق ّ دُم تشبيها مطابقا تماما لوصف عملية الحمل المبكرة لدى اإلنسان كما تبدو هذه العملية تحت ِ المجهر. وقال ال ّس ّي د مصطفى أّن ه أ َْذ َه َل البروفيسوَر "مور" بالت ّشابه بين العلقة والجنين البدائي. وبما أ ّن نزول القرآن سبق اخت ارع المجهر، َخ ل ُ َص البروفيسور، وهو اب ُن رجل ِ 12 دين بروتستانتي، إلى أ َّن القرآ َن كالُم هللا وقد أنزله على النبي محمد."

أُع ِج ب البروفيسور "مور" بذلك كثي ا ر لدرجة أَّن ه كتب "الطبعة اإلسالمية" من كتاب علم األجَّن ة بعنوان "اإلنسان المتطور" سنة 1983م، والتي وصفها بأَّن ها تحتوي على نفس مادة الُّن سخة األصلية إضافة إلى ٍّ ٍّ "إشا ارت كثيرة إلى تعابيِر من القرآن والسنة حول علم األجنة البشرية،" وكت َب في مقدمة الكتاب:

"على مدى السنوات الثالث الماضية عمل ُت مع لجنة علم األجّن ة في جامعة الملك عبد العزيز في جدة في المملكة العربية السعودية، وساعدتهم في تفسير التعابير الكثيرة

الواردة في القرآن والسّن ة والتي تشير إلى التكاثر البشري وم ارحل ما قبل الوالدة.

في بادئ األمر ُذهل ُت من دَّق ة البيانات التي تَّم تسجيلها في القرن السابع قبل تأسيس ٍّ علم األجّن ة. رغم أّن ي كن ُت على بينة من التاريخ المجيد للعلماء المسلمين في القرن ِ العاشر، وبع ٍّض من مساهماتهم في الطب، إال أّن ني لم أك ْن أعرف شيئا عن الحقائق والمعتقدات الدينية الواردة في القرآن والسنة.

ِ من المهِّم للطالب المسلمين وغي رهم أ ْن يفهموا معنى هذه التعابير والبيانات القرآنية حول 13 التطور البشري بنا ء على المعرفة العلمية الحالّية."

َّ ٍّ غادر ال ّش يخ الزنداني جامعة الملك عبد العزيز، ولكن ه في سنة 1984م َح َص َل على تمويل من حكومة المملكة إلنشاء "لجنة لإلعجاز العلمي في القرآن والسنة." أم ا مصطفى عبد الباسط أحمد، وهو الرجل ّ ّ َّ ٍّ الذي قَّد م العَل َق َة إلى البروفسور "مور"، فيقول "جولدن" أ َّن اللجنة المذكورة وظ فته ب ارتب قْدُره 3000 دوالر ِ ٍّ شهريا لكي يطوف أمريكا الشمالية وُي كّ ون صداقات مع علماء فيها، ويضيف "جولدن":

ِ ِ "تَّم توجي ُه الّد عوات للعلماء من ق َب ل اللجنة لحضور مؤتمراتها، وقّد م لهم ولزوجاتهم تذاكر طائ ٍّرة من الدرجة األولى، كما تَّم حجز أفضل الفنادق لهم، وقدم لكل واحد منهم مبلغ

67

1000 دوالر أمريكي كمكافئات شرفّي ة، وأقيم ْت لُهُم الوالئم مع الزعماء المسلمين من َقبيل عشاٍّء في قصٍّر في إسالم أباد مع الرئيس الباكستاني محمد ضياء الحق...

ُعرض ْت على العلماء، خالل رحالتهم، آيا ت م َن القرآن ليأخذوها بعين االعتبار في ضوء خبرتهم، ثم قام ٍّ الزنداني بإجراء مقابالت معهم حول هذه اآليات أمام كامي ار الفيديو، وَد َفعهم لإلقرار بعالمات اإللهام اإللهي. وتحدث "جولدن" مع كثيرين ممن شعروا أنهم تعّ رضوا للخداع أو تم الت ّالعب بهم. فقد قال أحد هؤالء:

ِ "تَّم تكلي ُف عال ِم البحار "وليام هاي William Hay"، الذي كان ُي دّ رس حينها في جامعة ٍّ ِ ِ "كولورادو"، بد ارسة آية م َن القرآن ت ُ َش ِّب ُه أذها َن غيِر المؤمنين "بالظلمات في أعماق البحار...تعلوها أموا ج ، من فوقها أمواج أخرى." وقد ح ّث السيد الزنداني البروفيسور "هاي" على أ ْن يقّر بأّن ه من غير الممكن أن النبي محمد عرف شيئا عن التيا ارت الداخلية الناجمة عن تفاو ٍّت في الكثافات في أعماق المحيط، وعندما افترض البروفيسور

"هاي" أ َّن محّم د ربما تعلم هذه الظاهرة من الب ّح ارة، أصَّر الزنداني أ َّن النب َّي لم يزر مينا ء بحريا ق ّط .

يقول البروفيسور "هاي"، وهو عالم منهجي ، أَّن ه اقترح فرضيا ٍّت أخرى للسيد الزنداني ّ لكن ه رفضها، لينتهي المطاف بالبروفيسور "هاي" أ ِن اعترف أ َّن اإلشارة إلى األمواج ّ َ الداخلية "البد أ ْن تكوَن وحيا إلهيا ،" وهو اعترافتتباهى به المواقع اإلسالمية.

ويضيف البروفيسور "هاي" الذي ي د رس اآلن في معهد بحرية ألماني : "لقد وقعت في ُّ ّ ُ الف ِّ خ ثم حَّذ رُت اآلخرين من ذلك."

واآل َن وبعد مضي عدة سنوات، ما زالت مواقع اإلنترنت تتناقل الكثير من تعليقات العلماء الذين تواصل 14 ِ معهم الزنداني الذي كانت تربطه عالقا ت طويلة األمد م َع أسام َة ب ِن الدن، وفي نهاية المطاف عاد ِ الزنداني إلى اليمن ليصب َح شخصية بارزة في حزب اإلصالح اإلسالمي المحافظ وأ َّس س جامع َة "اإليمان"، وهي مؤَّس سة دينية يمنية َي ْد رس فيها نحو 6000 طالب وطالبة، وزعم أَّن ه وضع عالجا باألعشاب لفيروس نقص المناعة المكتسبة )اإليدز(. وفي سنة 2004 أدرَج ْت ُه الواليا ُت المتحدة على الئحة اإلرهاب ِ ِ 15 وكان ال َس َب ُب الَّ رئي ُس و ارء ذلك عالقت ُه بتنظيم القاعدة وبأسامة ْب ن الدن.

68

ِ ِ ِ إ َّن البح َث الحثي َث عن المعرفة العلمية المسبقة في الق آرن هي أم ر يمكن ألي شخص أ ْن ُيسهَم فيه، وهو َّ ٍّ ِ ِ أم ر ال يتطل ب أّي َة خب ٍّرة الهوتية ، كما أ َّن النس َخ واإلصدا ارت الرقمّي َة م َن الَّن ِّص القرآني جعل ْت البح َث أسه َل مّم ا كان عليه من قبل. وهناك أيضا فرصة كبيرة للعثور على شيء ما في آيات القرآن التي تزيد عن 6000 وتفسي ِرها على أَّن ها اكتشا ف علم ي حدي ث باستثماِر الخيال، واإلنترنت ملي ء باألمثلة التي يّدعي النا ُس أنهم عثروا عليها.

ِ ِ غالبا ما تؤتي عمليا ُت البحث أُُكَلها بسبب الغموض في لغة القرآن، وقد تطّ ورْت مفردات اللغة العربية في ِ ِ ِ القرن السابع الميالد ّي بحيث تتناسب مع احتياجات ذلك الزمان، ولك ْن في ظ ّل غياب المصطلحات ِ ِ ِ ِ ٍّ العلمّي ة الدقيقة ، كان من الالزم استخداُم التعابير الرمزية أو التقريبية في كثير من األحيان. فالكواكب، ِ َِّ َّ َّ َّ على سبيل المثال، ُ وص َف ْت في القرآن بأنها "تسَب ُح " في الفضاء )َوُهَو الذي َخَل َق اللْي َل َوالنَهاَر َوالش ْم َس ِ ٍّ َواْلَقَمَر ُك ل في َفَلك َي ْسَب ُحوَ .ن سورة األنبياء: اآلية 33(، فهذا الوصف غيُر الّد قي ِق والغام ُض يخل ُق التباسا ن ن يدفع الناس لق ارءة أشيا َء في الّن ّص قد تكو مقصودة وقد ال تكو كذلك، كما َي سم ُح هذا الغمو ُض ِ للمشككين بالقول إنه لو أ ارَد هللا ُ إيصا َل المعلومة العلمية من خالل القرآن لكان أفص َح عنها بوضوٍّح أكبر.

كما ظهرت م ازعُم بالمعرفة المسبقة في األديان األخرى، فعلى سبيل المثال، تقول آية من الكتاب المقدس لدى الهندو ِس : "ما ال وجود له ال يمكن أ ْن يأتي إلى حَي ز الوجود، وما هو موجو د أصال ال يمكن أ ُن 16 ِ يفنى،" وقد ُف ّس َ رْت على أَّن ها إشارة إلى قانون حفظ المادة والطاقة في الفيزياء. ولك َّن هذا األمر قد يكون ِ محفوفا بالمخاطر، حيث يقول "هودبوي Hoodbhoy": "إ َّن العلَم وق ح جدا بتخّل يه عن النظريات القديمة ٍّ وفي تبنيه ألخرى جديدة ." وقد َدأ َب الهندوس على الزعم أ َّن كتابهم المقدس ملي ء باألدلة التي تؤيد نظرية 2 "الحالة المستقرة" في علم الكونيات، إلى أ ْن تخلى العلما ُء عن هذه النظرية لصالح نظرية االنفجار َّ الكبير. وغن ي عن القول أ ن الهندوس سرعان ما وجدوا نصوصا دينية أخرى في كتابهم "تتفق تماما مع 17 النظرية الجديدة، إال أَّن هم اَّد َع وا بفخٍّر انتصاَر الحكمة القديمة."

2- في علم الكون الفيزيائي، نظرية الحالة الثابتة أو نظرية الحالة المستقرة Steady State theory )تعرف أيضا بنظرية الكون الالمتناهي أو الخلق المستمر( هي عبارة عن نموذج تم تطويره في عام 1949 من قبل فريد هويل، توماس غولد، هيرمانبوندي وآخرون كبديل عن نظرية االنفجار العظيم )التي تعرف بالنموذج الكوني القياسي(. من وجهة نظر الحالة الثابتة، هناك مادة جديدة تتشكل وتخلق باستمرار مع توسع وتمدد الكون، بحيث يؤمن الحفاظ على المبدأ الكوني المثالي perfect cosmological principle.

69

ِ ِ وت ُوض ُح كثي ر م َن األمثلة كيف تعمل تقنية "ابحث وستجد" في القرآن؛ فهناك مقالة على موقع "اإلسالم الصحيح" على شبكة اإلنترنت تتحدث عن طبقة األوزون وتبدأ بالكالم عن أهمية هذه الطبقة في حماية ِ اإلنسان من األشعة الضارة. وتقول المقالة إ َّن "طبقة األوزون اكت ُش َف ْت بعد عدة قروٍّن من نزول القرآن،

غيَر أ َّن القرآن َي ذكُر هذه الطبقة التي تحمينا من أشعة الشمس الضارة." تقول أحد اآليات البالغة األهمية:

َّ ِ ِ َّ ِ َّ َّ ِ ِ ِ " َحت ٰى إَذا َبَل َغ َم ْطل َع الش ْمس َوَجَد َها تَ ْطلُ ُع َعَل ٰى َقْوٍّم لْم َن ْجَعل لُهم ّمن ُدونَها سْت ار" )سورة الكهف: اآلية 90(

وبالنسبة لمن ال يرى أ َّن هذه اآلي َة تشير إلى ث ُْق ٍّب في طبقة األوزون، يو ِض ح الكاتب:

ٍّ خمس ُة استنتاجات ت ُ ْستَْنَب ُط من هذه اآلية:

1. كلمة "ست ار" تعني أ َّن هنالك شيئا ضا ا ر يأتي من ال َّش مس، ألَّن ه إ ْن لم يكن هناك ضر ر تسِبّبه الشمس فال حاجة للستر إذا . ِ 2. ُف ّس َ رْت كلمة "ست ار" في التفسي ارت األقدم للقرآن بمعنى الجبال أو الت ّالل، ولك ِّ ن الجبال والتالل ال تحمي من األشعة فوق البنفسجية التي تطلقها الشمس، إال إذا كّن ا نعيش

داخ َل أحد هذه الجبال أو التالل. 3. صياغة اآلية تشير إلى أ َّن الشعب الذي ُذ كر القرآن ويعيشون بدون ستر هم في الحقيقة

استثنا ء ، على خالف باقي البشر الذين يعيشون في ستر منها.

4. عبارة ُ "لم نجعل لهم من دونها سترا" تشير إلى أن الستر طبيعي )أي من صنع هللا(

وليس من صنع البشر. وهذا يلغي تلقائيا تفسيره على أ َّن الستر هنا هو المنازُل أو المالجئ ُ التي هي من صنع اإلنسان. 5. تشير اآلية إلى وجود شعب ومناطق غيِر محمية، وهذا يتماشى مع المعرفة الحالية

بشأن وجود ثقوب في طبقة األوزون. ويسود اعتقاد أ َّن هذه الثقوب كانت موجودة دائما ، لك َّن األمر أصبح مقلقا مؤخ ا ر بسبب توسع هذه الثقوب نتيج َة تلويث اإلنسان لألرض.

فيتبين مّما سب َق أ َّن ثقب األوزون هو الظاهرة ُ الوحيدة ُ التي تستوفي هذه االستنتاجات الخمس18.

70

والمالحظة األكثر أهمية حول اآلية المذكورة هي أَّن ها تفترض وجود بقعة فعلية في مكان ما على ِ األرض تشرق منها الشمس لكن لم يكتشفها العلماء حتى اآلن، وهنالك آيا ت سابقة لآلية آنفة الذكِر ِ ٍّ ٍّ ٍّ تتحدث عن مكان غروب الشمس "في عي ٍّن َح م َئ ة " )موحلة أو قاتمة ، سورة الكهف: اآلية 86( وقرَب هذا المكان يعيش بشر.

في هذه األثناء، َك ت َب موقع دليل اإلسالم موضوعا عن علم الجيولوجيا في القرآن، ورد فيه:

"هنالك كتاب بعنوان "األرض" ُي ْع ت ََب ُر مرجعا أساسيا وي َُد َّ رَس في الكثير من الجامعات في مختلف أنحاء العالم. أحد مؤلفي الكتاب هو "البروفيسور إيميريتوس فرانك برس "Frank

" Press الذي كان المستشاَر العلم َّي للرئيس األمريكي األسبق "جيمي كارتر" َ وَش َغ َل منصب رئيس األكاديمية الوطنية للعلوم في العاصمة األمريكّية واشنطن على مدى 12 عاما ، يقول في كتابه أن للجبال جذو ا ر ارسخة عميقة في األرض، وبالتالي، فإن للجبال 19 شكال يشبه الوتد."

إ َّن االنتقا َل السري َع هنا من كلمة "جذر" إلى "وتد" يفسر اآلية التالية:

ِ ِ ِ أََلْم َن ْجَعل األَْر َض مَها دا َواْلجَبا َل أَْوتَا دا )سورة النبأ:7-6)

ويضيف موقع "دليل اإلسالم": "إن تاريخ العلم يخبرنا بأ َّن النظرية القائلة بأ َّن للجبال جذو ا ر عميقة لم

تُطرح إال في الّن صف الثاني من القرن التاسع عشر." إذا ، هل هذا مثا ل على أ َّن القرآن كشف عن معلومات لم تكن معروفة في حياة النب ِي "محمٍّد أم أَّن ها حالة من حاالت التمني؟ إ َّن لبعض الجبال اجذور، ّ ْ ِ ِ وبعض تلك الجذور لها شكل وتد بالفعل، لك ْن ما م ْن سبب مقنع يجعلنا نفترض بأ َّن هذا هو ما ُت لّم ُح إليه اآلية.

ِ ِ ٍّ نعرف اليوَم أيضا أ َّن ثروات األرض الوفيرة َ من الحديد مصد ُرها الفضا ُء ، وتكَّ ون ْت بفعل انصهار في نجوٍّم ذا ِت درجا ِت ح ار ٍّرة هائلة، وتزعم العديد من المواقع اإلسالمية على شبكة اإلنترنت أَّن ها وجدت هذه ِ المعلومة في القرآن، من خالل االستشهاد بجزء من آية تقول: "َوأَنَْزلَنا اْل َحديَد" )سورة الحديد: 25(. وورد في مقالة نشرت على موقع "دين اإلسالم" ما يلي:

71

َّ "وهذا يد ُّل على أ َّن الحديَد لم يتش كل في األرض بل حملته نجو م هائلة متفجرة ، وأُنِ زل إلى ِ األرض، تماما كما جاء في اآلية، ومّما ال خال َف فيه أ َّن هذه الحقيقة لم تك ْن معروفة في القرن السابع الميالدي عندما أ ُْن ِ زَل القرآن. ومع ذلك فإ َّن هذه الحقيقة موجودة في ِ ِ ٍّ القرآن الذي هو "كالم هللا" الذي يحيط ع ْل ُم ه ُ بك ّل شيء ، وما ُي ذه ُل هنا هو ذكُر اآلية ِ 20 للحديد بذاته، خصوصا أ َّن هذه االكتشافات قد تَّم ْت في أواخر القرن العشرين."

ِ غير أ َّن هذا ليس التفسيَر الوحيَد الممك َن لآلية القرآنية، فم َن الممكن أ ْن تعني أيضا أ َّن هللا "ك َش َف " عن 21 الحديد وفوائده الكثيرة للبشرية، أو أَّن ه ببساطة "قّدمه" للبشرية. لك َّن الموق َع ال يعتر ُف بهذه االحتماالت ويرفضها، معلال ذلك بقوله إ َّن الفعل "أنزلنا" ورد في القرآن بمعناه الحرف ِي وهو "اإلرسال لألسفل،" وهذا ّ غير صحي ٍّح أل َّن هنالك آيا ٍّت أخرى في القرآن تقول إن هللا "أنزل" الملبس والمأكل وثمانية أنواع من ِ 22 الماشية، ولم يق ْل أح د أ َّن أَّي ا من هذه نشأت م ِن انصهار النجوم الهائلة المتفجرة . ِ وال حاج َة للقول أَّن ه عندما تظهر على شبكة األنترنت مقاال ت من هذا القبي ِل، تأتي مقاالت أخرى لتفّ ندها،

كما أ َّن هنالك مواقع معادية لإلسالم تسّل ط الضوء على ما يزُع مون أَّن ها أخطا ء علمية في القرآن الكريم. ويشير آخرون إلى أ َّن الق آرن ليس وحده من يمتلك هذه البصيرة، حيث يقول أحمد سعيد، وهو ُم لحد يمني: "كلما خ ض ت في نقاشا ٍّت حول القرآن يقول الناس: كيف يمكن لشخص أم ٍّي أن يعرف كل هذه ُ ْ ُ ّ ْ َ االكتشافات العلمية والمعجزات قبل 1400 سنة؟ فيكون جوابي أن "ستار تريك Star Trek"، وهو سلسلة أفالِم خيا ٍّل علم ٍّي ، ت وق ع أيضا كيف سيبدو المستقبل، فلماذا ال تؤمنون بستار تريك بدال من ذلك؟" ّ َ ّ

أما "حمزة أندرياس تزورتزيس Hamza Andreas Tzortzis" الذي اعتنق اإلسالم وشارك في مناقشات

علنية مع عدد من الملحدين البارزين، فيصف "اإلعجاز العلمي" باعتباره مصدَر َح َرٍّج فكرٍّّي ، وأَّن ه يجذ ُب الكثيرين إلى اإلسالم كما ويدفع باآلخرين بعيدا عنه،" ويقول في ذلك:

ِ ِ " ُط ب َع ت الماليي ُن من الكتيبات والنشرات التي تزعم وجود اإلعجاز العلمي في القرآن الكريم، وأسَل َم بسببها عد د ال يحصى من الناس... كما أ ّن منظرين مشهورين مثل الدكتور "ذاكر نايكZakir Naik" و"يوسف إستيسYusuf Estes" اعتمدوا على رواية اإلعجاز العلمي إلثبات المنشأ اإللهي للقرآن.

72

ونتيجة لهذه المحاوالت الحثيثة لتعميم هذه الرواية على مدى العقود القليلة الماضية، ِ تََوّلدت اليوَم حركة متصاعدة مضادة ، تحاول إ ازلة الغموض عَّم ا يسمى التعبيرات ٍّ ٍّ ِ العلمية، ويبدو أن شعبيتها في ت ازيد ملحوظ . وهنالك عد د كبير من المرتّ دين عن اإلسالم ٍّ ممن أجري ُت حوا ارت خاصة مع الكثير منهم يستشهد بعمل هذه الحركة المضادة على َّ 23 أنه السبب و ارء اتخاذهُم القرار بالتخلي عن الدين."

وعلى عكس الديانة المسيحية التي لها تاريخ حافل بالص ارعات مع الِعلم، ال يرى المسلم ون عموما في ِ االكتشافات العلمية تهديدا لمعتقدهم، فالحادثة الشهيرة التي وقعت سنة 1633 عندما أَ ْجَبَرت الكنيسة ُ ِ الكاثوليكية العال َم اإليطالي "جاليليو جاليلي Galileo Galilei"على الت ارج ِع عن اعتقاده "المهرطق" بأ َّن األر َض تدور حول الشمس، هي ال نظيَر لها في العالم اإلسالمي. ب ْل إ َّن تلهف المسلمين للعلِم واالكتشا ِف كان على األقل مرتبطا بدينهم، وكانوا مهتمين بعلم الفلك على وجه الخصوص، نظ ا ر

الستخدامهُم التقويَم القمرَّي، باإلضافة إلى حاجتهم إلى تحديد الجهة التي تقع بها مكة المكرمة التي ُّ ُي َص ل ون إليها. ِ ٍّ ُّ ت ََق َّب َل الفلكيون المسلمون فكرة َ كروية األر ِض بسهولة ، بسبب تأث رهم بأفكار "بطليموس" و"أرسطو"، وفي سنة 830م قام العلماء المسلمون في زمن الخليفِة المأمون بقياس المسافة بين مدينتين فيما أصبح اليوم

سوريا، وكان من المعروف حينها أ ّن درجة واحدة على خط العرض تفصل بينهما. وعلى هذا األساس قاموا بحساب محيط األرض ب 24،000 ميل وكانت النتيجة دقيقة للغاية24. وفي وقت الحق، ابتكر

أبو الريحان البيروني، )973-1048م(، طريقة جديدة لحساب نصف قطر األرض باستخدام علم 25 المثلثات، وكان الرقم الذي استنتجه يزيُد بعشرة أميال فقط ع ِن الرقم الحقيقي. كما أرى البيروني أ َّن األرض تدور حول محورها، بالرغم من عدم امتالكه الدليل. وناقش الفلكيون المسلمون في القرن الثالث

عشر في مرصد "المراغة Maragha" فيما يعرف اليوم بإي ارن فكرة َ دو ارن األرض حول ال ّش مس، ولكَّن هم َّ تخل وا ع ْن هذه الفكرة في النهاية، وقد كانت بعض حججهم شبيهة بتلك التي وضعها

"كوبرنيكوسCopernicus" في وقت الحق، بالرغم من أّن ها لم تسب ْب مشاك َل الهوتية كما يبدو.

ِ كان نشر "تشارلز داروين" لكتاَب ه "أص ُل األنواع" سنة 1859م ردود فعل متنوعة من قبل المسلمين، ِ بعضها يمكن التنبؤ به، وبعضها ال، ففي أحد االنتقادات لهذه النظرية استشَه َد جمال الدين األفغاني سنة ِ ِ 1881م باستم ارِر وجود قلفة العضو التناسلي الذكري كدليل على أ َّن أفكاَر داروين في االصطفاء 73

الطبيعي كانت خاطئة . فقال: "هل ُصَّم ْت أذنا هذا البائس داروين عن حقيقة أ َّن العرب واليهود قد َخ تنوا ٍّ 26 أوالَد هم آلالف مض ْت من السنين، وبالرغم من هذا لم ُي ولد لهم ولد مختون حتى اآلن؟ لك َّن حسين الجسر، وهو رج ُل دي ٍّن شيع ي لبنان ي ، عاش في القرن التاس َع عشَر ، رأى في مقابل ذلك أَّن ه يمك ُن الجمع ٍّ بين نظرية التطور والنصوص القرآنية، فيقول: "ال يوجد أ ُّي دليل في القرآن يشيُر إلى أ َّن جميع األنواع، 27 الموجودة أصال بفض ِل هللا، قد خلقت كلها دفعة واحدة أو تدريجيا ."

وما يثير االهتمام هو إحدى أوائ ِل النقاشات حول الداروينية في بلٍّد عرب ٍّي شارك فيها مسيحيون أمريكيون ّ َ َ فيما يعرف اليوَم "بالجامعة األمريكية" في بيروت سنة 1882م، ففي كلمة ألقاها في حفل التخرج أشار ٍّ "ادوين لويس Edwin Lewis"، وهو أستاُذ كيمياء معرو ف ، إلى أربعة "علماء مثاليين" كان "داروين" َّ أحَد هم. فوص َف "لويس" َع َم َل "داروين" بأن ه "مثال على تحويل المعرفة إلى علم عن طريق الفحص ِ الطويل المتأن ّي والتفُّك ر العميق،" لكن مجلس أمناء المؤسسة، التي كانت تعرف في ذلك الوقت باسم

"الكلية البروتستانتية السورية" والتي أ َّس سها المبشرون األمريكيون، أ َرْ وا أ َّن "لويس" قد بال َغ في الوصف مَّم ا ِ ا ْ ض َط َّره ُ لالستقالة الحقا . وفي خ َض ِّم الضجة التي تلت ذلك، استقال عد د من أعضاء الهيئة التدريسية ِ ِ الكبار ، وأعلن الطالب اإلضراب دعما "للويس"، فعاقبتُه ُم الكلية بتعليق د ارسة سبع َة عشَر طالبا . ولمنع ِ تك ارر هذه الحادثة، أ ُ ْج ب َر الموظفون على التوقيع على إعال ٍّن لدعم "القيم المسيحية" ولم ُي ْل َغ اإلعال ُن حتى سنة 1902م28.

ِ وبمالحظة المشاكل الالهوتية التي واجهت المسيحيين فيما يتعلق بنظرية التطور، َ وجَد بعض المسلمين فرصة لتعزيز قضيتهم. فكتبت مروة الشاكري ":

"إ َّن الجد َل الالهوت َّي حول نظرية التطور في أوروبا ... يمكن أ ْن ُيستخدم لدح ِض م ازعِم األوروبيين بالتفوق، ومع اعتبار غير األوروبيين أ َّن االعتراض العلني على نظرية ِ ِ "داروين" دلي ل على صعوبة ت ََق ُّب ل المسيحية للعلم، تَش ّج َع كثيرون على إظهار مدى سهولة تبني أفكار "داروين" ضمن التقاليد الخاصة بهم ...

وحالهم حال المبشرين، فإن المستشرقين والدبلوماسيين اَّد َع وا بأ َّن اإلسالم يعيق التنمية االجتماعية والفكرية، لكن محمد عبده، مفتي مصر رأى عكس ذلك، وهو أ َّن المسيحي َة 29 هي التي كان ِت العقب َة الحقيقي َة وليس اإلسالم."

74

ِ ِ ٍّ ٍّ وبدال من رفض أفكار "داروين"، َذ ه َب بعض المسلمين إلى حّ د اّ دعاء ملكية جزئية لنظريته، مستندين إلى إمكانية العثور على أج ازَء من نظريته في الثقافة اإلسالمية. تضيف مروة الشاكري : ٍّ "يرى المؤيدون والنقاد على حّ د سواء إلى أ َّن الفالسف َة المسلمين قد أشاروا منذ فترة طويلة

إلى فكرة أ َّن األنواع يمكن أ ْن تتغيَر بمرور الزمن، كما أشاروا في هذه النقاشات إلى فكرة التحول، وكانت النصوص الفلسفية والكونية اإلسالمية المبكرة تُقتبس كّل ما نوقشت نظرية "داروين"...

ٍّ وتم قياس نظرية "داروين" على نظريات أقدَم عن التسلس ُل الهرم ُّي للكائنات، من المواد والمعادن إلى النباتات والحيوانات، وأخي ا ر إلى البشِر أنفسهم. وقد وّفر افت ارض بعض مؤلفات العصور الوسطى أ َّن القردة كانت أشكاال أدنى من البشر مزيدا من األدلة للمسلمين في القرن التاسع عشر بأن نظرية "داروين" لم تأت بجديد."

ِ وحتى يومنا هذا يفتر ُض البعض أ َّن نظري َة التطور هي ذا ُت أصول إسالمية، فقد ُن ش َر كتا ب سنة 2005م بعنوان "التطور والنشأة من منظور إسالمي" َ زعم الكات ُب فيه أ َّن أفكار "داروين" حول التطور ِ ِ واالصطفاء الطبيعي قد است ُم َّد ْت جزئيا من الفالسفة والعلماء المسلمين، كابن سينا المتوفى سنة 1037م30.

ولحسن ح ِّظ المسلمين، فإن القرآن كان أكثر غموضا من اإلنجيل حول عملية الخلق، فالقرآن يقول إ َّن هللا جعل "ِمن الماِء كل شيٍّء ح ٍّي" )سورة األنبياء:30( وقال: "ولقد خلقنا ا ِإلنسان ِمن ساللٍّة ِمن ِطي ٍّن" )سورة َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ّ َََْ َََْ ْ َ َ ُ َ َ ّ األنعام:2( و"َقْد َخَلَق ُكْم أَ ْطَوا ار" )سورة نوح:14(. مما يترك مجاال لتفسير ذلك في إطار نظرية التطور.

غير أ َّن هنالك رفضا مت ازيدا لنظرية "داروين" بين المسلمين اليوَم تحت ضغط رجال الدين المحافظين، ِ ِ وبتأثيٍّر من المسيحيين األمريكيين المؤيدين لنظرية ال َخ ْل ق )الواردة في س ْف ِر التكوين والمعاِ رضة لنظرية التطور(، واليوم تتناول المدارس والجامعات ووسائل اإلعالم العربي ُة هذا الموضوع بحذر وحيطة كبيرين خوفا من إثارة االعت ارضات.

وهناك منظمة مق ُّرها تركيا تروج دوليا للنسخة اإلسالمية لنظرية ال َخ ْل ق وهي "مؤسسة البحث العلمي (BAV)"ويرأسها "عدنان أوكتار" الذي كتب عش ار ِت الكتب تحت اسم هارون يحيى. رغم أ َّن

محتواها إسالمي في الظاهر، إال أ َّن منشو ار ِت "مؤسسة األبحاث العلمية" اعتمد ِت اعتمادا كبي ا ر على 75

المواد المسيحية التي ينشرها معهد أبحاث الخلق في كاليفورنياInstitute for Creation 31)

(Research in California، ويمكن الحصول على الكتب التي تنشرها المؤسسة مجانا عن طريق 33 32 األنترنت حيث يمكن للطالب م ْن أ ِّ ي مكا ٍّن في العالم ترديُد ما فيها من أفكار .

بعض المدارس العربية ت َُد ِّ رُس نظري َة التطور بحذر وبعضها اآلخر ال ُي َد ِّ رسها مطلقا . ويصف اليمني أحمد سعيد ما حدث أثناء دروس علم األحياء في مدرسته:

"اعتادت َم ْد َ رستي اعتماَد كتب العلوم من جامعة "أكسفورد"، وقد ألغى معلمنا منها الكثيَر من الفصول. وكلما ألغى المعلم فصال كان الطالب يقولون: "الحمد هلل" ألنهم لم يرغبوا

في تعلم المزيد، لكنني اعتدت على ق ارءة هذه الفصول الملغاة وكان أ َح َد ها عن نظرية التطور. لم يحمل الفصل اسم "التطور" بل س ِم ي "االصطفاء الطبيعي " وهو جزء من ُ ّ َ ُ ُّ نظرية التطور.

وأذكر أني ق أرت هذا الفص َل ]بنفسي[، واعتقد ُت حينها أَّن ه كان سخيفا ، ووافق ُت المعلم على حذفه."

َّ ويضيف سعيد أ َّن المعلم أخبرهم أن ه قد َح ذف الفصل بنا ء على تعليمات من وزارة التعليم. ويقول: "لقد أدركت عملية غسيل الدماغ الذي يمارسونها على األطفال،" أَّم ا اليوَم فيتحاور سعيد مع أصدقائه على "فيسبوك" دعما لنظرية التطور، ويقول في ذلك:

"تسعة وتسعين في المائة من أصدقائي على "فيسبوك" يقولون أشياء مثل: "أتعتقد حقا أ َّن

القروَد أصُل نا؟ فأحاول أ ْن أشرح لهم أ َّن نظرية التطور ال تزعم ذلك، بل تقول إننا نشترك مع القردة باألسالف، ويظهر ذلك كم كنا جهلة."

الحظ محمد رمضان نهجا مماثال عندما كان طالبا في مدرسة حكومية مصرية، فيقول:

"كانت الفص لو األخيرة من كتبنا المدرسية مكتوبة بطريقة مضحكة، وأغلب معلوماتها ال

تأتي في االمتحانات، وا ْن أت ْت فغالبا ما تكون عن الطيور التي هاجرت من أماك َن ٍّ معينة ، وكيف أَّن ها غيرت ألوانها، وهو مفهو م سطح ي جدا لنظرية التطور. يقب ُل بعض

76

المعلمين بأ َّن التطوَر يمكن أ ْن يحدث من خالل التكيف، لكَّن هم يقولون أَّن ه ولو حدث ذلك للحيوانات فلن يحدث للبشر ألنهم متميزون ."34

أما "راماست Ramast"، وهو مصر ي ، كان في السابق مسيحيا ، فقد َد َ رس نظرية التطور في المدرسة َّ لكنه وجد أَّن ها ت َُد َّ رُس بطريقة ال تخلو من اللْب ِس ، ويقول: "درسناها على أَّن ها نظرية تحتمل الصواب ٍّ والخطأ، ولك ْن في وقت الح ٍّق بدأت أتعلم بنفسي، من قناة "ديسكفري " على سبيل المثال، وِم ْن مواق َع على األنترنت، كموقع "كيف تعمل األشياء" وموقع "Digg"، وغي ِرها من المواقع. وقد تعلم ُت من باب الفضول، ِ وأرد ُت أ ْن أفهم كيف تطورت الديناصو ار ُت إلى طيوٍّر ، و القردة ُ إلى بشٍّر . أعلم أ َّن األمَر لم يحدث بهذه الطريقِة أبدا ، ولكن كان علي أن أقرأ عن نظرية التطور لكي أفهمها أكثر." ويقول أ َّن األفكار حول نظرية ْ ّ ْ التطور أصبحت في نهاية المطاف "آخر مح ّطة" في رحلته إلى اإللحاد. ويضيف: "عندما كبرُت كان

ق ارري هو هل سأؤمن "بآدَم وحوا َء " أم بالتطور؟ أما نور يوسف فتقول في منشور نشرته على مدونة "Arabist": "ال تع ّج الجامعات المصرية بمؤيدي نظرية التطور، كما أ َّن أساتذة َ الجامعة يصورون نظرية التطور على أنها نظرية باطلة وخاطئة ، ويشوهونها قائلين: لماذا ال تزال القردة موجودة طالما أننا تطورنا عنها؟35"

رغم أ َّن البعض يرفض نظرية التطور رفضا قاطعا ، كموقع "عن اإلسالم" على األنترنت الذي يعتبر أ َّن ِ 36 هذه النظرية "ال تتفق مع وصف القرآن لعملية َخ ْل ق الكون ، وال مع أ ٍّّي م ْن تعاليم كل األديان السماوية ،" ِ إال أ َّن البعض اآلخر يسَع ون إلى اإلمساك بالعصى من المنتصف، فقد َ وَج َد ْت د ارسة أ ُ ْج رَي ْت لمعرفة مواقف الطالب المسلمين القادمين من تركيا والمغرب والذين يدرسون في هولندا، تجاه نظرية التطور، أ َّن

قلة قليلة منهم يرفضون نظرية التطور ألنها ب أريهم تتعارض مع القرآن الكريم، في حين أ َّن "الغالبية العظمى قبل ْت بعض جوانب هذه النظرية ورفض ْت بعضها اآلخر. وتقول الدراسة:

"فالتطور الطفيف )وهي تغي ارت صغيرة تحصل خالل فترة قصيرة نسبيا ( ومفهوُم "البقاء لألصلح" ظهرت في الجانب المقبول من المعادلة، وقد عزا الطال ُب السب َب إلى أَّن ه من المستحيل إنكاُر المنط ِق والدعم العملي لهذه المفاهيم، كما أنهم ربطوا التطور الطفيف ِ بالتطور اإللهي، وهي فكرة أ َّن هللا قد وّجه التعديالت على مخلوقاته. وقد قبل عد د كبي ر من الطالب بنظرية االنفجار الكبير، ويعتقدون أ َّن القرآ َن يحتوي على إشا ارت لكل من نظريت ِي "االنفجار الكبير ونظرية التطور." ّ 77

وفي مقابل ذلك تقول الدراسة:

"يرى كل الطالب تقريبا ... أ َّن التطوَر الكبيَر )أ ْي تطور أنواٍّع جديدة، الخ( كان على الجانب المرفوض من نظرية التطور، فعلى خالف التطور الطفيف، فإ َّن التطوَر الكبيَر ِ ارتبط بتطلعات الملحدين... كما أ ّن أي ّا من الطالب لم يقب ْل فكرة َ أ َّن البشَر تطوروا عن القردة."37

ِ ِ ووفقا للد ارسة، فإ َّن الطالب "بالكاد قب لوا" بفرضيات التطوِر الموجودة في يومنا هذا في مواضي َع أ ُخرى ٍّ كالطب والكيمياء والعلوم الطبية الحيوية. "كان طال ُب هذه التخ ّص صات على علٍّم بأ َّن ك َّل واحد منهم ٍّ ٍّ ٍّ سيخضع المتحانات متعلقة بنظرية التطور، إال أَّن هم لم يَ روا في ذلك مشكلة ، حيث أ َروا أ َّن طرح أسئلة تتعلق بأفكار "داروين" في االمتحان ال يقتضي اإليما َن بهذه األفكار بالضرورة."

ِ ونظ ا ر إلى أ َّن نظري َة التطور ال ت َُد َّ رُس بالطريقة المناسبة في المدارس، فال ُي ْس ت َ ْغ َ رُب أ ْن ُيضّل َل الصحفي ون العرُب العام َة عندما يظهر هذا الموضوع في األخبار، ففي سنة 2009م أذاع ْت قناة الجزيرة، وهي القناة ق اإلخبارية األكثر مشاهدة في الشر األوسط، خب ا ر مفاده أ َّن العلما َء األميركيين وجدوا "أدلة جديدة على أ َّن نظرية التطور "لداروين" كانت خاطئة" وقد كان التقرير يشير إلى اكتشاف بقايا متحجرة لإلنسان القديم (Ardipithecus ramidus)الذي كان موجودا قبل 4.4 مليون سنة. رغم أ َّن هذا االكتشاف أثار ٍّ تساؤالت جديدة حول أسالف البشر إال أَّن ها لم تقوض نظرية التطور، لكن قناة الجزيرة أورد ْت تعليقا للدكتور زغلول النجار، الذي وصفته بأنه عالم جيولوجيا شهير، قال فيه للقناة أ َّن هذا االكتشاف يمثل

"ضربة قوية لنظرية داروين وأظهرت أ َّن الغربيين بد أووا بالعودة إلى رشدهم بعد أ ْن تعاملوا مع أصل 38 اإلنسان بطريقة مادية محضة وبعد إنكارهم لألديان ." والنجاُر مصرُّي الجنسية وهو عضو في 39 األكاديمية اإلسالمية للعلوم، ولديه موقع على شبكة األنترنت ير ّوج فيه "لإلعجاز العلمي" في القرآن .

وفي سنة 2014 بثت قناة "ناشيونال جيوغرافيك" العربية، ومقرها أبو ظبي برنامجا بعنوان :Cosmos“ ”A Spacetime Odyssey وهو متابعة لسلسلٍّة وثائقيٍّة علميٍّة مشهو ٍّرة ، قدمها في األصل "كارل

ساجانCarl Sagan" في ثمانينات القرن العشرين. في الحلقة األولى من البرنامج الحظ الملحُد ٍّ الفلسطيني وليد الحسيني بعض التغييرات الغريبة وحذفا "ألج ازَء معين ة من البرنامج ال تتوافق مع الدين اإلسالمي ، أو قد تسبب جدال واسعا في العالم العربي." فجملة We humans only evolved within ّ

78 the last hour والتي تعني ""نحن البشر لم نتطور إال في الساعة األخيرة" تَّم ْت ترجمتها: "نحن البشر لم نوجد إال في الساعة األخيرة." وفي جملة أخرى تقول: "ألكثر من 100 مليون سنة كانت الديناصورات ٍّ تس وُد األرض، في حين أ َّن أسالفنا، الذين كانوا ثدّي يات صغيرة ، كانوا يركضون مذعورين بين أقدامها" تم حذف عبارة "أجدادنا" من النسخة العربية. وعن ذلك كتب الحسيني في مدونته على األنترنت:

ِ ن "إن محطة تلفزيونية ي ُفترض بها أ ْن تمثل الع ْل َم في عيو المتحدثين باللغة العربية، ِ وباألخص في ظل افتقار وسائل اإلعالم العربية للمحتوى العلمي الذي يشو ُب العلُم ال ازئف معظَم ه، كاإلعجاز العلمي في القرآن وما شابه ذلك، لم يكن من الن ازهة أ ْن ٍّ تُخضع المحطة للرقابة ما تََي َّسَر من معلومات تتكلم عن تاريخنا وتطورنا كما كشف عنها العلم الحديث."40

79

الفصل الرابع: خسارتهم ل دينهم

غالبا ما يتصّد ر اعتنا ُق األجانب لإلسالم وسائ َل اإلعالم الخليجية، السَّي ما إذا ما كان مجال العمل لديهم ِ ِ يجعلهم مرشحي َن غيَر محتملين لتغيير دينهم. فقد احتفت الصحاف ُة السعودي ُة مثال بخبر اعتناق مغنية الراب الفرنسية "ديامسDiam’s" لإلسالم1، وتقوم الحكومة اإلما ارتية كل سنة بنشر قائمٍّة بأسماء

المقيمين األجانب الذين اعتنقوا اإلسالم، ومّما ال شك فيه أن أنبا ء كهذه تعطي المؤمنين شعو ا ر بأ َّن دينهم ِ أصبح شرعيا ث َبُتت ص َّح ته، إال أ َّن هنالك أنواعا أخرى من قصص اعتناق اإلسالم تحظى باهتماٍّم أق ّل . ِ ٍّ كتب "ميرزا غالب Mirza Ghalib"، وهو هند ُّي الجنسية ، في مقالة ُنشرت على اإلنترنيت قائال : "لقد ذهبت إلى المملكة العربية السعودية كمسلٍّم تق ٍّ ي ِب ق ص ِد العمل، لكَّن ني عدت إلى بلدي الحبيب ملحدا." ُ ّ َ ْ وأضاف أ َّن رحلته نحو اإللحاد بدأت عندما بدأ زمالؤه العرب بمضايقته "لعدم كونه مسلما مثاليا "، وقد فاجأه هذا األمر ألن ه تعل م في الهند أن يصِل ي خمس مرات في اليوم وأن يقرأ القرآن باللغة العربية بشكل ّ َّ ْ ّ َ يومي، فقد كان يرى في نفسه مسلما طيبا وذلك "وفقا لمعايير اإلسالم في الهند."

ِ وحتى ذلك الوقت لم يك ْن غال ْب قد قرأ القرآن سوى باللغة العربية والتي أخبروه بأنها "لغة أهل الجنة" وأ َّن هذا سيضفي عليه مزيدا من الفضيلة وا ْن لم يكن يفهم اللغة العربية، ونتيجة لتهُّك م زمالئه قَّ رر أ ْن يقرأ ِ َّ القرآ َن باألوردو لغت ه األِّم ، "لكي أستطي َع أ ْن أفهَم معانيه وأ ُصب َح بالتالي مسلما أفضل وأكثر تقوى." إال أ َّن ما وجده في القرآن َصَدَم ُه بدال من ذلك، حيث قال: "بدت لي الكثير من اآليات همجية."

كما كان خائفا من بعض الممارسات الثقافية التي وجدها في المملكة العربية السعودية، وهي ممارسا ت ٍّ تستنُد في الغال ِب إلى أس ٍّس دينية ، فيقول:

"شهد ُت رجال ناهَز السابعة والخمسين من العمر، وَله ُ زوجتان على قيد الحياة، وتزوج الثالثة، وهي فتاة أردنية في السابعة عشرة من العمر، )ألن "ُكلفة" الفتاة في األردن أو مهرها أق ُّل نسبيا (، وعند عودته مع عروسه ال َّص غيرة، استُقِبل بترحي ٍّب حار من قبل أبنائه المثقفين الذين تراوحت أعمارهم بين 40 و50 سنة، فحملوه على أكتافهم وأخذوا يصفقون

ويغَن ون، حتى أنهم لم يلقوا باال بشأن مصير أمهاتهم، وبدا عليهم االبتهاج وهم يحتفون "برجولة" والدهم أمام الجيران واألصدقاء. لم أجْد ا تفسير لتلك اللغة التي استخدموها

80

لتمجيد "رجولة" والدهُم التي كانت صريحة جّد ا بل إباحي َّة ، وال يمكننا لوم افتقارهم للتربية بشأن سلو ٍّك كهذا كونهم مثقفين."

وأضاف غالب أَّن ه فوَر عودته إلى الهند، وقد أمضى عقدا من الزمن في المملكة العربية السعودية، راح ِ يحاول إقناع والديه الطاعنين في ال ّ س ِّن بأنه قد تَّم تضليلهما بشأن اإلسالم، وهو ما استطاع تحقيقه في نهاية المطاف، فيقول في ذلك:

ِ ِ ِ ِ "كان والد ي يسألني م ار ا ر كطفل بريء ع ْن مصيِر عبادة ثمانين عاما في ظ ّل اإلسالم، وعن الوقت الثمين الذي أمضاه في الصلوات الخمس، وصلوات قيام الليل، وغيرها من ِ ِ ِ المناسك اإلسالمية. فأواسيه بالقول بأّال يقل َق حول الماضي، وأ َّن األَْوَلى به السعادة ُ، فلقد ِ ِ ِ ِ تحَّ رر من خوف العقاب والتعذيب المزعوِم عنَد النْزِع األخير، وفي القبر، ويوَم القيامة، ِ و رغم أَّن ُه اقتن َع ، إّال أَّن ه لْم يتحّم ل الطريق َة التي تَّم خدا ُع ه بها من قبل المشايخ طوال حياته، فشكرني إلنقاذه من خوفه من رعب القبر ونار جهنم.

أحزنني موت والدي الحبيب بعد بضعة أشهر من تنويره حول اإلسالم حيث كان غير

قادر على استيعاب الصدمة التي لم تُضعف إيمانه فحسب، بل ساهمت في تدهور صحته. لقد شعرُت بالذنب، إال أنني عندما أستذكر أيامه األخيرة أشعر أيضا بالرضا ألنه واجه الموت بثقة ودونما خوف من العذاب ونار الجحيم التي يتم تعليمها في اإلسالم. إن الوصول إلى حقيقة اإلسالم هي أصعب معركة في حياة المسلم، وقد يكون من الصعب عليه قبول الصدمة التي يتعرض لها عندما يكتشف الحقيقة."2

إ ّن اإللحاد ر د على الّدين، فلوال الّدين لن يصبح المرء ملحدا ، وسيصبح هللا مفهوما مجهوال ، ولن يكون

هنالك سبب محدد أل ّي كان ليتساءل حول وجوده من عدمه، وبالتالي سيتحول ك ل من اإليمان واإللحاد إلى إنكار. لقد كان هذا مصيَر األديان السابقة التي تخلى عنها الناس اليوم، إذ ال يمضي أحد اآلن وقت َه ليجادل في موضوع آلهة اليونان والرومان القديمة ألنها تبخرت وأصب َح ْت غير مالئمة لوقتنا الحاضر منذ وقت طويل.

قد يكون دور الّدين في تطور اإللحاد، بل وتعزيزه بشكل غير مقصود، واضحا جدا وال يمكن إغفاله بسهولة، لكن من المهم أن نبقي هذا األمر في أذهاننا عند دراسة األسباب التي تدفع العرب إلى اإللحاد ْ َ

81

ن وكيفية قيامهم بذلك. إن كو اإلنسان ملحدا يعني أنه ال يؤمن باهلل، ولكن أن يتحول المرُء إلى اإللحاد فذلك يتضمن رفضا هلل بوع ٍّي منه، وبالتالي يمكن وصف بعض غير المؤمنين بأن ّهم ملحدون في األساس

)كوَنهم لم يكونوا مؤمنين وقّرروا اإللحاد(، وألن تأثير الّدين على حياتهم كان محدودا أو غير موجوٍّد 3 أصال ، كما أ َّن هللا بالنسبة لهم ال يكاد يختلف عن "زيوس" أو "أبولو."

غير أ َّن اإللحاد في البلدان العربية غالبا ما يكون خيا ا ر يتخذه المرء عن َع ْمد، وهو َخيا ر عليهم دف ُع ثمن اتخاذه. إ ّن اإليمان هو األمر السائد، فيكون وفي كثير من الحاالت موجودا أصال ، ذلك أ ّن المجتمع ال يتوقع من الناس أ ْن يؤمنوا فحسب، بل ويأخذ على عاتقه حمايتهم من األفكار التي يمكن أن تقودهم إلى الشك، ورغم هذه الضغوطات، يغرد بعضهم خارج السرب، وبأعداد متزايدة كما يبدو، فكيف يحدث ذلك؟

يقول سعيد كيّاني، وهو ملحد إما ارتي:

"ال أتفق مع الفرضية التي تقول بإن فقدان اإليمان باهلل خاص ة، أو باآللهة عموما مرّده سبب واحد، فقد وجدت من تجربتي الخاصة وتجارب اآلخرين أن األمر ناتج عن عملية معقدة تشمل عدة عومل في داخلك وأخرى مرتبطٍّة بالبيئة المحيطة بك4... إنها رحلة داخلية )أي داخل النفس( عن كيفية معالجة األفكار واألحداث وعن مشاعر اإلنسان

تجاه االستنتاجات التي يتوصل إليها، فاألمر أشبه بوجود كومتين من القش ت ُوزنان على 5 مقياس ما، يكون فيه نوعي ُة وبني ُة ومادة ُ المقياس هي ما تحّدد تدّين اإلنسان."

تشير األبحاث التي أُجريت في الواليات المتحدة إلى أ َّن البيئة الدينية "تلعب دو ا ر أساسيا في تشكيل هوية الملحد،" فِم ن بين أربعين أمريكيا أُجريت معهم مقابلة للدراسة، تبين أن خمسة وثالثين تمت تنشئتهم في بيئة تراوحت بين "متدينة إلى حد ما" وأُخرى "متشددة". كما أشارت دراسة أجراها "جيس سميث Jesse"

Smith من جامعة كولورادو أنه: "حتى أولئك القلة الذين نشأوا في أ ُسٍّر ليست متدينة جدا ، أو ليست متدينة أبدا ، قد واجهوا وتأثروا بمستويات مرتفعة من الورع واإليمان الَذ ي ِن كانا حاضرين في البيئة العامة للثقافة األمريكية."6

وتأتي نتائج الدراسة التي أجراها مركز "بيو" لألبحاث سنة 2010 كشاهد آخر على أن الّدين يمكن أن يفضي إلى اإللحاد، فقد وجدت الدراسة أنه لدى إجراء اختبار في المعرفة الدينية تَبّين أن أداء الملحدين والالأدريين األمريكيين كان أفضل من أداء البروتستانت والكاثوليك، وقد تم تفسير هذه النتيجة جزئيا

82

بسبب الفروق في مستويات التعليم العامة لدى الذين خضعوا لالختبار7. وبحسب ما أشار إليه أحد القائمين على الدراسة، فقد نشأ ثالثة أرباع الملحدين والالأدريين كمسيحيين، وتشير معرفتهم الدينية أنهم

م ّح صوا دينهم بعمق قبل قرارهم بالتخلي عنه. وقد دفع هذا األمر "ديف سيلفرمانDave Silverman" من منظمة الملحدين األمريكيين أ ْن يعلق قائال :

"لطالما سمعت أ ّن الملحدين يعرفون من الّدين أكثر من المتدينين أنفسهم، وذلك أ ّن اإللحاد هو نتيجة لتلك ال ،معرفة ال لالفتقار إليها. لقد أَعطي ُت اإلنجيل البنتي، فبتلك 8 الطريقة ُي صَن ع الملحد ون ."

وبنا ء على المقابالت التي أج ارها مع ملحدين أمريكيين حول رحلتهم إلى اإللحاد، اقترح "سميث" عملية من أربع مراحل هي:

1. نقطة البداية: الوجود المطلق لإليمان بإله واحد. 2. التشكيك باإليمان بإله واحد. 3. رفض اإليمان بوجود إله واحد. 4. ر" "الظهو )أو اإلعالن( كملحد.

وقد أكد هذا النم َط عد د كبي ر من غير المؤمنين العرب ممن حاورتهم بغرض تأليف هذا الكتاب، رغم وجود بعض الفروق بينهم، فقد سردوا قصصا مماثلة عن التخّلي التدريجي عن الّدين، واستغرق رَّدتهم تلك سنوات في بعض األحيان، أي أ ّن التحول إلى اإللحاد لم يكن لحظ َة تحوٍّل مفاجئة، وقد أشار الجميع ِ تقريبا إلى وجود جانب مهٍّّم في هذا األمر، هو أ َّن مواجهتهم للدين كانت الحافَز األول للشك لديهم، وهو ذلك الشعور بأ ّن هنالك أم ا ر ما في هذا الّدين لم يكن صحيحا تماما وفق ما تعلموه.

غالبا ما يبدأ األمر لديهم بسؤال بسيط حول إحدى مسائل التعليم الديني التي صدمتهم بكونها غير منطقية أو متناقضة في ذاتها، ف ارحوا يبحثون عن إجابٍّة لهذه السؤال، متأملين بصدق أن يجدوا إجابة له،

وبدال من الحصول على إجابة، وَّلد ْت عملية االستقصاء وراء ذلك السؤال أسئلة وشكوكا جديدة.

رغم أن األسئلة المتعلقة بالعقيدة كانت نقطة البداية المعتادة، إال أ ّن بعضا منهم أشار إلى أنهم تأثروا

بالطريقة التي يَمارس بها الّدين، فاستشهد بعضهم بالطريقة التي تُعامل بها الم أرة، واعتبر ناش ط مصري أن الّدين يمثّل عائقا في وجه الثورة، إال أ ّن هذه لم تكن نقطة البداية المعتادة عموما . لقد لعبت مناظرات

83

ِ الع لم في مواجهة الّدين - والتي أصبحت شائعة جدا في الغرب - دو ا ر صغي ا ر، بل ال ُيذكر حتى، في ٍّ المراحل األولية للتشكيك بالدين عند العرب الذين أ َجري ُت مقابالت معهم، إال أن األمر يختلف مع َم ْن لديهم اهتمام محدد بالعلم. وقد تحول بعضهم الحقا إلى كتب “ريتشارد داوكينزRichard Dawkins"

و“كريستوفر هيتشنز Christopher Hitchens" وغي ِرهما من الملحدين البارزين، إّال أ ّن التأثير في تلك المرحلة كان باألساس لتعزيز الشكوك الموجودة أصال ، ولتوفير بيئٍّة أكثر تماسكا إللحادهم المتزايد. يقول

جمال، وهو ملحد مصري: "لقد أريت عددا من األشخاص، من طالب علم األحياء والطب، مّمن بدوا كقّار ء متمّرسين وم ّطلعين على أحدث الكتب التي تشكك بوجود هللا على أساس علمي، إال أ ّن معظم من عرفتُهم ممن تحولوا إلى اإللحاد هنا في مصر قد فعلوا ذلك ألسباب فكرية أو منطقية أو اجتماعية، أو ألسباب فلسفية بنسبة أكبر."9

وتتحدث دراسة "سميث" عن أمريكيين شككوا في "اإليمان بوجود إله واحد،" ومن ثم نبذوا هذا اإليمان

وتحولوا إلى اإللحاد. إال أ ّن هذا األمر ليس دقيقا جدا في حالة الملحدين العرب مّمن تكلم ُت معهم، ذلك أن أسئلتهم لم تكن في بادئ األمر حول إمكانية وجود هللا بقدر ما كانت تتعلق بوجود هللا على النحو الذي ساقته األديان السماوية. ورغم أن بعضهم يرفض األديان السماوية، إال أنهم حافظوا على إيمان ِ ُم بهم بنوع من األلوهية، أو عّبروا عن توق هم إلى "الروحانية."

إ َّن أكثر ما استشهد به الملحدون العرب خالل المقابالت التي أجريتها معهم على أنه الخطوة األولى على

طريق اإللحاد هو الغياب الواضح للعدالة اإللهية، فالصورة التي تشكلت لديهم كانت صورة َ إله سريع ِ الغضب، والعقالني أحيانا ، وأنه يسلك تقريبا مسلك ديكتاتور عربي، أو رّب أسرة محافظ، فيتخذ قرارات استبدادية متلهفا لمعاقبة الناس ألدنى سبب، كما أ ّن الوعيد الرهيب الذي طالما تكرر في القرآن حول ما ِ سَيح ُّل بغير المؤمنين قد أضفت انطباعا قويا عند هؤالء األشخاص في مرحلة الطفولة وبشكل واضح.

يقول محمد رمضان، وهو مصري الجنسية: "لقد كانت فكرة الجحيم األبدي مزعجة جدا بالنسبة لي. كن ُت

في التاسعة من عمري حبن سألت والد ّي لَم سُينزل هللا علينا عقوبة أزلّية في حين أننا نعيش بمعدل وسطي قدره سبعون سنة فقط."

أّما أحمد سعيد، وهو يمني الجنسية، فقد سأل معلميه في المدرسة عن سبب معاقبة هللا للناس لمجرد عدم اإليمان به، إال أن اإلجابات لم تكن مقِنعة أبدا بالنسبة له حيث يقول: "كانوا يجيبونني قائلين بأن هذا ما

يقوله هللا وحسب، وبالتالي ال ُيفترض بنا أن نسأل عن السبب، وقد اعتد ُت دائما أن أجادل بأنني لو 84

ولد ُت في بلد علماني، ولو أنني لم أولد في اليمن أو في بلد شرق أوسطي لما كن ُت مسلما . فلو أنني ولد ُت في الهند مثال ، لكانت هنالك فرصة كبيرة بأن أعبَد بقرة، وكوني قد نشأت كمسلم هو أمر لم أختره، فالمسألة هنا هي مسألة تموضع ديموغرافي."

هناك سعودي ُيعرف على موقع "تويتر" باسم "ملحد عربي" كان يؤرقه سبب معاقبة هللا للناس غير المسلمين مّمن يبدون لطيفين ومحتشمين، وعند وصوله إلى الواليات المتحدة للدراسة في كلية يسوعية، بدأ يدرك "كيف أن جميع األديان متشابهة" في تعاليمها األساسية. حيث عّقب قائال : "نتعلم في اإلسالم بأن غير المسلمين سيذهبون إلى الجحيم جميعا . وكان لدي جاران يهوديان كانا ألطف زوجين قابلتهما،

فجعلني هذا األمر أتساءل لماذا عساهما يذهبان إلى الجحيم؟ فبدأ اإلسالم ينهار أمام ناظرّي فجأة."

أما "راماستRamast" وهو مصري نشأ في كنيسة قبطية ويرفض أن يوصف بالعربي فيقول: "يسمي الناس مصر بالبلد العربي ألسباب دينية ال تنطبق علي ،" وقد واجه المشكلة ذاتها، ويقول: ّ َ

"لقد بدأ األمر بسؤال بسيط جدا : إذا كان األخيار سيدخلون الجنة واألشرار سيدخلون النار، فما الذي يجعل اإلنسان من األخيار وما الذي يجعله من األشرار؟ أهي البيئة؟

ولكن هللا هو من خلق تلك البيئة. هل هي طريقة تربيتنا؟ ولكن هللا هو من اختار والد ّي اإلنسان والطريقة التي سينشأ عليها. ومهما كان السبب الذي ستأتي على ذكره، ستقول في النهاية: "ولكن هللا هو من خلق ذلك،" وبالتالي ووفق ما يمليه علينا المنطق، ال

يحم ُل المرء ِوزر كونه طيبا أو سيئا . لم أستطع أن أجد إجابة على هذا السؤال، إال أ ّن ِ هذا األمر لم يجعلني أتغير في الحال، بل جعلني أشك فقط، وأُ ْعم َل عقلي قليال . كان ذلك حين كنت في الثالثة عشرة أو ال اربعة عشرة من عمري، وقد كنت متدينا جدا وأفكر كثي ا ر في هذه األ مور."

ربما تكون أسئلة كهذه قديمة قدم التوحيد ذاته، حيث توضح قصة عمرها ألف سنة هذا اللغز. تدور القصة حول نقاش جرى بين أبو علي محمد الجباعي، وهو عالم ديني من المعتزلة توفي نحو سنة 915م، وبين تلميذه أبو الحسن األشعري "

"عرض األشعري على الجباعي مسألة أخوٍّة ثالثة، أحدهم مؤمن ومخل ص وفاضل وتقي، والثاني كافر وفاسق وفاسد، أما األخ الثالث فما يزال طفال صغي ا ر. توفي اإلخوة الثالثة

85

جميعا ، وكان األشعري يرغب أن يعرف ما سي ِح ُّل بهم بعد الموت، فأجابه الجباعي قائال: "ينال األخ التقي مكانة عالية في الجنة، أما الكافر فيلقى في ق عر جهنم، بينما ّ َُ َ ينال الطفل الصغير منزلة األعراف )ممن ن َجوا من الجحيم ولم ينالوا الجنة(.

فقال األشعري : لنفترض اآلن بأن الطفل كان يرغب بأن يرقى إلى المنزلة التي نالها أخوه التقي ، هل سيسمح له بذلك؟ ّ ُ فأجاب الجباعي: ال، بل سيقول هللا له: )نال أخوك هذه المنزلة بوافِر عم ٍّل في طاعة هللا، أما أنت فلم تقم بأعمال كهذه لتنال هذه المنزلة(.

فقال األشعري : لنفترض إذا أ ّن الطفل قال: لكن ذلك ليس ذنبي، فأنت لم ت ُطل في عمري ، كما أنك لم تتترك لي سبيال ألثب َت طاعتي.

َف رّد الجباعي: في تلك الحالة سيقول هللا: كن ُت أعلم بأنني لو أطلت في عمرك، لكنت عصيتني، وجني ت على نفسك بعذاب الجحيم الشديد، فما قمت به هو في صالحك.

قال األشعري عندها: حسنا ، افتر ْض بأن األخ الكافر قال: يا إله الكون، طالما أنك تعلم ما كان ينتظر أخي الصغير، فالبد وأنك تعلم ما كان ينتظرني، فلم قضي َت في صالحه 10 وليس في صالحي أنا؟ فُب ِه َت الجباعي ولم يجد ما يرُّد به على هذا السؤال."

انتاب المصرية ريم عبد ال ارزق الفضول لتعرف مصير الحيوانات في نظام الجزاء والعقاب، فتقول: "نتعلم في اإلسالم بأن البشر يخضعون لنوع من االختبار لنعرف فيما إذا كانوا سيذهبون إلى الجحيم أو الجنة،

وهنالك الكثير من المعاناة في هذا العالم، وكلّما تحدث ُت عن معاناة اإلنسان تُعزى هذه المعاناة إلى ذلك االختبار. إال أنني عندما أتحدث عن الحيوانات ال أفهم كيف أن هللا سيخلق هذا الكّم الهائل من المعاناة دونما سبب." وعندما كانت طفلة تساءلت ريم عن سبب قيام الحيوانات بافت ارس حيوانات أخرى، فقيل لها بأن الحيوانات التي تم افتراسها ستنتقم في اآلخرة ولكنها ستتحول بعد ذلك إلى تراب. أشارت ريم قائلة:

"لم يكن األمر منطقيا بالنسبة لي."

أما الكويتي عبد هللا فيقول:

86

"األمر األول الذي بدأت بالتساؤل حوله هو ماهية هللا تحديدا ، وذلك عندما كنت في

الثانية عشرة من عمري تقريبا ، ما هو ُكْن ُه هللا؟ إال أن األمور لم تتضح لدي، ألن اإلجابة التي كنت أحصل عليها دائما كانت: ستفهم ذلك حين تفارق الحياة. وأشير في حديثي هذا إلى والدتي التي كان من المفترض أن تكون خبيرة بشؤون اإليمان بحد ذاته،

فبدا هذا الكالم بال معنى، وبدأ األمر يتطور من تلك النقطة نوعا ما وببطء حتى

أصبح ُت في السادسة عشرة من العمر حين توفي أحد أصدقائي في حادث سير، عندها بدأ ُت أتساءل أكثر وأكثر، وبدأ األمر يسيطر على حياتي نوعا ما، وكثي ا ر ما كنت أردد: أريد أن أعرف، أريد أن أعرف."

وعندما يسأل الناس أسئلة كهذه، غالبا ما تدفعهم الردود التي يحصلون عليها من اآلخرين أكثر باتجاه اإللحاد، ويقول أحمد سعيد في هذا اإلطار: "لدى الناس وجهة نظر تقول دائما : هللا يعلم أما نحن فال."

في مصر، وجدت ريم عبد ال ارزق أن المسألة ال تتعلق بالقول: "ال تسأل أسئلة كهذه" فحسب، بل أضافت

بأ ّن في ردود الناس من حولها نوع من العدائية، حيث تقول: "زاد هذا من فضولي، وذلك ألنني أصبحت في موقف دفاعي، وبدا األمر كما لو كنت أهاجمهم، وهو ما لم أفعله. كنت أؤمن بقوة بأنني على حق،

وهذا ما كان يثير حفيظتهم، فُهم لم يرغبوا بالتفكير في هذه األمور." إال أ ّن الدفاع ليس الرد الوحيد، حيث تناولت مقالة في صحيفة الوطن السعودية الحديث عن معلمة سعودية في العشرينيات من عمرها، حاول ْت 11 أن تناقش شكوكها مع أحد العلماء، إّال أّن ه رّد عليها قائال بأنها مريضة عقلي ّا وبحاجة إلى عالج.

كما ومّ رت نبيلة في البحرين بتجربة غير عادية كونها ترّب ت على يدي والديها اللَذ ان كانا "ملحدين أساسا ،" فوالدها كان منتسبا لمجموعة سري ّة ماركسية لينينّي ة، بينما كانت أمها ناشطة في الدفاع عن حقوق الم أرة، إال أنهم وألسباب تتعلق بسالمتهم أخَف وا هذا األمر عن أطفالهم. وتقول نبيلة: "لقد كانوا مصِ رين على إبقاء ك ِ ل شيء طي الكتمان،" ولذلك كانت نبيلة تفترض أنها كانت مسلمة في السنوات ّ ّ ّ األولى من حياتها، حاُلها حال غيرها من األطفال في مدرستها، ولكن رغم ذلك أثارْت أمور متعلقة بحياتها مع أسرتها حيرتها، فتقول:

"اعتد ُت أن أطرح األسئلة التالية على والد ّي طوال الوقت: لماذا ال تؤدون الصالة؟ لماذا ال تصومون؟ وكان جواب أمي: نحن نصلي داخل غرفتنا،" وعندما كن ُت أسألها لماذا ال

87

تصومين إذا ؟ كانت تقول: "أعاني من قرحة ووالدك ال يستطيع أن يقلع عن التدخين،"

لقد صّد قت هذه األعذار لفترة على الرغم من كونها سخيفة جدا .

لقد سمعنا بالطبع قصصا هنا وهناك عن أصدقاء والدي؛ فقد نشأنا مع طفلين كانا بمثابة أ خوين لنا، وكانا قد فقدا والديهما في السجن سنة 1986، وكنا نتساءل دائما لماذا لم يكن لديهما أب، فأخبرونا بأنه استشهد وهو يقاتل في فلسطين، أعتقد أن والدي أخبرني عندما كنت في الثانية عشرة أو الثالثة عشرة من عمري بأنه توفي في السجن في البحرين، إال أنه لم يعطني تفاصيل حينها عن سبب وفاته أو كيف توفي، ولم تكن لدي فكرة عن وجود أح ازب فعلية تعمل بشكل سري ."

أخذت جّدة نبيلة على عاتقها في هذه األثناء مهمة تحويلها إلى مسلمة صالحة، حيث شجعتها على حفظ القرآن غيبا ، فتقول:

"طلبت مني جدتي أن أحفظه عن ظهر قلب، وقد حاول ُت ذلك، إال أنني لم أستطع، فسألتني: كيف إذن تحفظين واجبك المدرسي؟ فأجبت: "ألنني أفهمه، ولكنني ال أفهم هذا )تعني القرآن(.

عندئٍّذ ارحت جدتي تحاول أن تشرح لي القرآن، وعندها بدأت تراودني هذه األسئلة،

فأخبرتني بأن هللا خلق كل شيء ويعلم الغيب وكل شيء، ا وأمور بهذا المعنى.

ِ فقلت لها: على ِرْسلك. تقولين بأن هللا يعلم كل شيء، إذا فهو يعلم بأنني سأولد ويعلم كل فعل سأقوم به وكل ما سأقوله، وبالتالي إذا كان يعلم كل شيء فهو يعلم بأني ِ سأرتكب هذا الخطأ، فل َم يعاقبني عليه؟

فرّدت قائلة: "ال، األمر ليس على هذا النحو؛ فقد هدا ِك الّنجدين وعليك أن تختاري .

فقلت: إذا فهو ال يعلم ماذا سأختار وبالتالي هو ال يعلم كل شيء.

على هذا النحو بدأت تراودني الشكوك. كيف يمكنك القول بأنه غفور ورحيم وما إلى

هنالك في حين أنه شديد العقاب؟ لم يكن األمر منطقيا بالنسبة لي."

88

أما "سارة واي"، وهي سورية من أسرة علوية تعيش في الكويت، فقد واجه ْت مشكالت تتعلق بالقرآن، السيما ما كانت تعتبره افتقار القرآن للوضوح عندما بدأت بقراءته بنفسها، حيث تقول: "المشكالت كانت بالنسبة لي أكثر من كونها تتعلق باهلل، فهناك مسائل في القرآن جعلتني أفكر: لماذا ال يكون القرآن

واضحا فحسب؟ إْذ إن هنالك تناقضات فيه، وك ُّل الفكرة المتعلقة باهلل هي أنه ُيفترض به أن يكون شخصا ما أو شيء ما يتصف باأللوهية، كنول األخطاء ال تليق بما هو إلهي، وحتى أبسط األخطاء تجعله

باطال ."

وتواصل قائلة: "قبل أن أقرأ القرآن، لم يكن لدي فكرة بوجود ما ُيسمى بمسلم سابق، لقد اعتقدت بأنني كنت مسلمة سيئة فحسب، ومن ثم فكرت: مهال ! ال يجب أن يكون األمر على هذا النحو." غير أ ّن سارة تف ّض ل اليوم أن تتم مناداتها بملحدة وليس مسلمة سابقة حيث تقول: "كلما فّك رُت بالموضوع أكثر، كلما ازداد التساؤل عندي لماذا يجب أن أُدعى مسلمة سابقة وهو أمر لم أختره باألصل؟ ورغم أني أظهرُت اهتمامي بالدين في مراحل كثيرة من حياتي، إال أنني عندما أنظر إلى الماضي أشعر بأني لم أكن أظهر اهتمامي بالدين ألنه كان لدي إيمان، بل ألن األمر يتعلق بضغط األقران )وهي رغبة قوية في تقليد 12 تصرفات من هم في سّنك( .

قال بع ُض األشخاص العرب الذين أجري ُت مقابالت معهم بغرض تأليف هذا الكتاب أ ّن تخليهم عن الدين كان في الغالب رحلة خاصة ومدروسة وأحيانا تخللها الوحدة، وقد كان األمر إلى حد كبير عملية فكرية تكونت بفعل تجاربهم الشخصية المتعلقة بالدين، ولو بدرجات متفاوتة. وخالفا للفكرة السائدة في الشرق

األوسط، لم َي عتبر أحد أ ّن اإللحاد عذر لالنغماس في الملذات. ومن األفكار السائدة األخرى - والتي عادة ما تأخذ طابع نظرية المؤامرة - هي أ ّن الملحدين العرب استسلموا "لسياسة إضفاء طابع الثقافة الغربية" أو "التأثي ارت األجنبية" عليهم. يبدو أ ّن هناك درجة من الحقيقة في هذا األمر إذا ما تم استبعاد عنصر المؤامرة، رغم أ ّن هذا ال ينطبق بالتأكيد على جميع الحاالت، وفي تلك التي ينطبق عليها هذا األمر فإنه ُيّرُّد عادة إلى انفتاح في عقول العرب نتيجة احتكاكهم بغير المسلمين، أو لوجود أساليب جديدة للتفكير، أكثر من كونها نتيجة للمحاوالت المباشرة من قبل األجانب إلغرائهم باالبتعاد عن اإلسالم.

فعلى سبيل المثال، يرى أحمد سعيد، وهو يمني الجنسية، أ ّن التغير في معتقداته قد حصل عندما بدأ بالقراءة "خارج منظور اإلسالم،" وعندما ار َح يخوض في نقاشات على اإلنترنيت "مع أشخاص ملحدين

89

3 وربوبيين والأدريين." ويشير سعيد إلى أ ّن النقاشات كانت تجري باللغة اإلنكليزية "ألن معظم األشخاص الذين يتحدثون العربية مسلمون، وفي تلك المرحلة لم أكن أرغب بالجدال مع مسلمين، ألن األمر سيكون

بال جدوى. أرد ُت أ ْن أرى الموضوع من وجهة نظر ومنظور مختلفين." انضّم سعيد إلى منتدى مناقشة على اإلنترنيت يحمل اسم "الملحد مقابل المؤمن" الذي كان ي ّض م 30،000 عضو. يقول سعيد: "أمضي ُت ساعات طوال في هذه المجموعة، وكنت مؤمنا بنسبة 100% عند انضمامي إليها، كنت أؤمن باهلل، إال

أنني وجدت أن ّي ال أمتلك أي دليل ألثبت أ ّن هللا موجود. ومن ثم أدركت أن جميع األديان ينظمها أناس وأن فكرة هللا هي من صنع اإلنسان."

أما محمد رمضان فيقول إ ّن عقله تفتّح بعد أ ِن انتقل من مدرسة حكومية إلى جامعة خاصة في مصر

حيث يقول: "بدأ ُت أرى أشخاصا مختلفين تماما ، أشخاصا أكثر ث ار ء ممن سافروا إلى الكثير من األماكن مثل كندا. كانوا مصريين من أصول مختلطة وذوي أفكار مختلفة كليا ." وقد أتى التأثير األكبر على آرائه في ذلك الوقت من قبل صديق شاركه سكنه الجامعي، حيث يقول: "كان هذا الصديق ملحدا لكني لم أكن أعلم بذلك حينها، تجادلنا كثي ا ر وكنت في الطرف اآلخر للحوار، إال أنني أدركت في الوقت ذاته أني كنت أتحدث مع شخص عزز بعضا من الشكوك في داخلي." ويعقب محمد قائال :

"كان النقاش األول يدور حول أمور محددة، مقبولة أخالقيا من قبل الدائرة االجتماعية

المحيطة بك فقط، ومن ثم أتي ُت بفكرة سخيفة من قبيل: هل كن َت ستسمح ألختك أن ترتدي مالبس سباحة في مكان ما في أوروبا؟ فأجابني صديقي: نعم، بالطبع.

وعندما قال ذلك سألته: ماذا تعني؟ كيف تسمح ألختك أن تعرض نفسها بهذا الشكل؟

لقد كان جدالنا طويال حول األخالق والسلوك األخالقي، وكان هذا بشكل أساسي من المحفزات األولى بالنسبة لي."

ومما يثير االنتباه أ ّن أحد أقارب محمد أصب َح ملحدا بطريقة مختلفة تماما رغم أنه كان سلفيا متشددا ، حيث يقول محمد: "كانت تلك القصة ذات تأثير قوي بالنسبة لي ألنه لم يسافر ولم يقابل ملحدا قط، كان دائما في القرية حتى أنهى د ارساته، لقد اكتشف هذا األمر بنفسه."

3 -الربوبّية: هي اإليمان بأن للكون خالقا لكن ليس لهذا الخالق تأثير على حياة البشر أو ال يتدخل فيها )المترِجم( 90

ولدى محمد أيضا نظرية حول ما حدث ألحد أقربائه، فبعض المسلمين يحافظون على إيمانهم بتفسير

القرآن بمرونة، على عكس السلفيين الذين ال يا يمكنهم ذلك، حيث يقول محمد: "ال يستطيع السلفيون أ ْن يستخدموا حجة عدم ق ارءة القرآن بالمعنى الحرفي، فهم يعتبرون القرآن بأنه كلمة هللا المباشرة ويجب أن

نأخذه بشكل حرفي وأن نتبعه كلمة بكلمة." إن هذه الطريقة القائمة على مبدأ الك ّل أو ال شيء تعني أنهم إذا وجدوا في اآليات القرآنية شيئا يصعب قبوله فإن البنية األيديولوجية بكاملها ستكون عرضة لالنهيار.

يقول محمد إ ّن قريبه يبدو أكثر سعادة اآلن إال أن "وجوده في مصر ومن حوله أسرته، وما إلى هنالك

تمنعه من فعل كل ما يرغب به، فمن بين األمور التي أقدَم عليها هو حلقهُ للحيته، وهو األمر الذي شّكل صدمة كبيرة ألسرته، كما أنه توقف عن أداء الصالة وأصبح األمر واضحا أّن ه ال يصلي، لقد أخبرني في آخر حديث لنا: "تذّكر أن تحضر معك القليل من لحم الخنزير."

ينحدر هاشم الشامي من أسرة سنية مسلمة في سوريا، ولكنها ليست أسرة متدين َة على وجه خاص، حيث

يقول بأ ّن الّدين بالنسبة لهم "مبدأ ثقافي وتقليدي،" فوالده الذي ليس لديه هواجس حول شرب الكحول يحضُر صلوات الجمعة ولكن كحدث اجتماعي في المقام األول. ِ إال أ ّن هاشم أُرس ل للد ارسة في إحدى المدارس االبتدائية الكثيرة في دمشق والتي تن ّظمها حركة دينية

تُدعى "القبيسيات" وهي حركة تديرها النساء وتدعُم نظام األسد. ويوضح هاشم قائال : "إن نسختهم عن اإلسالم مشابهة كثي ا ر لالتجاه العام السائد، وهي نسخة غير معقدة، مقبولة من قبل الحكومة بشكل عام."

وكون الحركة ليست مثيرة للجدل، فإنها ال تذكر أ ّن القرآن قد أُنزل على النبي محمد تدريجيا ، أي عبر فترة طويلة من الزمن، وليس ككتاب كامل، وترى بأ ّن هناك نسخا متعددة من القرآن لفترة ما من الزمن، كما وال تتضمن الحديث عن فروق ضمن اإلسالم بين السنة والشيعة والعلوية وغيرها. لم يدرك هاشم ما

اعتبره حقائق غير مالئمة حول الّدين وتنوعه إلى أن دخل المدرسة الثانوية.

لقد كان إظهار اإلسالم بهذه الطريقة ككيان صلب )أو كوحدة متراصة( سياسة تعّمد نظام األسد اتباعها، وذلك ألسباب سياسية )سيتم مناقشتها في الفصل السادس(. اآلن، وبعد التفكير بهذا الموضوع، يشعر

هاشم أنه تم الكذب عليه وعلى زمالئه في المدرسة، ف يقول: "لقد عاملونا بفوقية بصفتنا مسلمين سّنة، ولم يخبرونا الحقيقة وذلك نتيجة الفت ارض العلماء القائل بأ ّن هناك أمو ا ر يصعب الخوض فيها كالخالفات بين صحابة النبي وعل ٍّي زوج ابنته، والتي أخرجت الشيعة من السنة، وكيف تم نقل القرآن، كما أنهم علمونا ّ ْ نسخة واحدة من اإلسالم ولم يخبرونا عن الدروز والشيعة واإلسماعيليين وغيرهم. لم تشأ الحكومة ريد

91

حصول هكذا نقاشات، كما لم تكن هنالك حوا ار ت على صعيد األسرة أو المجتمع. أحسس ُت بوجود خط ٍّب جوهري بشكل ما ألنهم لم يُطلعونا على تلك األمور منذ البداية، وأ َّن هنالك الكثير من نقاط الضعف في الّدين يرغبون بإخفائها عنا قدر المستطاع لكي نعتنق الّدين كما ُيعرض علينا، وحين يأتي الوقت الذي تكتشف فيه أن الكثير من المسائل يجب مناقشتها، تكون العقيدة قد ترسخت عميقا فينا."

إال أ ّن هاشم عندما َكُبَر مّر عبر م ارحل جعلته أقرب للدين، لكنه ابتعد عنه في النهاية بفعل أناس كان لهم أث ر في ذلك، وعندما أصبح في س ّن السادسة عشرة، وأثناء العطل الصيفية، انخرط ولفترة قصيرة فيما كان يعرف بشكل رسمي بحلقات حافظ األسد الدينية )معاهد األسد لتحفيظ القرآن(، فيقول في ذلك: ُ ّ

"كانوا يعلمونك كيف تق أر القرآن بشكل صحيح وكيف تحفظه غيبا ، كما كانوا يعلمونك

الحديث وكيف تكون مسلما صالحا بالمعنى العاّم للكلمة، كما كان هناك نشاطات اجتماعية ورياضة ونزهات أيضا . بدأ بعض أصدقائي يذهب إلى هناك وسألوني فيما إذا كنت أرغب بالذهاب معهم، ووافق والداي على ذلك في بادئ االمر."

وافق ْت الحكومة السورية على البرنامج حيث تم تعيين الدعاة الدينيين من قبل وزارة األوقاف، إال أن غالبية القائمين على التعليم كانوا شّبانا صغار السن في بداية العشرينيات. يضيف هاشم:

"بدأ وا يحاولون حثّي على الذهاب إلى هنالك بانتظام أكثر، وسرعان ما التزم ُت بذلك لمرتين في اليوم، ثم لثالث م ارت، بعد ذلك بدأ ُت بالذهاب في عطلة نهاية األسبوع، وفي النهاية كنت أذهب لحضور صالة الفجر حوالي الساعة الخامسة صباحا ، في تلك ِ المرحلة، بدأ القلق ينتاب والدي، فقال لي أّني إذا أرد ُّت الصالة فبإمكاني القيام بذلك في البيت، كما كان يسألني عن األشخاص الذين كنت أقابلهم ونحو ذلك، بدأت أدرك أ ّن عمل هذه الحلقات كان يهدف فقط إلى تجنيدنا، حيث لم يكن لديهم أي اهتمام حقيقي برعاية شؤوننا أو تعليمنا، كانت غايتهم تحقيق هدفهم بجعل عدد كا ٍّف من الشباب صغار السن يرتادون المسجد، وعند تحقيق ذلك الهدف كانوا ينتقلون إلى المجموعة التالية."

لقد وجد هاشم أ ّن الطريقة التي تقوم على مبدأ االتجاه من األعلى إلى األدنى في حلقات حافظ األسد ِ الدينية كانت تعكس النهج الذي اتبعه حزب البعث، حيث كان ُج ُّل اهتمام الطريقتين ين َص ُّب على عدد

92

األشخاص الذين يمكن تجنيدهم، ويقول هاشم بأ ّن العالقة كانت من طرف واحد إلى حد كبير، أي أنه لم يكن هناك اهتمام حقيقي بمعرفة وجهة نظر األشخاص الذين كان موقعهم في األسفل، يضيف هاشم:

"بدأ ُت أرى التفاعل بين األشخاص األكبر سنا ، وكيف كانوا ينظرون إلى من هم أدنى

منهم نظرة استعالء، وكيف أ ّن هذا األمر برّمته لم يكن متناسقا ، فلم يبُد صحيحا بالنسبة إلي، وبقي ُت على هذا المنوال شه ا ر ونصف، وكن ُت أقوم بذلك بشكل يومي، كّرس ُت الكثير من وقتي للصالة وحفظ القرآن، حتى أنهم طلبوا مني تعليم األطفال ذوي العشر سنوات، إال أنني لم أشعر برغبة في القيام بذلك، لذلك توقفت عن الذهاب إلى هناك.

بدأوا بعدها بإرسال األصدقاء ليسألوني عن سبب توقفي عن الحضور، إال أّن ي واصل ُت

الذهاب ألداء صالة الجمعة، وكن ُت أقابل األشخاص أنف َس هم، إال أنني الحظت تغي ا ر في العالقة، حيث كانوا ينظرون إلي كشخص غريب، بل وأسوأ من ذلك، ذلك أن ي كنت ّ ّ ُ ضمن مجموعتهم ثم خنتهم."

أُتيحت أول فرصة لهاشم ليرى عالما مختلفا حين أمضى سنة من عمره يدرس في "التفيا" فيقول: "إن دول االتحاد السوفييتي السابق شديدة اإللحاد، فالناس هناك يشربون الخمر ويأكلون لحم الخنزير

ويمضون الليل في بيوت الغير،" مضيفا أنه اختار عدم القيام بأ ّي من هذه األمور في البداية ألن الّدين يحرمها، وألسباب تتعلق بالثقافة والعادات والتقاليد، يقول: "كن ُت أفكر دائما بأنني سأخيب أمل أسرتي بي، إذ كيف سأفسر األمر لهم؟ ولذلك لم أشرب الخمر، ولم أقم بشيٍّء من ذلك القبيل سنة كاملة."

إال أ ّن أول تجربة له في شرب الكحول كانت سنة 2004 في لبنان، حيث يقول: "اعتد ُت على زيارة أصدقائي في الجامعة األمريكية في بيروت، وكّلما حاولوا إقناعي بالشرب كنت أقول لهم: ال، ال، ال أريد فعل ذلك. وذات مرة قلت لهم فجأة: حسنا . وفي أول ليلة شربت فيها لم أتوقف عن الكالم لست ساعات

تقريبا ، وأعتقد أنهم ندموا لتشجيعي على الشرب." إال أ ّن هاشم لم يندم على اتخاذ ذلك القرار حيث يقول: "شعرُت بأني قد حرم ُت نفسي من االستمتاع بوقتي قليال ، وأّن ه كان عل َّي أن أفعل ذلك منذ وقت طويل. إال أني لم أغير في حياتي شيئا ، ولم ينقص احترامي لذاتي حين رحت أشرب الخمر."

ار ّح هاشم يواعد الفتيات في مدريد في وقت الحق، إال أنه وعلى نحو يثير الدهشة كان اليزال يرفض أكل لحم الخنزير، حيث يقول:

93

"شعرُت بأ َّن لحم الخنزير وحده كان خطا أحمر بالنسبة إلي، لقد حاول أصدقائي أ ْن

يعرفوا من أ ّي بلد أنا فيقولون لي: ليس لديك مشكلة بالشرب أو مواعدة الفتيات، فما المشكلة في تناول لحم الخنزير؟ أعتقد أن الخنزير ولحمه مرتبط بكل ما هو س ِيء أو ّ بذيء أو بغيض في العالم العربي، ال يشبه األمر مسألة الشرب، حيث يمكنك االختيار بين أن تشرب أو أن ال تشرب، أما بالنسبة لتناول اللحوم فيمكنك أن تأكل لحم الخروف

أو البقر أو الدجاج. لقد بدأ ُت بتناول لحم الخنزير سنة 2008 على ما أذكر، وكان إدراكي عندها يشبه ذلك المتعلق بالشرب."

وباستمرار ابتعاده عن الّدين، أعلن هاشم إلحاده في نهاية األمر لكن أسرته كانت التزال تجه ُل األمر، فيقول: ال أعتقد أنني سأخبرهم، فلم أرد أن أسبب المشاكل لنفسي،" ويعتقُد بأ ّن المشكلة ليست متعلقة بالدين بحد ذاته، وانما بسبب "وجود فرق على الصعيد االجتماعي بين أن تكون مسلما سلبيا وملحدا فاعال ." ويتابع:

"أدخل أحيانا في نقاش مع والدتي. ذات مرة قلت لها: إذا كنت تؤمنين بوجود هللا وبأنه يرعانا فبحق الجحيم، ما الذي يحدث في سورية والبلدان األخرى إذا ؟ إنه نقاش عقيم، إال أني كنت أطرح هذه األسئلة البالغية بين الحين واآلخر، وال أزال في نهاية المطاف

مسلما بالنسبة لها، وا ْن كان لدي تحفظاتي حول بعض المسائل المتعلقة بجوانب من اإلسالم، إذ يمكنني البوح بأني ال أصلي وال أصوم، ولكن إن أخبرتها بأني ملحد سيكون هناك انهيار كامل، إذ الي ازلون في حالة إنكار، وأعتقد أن هذا األمر ينطبق على المجتمع ككل وليس على أسرتي فحسب."13

بالنسبة لألشخاص الذين كانوا مسلمين في السابق، فإ ّن أحد أشكال العقاب اإللهي المثير للجدل بشك ٍّل خا ّص هو المبدأ القائل بأ ّن الملحدين والناس من أديان أخرى سُيعاقبون في الجحيم، وبالتالي فإن األشخاص الذين لم تتسنى لهم الفرصة أبدا للتفكير باعتناق اإلسالم وكذلك الذين فكروا باعتناق اإلسالم بشكل جدي إال أنهم لم يقتنعوا باألدلة سيواجهون جميعهم اللعنة األبدية، وذلك وبكل بساطة ألنهم لم ِ يؤمنوا باهلل. أض ْف إلى ذلك أن ا كثير من األشخاص "الملعونين" يعيشون حياة متحضرة وبريئة إلى حّد كبير وذلك وفق أي معايير عادية. يقول أحمد سعيد في هذا اإلطار: "توصل ُت إلى نتيجة مفادها أن الّدين مسألة تتعلق بمكان والدتك، وبالدين الذي يفرضه عليك والداك."

94

ومن الردود الشائعة حول هذا األمر أن األشخاص الذين ال يؤمنون باهلل ليس لديهم بوصلة أخالقية - أو أن لديهم البوصلة األخالقية الخطأ وذلك بالنسبة لمن يعتنقون ديانات أخرى - مما يؤدي بهم إلى

االنجراف نحو الخطيئة، ويعتبر العالم السعودي البارز الشيخ محمد المنجد - الذي اّدعى بأن تسونامي المحيط الهندي الذي حدث سنة 2004 هو انتقام من هللا نتيجة "الفجور" - أن اإللحاَد خطيئة بحد ذاته، بل خطيئة مشينة ، حتى أنه أسوأ من عبادة األوثان أو الشرك باهلل. كما يرى المنجد أ ّ ن من يعبدون األوثان والمشركين باهلل هم أق ّل سوءا من الملحدين ألنهم يعترفون باهلل إلى حّد ما، وان كانت عبادتهم موجهة بشكل خاطئ، حيث يقول:

"إن الملحد الذي ينكر وجود هللا، ويرفض ُ رسله، وال يؤمن باليوم اآلخر، فهو في قمة ٍّ الكفر، ومعتقداته هي األكثر سوءا ... إ ّن الملحد عني د ومتغطر س لدرجة ال يمكن تخيلها، ٍّ وال تتقّبلها الفطرة االنسانية السليمة، لذا سينتهك كل ما هو مقّد س، وسيرتكب أ ّي ذْنب، 14 وستكون رؤيته للعالم مشوهة لدرجٍّة ال يمكن تصورها."

ويتابع المنجد حديثه فيستشهد بفتوى للمفتي السابق للملكة العربية السعودية عبد العزيز بن باز، والتي ٍّ تقول بأنه يجب على المسلمين أ ْن يحذروا أ ْك َل لحم الحيوانات التي يذبحها الشيوعيون بشكل خا ّص ، فيقول: "إن اللحم الذي يذبحه الشيوعيون ح ارم وهو مثل اللحم الذي يتناوله المجوس وعّباد األوثان، بل إ ْن اللحم الذي يتناولونه في الحقيقة أشُّد حرمة ألنهم أشُد كف ا ر بسبب إلحادهم وانكارهم للخالق."

وقد استشهدت صحيفة سعودية بكلمات عالِم دي ٍّن آخر حين يقول: "إن التمسك بالقيم الدينية هو الحل الوحيد لالنحطاط األخالقي المتزايد والفوضى الثقافية في المجتمع الحديث."15

ورغم التأكيدات العديدة والمتكررة في هذا المجال، إال أن ّه ال يوجد دليل مقنع على أ ّن سلو َك الملحدين هو أسوأ أو أفضل من سلوك المؤمنين عموما رغم اّدعاء كل من الفريقين تفوقه األخالقي على الفريق اآلخر. لقد كانت األفكار المتعلقة بالمبادئ األخالقية، كاإلنصاف والعدالة، ذات أهمية بالغة بالنسبة

للعرب الذين أجري ُت مقابالت معهم ممن يشّك ون بالدين، وهذا يتطابق، إلى حد بعيد، مع نتائج الدراسة التي أجراها "سميث" حول الملحدين األمريكيين، حيث كان المشاركون في الد ارسة "يعتبرون أنفسهم أفردا ِ طيبين وخلوقين،" إال أن ّم شككوا أن يكون َمرُّد هذا األمر إلى إرث األحكام والممارسات الدينية، حيث يقول "سميث" في الد ارسة: "إن كل واحد منهم الحظ وانتقد بطريقة ما فكرة أ ّن الناس يحتاجون إلى الّدين ليكونوا صالحين وعلى درجة من ال ُخُلق." كما كان لدى الملحدين في الدراسة األمريكية آراء تقليدية حول 95

الخطأ والصواب، حيث اعتبر الك ُّل "تصرفا ٍّت من قبيل الكذب والغش والسرقة والقتل وكل ما يؤذي الناس خصوصا أم ا ر غير أخالقي."

إ ّن الفرق األساسي هنا هو الطريقة التي يتبعها الملحد ون في التعاطي مع األسئلة المتعلقة بمبادئ

األخالق، فبرفضهم اإليمان باهلل يكونون قد وضعوا جانبا القواعد الم َح ددة مسبقا ، وقاموا بدال من ذلك بمحاكمات أخالقية بنا ء على تفّكرهم الخاص، ويجادل العديد بأ ّن هذه الطريقة هي األفضل، أل ّن الخيارات تعتمد على ما يرونه صائبا ، ال على ما ُطِل ب منهم القيام به تحت التهديد بالِعقاب. ويعّق ب أحد المشاركين في دراسة "سميث" قائال :

"ال يدرك كثير من المتدينين أّن ك ببساطة تستطيع أ ْن تختار التصرف األخالقي، وأ ْن تحدد لنفسك اإلطار األخالقي وفق أساس منطقي، فاألمر برأيهم متعل ق بما أمرك هللا بفعله، وبأنك ستُعاقب إ ْن لم تفعل ما أمرك هللا به. وكما تعرف فهو سيناريو بسيط جدا قائم على مبدأ الترغيب والترهيب، فإن كن َت تقوم بأمر ما خوفا من العقوبة فإن ذلك يزيل تماما ما أعتبره ُبعدا أخالقيا ."

إ ّن التقدم الذي تلخصه د ارسة "سميث" حول الملحدين األمريكيين ت َت َ ّوَج بمرحلة "إعالن اإللحاد،" حيث ِ انتقلوا من المراحل األولى للتشكيك في هللا والدين إلى "مرحلة إنكاٍّر أكثَر فاعلية ومقصودة بشكل أكبر،" ليبدأوا في النهاية بإعالن أنفسهم كملحدين ص ارح ة وأمام اآلخرين.

يمكن أ ْن يكون "الظهور" كملحد، في المجتمعات التي يهيمن عليها الّدين خطوة صعبة حتى في الواليات المتحدة، حيث يقول "سميث": "إ ّن اعتبار اإللحاد أم ا ر معيبا ومنحرفا يجعل المطالبة بالهوية واالعتراف في المجتمع أم ا ر صعبا في البداية." ورغم أ ّن الدستور األمريكي يفصل الّدين عن الدولة إال أ ّن الواليات المتحدة هي إحدى أكثر دول العالم تديُّنا ، حيث تظهر عبارة "نؤمن باهلل" على أوراقها النقدية، وغالبا ما

يأثر الدين في السياسة، ولم يحدث أ ْن ضّم الكونغرس األمريكي عضوا ملحدا إال في سنة 2007، عندما أصبح "بيت ستاركPete Stark" أوَل عضو في الكونغرس يعل ُن إلحاده ص ارح ة، وما يزال هنالك الكثيرون ممن يشككون فيما إذا كان باإلمكان يوما ما انتخاب شخص رئيسا للدولة كان قد أعلن إلحاده ص ارح ة. ويصف 60% من األمريكيين أنفسهم كمتدينين و5% فقط كملحدين، مما يساعد في تفسير

سبب تردد بعض الملحدين في إشهار إلحادهم في الواليات المتحدة رغم أ ّن حرية التعبير والحرية الدينية مباد ُئ أساسية في الدستور األمريكي. ويقول "سميث": " تبين في نهاية المطاف أ ّن اإلعالن عن اإللحاد 96

أثبت إيجابية تجربِة الذين قرروا القيام بتلك النقلة في حياتهم، " وأخي ا ر ورغم تكتمهم في البداية، ومع شروع ٍّ األشخاص الذين أجري ُت مقابالت معهم بإظهار إلحادهم عالني ة، صاح َب األمَر ظهوُر الشعور بالتمكين والثقة ووجود معنى جديد للذات."

ومما ال شك فيه أ ّن قلة قليلة من العرب ُيقدم على القيام بهذا األمر حاليا ، فاألخطار التي ينطوي عليها إشهارهم لإللحاد كبيرة جدا ، بل يمكن أن تكون النتيجة كارثية بالنسبة لمن يقدمون على القيام بذلك، غير

أن ظروف األفراد متباينة إلى حد كبير، وذلك بنا ء على مواقف األسرة واألصدقاء، والمجتمع المحيط ِ ِ بالشخص، فقد طلب معظم األف ارد الذين جرْت معهم المقابلة بغرض تأليف هذا الكتاب عدَم ذ كر أسمائهم الحقيقية وذلك، على األغلب، لتجنب إغضاب أسرهم، حيث يقول محمد رمضان: "لقد فقد ُت بعضا من

أصدقائي بسبب آ ارئي، والزل ُت أقاوم رغبتي الشديدة بإخبار والد ّي، أتخي ُل بأن ُيصاب والدي بنوبة قلبية أو شيء من هذا القبيل، أنا أهتم حقا بوالد ّي وال أريد أن أؤذيهما، لن يفعلوا أي شيء لي إذا ما عرفوا ولكن سأمضي بقية حياتي وأنا أشعر بالندم؛ ألني بإخبارهم أكون قد آذيتهم كثي ا ر؛ لكّن ي على األقل أشعر بالسعادة ألنهم يعرفون أّن ي ال أُصِّلي، وأحيانا ألجأ إلى اختالق األكاذيب البيضاء إلرضائهم."

وبما أ ّن كثي ا ر من األسر يقلقها مجرد التفكير بوجود شخص غير مؤمن بينهم، ال يسعى األقارب عادة لتأكيد مخاوفهم فيتبعون المنهج القائم على "ال نسأل، ال تخبروا" باعتباره مناسبا لكال الطرفين. تقول

"بدرا"، وهي "الأدرّي ة" من لبنان"

"كانت سياستي تقوم على عدم السماح لآلخرين بالتدخل في حياتي الخاصة. فقد ترك ُت بيتي عندما بلغ ُت الثامنة عشرة من عمري وذهبت إلى الجامعة في بيروت، فكان من األسهل بالنسبة لي أ ْن أبتعد، فتوقف ُت عن الصيام أثناء رمضان. هم يعرفون أنني أفكر بطريقة مختلفة لكنني ال أفصح عن معتقداتي كي ال أؤذيهم، كما يعرفون أنني أشك

بوجود هللا لكنهم يف ّض لون تجاهل ذلك؛ كما ويتجنبون االعت ارف بذلك ألن األمر شائك؛ حتى وان أخبرُت والدتي شيئا محددا بالفعل –كأن أخبرها بعدم رغبتي بأن أ ُدفن في مقبرة العائلة، وبأنني أريد أن تُحرق جثتي أو شيء من هذا القبيل– قد تتجاهل والدتي األمر بكل بساطة أو تعتقد أ ّن أمامي فرصة في أن أصبح مؤمنا مثلها."

تواسي األسر القلقة نفسها باألمل في أ ْن يتوب قريبهم المتمرد في النهاية ويعود إلى رشده، حيث يقول أحد الملحدين العرب: "يعتقد العديد من أصدقائي وأفراد أسرتي أن إلحادي مجرد مرحلة سأتجاوزها يوما

97

ما، ولكني اآلن في الخمسين من العمر وقد مضى على إلحادي أرب ع وعشرون سنة، فهي إذا ليست مجرد مرحلة؛ ألنه حالما تعرف ذلك األمر، ال يمكنك تجاهله." إال أنه وبخالف الكثيرين غيره، يجادل

هذا الملحد أقرباءه السعوديين في الّدين؛ فيقول: "كثي ا ر ما ندخل في نقاشات ساخنة، إال أنه ولسوء الحظ ِ يفتقر الكثير من األشخاص إلى الثقافة العلمية لفهم ما أتحدث عنه، فقد ُغ س َل ْت أدمغت ُهم وأُ ْشِربوا ا أفكار 16 ِ معينة؛ وأصبح من غير الممكن معها العودة ُ عما يؤمنون به." ورغم علِم أ ُسرته بموضوع إلحاده وقيامه بالنشر بشكل متكرر على موقع "تويتر"، إال أ ّن "الملحد العربي" يخشى أ ْن يتعرض للتهديد إذا ما أصبح

اسمه معروفا ، فقد أخبر أحَد الصحفيين اإلما ارتيين: "هويتي سرية للغاية وال أشاركها مع أ ّي كان، كما أقوم بالعديد من التدابير الوقائية لحمايتها."17

أّم ا أحمد سعيد فقد أخبر والديه في اليمن أنه ال يعتقد بوجود إله، فما كان منهم إال أ ِن استهجنوا ذلك؛ فيقول: "أخَب روني بشكل أساسي ما يلي: "يمكنك أن تؤمن بالعلم وبنظرية التطور، ونظرية االنفجار الكبير، إال أ ّن جميع هذه النظريات العلمية هي من خلق هللا." إن عائلتي محافظة ولكنها ليست كذلك بالمطلق، فيقولون لي أني كلما تعمق ُت في العلم كلما ازد يقيني باهلل الحقا ." غير أ ّن أحمد هو أكثر حذ ا ر في موضوع إلحاده أثناء نقاشاته مع أصدقائه المسلمين؛ حيث يقول:

"عادة ما أقول لهؤالء األصدقاء أنني ربوبي، أي أؤمن باهلل ولكن ال أؤمن باإلسالم. أحاول أال أصدمهم بالقول إنني ال أؤمن باهلل مطلقا ؛ ألنهم سيعتقدون أ ّن كل ما أقوله سخيف وبأن الشيطان قد استحوذ على فكري ، لذلك عادة ما أقول لهم أنني أؤمن باهلل

وأعتقد بأن هللا مذهل، أنا لس ُت ملحدا لذلك ال تقلقوا... إال أنني أعتقد بأن اإلسالَم ِ وجمي َع أديان العالم قد أعطت هللا اسما سيئا ، وتلك هي وجهة النظر التي أجادل بها أصدقائي، لكنني ال أستطيع اإلفصاح عن إلحادي ألنهم سيعتقدون بأنني سأذهب إلى ِ الجحيم. لقد ُغسَل ْت أدمغتهم بالقدر الكافي. إ ّن مجتمع الملحدين في اليمن صغي ر جدا لدرجة أ ّن لي صديقا يمنيا واحدا ملحدا فقط."

اكتشفت سارة في الكويت أ ّن التعرف على غير المؤمنين، أو البدء بمحادثات عن اإللحاد يمكن أ ْن يكون عمال دقيقا وصعبا ، وغالبا ما كان ينتابها الفضول حول األشخاص الذين بدا أنهم يتجنبون استخدام

التعابير الدينية التقليدية في حديثهم اليومي من َقبي ِل "ما شاء هللا،" إال أ ّن المظاهر يمكن أن تكون خادعة. تقول سارة:

98

"قابل ُت أناسا بدوا غير متدينين، ولكن عندما كان يتعلق األمر بالدين كانوا يظهرون أنفسهم كمتدينين. كثي ر منهم كانوا يشربون الخمور، ويحضرون الحفالت، ويستمعون لجميع أنواع الموسيقا الجميلة التي كنت أسمعها. كن ُت أعتقد أنهم مثلي تماما ... إلى أن ظهر الّدين. كان لدي صديقة من أروع الفتيات، كانت مثيرة لإلعجاب ومتأثرة بثقافة الغرب، وكن ُت أعتقد أنها من أفضل أصدقائي. إال أن ّها رأت ذات مرة حسابي على موقع "Reddit"، فوصفتني بالوثنية، وأخبرتني بأنني سأذهب إلى الجحيم؛ فكان األمر بمثابة

صدمة لي، وكان هناك أشخاص خشي ُت كثي ا ر أ ْن أفتح معهم نقاشا بهذا الموضوع، وكان من الغريب أننا لم نتحدث عن هذا األمر أبدا . أما في الكويت فأعرف بضعة أشخاص فقط ممن أستطيع التحد َث أمامهم في هذا الموضوع بص ارحة، وعددهم بالتأكيد أق ُّل من عشرة أشخاص، كما كان هناك بعض األشخاص الذين لم نذكر أمامهم كلمة ملحد أبدا ، إال أننا كنا نلمح لها تلميحا فقط. كما كنا نلمح إلى بعضنا بعضا بافتقارنا لإليمان، حيث

يمكنك قول دعابة صغيرة مجّدفة قليال فقط –وليس كثي ا ر جدا - حتى وان ضحكوا على الدعابة إال أنك ال تزال غير متأكد، فتبدأ بالتساؤل عن الضحكة ونبرتها، فتتساءل: هل ِ لديهم ح ُّس الدعابة؟ هل يعتقدون أنك تقول مجرد دعابة أم أنهم يعرفون أنك تحاول أ ْن تقول شيئا ما؟ ولكن و ارء كل دعابٍّة حقيقة ، وذلك هو الجزء الصعب."

تشير نبيلة من البحرين إلى أنها أصبحت أقل تقُّيدا ؛ حيث تقول:

"كان األمر صعبا جدا في البداية، والي ازل كذلك مع العديد من األشخاص، إال أنني

بدأ ُت أدرُك مع تقدمي في الس ّن أهمي َة أ ْن ألتزَم الصمت حيال هذا الموضوع؛ كما أُجري محادثات مع الكثير من المسلمين المنفتحين عقليا في الحوار؛ وعندما التحق ُت بعملي كان هناك شخص لم يرغب باإلصغاء لهذا النوع من الحديث... ولكن أصبحنا حاليا نستطيع الحديث عن هذا الموضوع بشكل طبيعي ، ونقول الدعابات عنه أيضا، وهنالك ّ أشخاص يؤمنون ألنهم يخشون كثي ا ر أال يكونوا مؤمنين، أعتقد أ ّن فكرة احتمال أال يكون األمر صحيحا ترعبهم."

99

يقول "رامسات" الشاب المصري الذي كان مسيحيا سابقا ، أنه ال يتباهى بإلحاده؛ رغم كونه قد قام بتحديث

القسم المتعلق بالدين في صفحة حسابه على "فيسبوك" حيث يمكن أ ْن يكتشف أصدقاؤه األمر عند معاينة صفحته. ويشير إلى أنه ال ينتقد الّدين أل ّن للدين يحقق غاي ة روحية لدى اإلنسان؛ فيقول:

"ليس الّدين أم ا ر سيئا ؛ بل هو أمر جيد؛ واال لما أ َحَد هث َ الناس، ال يهمني إ ْن كن ُت أحتاج إلى الّدين أم ال؛ ألنني أعرف اآلن أنه ليس صحيحا ، فأن أحب "بابا نويل" وأتمنى أن يأتي كل سنة إلى منزلي ويترك لي الهدايا، إال أنني أعرف أ ّن األمر ليس حقيقيا . أتمنى لو أني لم أعرف ذلك، ولكن ال يمكن تغييره، كما ال يجب عليك أن تخبر اآلخرين بأن ٍّ "بابا نويل" غير موجود. ال تنتقد الّدين، بل دع الناس في سعادة ما لم يؤثر فيهم الّدين بطريقة سيئة؛ كقتل بعضهم بعضا ، أما إن كانوا سعداء فدعهم كذلك، إذا كان األمر مناسبا لهم فال تحاول إصالحه."

إال أ ّن ريم عبد ال ارزق، وهي مصرية أيضا ، ترى أ ّن الصمت ال يجدي نفعا فتقول:

"عندما يبدأ الناس أخي ا ر بالتكلم ص ارح ة، لن يتم فر ُض هذه القوانين بالقوة ضد اإللحاد والتجديف... إلخ، إذ ال يمكنهم فرضها على الجميع بالقوة؛ أما إذا كان األمر يتعلق

بشخص واحد يتحدث في أمر ما، عندها سيسجنونه، أعلُم أ ّن كثي ا ر من المصريين يؤمنون بما أؤمن به تماما ، إّال أنهم لن ُيظهروا ذلك أبدا ، وبالتالي فإن الفكرة العامة تقول بوجود قلة من الملحدين فقط، واذا ما تم سجنهم أو قتلهم فلن يب َق أ ّي منهم. إال أن الواقع يقول أن هناك الكثير من أولئك األشخاص، وأنهم إذا ما بدأوا بالكالم صراحة فإن األمور ستتغير."

100

الفصل الخامس: اإللحاد والجنس )النوع( والميول الجنسّية

هيمن الِّرجال على الّدين على مّر التاريخ البشري، فاألنبياء ورجال الّدين والكهنة كلهم ذكور، أضف إلى ذلك أ َّن هللا يشار إليه كمذّكر، بينما كانت الّنساء في ذلك الوقت تقوم بدور المستمع فقط. حاولت بعض الكنائس في الغرب في ذلك الوقت معالجة قضية المساواة بين الجنسين حيث أصبح هنالك قساوسة من

اإلناث، إّال أ َّن الّدين في ال ّشرق األوسط ما ي ازل ذكوريا خالصا ؛ كما أ َّن التعاليم الّدينّية غالبا ما تهيئُ أسباب التمييز والتهميش ضّد الم أرة. وبالتالي يمكن القول أ َّن للّنساء في ال ّشرق األوسط أسبا ب أكثر من ِ ِ الّرجال للتخلي عن الّدين. م َن المؤّكد أ َّن منه َّن َم ْن تمّرد ْت وتركت الّدين؛ إّال أ َّن البيئة االجتماعية التي خلقها الّنظام الّذكوري تجعل مجَّرد التفكير في القيام بذلك أم ا ر صعبا على األخريات.

أّما أولئك الالئي نجح َن في الِّرَّدة فلهن خلفيات متعددة، كما في هاتين القصتين المختلفتين: الق ّصة األولى هي قصة اللبنانية بدرة التي رفضت النظام الذكوري بوجهيه العلماني والديني ، والثانية هي قصة ْ ّ ّ ّ ّ ّ ُن هى محمود سالم، وهي سلفيّة مصرّي ة كان سلوك زوجها أحد أهّم أسباب إلحادها.

نشأت نهى في عائلة متدينة تقليدية، وحصلت على جائزة في حفظ القرآن؛ وفي المدرسة الثانوية، طلب ِ منها معلمها ارتداء الحجاب قائال: "على الطالب الجيد أ َّن يكون ذا أخالق حميدة." ثم ارتَدت النقاب الذي

يغطي الوجه بالكامل لكن ال ّشكوك ارح ْت ت ارودها بعد أن تزّوج ْت . تكمل صحيفة The Egypt Independent المصرّية قصة نهى:

"صفعها زوجها ذات يوم؛ وعندما اشتكت لوالدها قال لها أ َّن لزوجها الح ّق في ضربها كما جاء 4 في سورة الّنساء ، ثم بدأت تتساءل كيف أعطى هللا للزوج الحق بهجر زوجته وضربها ... في ِ حين يحّم راإلسالم أذية الحيوانات؟ هل الّنساء أق ّل شأنا من الحيوانات؟ هل أل َّن الم أرة هي أضعف من الِّرجال، وال يمكنها الّرّد ؟ كيف يمكن السماح بإذالل الّنساء؟"

ثم بدأت تلك العالقة في التدهور، فأصبح زوجها يتركها وحدها في المنزل؛ حتى أّنه رفض أ َّن يشترَي لها جهاز تلفزيون ألن ذلك حرام برأيه. وتتابع الصحيفة:

4 ِ ِ ِ ٍّ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ َّ ِ - الّرَجا ُل َقَّوا ُموَن َعَلى الّن َساء ب َما َف َّض َل ََّّللاُ َب ْع َضُهْم َعَلى َب ْعض َوب َما أَنَفُقوْا م ْن أَ ْمَوالهْم َف ال َّصال َحا ُت َقانتَا ت َحاف َظا ت ّلْل َغْيب ب َما َحف َظ ََّّللاُ َوالالتي ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ ِ تَ َخاُفوَن نُ ُشوَزُه َّن َفع ُظوُه َّن َوا ْه ُجُر وُه َّن في اْل َم َضاج ِع َوا ْضربُوُه َّن َفإ ْن أَ َط ْعَنُكْم َفالَ تَْب ُغوْا َعَلْيه َّن َسبيال إ َّن ََّّللاَ َكا َن َعلًّيا َكبي ار )سورة النساء: اآلية 34(

101

"اشتكت نهى زوجها مرة ؛ مشيرة إلى نفاقه حين رأته يشاهد التلفزيون في بيت والدته. فرّد بضربها أمام والدته. جعل هذا الموقف نهى تعيد النظر في القرآن كله، ال في سورة واحدة فقط. بعد ذلك

ق أرت ُنهى في أحد الكتب أ َّن السورة نزلت في ظروف لم تعد موجودة في الحياة الحديثة والثقافة التي نعيشها اآلن."1

كما أ َّن إلحادها أنهى زواجها، فزوجها يؤمن أ َّن اإلسالم نهى عن الزواج من امرأة مرتدة.

أّما بدرة، وهي ابنة مدينة طرابلس اللبنانية، فكان لها ق ّص ة مختلف ة في رحلتها إلى اإللحاد رغم أّنها أيضا تضّم نت الّنظام الّذكوري. لقد كان شغفها بالكاتبة الوجودية الفرنسية "سيمون دي بوفوار Simone de Beauvoir" في س ّن المراهقة أحد أسباب إلحادها كما أ َّن حقيقة أّنها نشأت بال أ ٍّب - التي تعتقد أّنها

"حررتها" من حاجتها إلى "أب" روحي في الجنة - ساهَم في إلحادها. تقول بدرة: " لعب فقداني لوالدي في س ّن الخامسة دو ا ر حاسما في تقليص دور الّدين في حياتي." وتتابع قائلة:

"ارتبط الّدين، بالنسبة لي كطفلة، بالموت بشكل رئيس. تولِي ثقافة األسرة طقوس الحداد أهمية كبيرة؛ حيث تلبس النّساء السواد مّدة طويلة، وت ُمنع مشاهدة التلفاز وسماع اإلذاعة

- اللواتي تَُعُّد من وسائل الترفيه - في فترة الحداد؛ ويُتلى القرآن في ك ّل مأتم. تسّرب الشك إلى نفسي ألول مرة عندما كّنا نستمع إلى القرآن في أحد المآتم، حين أحسس ُت أ َّن سماع القرآن عدواني وحزين وسلبي. أصابتني كآبة شديدة عندما كانوا يتلون علينا سورة ّ ّ يس في أوقات الحداد. لقد كان األمر مخيفا جدا بالنسبة لي الحتوائها الكثير من السلبية

والوعيد للكافرين الذين اعتبرهم القرآن عنيدين للغاية، رغم أّنه ن ّص قوّي وجميل نوعا ما. ِ ٍّ ٍّ ٍّ كن ُت طفلة صغيرة تلقت القرآن بطريقة عدوانية جدا ، خاصة أّنه ارتبط بأجوا َء كئيبة جدا ، كفقداني ألحبابي، واتشا ٍّح الّنساء بالسواد، وبكاء الّناس، وزيارة القبور في الصباح. كان 2 هذا أّ وَل لقاء حقيقي لي مع الّدين."

سميت سورة يس بهذا االسم ألّنها تبدأ بحرفي الياء والسين، وتسمى "قلب" القرآن. يقول أبو عالء

المودودي، )1903-1979(، وهو أحد أبرز المن ّظ رين اإلسالميين، أ َّن ما تحتويه ال ّسورة من تقري ٍّع ٍّ 3 وتحذيٍّر "قد ُق دم بطريقة قوي ّة للغاية بحيث تهتّز لها القلوب التي فيها بقي ة من قابلية لقبول الحقيقة."

102

وجاءت المواجهة الرئيسة الثانية لبدرة مع الّدين عندما كانت طالب َة ففي المدرسة. كان ْت والدتها شيعي ّة وكان والدها سني ّا ، لكّن ها درست في مدرسة مسيحية للبنات تديرها الراهبات. وتضيف قائلة:

"إ َّن عدم وجود مرجعية واحدة لي أنقذتني من الّدين بطريقة أو بأخرى. في المدرسة يذهب الطالب المسيحّي ون إلى الّد روس الّدينّية المسيحّية في الوقت الذي يستريح فيه الطالب المسلم ون لمدة ساعة... إلى أ َّن تأ ّس ست حركة التّوحيد اإلسالمّية في ط اربلس ِ ِ في ثمانينات القرن العشرين، وبدأت األمور تتغّير. فجأة مألت الميليشيات الشوارع ِ و ارح ْت تحّذ ر الفتيات ال ّص غي ارت والّن ساء من ارتداء القمصان قصيرة األكمام أو التنانير القصيرة.

ِ كنت حينها في الثانية عشرة من عمري . وأُجبَرت المدرسة على إعطاء الطالب المسلمين دروسا في القرآن عند ذهاب الطالب المسيحيين لحضور الدروس الّدينّية. لقد شّك ل ذلك فرصة لي إلعادة استكشاف الّدين.

تأث ّرُت في البداية بهذه الحركة الثقافية اإلسالمّية في المدرسة، وحضرُت الدروس الّدينّية. لقد كانت ممتعة في البداية، وأخذ ُت األمر بجّد ّية ألّن ه كان شيئا جديدا ، كما أ َّن الّدروس الدينية أفسحت لي المجال للتفكير والمناقشة. ّ ّ َ

كن ُت وقتها مع جدتي، و رأتني أصّلي. في مرحلة معينة أرد ُت أ َّن أصلي الصلوات الخمس، ولكنني كنت أعيش أحالم اليقظة؛ لذلك كان من المؤلم بالنسبة لي االلتزام بها.

أردت أ َّن أكون إنسان صالحة وأؤديها ولكن في نفس الوقت أرد ُت عذ ا ر لتركها.

رأتني جدتي وقالت لي: "ماذا تفعلين؟" في الواقع لم تِرد لي جدتي أ َّن أصلي ألنها كانت ُ ْ ّ َ ّ مسلمة سني ّة وال تريد لي أ َّن أصلي على طريقة والدتي الشيعية.

أعتقد أ َّن ذلك ُيعزى ألسباب اجتماعية أكثر منها دينية؛ أل َّن أهل السنة ينظرون للشيعة نظرة َ ازدراء. كانت جدتي خائفة من بعض الطقوس لدى الشيعة، وال تريد لي أ َّن أتأثر ٍّ بها، ورغم أن ّي كنت ممّ زقة بين اثنين من الوالءات، ورغم أّن ي شعرت بإجحاف في الحكم

نحو أمي، إّال أ َّن هذا األمر ساهم في تبديد الحماسة الجديدة لد ّي تجاه الّدين وااللت ازم الذي يوجُبه."

103

راحت بدرة في هذه األثناء تقرأ في مدرستها عن األدب الفرنسي والوجودية، فتقول في ذلك:

"بهذه الطريقة ابتعد ُت عن الّدين. كن ُت أقرأ مؤلفات "سارتر" و"دي بوفوار" وفي وقت الحق مؤلفات "كامو"، ولكن أكثر ما قرأت هو كتاب Mémoires d’une Jeune Fille Rangée" )مذكرات ابنة مطيعة( للكاتبة "سيمون دي بوفوار." كانت الكاتبة

تتحدث عن نفسها عندما كانت مراهقة فوجد ُت أ َّن قصتها تشبه قصتي وكيف أّنها تركت ٍّ أسرتها الكبيرة شيئا فشيئا ، وكيف أّنها اتخذت ق ار ارت لم تت وقعها عائلتها منها.

كان هذا الكتاب بالغ األهمية بالنسبة لي ألنه كان قصة حول بناء الهوية. إ َّن قصة

"سيمون" الفتاة الشابة المنحدرة من أسرة محافظة، والتي أصبحت ت ُعرف الحقا بـِ "سيمون دي بوفوار"، ونمط العالقة التي ربطتها الحقا "بجان بول سارتر" كانت رائعة بالنسبة لي

كفتاة من طرابلس، وقد جعلتني أحلم بأن أفعل مثلها، ألكتشف العالم واألدب، وأ ْن يكون لي أصدقاء يفكرون بطريقة مختلفة، وأ ْن أحاول تغيير بيئتي وطريقة تفكيري.

ٍّ كان لي في المدرسة مدرس ون مثيرون جدا لالهتمام مّمن لم ُي ظهروا أ ّي شكل من اإللحاد لكنهم قدم وا لنا هذا النوع من األدب الذي لم يكن جزءا من المنهاج الد ارسي ، فقد كانوا ّ حريصين على تطوير التفكير النقد ّي لدى الطالب، وقد قدموا لنا مفاهيم التنوع الثقافي وشمولّية القيم اإلنسانية، ا وأفكار - كالوجودية - لم تكن تَُدَّرُس في المدرسة ولكّنها كانت مقبولة.

كما أ َّن مدّ رس مادة األدب الفرنسي، الذي كان يدرسنا مسرحيات "راسين" Racine و"كورني" Corneille و"موليير Molière" الكالسيكية، فتح لنا بابا صغي ا ر على النصوص الحديثة، وهو ما منحني الفرصة لقراءة بعض مسرحيات "سارتر" و"كامو"

عندما كن ُت طالبة في المدرسة.

توقفت عن اإليمان بوجود الجحيم عندما ق أر ُت مسرحية "سارتر" بعنوان "أبواب مؤصدة" Huis Clos. رغم أ َّن المسرحّية ال تتطّرق لمسألة الّدين إّال أنّي وجدت فيها لغة جديدة ومعجما جديدا . لقد كان مصطلح "الجحيم" شيئا آخر بالفعل. كنت في س ّن المراهقة،

104

وبعد مضي عام على أخذي لهذه الدروس اإلسالمّية في المدرسة تغيرت اهتماماتي كليا ."

ترى بدرة أ َّن موت والدها وهي فتاة صغيرة ساهَم في عدم حاجتها إلى هلل، فتقول: "إ َّن حقيقة عدم وجود أب لي جعلني متحررة بطريقة أو بأخرى ... وتوصل ُت من تجربتي الخا ّصة إلى نتيجة مفادها أن ّي أستطيع أ َّن أعيش وأكبر دون أب."

يقول عالم االجتماع السوري حليم بركات أ َّن األب يتزّعم األسرة العربّية التقليدّية فيأمرها "باحترام تعليماته 4 وااللتزام غير المشروط بها" تماما كما يفعل هللا ، ويرى أنّه في المجتمع العربي يتمتع رّب األسرة ورئيس 5 الدولة وهللا بالكثير من الخصائص المشتركة، فيقول: " ُه ُم الّرعاة، ومن سواهم هم الخراف." لقد كان هذا "الهرم االجتماعي" أحد األسباب التي دفعت ام أرة شابة أخرى بعيدا عن اإلسالم، وهي المصرية ريم عبد ال ارزق التي تقول:

"َمثال كثي ا ر ما كنت أقرأ عن العبيد وأنا أقرأ القرآن، وقد ُذكروا 29 م ّرة، فلم أفهم كيف أ َّن هللا الذي يدعو للعدل والمساواة، والذي أرسل رسالة ُيفتَر ُض بها نشُر السالم، أ َّن يسمح لشخص باستعباد شخص آخر.

ليس ذلك فحسب، ولكن في حال كان العبد أنثى فيسمح لمالكه بإقامة عالقة جنسية

معها، لكّني أعتبر ذلك اغتصابا ، لقد كان هذا األمر من أهم األشياء التي جعلتني أرى أ َّن اإلسالم بدا غير ما كّن ا نتعلمه." ِ كما أ َّن كثي ا ر م َن الّذكور الذين أجري ُت مقابالت معهم ذكروا هيمنة الّذكور على المجتمع كأحد األسباب التي دفعتهم لرفض الّدين؛ حيث يقول "الملحد العربي": "إ َّ ن معاملة الّنساء في اإلسالم كانت عامال

أساسيا في إلحادي؛ لقد الحظ ُت حا َل الّنساء في الغرب وكيف يختلف عن حال جميع الّنساء في بلدي وبدأ ُت أرى كيف يسيء اإلسالم معاملة المرأة."

ويضيف أحمد سعيد: "حتى عندما كن ُت مسلما كنت أعتقد أّنه بالرغم من أ َّن اإلسالم كان الّدين الح َّق ، ِ وأّن ه كالم هللا، كان هنالك َم ْن ُيحّر ُف هذه الكلمات عن مواضعها لتحقيق مآربه الشخصية؛ فيتسّلطون ِ على أسرهم، وربما يمارسون العنف المنزلي دون ارد ٍّع م ْن أحد. انظر إلى ُكْرِه المملكة العربّية السعودية للّنساء، نحن نعيش في منطقة يسيطر األب فيها على األسرة بأكملها."

105

بالنسبة لليمني يحيى، كانت هذه واحدة من األشياء التي جعلته "يشعر باالنفصال" عن الدين؛ وذلك ّ ّ عندما كان في الرابعة عشرة أو الخامسة عشرة، فيقول: "حين كن ُت أقرأ القرآن كنت أشعر أحيانا أّنه لم ٍّ ٍّ يكن كالَم هللا، بل مجَّرد كالٍّم بسيط يمكن أل ّي شخص أ َّن يقوله؛ كان فيه ما لم أقتنع بها؛ كتفضي ُل الّذكور على اإلناث مثال . عندما كنت طفال بدا لي أ َّن هذا كالم ال معنى له، فكيف يمكن أ َّن يكون أبي أفضل وأعظم من أمي؟"

فاالختيار بين اإليمان ونقيضه، بالنسبة لكثيٍّر من النّساء العربّيات، ليس خيا ا ر بسيطا في واقع الحال. ِ تقول نبيلة من البحرين: "هنالك الكثير من الضغط على الّنساء إلل ازمه َّن بتعاليم اإلسالم، حتى في أبسط

أموره ّن، كالعثور على شريك أو الدخول في عالقة ما. ك ّل أمِر الّنساء بحسبا ٍّن، ويخضع للرقيب."

وتضيف نبيلة:

"كانت البحرين رائدة بين الّد ول العربّية من حيث مراعاتها لحقوق المرأة، ومشاركة المرأة في الحياة السياسيّة، ولكّنها أصبحت أكثر تقييدا بعد الثورة اإلي ارنّية. كانت األمور مختلفة قبل الثورة اإلي ارنّية... فقد كانت الّنساء أكثر انفتاحا وتمّردا ، وأكثر تأييدا للمساواة مع الّرجل مّما ه ّن عليه اليوم. أّما اليوم، فحتى والدتي، وهي من مؤّيدي المساواة، تريد مّني إيجاد ح ّل وسط، ألّني إ َّن لم أساوم فلن أكون مقبولة. وأنا بدوري قد ساوم ُت إلى حّد ما وقدم ُت بعض التنازالت؛ فكن ُت أتصرف أمام جَّد َّي مثال وكأن ّي مسلمة ألنهم سيقلقون أ َّن لم أفعل ذلك؛ وسيشعرون أّنهم أخطأ وا ولم يتمكنوا من توجيهي نحو جادة الصواب. إ َّن كوني ام أرة ملحدة هو أسوأ ُ بكثير ألّني، ب أريهم، لن أكون قادرة على العثور على زوج وأشياء من هذا القبيل. لقد عرف ُت الكثير من الفتيات الل واتي وجد َن صعوبة في اإللحاد؛ رغم أ َّن شكوكا حول الّدين كانت تساوره ّن ، فه َّن يعتقد َن أ َّن اإللحاد سوف يبّدُد فرصه َّن في العثور على زوج."

وفي مصر تمكنت ريم عبد ال ارزق من ترك الّدين لكنها تعترف بوجود صعوبات تواجه الّنساء األخريات، فتقول:

"هناك الكثير من الّنساء في مصر يعتقدن أّن هن أق ّل شأنا من الّرج . ل ال أقول إنهن تعّرضن لغسيل الدماغ. بطبيعة الحال يمكن أ َّن تدفعه َّن الضغوط للشعور بال ّظلم، إّال أ َّن

106

معظم الّنساء الالتي قابلته َّن يقل ّن لمن هي ليست منه َّن: هذا هو خيارنا. وهو متروك لنا، ٍّ ولم نك ْن مجب ارت على اتخاذه؛ أّما عندما يكون الكالم بيننا، نحن الّنساء العربّيات، فتقول إحداه َّن : أود أ َّن أخلع الحجاب لكّني أعرف أنني ال أستطيع." فاألمر إذا هو نوع من قبوٍّل بالواقع أكثر منه تمردا ضده."

وتقول نبيلة: "عندما تراودك هذه األفكاُر ، تساورك تلك ال ّش كوك، ولكننا مقيدات للغاية. إ َّن الّدين في هذا الجزء من العالم هو جزء من الّنظام، فهو ليس في أسرتك فقط، بل في الّنظام برمته، في مدرستك، وحت ّى ِ في القوانين الخا ّص ة بك، وهو ما يجعل الف ارَر منه صعبا جدا ."

تصف سارة، وهي سورية األبوين، كويتية المنشأ، زيارة عائلتها لألصدقاء:

"كّنا نذهب إلى منزلهم كثيرا ألنهم سوريون . كان الّرجل سنّيا، بينما كانت زوجته علوية ترتدي الحجاب. كانت زوجته تلزم الصمت طوال فترة الزيارة؛ رغم أ َّن للزوجين مستوى

التعليم ذاتَه، ويعمالن في المجال نفسه، فقد كانا ممرضين.

عندما كّنا نجلس ونتحدث، تبقى هي هادئة دائما . كان أطفالهم أذكيا َء جدا . أحد أكثر األشياء التي آلمتني، وأحد األسباب الرئيسة التي دفعتني الحتقاري لهذا الّرجل ولدينه، ِ كان صم َت زوجته الدائم. لم تكن تْقدُم على التكلم كثي ا ر بوجود زوجها، وكان عليها أ َّن تجلس فقط، وتقوم بما تقوم بها المرأة، أّي ا كان ذلك."

كان لديه ابنة، ربما أصبح ِت اآلن في السادسة عشرة من عمرها. كانت جميلة جدا والمعة. ويؤلمني جدا أ َّن صوتها لن يكون مسموعا أبدا ."

ولك ّن سارة أيضا تعّلمت من تجربتها المؤلمة أ َّن للتمّرد ثمن، فتقول:

تزّ وج ُت عندما كان عمري 18سنة، وكان زوجي السابق متدّينا جدا ، وعنيفا ، وقال لي أّنه يريد أطفاال من ي وأن أغطي جسمي كله فيما عدا عيني ولهذا السبب هربت. ّ ْ ّ َ ّ َّ

لم أك ْن أعر ُف أين سأهرب. ذهب ُت إلى "كيبيك" Quebec في كندا وتواري ُت عن األنظار. بقيت عاما بال مأوى ، وكن ُت أستق ُّل أ ّي سيارة كان ْت ، وآك ُل من صناديق

107

القمامة، وأنام على األرصفة. أّما اآلن فأنام عند صديقة لي، لكنني، على األقل، وجدت مأو ى، وأحاول اآلن تنظيم حياتي."

وتتأمل سارة أحيانا فيما قد ض ّح ت به، فتقول:

"أسأل نفسي: هل أريُد أ َّن يكون لي صوتي وحرّي تي، أم أريُد أ َّن يكون لي بي ت وأسرة ٍّ وطعا م؛ أ َّن أكوَن تحت سقف بيت ما، وأّال أقلق بشأن المال؟ أعلم أ َّن الكثير من الّناس يقولون بأنهم يف ّضلون الحري ّة، إّال أّني كثي ا ر ما أشعر أنني سأُ ْض َطُّر للتخلّي عن هذا الخيار مقابل األمن."

إ َّن ربط اإللحاد بانعدام األخالق يشكل رادعا للنساء المشككات بالدين، فالمجتمع العربي يتوقع منه َّن أ َّن ّ ّ ّ ّ ّ يتمتّع َن بالفضيلة، وأّال يتمّرد َن، واّال فلن يتزوج َن. وقد َنشرْت صفحة الملحد العربي على فيسبوك منشو ا ر يقول: "من الصعب إعال ُن اإللحاد؛ أل َّن المجتمع س يعتبرك على الفور منعدما من القيم األخالقّي ة. وهذا أكثر ما يؤث ّر على الفتيات؛ فقد كان علينا إزالة أسماء أعضاء الصفحة من اإلناث لحمايته ّن من األسرة والمجتمع."6

ِ ومن الواضح أ َّن مث َل هذه ال ّض غوط االجتماعّي ة ليست السبب الوحيد الذي أبقى العديد من الّنساء ِ َّ ٍّ ٍّ متشبثات بالّدين. في الغرب، كانت العالقة بين الّدين وجنس الشخص )النوع( َمداَر أبحاث اجتماعية ِ عديدة، وقد وجدت الكثيُر من الدراسات أ َّن المرأة عموما قابل ة أل َّن تكون "أكثر تدينا " من الّرجل، وهذا ٍّ ينطوي على تناقض واض ٍّح؛ فالم أرة يتّم إخضاعها بواسطة الّدين، وتلقى فيه دعما وسندا في الوقت ذاته.

وقبل الّن ظر في الت ّفسيرات المحتملة لهذا األمر، من ال ّض روري أخذ الحذر، فمعظم األبحاث التي تّم نشرها - بما في ذلك النتائ ُج التي تقول أ َّن المرأة " أكثر تدينا " من الّرجل - تتعلق بأشخاص ذوي خلفّي ة ثقافي ّة ودينّي ة مسيحّي ة يعيشون في الغرب، وال تنطبق حالتهم على حالة المسلمين بالضرورة؛ وخاصة أولئك الذين يعيشون في ال ّشرق األوسط، حيث أعط ْت دراسة مقارنة أجريت سنة 2001، وشملت مسيحيين

وهندوس ويهود ومسلمين مَّمن يعيشون في بريطانيا، نتائ َج مختلفة؛ ففي الجماعات غير المسيحّية، ظهر ٍّ ٍّ أ َّن الم أرة "أقل نشاطا دينيا بشكل الفت " من الّرجل، وهذا ما دفع المشرفين على الّد ارسة للتشكيك في الرأي القائل بأ ّن الّنساء أكثُر تدينا من الِّرجال؛ مستندين في أريهم إلى أ َّن األبحاث السابقة أُجريت في إطاِر ٍّ ثقافة محّددة، وتتوّقف على طريقة القياس المستخدمة. يقول المشرفون على الد ارسة:

108

"ت ُفِّ رق الكثيُر من التقاليد الّدينّية بين الواجبات الّدينّية للرجال من جهة وللنساء من جهة ثانية، وتضع مزيدا من األعباء على عاتق الّرجل في أداء الفرائض "الّدينّية" كالصالة ِ ود ارسة النصوص الّدينّية؛ كما أ َّن الّديانتين اليهودّي َة واإلسالَم تفرضان على النّساء ٍّ ِ واجبات دينية أق َّل إجهادا من واجبات الِّرجال في بعض النواحي، وذلك بسبب دوره ّن التقليد ّي في العناية بالمنزل ورعاية األطفال.

فعلى سبيل المثال، يكون حضور الّنساء في أماكن العبادة اإلسالمّية واليهودّية أق ّل مقارن ة بالرجال... فالّنساء المسلمات ال يدخل َن المسجد في المحيض، كما أ َّن الّنساء ذوات المسؤوليات العائلية قد َيُك َّن أق َّل الت ازما بالصالة واالنخ ارط في الد ارسة الّدينّية. وبالتالي قد تظهر الّنساء اليهودّي ات والمسلمات من ناحية الّن شاط الّديني أقل "تدينا " من 7 الِّرجال اليهود والمسلمين." ِ وتجدر اإلشارة إلى أ َّن هذه الد ارس َة لم تكن معنية باإليمان، بل بالنشاط الّديني؛ وبعدد المّارت التي ِ يحضُر الّناس فيها أماك َن العبادة للصالة ود ارسة النصو ِص الّدينّية على وجه التحديد.

رغم قّلة األدّل ة على أ َّن االعتقاد السائد بأ ّن "الّنساء أكثر تدينا من الِّرجال" ينطبق على الّنساء العربيّات، والمسلمات منه َّن تحديدا ، إّال أّنه يجدر بنا النظر في الفروق المحتملة بين العوامل التي تجذب الِّرجال والنساء نحو الّدين، والدوِر الذي يلعبه الّدين في حياتهم. ونكّرر هنا أ َّن معظم البحوث والنظريات تتعلّق بالمرأة في الغرب؛ ولكن من ال ّس هل أ َّن نرى كيف أ َّن بعضا منها قد تكون ذات صلة بالدول العربيّة.

فعلى سبيل المثال، قيل أ َّن مشاركة الم أرة في الدين قد يؤثر في دورها المنزلي، وتقول أحد األفكار أ َّن ّ ّ ِ ٍّ األمهات، باعتباره ّن يقضي َن معظم وقته ّن مع األطفال، سيك َّن مسؤوالت عن غرس القيم األخالقية فيهم؛ وأن تكون مثاال ألبنائها في الممارسات الّدينّية. وهناك فكرة أخرى تقول بأ ّن الّنساء الالتي يقضي ّن معظم وقته َّن في المنزل "قد ال يجد َن أنفسهن في مواق َف تدفعه َّن للتفكير بشكل نقدي" بخصوص معتقداته َّن الّدينّية. أّما الفكرة الثالثة فتقول أ َّن الّد ور التقليد ّي للمرأة، كالوالدة والعناية باألطفال والمرضى والمحت َض رين من األقارب، يضعه َّن "في عالقة مباشرة مع مشاكل الحياة والموت"؛ مّما يؤدي ببعضهن للبحث عن 8 ال ّراحة النفسّية في الّدين.

109

ويبدو أ َّن لعامل “الّارحة النفسّية" الذي يوّفره الّدين أهمّي ة خاصة بين الفئات االجتماعية المهَّم شة، بما في

ذلك األقليا ُت العرقّي ُة والنسا ُء . وفي ذلك يقول “ميالني بروسترMelanie Brewster ”:

"قد يداوي التدّي ن مشاعَر اإلحباط والخوف والقلق، ولك َّن أع ار َض الكْ رب هذه ناتجة عن ِ التّهميش والت ّمييز والتحّي ز المتفشي ّة في المجتمع، وليست سمة من ال ّس مات الفطرّي ة في ِ ٍّ ٍّ اإلنسان؛ وقد وجدت الكثيُر م ّن الّد ارسات أ َّن َم ْن ينتمون إلى جماعات مضطَه دة ن ِ ِ 9 اجتماعيا يلجؤو إلى مجتمعات ه ُم الّدينّية طلبا للدعم والمساندة ..." ِ ويرى "بروستر" أ َّن الّرجال أق ُّل حاجة لهذا النوع من الدعم بسبب وضعهُم الممّي ز نسبيا .

في بلدان كمصر ولبنان، حيث ال ُيعتَبر تغيير الشخص لدينه أم ا ر مخالفا للقانون وحيث التنافس بين ال ّطوائف قوّي، قد يسّبب تغيير الّنساء لدينه َّن مقارنة بالرجال - سواء كان فعليا أو مجَّرد شائعات - جدال ِ أكبر، ففي العام 2012 اخت ُط َف كاه ن مسيح ي تحت تهديد السالح في منطقة البقاع في لبنان لتعميده ِ َّ ٍّ ام أرة شيعّي ة هربت من منزلها بعد اعتناقها المسيحّية، وقد اتَهَم ك ّل طرف الطر َف اآلخر باإلساءة، وقال ٍّ رئيس أساقفة لبنان ي للصحافة أ َّن والد المرأة، وهو رج ُل دي ٍّن شيع ي، قد أخض َع ابنته للتعذيب الجسد ّي والنفسي العتناقها المسيحية. أما والدها فقد صرح على شاشة التلفزيون المحلي أ َّن الرهبان والكهنة قد ّ ّ ّ ّ ّ 10 "مارسوا السحر والشعوذة" على ابنته لكي تعتنق المسيحيّة.

إ َّن قصصا من هذا القبيل ال عالقة لها بالّدين نفسه، ولكّنها تكشف الكثير من المواقف تجاه المرأة؛ حيث ٍّ يتّم توسيع المفاهيم القديمة عن األسرة وشرف القبيلة ويتم تطبيقها على الدين. والبّد من فرض ح ارسة ٍّ مشّددة على المرأة باعتبارها مستودعا للفضيلة، خاص ة أ َّن األديان األخرى ، برأي البعض، تحاول إغرائها لتغير دينها.

ِ ِ ِ وفي سنة 2010 اندلعت المظاه ار ُت في مصَر واستمّ رت أسابيع عدة؛ وذلك على خلفية قضية كاميليا شحاتة، وهي زوجة كاه ٍّن قبط ٍّ ي أ ُشيع أ َّن الكنيسة القبطية األرثوذكسية أودعتها السجن العتناقها اإلسالم. ّ َ َ َ ِ ِ ٍّ ٍّ بدأت القضي ُة عندما أبلغ زوج كاميليا عن اختفائها، ليتّض َح الحقا أّنها تركت المنزَل بسبب خالف مع ِ ِ ِ زوجها؛ ورغم ذلك سَرْت شائع ة تقول أّنها اختُطَف ْت وأُجبَرْت على اعتناق اإلسالم؛ مّما دفع المئات من المتظاهرين األقباط إلى النزول إلى الشوارع. كشف ْت تحقيقا ُت الشرطة أّنها لم ت ُ ْح ت َ َج ْز رغما عنها، وقيل ِ ِ ٍّ ٍّ أّنها بقيت في مكا ٍّن خا ٍّّص بالكنيسة القبطّية لم ُي ْك َش ْف عنه. أثار ذلك شائعات واحتجاجات جديدة ، وهذه

110

ِ ِ ِ الم ّرة من قبل المسلمين الذين يؤمنون أ َّن كاميليا أسلمت بملء إرادتها وأنها اُ ْحتُجَزْت من ق َب ل الكنيسة؛

وتعليقا على هذه القضّي ة، كتب "ماريز تادروس Mariz Tadros ":

"من البديهي في المجتمعا ٍّت الذكورية أ َّن تربط مفاهيم الشرف بالنساء، فمظاهرات ّ ّ ُ َ َ ُ المسيحيين األقباط في صعيد مصر على خلفية "اختفاء" كاميليا أ ّججها الشعوُر بأ ّن األقبا َط قد خسروا زوج َة الق ّس لصالح األغلبّي ة المسلمة التي يرون أّنها مصممة على ابتالعهم. دائما ما ترتبط ظاهرة االختطاف في مصر بالمرأة، وليس بالرجل؛ حيث ي ُعتقُد أ َّن سبب االختطاف هو إجبارها على تغيير دينها.

وحين اندلعت مظاه ارت المسلمين بعدها، وعَّم ْت أنحاء مصر، كانت تُغذيها الرغبة في ِ تحرير كاميليا، والتي زعموا أّنها ارتدت الّنقاب، من ب ارثن الكنيسة.

وكانت المظاهرات تطالب بالّد فاع عن شرف المسلمين فهو حق لهم؛ وكاميليا في نظرهم ٍّ أخ ت لهم في اإلسالم. لم يسبق أ َّن شارك عد د كبي ر من الّنساء المنّقبات في مظاه ارت ٍّ احتجاجّية كتلك. ٍّ تحصل بالت ّأكيد وبشكل متكرر توتّ ار ت واشتباكا ت طائفّية من أجل األر ِض ، ودوِر ِ ِ العبادة، أو بسبب تعليقات الزعماء الّدينّيين، لك ْن لم يسبق لهذه التوتّ ارت أ َّن ألهب ْت خيا َل المسيحيين والمسلمين كما هو الحال عندما تتولد بسبب المرأة في هذا المجتمع الّذكورّي الخالص."11

ِ ِ ِ في السودان، أ ُدينت مريم إبراهيم البالغة من العمر 27 عاما بالّ ردة، وُح ك َم عليها باإلعدام. وفقا للُعْرف ِ ِ السائد هناك. أعطتها ال ّس لطا ُت ال ّس ودانّي ُة فرصة لتعوَد عن ق اررها؛ لكّن ها رفضت قائل ة أّنها لم تُْقدْم على شيء لتت ارجع عنه. لم تكن هذه الحال ُة مرتبط ة بالّدين، بل بهيمنة الّذكور على المجتمع وبالطائفي ّة وبالشجار العائلي. ّ

كان والد مريم مسلما ، وقد غاب ع ِن البيت منذ كانت في السادسة من عمرها، ورَّبتها والدتها كمسيحّية. ِ في السودان، بموجب ال ّش ريعة اإلسالمّية، يرث األبناء دين األب، وبالتالي تّم تصنيف مريم رسمّيا على ِ أّنها مسلمة، مّما يعني أّنها كانت مرتّدة في ُعْرف الشريعة اإلسالمّية ألّنها تخّلت عن اإلسالم لتعتن ّق المسيحّية.

111

وفي سنة 2011، قيل أنها ارت ك ب ت "جريمة " أخرى بزواجها من رجل مسيحي ، وهو أمر غير مشروٍّع ّ َ ََ ْ ّ ِ المرأة مسلمة، ف ُحكم عليها باإلعدام، كما أَعلنت المحكم ُة بطال َن زواجها؛ وبالتالي ُج لدت 100 جلدة لممارسة الجنس خارج إطار الزواج. لم ينفذ فيها حكم اإلعدام على الفور ألّنها كانت حامال في ذلك

الوقت، وتّم إرسالها إلى السجن مع ابنها البالغ من العمر 20 شه ا ر؛ وقد أنجب ْت طفلها الثاني في ال ّسجن، 12 وتقول بعض الّروايات إن ساقيها كانتا مقيدتين بالسالسل حينها.

أتت مقاضاة مريم بتحري ٍّض من أخيها وأختها غير الشقيقين لدوافع ليست واضحة تماما ، فقد اّدعى أخوها

غير الشقيق، ال ّس ماني الهادي محَّمد عبد هللا، أ َّن زوجها قد مارَس عليها السحر لتتخّلى ع ِن اإلسالم من ِ خالل مْن ح ها جرعة سحرّية. وقال لقناة CNN: "أمامها خياران: إّما أ َّن تعود إلى ديننا اإلسالمي والى 13 أحضان العائلة، فنحن عائلتها وهي مّن ا، أو ينفذ فيها الحكم وتُعدم إ َّن رفضت." ووفقا للمحامين الذي ِ ٍّ ٍّ ُكّلفوا بالدفاع عنها، كانت مريم تملك العديد من الشركات ال ّص غيرة الّن اجحة، كصالوُن حالقة وأ ارض ٍّ ز ارعّي ة ومتج ر، وأضاف هؤالء أ َّن أقاربها كانوا يطمعون في االستيالء عليها.

وبعد كثيٍّر من ال ّض غط من كثير من الدول - فزوجها قد حصل على الجنسّية األمريكّية - نقضت ِ محكمة االستئناف أخي ا ر الحكَم الصادَر بحقها، وأُ ْطل َق س ارحها؛ لكن بعد فترة وجيزة أُعيد اعتقاُل ها في مطار الخرطوم مع زوجها وأوالدها، بينما كان وا يحاولون مغادرة البالد بتهمة وجود مشاكل في وثائ ِق سفرهم.

ِ وقد قيل مرة أخرى أ َّن اعتقالهم في المطار جاء بتحري ٍّض م ْن أقارب مريم المسلمين؛ فقد صّرح أخوها ٍّ ٍّ ِ غير الشقيق لصحيفة سودانيّة أّنه كان ينبغي تسليمها إلى عائلتها ال لزوجها، و َزعَم أّنها قد "ا ْختُطَف ْت " وتّم تهريبها رغما عنها بعد خروجها من السجن. وأضاف: "عائلتنا غير مقتنعٍّة بقرار المحكمة بإسقاط التُّهم ِ ٍّ الموّجهة ضّدها. لقد أخفق القانون في الحفاظ على حقوقنا، وأصبحت المسأل ُة اآلن مسأل َة شرف . 14 فالمسيحي ّ ون لّوثوا شرفنا، ونحن نعرف كيف ننتقم لذلك."

بعد اإلفراج عنها للمرة الث ّانية، طلبت مريم اللجوء إلى ال ّس فارة األمريكّية، و وصلت في نهاية المطاف إلى الواليات المتّحدة.

ِ إ َّن االتهاما ت الموجه َة إلى الّنظام الذكوري موجودة في الجانب اآلخر أيضا ، أ ْي بين غير المؤمنين؛ ففي الواليات المتّحدة تحديدا ، كانت هنالك شكاوى م ْن أ َّن اإللحاد شي ء خا ص بالّرجال إلى حّد كبير، وهو

112

ِ اّدعا ء ال يخلو من بعض الحقيقة، لكن ليس بالقدر الذي يتصّ و ره الّناس، فهناك من يلقي باللوم على وسائل اإلعالم لتركيزها وبشكل حصرّي على مجموعة للِّرجال يطلق عليها اسم "الملحد ون الجدد." تشّك ل النساء نحو 40% من األميركيين ممن قالوا إنهم بال انتماٍّء ديني رسمي ، وهي نسبة كبيرة،15 كما أ َّن ّ ّ َّ ّ ّ ّ هنالك نساء ناشطات، ال مجَّرد ملحدات سلبّيات، ففي مقال نشرته مجلة Bitch، كتبت "فيكتوريا بيكيمبس :"Victoria Bekiempis

"لقد عملت نساء كثيرات كناشطات ملحدات، كمادلين مواري أوهير Madalyn Murray ِ 16 O’Hair مؤّس س ُة من ّظمة الملحدين األمريكي ّين، والتي رفعت دعوى أمام المحكمة العليا، وضعت من خاللها حّد ا لل ّص الة في المدارس العامة سنة 1963، والرقيب "كاثلين جونسون Kathleen Johnson " التي أ َّسست من ّظمة للملحدين في الجيش األمريكي، ٍّ ٍّ وأيضا "ديبي غوداردDebbie Goddard " التي أ ّسست من ّظمة نشاطات إنسانيّة لألمريكي ين من أص ٍّل أفريقي . ّ ّ ِ وقد أّلف َن الكتب، وت أرْس َن المن ّظمات ، ودافع َن عن المواطنين المقموعين دينّي ا ، لك ّن َّ ٍّ الصورة الشائعة لإللحاد في أمريكا تبقى محط جدل، حيث ُينظر إلى الطبقة المعاصرة، صاحبة التفكير الحّر، والتي ال تخاف هللا - والمعروفين أيضا بالعلمانيّين أو المشّك كين 17 أو غير المؤمنين - على أ َّن غالبيتهم من ال ّشباب من محّبي االستع ارض."

تعتبر "إرنستين روزErnestine Rose" المولودة في بولندا سنة 1810 إحدى أولى الّنساء الملحدات المدافعات عن حقوق الم أرة، والتي فازت في معركة قضائية إلنقاذ نفسها من زواج لم ترغب به؛ كان قد

رتّب له والدها الحاخام اليهودي بينما كانت ال ت ازل في س ّن الم ارهقة، وواصلت نشاطها في بريطانيا والواليات المتّحدة في وقت الحق. تقول "جين مكرايت Jen McCreight"، التي ذكرْت عددا ا كبير من

الملحدات الناشطات حينها في مقال لمجلة Ms Magazine: "ال يمكن إنكار أ َّن عدد الِّرجال يفوق عدد الّنساء معظم الوقت، سوا ء من ناحية حضور ال مؤتمرات، أو على مستوى المتحدثين في المؤتمر، أو من ِ ُقَّارء المدّونات ومؤلفي الكتب األكثر مبيعا " لكن ّها تضيف: "ومما يزيد هذه المشكلة امتناع ُ وسائل اإلعالم عن ذكر أسماء الّنساء الملحدات البار ازت حتّى في المنشو ارت التي تدافع عن حقوق الم أرة، وتتساءل أين 18 ك ّل الّنساء الملحدات."

113

ويرى البعض أ َّن الن هج العدواني الذي تبناه "الملحدون الجدد" والقائل بوجوب محاربة الدين بدال من ّ ّ ّ التسامح معه يعطي صورة ذكورّية قد ال تروق للّنساء؛ إّال أ َّن "مكرايت" ترفض هذا الرأي حيث تشير إلى عدد من الّنساء الملحدات الالتي "كان صرير أسنانهن أعلى صوتا حتى من ريتشارد دوكينز وكريستوفر هيتشنز."

وبالطبع كان المفكرون الملحدون في التاريخ العربي - مَّمن ال ازل وا ُيذَكرون إلى يومنا هذا - من الِّرجال؛ إّال أ َّن وج ود الّنساء في موجة اإللحاد الجديدة في ال ّشرق األوسط أم ر يمكن مالحظته ولو بنسبة قليلة. تقول مريم نمازي ، وهي إي ارنّية المولد وعضو في مجلس المسلمين ال ّسابقين في بريطانيا، أ َّن من ّظمة المسلمين األمريكّي ين ال ّسابقين أ ّسستها امرأة، وأ ّن مثيلتَها األلمانّية تترأسها امرأتان، وأ ّن لمجموعتها البريطانّي ة متحدثتان رسمّيتان من الّنساء، لدرجة أّنها قالت: "أنا شخصّي ا أعتقد أّنها من ّظمة للّنساء." وتضيف قائل ة:

"إذا نظرَت الى االحتجاجات في ال ّشرق األوسط فستجد الّنساء في طليعة الكثير منها، فالكثير منه َّن ينتمين إلى المفكرين األحرار حتى لو لم يطلقن على أنفسهم تسمية الملحدات.

أعتقد أ َّن المشكلة تكمن في أ َّن الّنساء غير ظاهرات في الحركة اإللحادية في الغرب؛ ِ فلو ذهب َت إلى اجتماعات الملحدين فلن ترى إّال الّذكور البيض. أنا أكره استخدام هذه المصطلحات ألنني أكره تقسيم الّناس بهذه الطريقة، ولكن ّي أعتقد أ َّن القيادة الشعبيّة بحاجة إلى بعض الوقت لتظهر... ال ضير في أ ْن تكون القيادة ذكورّية ومن البيض، ولك ّن المشكلة في أ َّن الّناس اآلخرين )أي الّنساء( غير موجودين في هذه االجتماعات.

نحن نن ّظم مؤتم ا ر، والغالبّي ة العظمى من المتحدثين هم من الّنساء الملّونات، أي من ِ ال ّشرق األوسط وشمال أفريقيا ومن خلفّي ات مهاجرة هنا في الغرب، هؤالء الّنساء يقمن بعمل مدهش ولكنكم ال تعرفون شيئا عنهن... لم نكن نعرف شيئا عنهن ألنهن يعملن 19 على المستوى الشعبي وغالبا ما يكون من الصعب جدا علينا أ َّن ن ارهن."

وتضيف نمازي أنّه من بين ستة وأربعين متحدثا رسميا في المؤتمر، كان هنالك تسع وعشر ون ام أرة 20 وسبعة عشر رجال .

114

أّما "ريتشارد دوكينز" فيقول: "هنالك عدد كبير من الملحدين الذين عليهم إعالن إلحادهم، وذلك تأييدا منه ِ لحملة ُسّمَي ْت The OUT Campaign والتي أطلقت سنة 2007 لحث الملحدين، خاصة في الواليات 21 ِ المتّحدة، على إعالن إلحادهم من خالل ارتداء شارة حمراء على شكل حرف "A". لم يكن استخداُم الملحدين لمصطلح "اإلعالن أو الظهور" لوصف إعالن إلحادهم ص ارحة من قبيل المصادفة، فالمثلية الجنسية واإللحاد هما من األشياء التي يفضل الناس إبقاءها طي الكتمان، ويعتب ارن في المجتمع العربي ّ ّ ّ ُ من المحّرمات االجتماعية وقد يرقيان إلى مخالفة قانونّية.

يرتبط اإللحاد والمثلية الجنسية بطرق أخرى أيضا ، ففي الواليات المتّحدة أظهرْت إحصاءات جمعها 22 المسح االجتماعي العام أ َّن احتمالية إعالن األميركّيين مثليي الجنس أنهم ملحدون أو الأدريون هي 23 ثالثة أضعاف نظيرتها بين اآلخري ن ، وأن 62٪ من األشخاص المثليين والمتحولين جنسيا في الواليات ن 24 المتّحدة يرو بأن الّدين ليس جزءا هاما من حياتهم، ومرّد ذلك أ َّن الّنا َس الذين تجّرم التعاليُم الّدينيّةُ 25 حيات َهم الجنسّية من المرّج ح أ َّن يبدأ وا بطرح أسئلة حول الّدين مّما يقودهم بدوره نحو اإللحاد.

إ َّن الممارسات الجنسيّة المثلّية غير قانونّي ة في معظم الدول العربّية، وعندما ال توجد قوانين محّددة، يكون هنالك قوانين أخرى يمكن تطبيقها كالقانون المصري ضد "الفج ور"، وكون الشخص مثلي الجنس ليس ّ ّ ّ ِ جريمة بحد ذاته - إّال في حال تضّمن األمر ممارسة الجنس- إّال أ َّن بعض األشخاص اعتُقلوا لسلوكهم ِ المخّن ث وتّمت مداهمة حفالت أقامها المثليون . ُيعاقب من يمارس اللواط في البلدان العربّية بالسجن عادة ، لكن العقوبة في موريتانيا والمملكة العربيّة السعودية والسودان واليمن هي اإلعدام. على العموم، ورغم القمع في بعض األحيان وميل القانون إلى كونه تعسفيا واعتباطيا ، فإ ّن السلطات ال تسعى لمالحقة مثلي ي الجنس وتقديمهم للمحاكمة بشك ٍّل ممنه ٍّج؛ وذلك ألنها ترى أن الشذوذ الجنسي غير موجود بدرجة ّ ّ ّ ّ كبيرة في الدول العربية، وي نظ ر إليه على أنه "م رض" غربي أساسا ؛ لكن في عراق ما بعد صدام حسين ّ ُ َ ّ َ ّ قامت جماعات االقتصاص في كثير من األحيان بمضايقة وحتى قتل المتّهمين بالمثلية أو قّلة ال ّصفات 26 "الّذكورية."

إ َّن التعاليم اإلسالمّية التقليدّية تجّرم المثلّية الجنسّي ة، كما تتبنّى الكنائ ُس المسيحيّة ُ في المنطقة عموما موقفا مماثال . وغالبا ما ُينظر إلى هذا األمر على أنّه " َخ يار" وبالتالي خيار خاطئ، إّال أ َّن البعض يعتبرونه مرضا عقليا، ربما إلظهار بعض التعاطف. ويبدو أّنه لم ُيفَرض عقاب على المثلية الجنسي ّة أثناء حياة النبي محمد، لذلك فإن اجتهادات الشريعة عادة ما تعاملها معاملة الَّزنا. ّ َّ ّ

115

ٍّ اعتمد استنكار اإلسالم للمثلية الجنسي ّة بشكل كبيٍّر على أحاديث الرسول وذلك أ َّن القرآن لم يأت على ِذكر هذا الموضوع في مواضع كثيرة، وأما من يستشهد بالقرآن فيركز بشك ٍّل أساسي على قصة النبي لوط ّ ّ ّ ِ الذي ُذكر في اإلنجيل، حيث وَرَد في سفر التكوين أ َّن هللا لجأ إلى معاقبة قومي لوط وعمورة بأن أمطرهم بحجارة من السماء، وهي نفس الق ّصة التي وَرَد ْت في القرآن تقريبا .

وقد دأب المسيحي ون والمسلم ون على حد سواء على تفسير القصة كنوع من العقاب اإللهي للمثلية ّ ّ ّ ّ الجنسّي ة، غير أ َّن الق ارءة المتأنّي ة لهذه الق ّصة تبي ّن أّنها أكثر تعقيدا من ذلك، فقد شمل العقاب ذنوبا عدة، كما أّنه لم يكن هنالك توافق بهذا الشأن؛ حيث يشكك المسيحيون من خارج منطقة ال ّشرق األوسط وبشكل

مت ازيد بهذه التّفسي ارت التقليدّية، على عكس المسلمين الذين ناد ا ر ما يشّككون بها رغم التّشابه الكبير بين القصص التي يرويها ك ّل من القرآن واإلنجيل بهذا الخصوص. يقول "سكوت سراج الحق كوجل Scott Siraj al-Haqq Kugle" في كتاب يدرس األدّل ة الواردة في اإلنجيل إ َّن اإلسالم لم يحّرم المثلية الجنسّي ة تحريما قطعّيا بل إّنه يدعو إلى المزيد من قبول التنوع في الّدين، وهذه بال شك وجهة نظر ِ ٍّ 27 إصالحّية تقابلها دعوة بعض مناص ارت الم أرة المسلمات إلى إعادة قراءة القرآن بطريقة أق َّل ذكورّية.

في الدول الغربّية، حيث ال تتّسُم الكنائس كّلها بالعدوانّية، فإ ّن المثلّي ين والمثلي ّات وثنائيي الجنس والمتحولين جنسيا ي ِصلون في بعض األحيان إلى تسوية بين حياتهم الجنسية والدين ولكن التعليم الديني َ ُ ّ ّ ّ ّ الحالي في الد ول العربية يجعل ذلك أكثر صعوبة. يقول حسن، وهو بحريني مثلي الجنس: "هنالك ّ ّ ّ ّ ّ نصو ص ّدينّية تدين مثلّيي الجنس ولكنّها تدفعك للشعور بأ ّن ما هو مكتوب فيها ربما ال يكون من عند هللا؛ فلماذا خلق هللا بعض الّناس مثلي ّين جنسّي ا ، إذا كان ذلك محّرما ؟ هل يجب أ َّن أعيش حياة عازبة ابتغا ء لمرضاته ثم أنال الجنة؟" وعندما أعلن َح َس ن إلحاده أخي ا ر؛ حصل ما توقعه، وهو أ َّن ميوله الجنسيّة تم تقُّبلها بشكل أكبر من قبل األف ارد األقل تدينا في عائلته، فيقول في ذلك: "أل َّن والِد ي وأخي وأختي

ليسوا متدينين فقد تقبلوني، لكّني لم أشأ أ َّن أخبر أمي ألّنها محافظة جدا وال أعتقد أّنها ستتقبل األمر برحابة صدر."

إ َّن الذين يصارعون بسبب ميولهم الجنسّية أو يتهيؤون لإلعالن عنها غالبا ما يكونون بحاجة إلى الدعم والمساندة، وهو نوع من الدعم يُفتَر ُض أ ْن يوفره الّدين في ظروف مختلفة. وهذا يشير إلى واحد من االختالفات الرئيسية بين النّساء من جهة والمثليين جنسيا ، وثنائّيي الجنس، والمتحولين جنسيا من جهة أخرى في عالقتهم مع الّدين، ففي حين أ َّن الّنساء قد يجد َن بعض االرتياح في تركهن للدين - وا ْن أدى

116

ذلك إلى تعّرضهن للقمع في الوقت ذاته - ال يجد المثليّون العرب هذه ال ارحة، فبدال من التعاطف معهم وتفهمهم يتم مقابلتهم باإلدانة.

أّما في حالة حسن، فهو لم ينقلب على الّدين بكافة أشكاله، بل دفعه ذلك - أي ميوله الجنسّية - إلى استكشاف إمكانيات "روحانية" أخرى ، فيقول: "عندما تمر بأوقات عصيبة، تلجأ للبحث عن إجابات

روحي ّة أو أ ّي شيء يعطيك األمل." لقد كان يدرس في الهند عندما أعلن عن ميوله الجنسّية، ويقول أنّه وجد بعض ال ّراحة في بعض األفكار البوذية، أفكار ليست من قبيل التقمص بل أفكار مثل عدم الثّبات، والمحبة واللطف والّ رحمة."

إ َّن إحدى الطرق التي يتّبعها مناصرو الّنساء ومثليّو الجنس من الِّرجال للتصالح مع الّدين هي من خالل ِ ما يطلق عليه علما ُء االجتماع "مرونة اإليمان" التي هي في جوهرها عبارة عن إعادة تشكيل المفاهيم التقليدّية عن هللا واإليمان بما يناسب احتياجاتهم. "طارق سيد رجب دي مونتفورت"، وهو فنان كويتي المولد ومثلي جنسيا ، يصف نفسه بالمتديّن، ولكن بطريقة غير تقليدّي ة، وهو ما يبدو واضحا للوهلة األولى

حيث وَشَم حنجرته بكلمة "الحقيقة" وكتب آيات من القرآن على أج ازء أخرى من جسده.

إ َّن أول اتصال له مع اإلسالم لم يكن من خالل المسجد كما هو متوقع، ولكن من خالل متحف عائلته، ق ٍّ "متحف طار رجب"، الذي أ ّس سه جّد ه، ويحتوي على أكثر من ثالثين أل َف تُحفة من مختلف أنحاء العالم اإلسالمي.

28 يقول طارق : "لم أشعر يوما بالحاجة للذهاب إلى المسجد فعندنا أغطية للكعبة في المتحف. لدينا ثالثة منها من القرن التاسع عشر حين كانت ال تزال تُصنع في القاهرة بكثير من الزخرفة، وأوجه هذه األغطية مطرزة بالذهب والفضة بشكل كامل، إّنها مدهشة بالفعل، ولدينا أيضا واحدة من أكبر المجموعات من ق ق ق كتب اإلنجيل المكتوبة بخط اليد على ور الر في ال ّشر األوسط، وُن َس خ من القرآن مكتوبة بخ ّط اليد من القرن التاسع عشر؛ ولذلك كان هللا حاض ا ر بقوة، ولك ّن حضوره ذاك كان مجَّردا وخفّيا إلى حد كبير."

كان جُّد طارق ومقتنياته الفنّية هم من ألهموه الفكرة األولى عن ماهيّة الّدين، وهي أنه جاء من تقديس ق َّ الجمال. يقول طار : "لقد وّفر لي ذلك األسا َس كله ُ ألفَهَم الف ّن اإلسالمي. لقد رأيت كيف تتجلى كلمات 29 الرسول: "إ ّن هللا جميل يح ُّب الجمال." كانت تجرب ُة طارق اآلخذة بالنمو غير عادية؛ وربما فريدة من

117

نوعها، وأعطته وجهة نظر أكثر إيجابية بكثير من تلك التي يحصل عليها الّناس من خالل االستماع إلى الخطب في المساجد، كما أّنها جعلته ينتقد اإلسالم التقليدي السائد.

يضيف طارق: "أنا ال أقصد اإلساءة، ولك ّن رأيي هو نتيجة محزنة لما كان من المفترض أ ْن يكون عليه اإلسالم... فالنبي سيصاب بالذهول لو رأى ما تحول اإلسالم إليه اليوم. يرى طارق أ َّن له الحق في ّ التعبير عن هذه اآل ارء ألنه من ساللة النبي على حد زعمه. ّ

يضيف طارق قائال : "أشعر أ َّن هنالك صنفين متناقضين من الّناس تجاه الّدين اليوم، الصنف األول يتقبل ِ الّدين تقبال كليا ، أي يؤمنون بمبدأ "عليك القيام بذلك،" وهذه قمة اليقين والعقيدة، وال أص ُف ذلك بالسلبية وال اإليجابية." أّما النوع اآلخر فيرفضون الّدين رفضا كليا ويتحولون إلى اإللحاد؛ ولكن هنالك آخرين كان لهم تجربة مختلفة مع الّدين إلى درجة أ َّن بعضهم تحول إلى عبادة الشيطان، إّال أ َّن طارق يقول أ َّن هذه ليست "عبادة الشيطان الحقيقية" لكنها "النسخة الهوليوودية."

يزعم طارق أ َّن هنالك اهتماما مت ازيدا، لكنه خفي، في الكويت بالبوذية والتي، باعتبارها دينا غير توحيدي، ّ تلقى قبوال أق َّل من اإلسالم أو اليهودية أو المسيحيّة. يقول طارق:

" وقع ُت مرة في ورطة في مدرستي ألّني تحدثت عن الهندوسية .والبوذية ال أعرف ما إذا كان يمكنني القول أ َّن هذا من المحرمات؛ لكنه كذلك بالنسبة لبعض الّناس؛ إّال أنني

أرى األمور تتغّير وخا ّص ة بعد وجود شبكة االنترنت؛ ففي الكويت اليوَم هنالك "مراكز االستشفاء" البوذي ّة، كما أ َّن األشخاص الذين يديرون هذه الم اركز يسافرون حول العالم لحضور األحداث البوذية لكنّهم ال يعلنون عن م اركزهم بأّن ها بوذّي ة بل يعلنون أّنها امركز استشفاء أو منتجعات أو حتى مراكز لدروس يوغا. وكل ذلك حصل منذ فترة قريبة، وكل األشياء تحدث اآلن."

ق حت ّى اللحظة لم يلفت هذا النشاط البوذ ّي ال ّس رّي انتباه ال ّس لطات أو ال ّشرطة الّدينيّة، حيث يقول طار : “أعتقد أ َّن هؤالء ال يشعرون بالتهديد أل َّن البوذية ال يتم ذكرها باالسم، فاألمر برّمته يتّم تصويره على أّنه متعلق بال ّص ّحة فحسب. إ َّن المطّوعين، أو الِّرجال الضخام الملتحين، وبحكم نمط الحياة الذي يتبعونه ربما، لم يسمعوا عن المنتجعات )أو الينابيع المعدنية( أو أشياء من هذا القبيل."

118

ويضيف طارق أ َّن كونه مثل َّي الجن ِس لم يدفعه أبدا للشك في الّدين أو "بذلك اإلحساس اإللهي" رغم أنّه أقر بأن اآلخرين يمرون بصدمة تجعل هذا الحس اإللهي "يضمحل أو يتالشى"، ويرى أنه لن تظهر هذه ّ ّ ّ ّ ُّ المشكلة إذا ما أخذ المسلمون بنصيحة الرسول بأن "يفكروا بأنفسهم". يضيف طارق قائال :

"أ َّن نقرر شؤوننا بأنفسنا كما طلب النبي من ا... ولو أ َّن الناس فعلوا ذلك، وقرأ وا القرآن، ّ ّ ّ ّ ن فسيجدو من خالل اإلسالم أشيا َء جميلة ال تت ّفق مع فكرة أ َّن المثليّة خطيئ ة، أو أ ّن ارتداء الحجاب واجب، فاألمر برمته متعلق بالتفسير، ولو أننا نأتمر بأمر النبي ، أي أ َّن ُ ّ ّ ّ نفسر القرآن على أّنه فيض من الرحمة، فسوف يأخذنا ذلك إلى شكل من اإلسالم أكثَر نقاوة، شكل ال أرى فيه أ َّن المثلّية الجنسّية ذْن ب يعاقب عليه.

وبما أ َّن النبي محمد هو المسلم المثالي وقدوة الجميع، فال توجد أحاديث تدين أي رجل ّ َّ ُ َّ مثلي الجنس؛ وهناك إشارات إلى أنه سمح للرجال المثليين أن يروا زوجاته وهن ّ ّ ّ ْ مكشوفات الوجه، كما أ َّن القرآن يقول أ َّن باستطاعة الِّرجال الذين ليس لديهم رغبة بالنساء أ َّن يروهن )أي زوجات الرسول(."30

في عام 2013، أعلن سعيد كياني أنه مثلي الجنس وملحد في تدوينة نشرها على اإلنترنت. وهذا مقتطف ّ ّ مّما كتبه:

"بدأ األمر عندي حين وِلدت، فأنا لست عربي المولد بشكل خالص، حيث أ َّن والدي من ُ ّ اإلما ارت العربّية المتّحدة ووالدتي من والية أالباما في الواليات المتّحدة األمريكّية، وصنفني البعض بأن ي "مختلف". لم أستطع أن أتكيف مع األمر، لقد غير كوني مثلي ّ ّ ْ ّ ّ ّ الجنس ديناميّتي منذ البداية. لم أكن أميركيا خالصا ، أو عربّيا بح ّق، وال حتى "رجال حقيقيا ."

َوق َع الحدث األبرز في حياتي بينما كنت أعيش مع عائلتي في والية فلوريدا، عندما كنت في الص ّف ال ّس ادس كان يعتريني االرتباك والحرج الشديدان وأنا أبذل قصارى جهدي ألكون مسلما وابنا صالحا ؛ ثم جاءت أحداث الحادي عشر من أيلول.

ومنذ ذلك الحين لم تعد الحياة ذاتها ما كانت عليه في الواليات المتّحدة، وألن والدتي

ترتدي الحجاب فقلّما يمّر يوم دون أ َّن يحدق النّاس بها، كانت نظراتهم تقول "أنت

119

خائنة"، لقد فقد ُت أصدقائي، وسخر الّناس من معتقداتي أمامي، و ارح الّناس يتعاملون مع أُسرتي بجدّية أق ّل. بدأ شعور "بالغربة" يطفو على السطح نابعا من داخلي، إّال أّنني دافعت عن اإلسالم بقدر ما استطعت كوني كنت فتى مسلما صالحا.

وهذا أم ر مهم ألّنها المرة األولى التي أدرك ُت فيها أ َّن الّدين يمكن أ َّن يكون له تفسير مختلف. لسوء الحظ كان والداي ال يساعداني كثي ا ر في توضيح األمور لي، فكل ما كانا يقوالنه لي هو أننا على حق وهم على باطل.

وبعد ذلك بعام انتقلنا إلى اإلما ارت العربّية المتّحدة بعد أ َّن أَنهى والدي د ارسة الدكتوراه في علم النفس... لم يتساءل الكثير من الّناس عن سبب عدم مصادقتي ألية فتاة وقد

كنت أبلي بال ء حسنا في المدرسة، وبالكاد أعي ُش حياة اجتماعية. ظ ّل األمر هكذا حتى تعرفت على أول صديق مثلي الجنس، وحالما عرف الّناس بصداقتنا بدأت الشائعات تنتشر.

قال لي اثنان من الفتيان إنني بحاجة إلى هللا، لكن المثير لل ّس خرية في ذلك هو أّن ني كنت في هذه الفترة من حياتي أكثر تدينا من أية فترة أخرى. لقد دفعني ال ّشعور العميق بالذنب واأللم إلى محاولة الرجوع إلى هللا، لكن شعو ا ر بدأ ينتابني حينها بأ ّن هللا تخلى عني، ورحت أسأل هللا لماذا يحدث هذا لي؟ أنا ال أريد أ َّن أشعر بهذا الشعور أكثر من

ذلك. ساعدني ألكون طاه ا ر!

ِ كنت أحاول أ َّن أعرف، من المنظور اإلسالمي، ما الحكم ُة من خلق هللا لي مثليّا؟ لم أقتنع بفكرة أنه يختبرني فحسب، فلماذا يلحق الخالق مثل هذا األلم العاطفي بخلقه؟ ّ ُ ُ ُ ّ ولماذا خلق هللا المثلية الجنسّية أيضا وحرمها في الوقت ذاته؟

رغم أّني بقي ُت مؤمنا رغم هذا كله، لكّني كنت محطما كليا ، فقد كنت أشعر بأّني وحيد

ومشّوش الّذهن ويتمّلكني القلق حتى أّني فكرت في االنتحار، خصوصا بعد أ َّن سمعت ولعدة مرات كالما مهينا من قبل ضّد مثلّيي الجنس.

وبعد أن ق أر ُت عن الِّ رَّد ة في اإلسالم، وكأّني شعرت بضوء قد توّهج داخلي... هل يجب أ َّن ُي قتل المرتدون ؟ هل حقا قال هللا هذا؟ ال، لقد بدا األمر أكثر من تخطيط البشر

120

لرحلتهم إلى الجنة. إ َّن تكتيكات مثل هذه كان لها غايات بشرية في العصور الوسطى. ٍّ لماذا يأمر هللا القدير والعليم بك ّل شيء بقتل إنسان ضعيف مثير الشفقة لمجرد أّنه غيّر رأيه بخصوص وجوده؟

لقد تملكني الذهول وال ّصدمة عندما ط أر ْت على مخيلتي هذه األفكار، وشعرُت وكأن وزنا كبي ا ر قد أُزيل عن كاهلي عندما تمكنت أخي ا ر من استجماع ما يكفي من الشجاعة ألقول لنفسي: "أنا ال أؤمن باإلسالم."

بعد مرور بضعة أشهر قال كياني واصفا ردود الفعل على منشوره في مدّونته أ َّن أغلب الّناس يخافون الخوض في الحديث بهذه المواضيع علنا ـ إّال أ َّن بعض األصدقاء والمعارف العرب عرضوا تقديم الدعم وبدا بعضهم مهتما بمعرفة المزيد كونهم لم يلتق وا قط بملحد أو مثلي الجنس، في حين كان آخرون أكثر ّ ّ عدوانّي ة وتعاليا ، قائلين أ َّن كّياني كان بعيدا ك ّل البعد عن الواقع أو متأث ا ر بالغرب جدا ، أو أ َّن لديه مشاكل عقلية أو نوع من المخططات ضّد اإلسالم؛ حتى أ َّن أحدهم قال أّنه كان ممسوسا )أو مسحو ا ر(؛ ويضيف أ َّن معظم هذه اآلراء العدوانيّة جاءت من جيل الشباب في دولة اإلما ارت العربّية المتّحدة.

كان كياني ال يزال غير متأكد ما إذا كان والد اه يعرفان بشأن منشوره الذي أعلن فيه عن إلحاده وأنه مثلي ّ ّ الجنس، لكّنه الحظ تغّي ا ر كبي ا ر في سلوكهم تجاهه مّما دفعه للش ّك بأنهم ق أروا المنشور، فيقول في ذلك: "لقد أعطوني المزيد من المحاض ارت عن ال زواج والدين؛ حتى أنهم ضغط وا علي لكي أ ارجع طبيبا نفسيا ّ ّ ّ ّ بانتظام، لكن لحسن الحظ وقف المعالج النفسي إلى صّفي وكان سندا ارئعا لي."

يرى كيّاني أ َّن االنتماء إلى أقلّية جنسّية كان أحد العوامل التي أّدت إلى إلحاده، ولكن هنالك اعتبارات أخرى أيضا حيث يقول: "لم تتوافق الكثير من المسائل في اإلسالم، من حيث المنطق، مع ما أحمله من

قيم كاإلنصاف؛ فكثير من الّناس يتعرضون يوميا ألذى ال مبرر له نتيجة لبعض أوجه الّدين. لقد واجه ُت مشكلة كبيرة مع هذا ولم أكن أريد أي جزء منها، وكان من األسهل لي أ ْن أصل إلى هذه النتيجة كوني مثليا ." رغم أ َّن كّيالي لم يبد دهشة من الربط اإلحصائي بين المثليّة الجنسّي ة واإللحاد، إّال أنّه يرى أ َّن هنالك اختالفا كبي ا ر بين االثنين حيث يقول:

"إ َّن كون المرء مثلي الجنس يجعل من الصعب جدا تلبية ما يتوقعه منه المجتمع، لكن ّ هذا ال ينطبق على اإللحاد، فيمكن للمرء أ َّن يتعايش مع مجتمع متدين وأ ْن يكون ملحدا

121

بنفس الوقت، لكن الشذوذ الجنسي ذو طبيعة بيولوجية، ولهذا السبب فإنه في نهاية ّ ّ المطاف سوف يظهر جليا للناس اآلخرين سوا ء أحبوا أم كرهوه، وهذا ال ينطبق على اإللحاد ألنه من األسهل إخفاء عدم اإليمان باهلل أكثر من إخفاء العواطف تجاه اآلخرين.

"وغني عن القول أ َّن المثليين والمتحولين جنسيا وثنائيي الجنس على مّر التاريخ لم يكونوا في موضع ترحيب من قبل األديان اإلبراهيمية، ولكن هنالك أيضا من هم مثليون وفي نفس الوقت متدينون . قد يكون هذا هو حال جزء من المثليين وثنائيي الجنس

والمتحولين جنسيا ، لكن بالتأكيد ليس جميعهم، فهم ككل الّناس متنوعون ولديهم نفس التعقيدات واالحتياجات والمخاوف واألخطاء ألي شخص آخر.

وفي المجتمعات المتدّينة يجب على هذه الفئة من األشخاص إّما الطاعة أو العصيان أحيانا ، لكي يستمروا في البقاء، إّال أ َّن غالبيتهم ينتهي بهم المطاف في المنطقة الرمادية، فيعيشون حياة مزدوجة. على سبيل المثال، لدي صديق إما ارتي ملحد ومثلي ّ ّ ّ سيتزوج قريبا من ام أرة على الطريقة اإلسالمّية، وزواجه هذا ليس نابعا من اإلسالم بل هو ما تمليه عليه ثقافة المجتمع وعلى سائر الِّرجال اإلما ارتيين لكي يتجنّبوا وصمة العار االجتماعية التي ستلحق به وبعائلته، كما أّنه سيمضي في خطته للزواج لكيال تتضرر فرصه في الحصول على وظيفة حكومية. وكذلك ينطبق هذا علي وال تزال َ ّ العواقب االجتماعية على عائلتي تخيفني."31

122

الجزء الثاني: حماية الدين

الفصل السادس: امتيازات ال ّدين

يصوم ك ّل مسلٍّم بال ٍّغ في شهر رمضان من شروق الشمس إلى غروبها، وُيفتَر ُض أ ّن يهدف الصيام إلى َّ ضبط النفس وتهذيبها، لكنه عندما يتّم تحت التهديد باالعتقال فإنه يصبح انصياعا أكثر من كونه ضبطا للنفس، فاستخدام القانون لضمان الصيام يقوض الغرض األخالقي من رمضان كما هو الحال في العديد ّ ّ ّ من الُّدول العربّية التي يهّمهما الحفاظ على المظاهر فحسب.

تتمّيز دول الخليج بكونها األكثر صرامة بفرض الصيام على الَّناس في شهر رمضان، والعقوبة الّدارجة هي السجن لمدة شهر أو دفع غرامة مالّية أو كالهما معا ، وينطبق هذا على الجميع بغض الّنظر عن ديانتهم بذريعة أ ّن رؤية شخص ما يفطر على المأل تمثل إساءة للمسلمين حتى لو كان الفاعل غير

مسلم، فمثال ُ في الكويت حيث معظم ال ّسكان هم من األجانب، كما أ ّن نسبة غير المسلمين فيها تبلغ نحو 1 20٪ من مجموع ال ّسكان، يجب على المطاعم والمقاهي أ ّن تُغَل َق أبوابها أثناء النهار، بينما ُي ْسَم ُح لمحالت السوّبرماركت أ ّن تبقيها مفتوحة، وفي دبي تتّم اإلهابة بالعاّمة لالنتباه أل ّي شخص يأكل أو يشرب أو يد ّخن حتى لو كان في سيارته الخا ّصة وابال ِغ الشرطة عنه؛ ووفقا لشرطة دبي، اعتُقل27 شخصا بين عامي 2005 و2009 ألنهم أفطروا على المأل، منهم أوروبيون غير مسلمين.

ن ِ َّ ِ أّما في مصر ذات األقلّية الكبيرة المسيحّية، فال يوجد قانو ُيْلزُم الناس بالصيام، ومع ذلك شّنت ِ ال ُّسُلطات حملة قمع سنة 2009، حيث اعتُق َل أكثُر من 150 شخص في محافظة أسوان وتّم إغالق المقاهي والمطاعم في منتجع الغردقة الواقع على ساحل البحر األحمر كما اعتقل سبعة شبان في منطقة

الدلتا ألنهم ُضِبطوا وهم يد ّخنون في الشارع وُغِّرم ك ّل شخص بمبلغ 500 جنيه )أو ما يعادل 90 دوالر أمريكي(، وقد بدا أ ّن موجة االعتقاالت كانت من تدبير بعض ضباط الشرطة المتدينين، لكن ال ُّسُلطات دعمت هذه االعتقاالت على أساس أ ّن اإلفطار هو شكل من أشكال "قلة األدب" بحسب قانون العقوبات ِ المصرّي، كما أّيد رجال الّدين معاقبة أولئك الذين يفطرون في األماكن العامة، وقد قال الشيخ عبد المعطي بّيومي، عضو مركز البحوث اإلسالمّية في األزهر: “الَّناس أحرار بعدم الصوم، لكن في بيوتهم،

123

أّما القيام بذلك في العلن فهو ليس مسألة حرَّية شخصّية... بل ينّم عن استخفاف بالصائمين وبشهر 2 رمضان وبالصيام باعتباره واجبا دينيا إل ازميا ."

إ ّن االعتقال بسبب التجاو ازت في رمضان أم ر يتكرر في الجزائر أيضا رغم أ ّن هناك نقاشا عاما عّما إذا كان ينبغي اعتبار الصيام شأنا قانونيا أم متعلقا بالضمير الشخصي. فقد اعتُِقل ستة من سكان بلدة ق ٍّ "بسكرة" لتناول الطعام ولعب الور خالل النهار في شهر رمضان سنة 2008 وتّم تغريم ك ّل منهم مبلغ 120 ألف دينار )1770 دوالر أمريكي( رغم أ ّن قاضي محكمة االستئناف ألغى الحكم في وقت الحق قائال أّنهم انتهكوا األحكام الدستورية لحرية المعتقد. وفي قضية منفصلة أُدين ثالثة رجال في الجزائر ِ بالتدخين خالل شهر رمضان، وكانت عقوبتهم السجن لمدة ثالث سنوات ُخّف َض ْت إلى شهرين بعد ِ استئناف ال ُحكم. وفي سنة 2011 ُسج َن مجموعة من عمال البناء لتناولهم الطعام خالل شهر رمضان رغم أنهم أ ّكدوا أنهم غير مسلمين. وعادة ما تحدث اعتقاالت عند كسر الّن اس للصيام في األماكن العاّمة، ولكن الحادثة األكثر غرابة كانت دخول الشرطة الجزائرية منزال في مدينة "أقبو" بعد تلقيها بالغا واعتقلت شبانا كانوا يتناولون الطعام داخل المنزل.

أّما في المغرب فقد َشَرعت "الحركة البديلة من أجل الحريات الفردية" في سنة 2009 بتحّدي الماّدة 222 من قانون العقوبات التي تقول:

"إن الشخص المعروف بأنه ينتمي للدين اإلسالمي ويكسر الصيام في مكان عام خالل ّ ّ ّ في شهر رمضان دون مبررات مقبولة ُيعاقب بالحبس من شهر إلى ستة أشهر وبغرامة تتراوح بين 12 و120 درهما )أو ما يعادل 1.5 -50 دوالر أمريكي.("

قّررت هذه المجموعة التي تنظم نشاطها من خالل موقع فيسبوك تناول الطعام في نزهة في مكان عام مستشهدين بالدستور المغربي الذي يضمن الحرّية الدينَّية لجميع المواطنين وبالمادة 18 من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان، والذي وقعت عليه المغرب، واختاروا غابة تقع خارج المحمدية للتقليل من ّ ّ مخاطر أ ّن ُينظر إلى عملهم هذا على أّنه استفزاز، وكان هذا العمل أول احتجاج ُسجل ضد قانون رمضان في البالد. َوص َف موقع أخبار مغربي ما حدث كما يلي:

"كان االجتماع في محطة قطار المحمدية على بعد أميال قليلة من الدار البيضاء. وقال

سبعون شخصا أنهم سيحضرون لكن استطاع اثنا عشر شخصا فقط الوصول إلى 124

المكان بعد اخت ارق طوق من رجال األمن، وقد قالت زينب الغ ازوي، وهي صحفيّة، ِ واحدى مؤّسسي الحركة مع ابتسام األشقر وهي طبيبة نفسانية: "لقد فوجئنا بالوجود المكثّف لرجال ال ّشرطة". أكثر من ِمائة ضابط، بما في ذلك الشرطة وقوات مكافحة الشغب وأفراد من الجيش، حاصروا المحطة ومحي َطها؛ وتقول األشقر: "كان علينا أ ّن نريهم حقائب الظهر وعندما شاهد رجال الشرطة الطعام الذي أحضرناه معنا أجبرونا

على العودة إلى الّدار البيضاء على متن القطار التالي.

كما تصّدت قوات األمن لمجموعات من ال ّشباب المحلّيين الذين كانوا يحاولون مواجهة المفطرين... تضيف ال ّسّيدة الغ ازوي : كان هدفنا أ ّن نظهر بأننا مغاربة لكن ال نصوم وبأن لدينا الحق في الوجود، ورغم أ ّن الُّدستور المغربي يضمن حرَّية العبادة إّال أنّه في ك ّل عام هناك اعتقاالت للمفطرين علنا .

ِ تحدثت ال ّسّيدة الغ ازوي عن قضّية مواطن اعتقل في مدينة فاس وُسّلم إلى الشرطة من قبل حراس األمن المدنيين في العام الماضي ألنّه شرب الماء في الشارع، لكن أفرج عنه 3 بعد ساعات بعد أ ّن حضر أهله وأ ّكدوا أّنه مصاب بداء السكري."

أّما في الج ازئر فقد حدثت احتجاجات أكثر نجاحا سنة 2013 على إثر استجواب قوات األمن لثالثة شبان لكسرهم الصيام. أغض َب هذا األمر سكاّن مدينة تيزي أوزو، وهي مدينة ذات أغلبيّة بربرّية يغلب عليها الطابع العلماني نسبيا، وتاريخها حافل بالتوت ارت مع الحكومة المركزية، فأقاموا مأدبة غداء علنية ّ ّ ّ ّ ّ ّ ُ ّ في رمضان حضرها نحو 300 شخص. يقول بوعزيز آيت شبيب، وهو رئيس حركة الحكم الذاتي القبلّية المحلّية: "لقد دعينا إلى هذا التجمع للتنديد باضطهاد المواطنين الذين ُيعتقلون بسبب معتقداتهم ورفضهم للصوم."

أ ّن تجريم الَّناس لمجَّرد تناولهم الطعام في وضح النهار هو مجَّرد مثال بسيط عن االمتيازات الخا ّصة التي تمنحها الحكومات العربّية لإلسالم، وهي امتيا ازت تتّسم بالتحّيز ضد أْتباع األديان والمعتقدات األخرى، وضّد من ال معتقد لهم وال دين. غالبا ما تلقى ممارسات كهذه قبوال لدى الّأري العاّم، وبدال من من ِح األولوية لمكافحة التمييز، تسمح الحكومات بالمحاباة والتمييز بين أفراد الشعب، فتساعد بالتالي على إضفاء الشرعية على التمييز في التصرفات الفردية.

125

ُيعتَبر عّمال المنازل غير المسلمين كاليهود والمسيحيّين أنجاسا في نظر بعض المسلمين، مما يعني أنّه ال يُسَمح لهم بطهي وجبات الطعام لألسرة. يقول حسن، وهو بحريني: "أمي ال تستأجر خادمة إ ّن لم تكن من األديان اإلبراهيمية"، فتّدعي بع ُض عامالت المنازل أّنهن مسيحيّات، فقط من أجل الحصول على عقد عمل، لكن األمر في غاية الوضوح، فأغلبهن من نيبال أو الهند أو سريالنكا وأسماؤهن تدل بوضوح أنهن غير مسيحيات. "كان لدينا خادمة أعتقد أنها بوذية، ولذلك قام والدي بطبع صورة من اإلنترنت للسيد المسيح وقال لها: "ضعيها في غرفتك لتثبتي أنك مسيحية بالتأكيد في حال فتشتها زوجتي."4

ِ غير أ ّن ذلك لم يرض أّم حسن التي استمّرت ال ّشكوك تساورها بأ ّن الخادمة بوذّية وليست مسيحّية، فاستغنت عن خدماتها في نهاية المطاف. ورَف َضت وكالة التّوظيف التي استقدمت الخادمة أ ّن تستعيدها بذريعة أ ّن العوائل األخرى لن تو ّظفها ألّنها تركت وظيفتها. يضيف حسن: "لذا اشترى أبي لها تذكرة سفر

إلى نيبال وأعطاها مبلغا صغي ا ر من المال كمساعدة. وقد أعاد عّمي خادمة هنديّة ألّنها كانت هندوسية."

إ ّن اإلسالم هو "دين الَّدولة" في الجزائر والبحرين ومصر والعراق واألردن والكويت وليبيا وموريتانيا

والمغرب وُعمان وقطر والمملكة العربّية ال ّسعوديّة وتونس واإلمارات العربّية المتّحدة واليمن. والصفة الرسمّية لإلسالم في الجزائر والمغرب هي أّنه مادة في الُّدستور ال يمكن تعديلها.

والشريعة اإلسالمية في الُّدستور اليمني هي "مصدر جميع التشريعات"، وفي سلطنة عمان هي "أساس ّ ّ ّ التشريع"، بينما في مصر هي "المصدر الَّرئيس للتشريع"، أّما في البحرين والكويت وسوريا وقطر ودولة اإلمارات العربية المتحدة فهي "مصدر رئيس للتشريع". ينص الُّدستور الع ارقي الذي تم وضعه بعد استفتاٍّء ّ ّ ّ َّ جرى سنة 2005 أن اإلسالم "مصدر أساسي للتشريع" وأَّنه "ال يمكن سن أي قانون يتعارض مع ثوابت ّ ّ ّ ّ ِ أحكام اإلسالم، لكن ما يثير الحيرة هو أ ّن هذا الُّدستور ذاتَه ين ّص على وجوب إّال يتعارض أ ّي قانون مع "مبادئ الديمقراطية" أو "الحقوق والحرّيات األساسّية" المنصو ِص عليها في مواض َع أخرى في الُّدستور. هذه البنود من الُّدستور التي قد تتعارض فيما بينها تعكس ضغوطا سياسّية متنافرة حين صياغته؛ والتوفيق فيما بينها عند تطبيق هذا الُّدستور ليس باألمر الواضح.

ِ ِ أّما دستور ما بعد الثّورة في تونس ففيه تضارب على نحو مماثل، ففي حين أنّه َيعُد "بحرّية ال ّضمير والمعتقد" إّال أّنه ين ُّص بأ َّن الَّدولة يجب أ ْن "تحمي المقد ّسات وتمنع أّية إساءة لها." لقد أّدت صياغة الُّدستور الجديد في تونس إلى كثير من الجدل، وعلى حّد تعبير آمنة جواللي، من منظمة هيومن رايتس

126

ووتش، كانت صياغة الُّدستور الجديد أشب َه بالمهّمة المستحيلة في التوفيق بين رؤيتين مختلفتين جذريا في المجتمع التونسي، فتقول: "من ناحية، يلبي الُّدستور مطالب جمهور متدين يرى في الحكومة الحارس ّ ّ ّ ِ والحامي لك ّل القيم المقّدسة، ومن ناحية أخرى ين ُّص الُّدستور على مجتم ٍّع يترك لكل شخص حرَّية اختيار ِ 5 الّدين دون أن يتد ّخل في ذلك."

في الممالك العربّية ُيفترض بمن يعتلي العرش أ ّن يكون مسلما ، وهو ما ين ُّص عليه الُّدستور في األردن والكويت وُعمان وقطر، وفي بعض الجمهورّيات العربيّة كالجزائر وموريتانيا وسوريا وتونس واليمن ين ُّص الُّدستور على أ ْن يكون الَّرئيس مسلما - في اليمن يجب أ ّن يكون مسلما وملتزما - وبالتّالي ُيطَّبق مبدأ التمييز الديني على رئيس الَّدولة. أما في لبنان تبدو الصورة أكثر تعقيدا بسبب وجود مزيج من األديان ّ ّ ّ والطوائف، لكن مع ذلك هناك تمييز، فالّرئيس يجب أ ْن يكون مسيحّيا مارونيا ، ورئي ُس الوزراء مسلما سنّيا ، ورئي ُس البرلمان مسلما شيعّيا ، رغم عدم وجود دين للَّدولة.

ِ إ ّن حرمان غير المسلمين من منصب الرئاسة قد ال يبدو أم ا ر يستح ّق الّذكر؛ ألّنه في حكم المؤّكد تقريبا سيتم اختيار مسلم لشغل هذا المنصب؛ إّال أ ّن ذلك يخالف مبدأ المساواة في الحقوق لجميع المواطنين، وقد َب رزت هذه المشكلة أثناء المناقشات حول دستور ما بعد الثّورة في تونس حيث غابت هذه النقطة عن نجيب الغربي، المتحدث باسم حزب النهضة اإلسالمي، عندما قال: "اإلسالم هو دين غالبية التونسيين، ّ ّ ّ ّ ّ ّ والدين الرسمي لتونس هو اإلسالم ولذلك من الطبيعي بالنسبة لرئيس للبالد أن يكون مسلما ." صحيح أن ّ ّ ّ ّ ق األغلبّية ال ّساحقة من التونسيين هم مسلمون - باالسم على األقل - إّال أ ّن هناك فر كبير بين أن نقول أّنه على ميزان االحتماالت سيكون الَّرئيس التونسي مسلما على األرجح وبين القول أ ّن الَّرئيس يجب أ ْن ِ يكون مسلما . وكان بيا ن ساب ق للّنهضة قد بّين أ ّن أفراد الجالية ال ّصغيرة من يهود تونس "هم مواطنون 6 يتمتعون بجميع الحقوق والواجبات" ولكن عندما يتعلق األمر بالّرئاسة فمن الواضح أ ّن األمر ليس كذلك.

ولوضع هذه الُّنقطة في سياق أوسع، فإ َّن تسعة وأربعين بلدا في جميع أنحاء العالم لديها نوع من الشروط الدينَّية لرئيس الَّدولة وفقا لدراسة أجراها مركز بيو لألبحاث )Pew Research Center(. وا ّن تسع عشرة دول ة من هذه الُّدول - ستة عشر عضوا في الكومنولث البريطاني باإلضافة إلى الدنمارك والنرويج والسويد - لديها ملك مسيحي شرفي دون أي سلطة سياسية. ومن بين البلدان التي يكون لرئيس الَّدولة ّ ّ ّ ّ فيها دور أكثر من شرفي، فإ َّن سبع عشرة دولة تشترط أن يكون المِلك أو الَّرئيس مسلما وهذه في معظمها ّ َ ُ

127

تقع في الشرق األوسط أو شمال أفريقيا، في حين يحّدد الُّدستور في ك ّل من أندو ار ولبنان أ ْن يكون رئيس الَّدولة مسيحّيا ، وبوذّيا في ك ّل من بوتان وتايالند، أّما في إندونيسيا فيجب على الَّرئيس أ ّن يؤيد "البانجاسيال Pancasila" وهي فلسفة سياسيّة توحيدّية تقوم عليها الَّدولة. أّما في ثمانية بلدان أخرى، بما ِ فيها بوليفيا والمكسيك وال ّسلفادور، فُيشترط أن يكون الرئيس علمانيا ألن الدستور َيمن ُع رجال الّدين من استالم منصب رئيس الَّدولة.7

إ ّن وجود األديان الرسمّية في جميع أنحاء العالم ليس أم ا ر غير مألوف أبدا ، فقد وجدت د ارسة أُجرَيت سنة 8 2004 أ ّن خمسا وسبعين دول ة من أصل 188 دولة مستقلة )أ ّي ما نسبته 40%( لديها دين للَّدولة. في بعض الحاالت - كما في معظم الُّدول العربّية - يظهر هذا في الُّدستور بوضوح، غير أ ّن ال ّصورة ليست دائما واضحة جّدا ، ففي حاالت كهذه قد تدعم الحكومة دينا معينا بطرق مختلفة كدعمه ماليا أو من خالل نظام التّعليم. كما أ ّن وجود دي ٍّن للَّدولة يعني أشياء مختلفة في بلدان مختلفة، فتأثير الدين على الحياة اليوميّة في بريطانيا، على سبيل المثال، ضئيل إلى حّد ما؛ بينما في الُّدول العربّية فتأثيره كبير جدا .

رغم أن ديانات الُّدولة ال تتعارض مباشرة مع القانون اإلنساني الدولي، لكنها في الممارسة العملية تؤدي ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ ال محالة إلى انتهاك الحقوق، فقد بّين تقرير خا ّص أعّدته األمم المتّحدة حول حريَّة الّدين والمعتقد سنة 2011 ما يلي:

ِ "إ ّن مجَّرد وجود دين للَّدولة قد ال يتعارض بحّد ذاته مع حقوق اإلنسان، لكن يجب أّال ِ ُي ْستََغ َّل هذا المفهوم على حساب حقوق األقليّات فيؤدي إلى التمييز على أساس الّدين أو المعتقد... في الواقع يبدو من الصعب - إ ّن لم يكن مستحيال - أ ْن نتصور وجود تطبيق لمفهوم "دين الَّدولة" الرسمي من دون آثار سلبية على األقليات الدينيَّة، إذ سيكون ّ ّ ّ ْ 9 هناك تمييز تجاه أف ارد هذه األقلّيات."

ق وبصرف الّنظر عن الجو العاّم للتديّن، هناك تفسيرات سياسيّة النتشار ديانات الَّدولة في الشر األوسط وشمال أفريقيا، أحدها هو أ ّن معظم هذه الحكومات لم يتم انتخابها بحرّية وبالتّالي تحتاج إلى البحث عن مصادر أخرى لل ّشرعّية، فالمؤهالت الدينَّية، إ ْن وجدت، يمكن أ ْن تكون بديال مفيدا . وهكذا فملك المملكة العربّية ال ّسعودّية ُيلقب بخادم الحرمين ال ّشريفين وهو اللقب الذي ينبغي أ ْن ُيذكر أوال وفقا للبروتوكول

128

ٍّ ال ّسعود ّي قبل أ ْن يشار إليه بأّنه الملك، كما أ ّن ملكي ك ّل من المغرب واألردن يستخدمان المؤّهالت الدينَّية لكن بدرجٍّة أقل، فالعاهل األردني عبد هللا الث اني يتباهى بأنه "ينحدر من الجيل الثالث واألربعين ّ ّ ّ ّ من أحفاد النبي محمد" وأنه الوصي الرسمي على المسجد األقصى في القدس والذي يعتبر ثالث أقدس ّ ّ ّ ّ ّ موقع في اإلسالم، أّما ملك المغرب فيلقب بأمير المؤمنين.

كما أ ّن وجود دين للَّدولة يوّفر ذريعة قانونيّة لل ّسلطات للتد ّخل في ال ّشؤون الدينَّية واستثمار بعض السلطة ِ فيها، كتوظيف رجال الّدين المؤيدين للنظام مثال في مراقبة مضمون الخطب الدينَّية، وعندما تواجه تحدّيات خطيرة من حركات المعارضة اإلسالمّية تلجأ هذه الحكومات إلى االّدعاء بأحقيتها األخالقية ن أحيانا ، أو حتى بأنها موكلة بحماية اإلسالم، وعادة ما يكو القصد من و ارء ذلك استرضا َء اإلسالميين أو حتى تقويضهم لكن هذه الحكومات ال تنجح في ذلك دائما وقد يؤّدي ذلك إلى استالم اإلسالميين زمام المبادرة بسهولة كّلما تعّلق األمر بالّدين.

في سنة 1991 غّير صّدام حسين، الذي لم يكن معروفا بالورع أو التقوى، عَل م العراق بإضافة عبارة "هللا ِ أكبر" إلى العلم بخ ّط يده، فاعتُبَر ذلك محاول ة منه لتعزيز مؤّهالت الّنظام اإلسالمّية قبل بضعة أياٍّم فقط من بدء الحرب التي أّدت إلى إخ ارج القوات الع ارقّية من الكويت.

ِ تُقّدم سوريا تحت حكم آل األسد مثاال مثي ا ر لالهتمام عن نظام استطاع صوغ شكل معين من الّدين وشجع عليه، رغم أنه علماني نسبيا، فرغم أن النظام البعثي بشكل خاص لم يكن دينيا أبدا، إال أن هيمنة ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ ِ األقلّية العلوّية - التي تُعتبر عادة واحدة من فَرق الطائفة الشيعية - قد يشّك ل نقطة ضعف يمكن استغاللها من قبل المعارضين للّنظام، أ ّي أ ّن العلوّيين ببساطة مهّددون بأ ْن يتَّم وصفهم بالمهرطقين.

ق استجاب حافظ األسد لهذا التّهديد بطر شتّى، وأّول شيء قام به هو محاولة ال ّسيطرة على األغلبّية السنّية بدفعها نحو أشكال "مقبولة" من اإلسالم الذي ال يشّكل أ ّي تهديد لنظامه أو إلى العلويّين، وهو ما يشرحه "تورستاين وورين Torstein Worren" بقوله:

"لقد أدرك حافظ األسد أّنه من أجل تحقيق االستقرار في البالد عليه تقديم تنازالت للسّنة،

فسعى من خالل ما أطلق عليه "الحركة التصحيحّية" إلى إعادة اإلصالحات العلمانّية ِ األكثر ارديكالّية والخا ّصة بأنظمة البعث ال ّسابقة، كما قام باستمالة رجال الّدين بمنحهم سلطة أكبر في الميدان االجتماعي وذلك لكي يحَّد من نفوذهم في المجال السياسي، ّ ّ 129

بالتالي، وبدال من بناء مجتمع علماني حقيقي، أسس حافظ األسد دولة علمانية ظاهريا ّ ّ ّ ّ ّ ّ ولكّن ها ليس ْت كذلك في مسائل األسرة، وقانون األحوال الشخصّية، فكانت هذه المسائل ٍّ خاضعة ألحكاٍّم دينّية خا ّصة بكل طائفة دينّية، أ ْي أ ّن المسلمين ُيحَكمون بالشريعة اإلسالمّية والمسيحّيين بقوانين الكنيسة."

وفي الطرف المقابل كان على حافظ األسد إعادة التّعريف بالعلوّيين على أّنهم من عاّمة المسلمين، فعلى سبيل المثال، لم يسمح للعلويّين بإقامة المحاكم الدينَّية الخا ّصة بهم، بل تحكمهم أحكام الشريعة التي تحكم السّنة.

ويساعد هذا في شرح الّنظرة الرسمّية - ولكن المضللة - من اإلسالم التي تَّم تدريسها في المدارس السورّية. يضيف "تورستاين وورين":

"إن اإلسالم في الكتب المدرسية هو اإلسالم السني التقليدي، وليس هناك أي ِذكر ّ ّ ّ ّ ّ لألقليات المسلمة التي تعيش في سوريا وال لإلسالم الشيعي بشك ٍّل عاٍّم وال حتى للمدارس ّ ّ ّ الفكرية المختلفة في اإلسالم السني، كما ال تشير هذه المناهج إلى وجود تنوٍّع داخل ّ ِ اإلسالم، وبالتّالي ال يوجد في سوريا أ ُّي ذكر لل ّطائفة العلوّية في المدارس التي تمثّل خالصة الخطاب الرسمي، بل يتم تصنيفها ضمنا في اإلسالم. لذلك فإ َّن السوريين ال ّ ّ يتعّلمون شيئا عن معتقدات بعضهم البعض والفروقات بينها؛ وما يعرفونه أو يظنّون أّنهم 10 يعرفونه يقوم على ال ّشائعات والقصص التي يتداولها األصدقاء واألقارب."

يرى الملحد ال ّسوري هاشم ال ّشامي أ ّن اتّباع هذه ال ّسياسة ساهم في بروز الخصومات ال ّطائفّية إلى السطح منذ ذلك الحين، حيث يقول: "لقد أبقى النظام الجمي َع رهينة لرؤيته بامتناعه عن تثقيف الَّناس حول ال ّطوائف األخرى وبمنعه ال ّطوائف من أ ْن تعرف المزيد عن بعضها البعض، فكلما ق ّل ما تعرفه عن شخص ما تزداد صعوبة أ ْن تتقبلهم كأق ارن؛ وا ّن الحرب األهلّية المستمرة في سوريا وازدياد حّدة ال ّطائفيّة 11 هو نتاج عقود طويلة من هذه ال ّسياسات."

ِ ُّ إ ّن للربط بين الّدين والّدولة تاري خ طوي ل حول العالم، وليس أقله في أوروبا، فالفصل بين الكنيسة والّدولة ِ ليس كامال في أوروبا رغم االنخفاض الكبير والم ّطرد لعدد مرتادي الكنائس ورغم كون المجتمع علمانيّا إلى حّد كبير اآلن؛ فرئيس الَّدولة في بريطانيا مثال هو رأس الكنيسة األنغليكانية في الوقت ذاته، كما أ ّن 130

ِ بريطانيا أبقت على قانون التّجديف حتى سنة 2008، لك َّن تطبيق هذا القانون كان ناد ا ر جّدا في المائة سنة التي سبقت إلغاءه. تتمتع الكنائس في دول أوروبّية كثيرة بامتيازات منحتها إياها الَّدولة، كاالمتيازات الضريبّية أو التّمويل من خالل ال ّض ارئب التي تُجمع لصالح هذه الكنائس، كما أ ّن المدارس الدينيَّة موجودة جنبا إلى جنب مع التعليم الحكومي. لكن، ورغم ذلك، تعتبر الروابط بين الِدين والدولة في أوروبا ّ ّ ُ ّ ّ ّ أق َّل أهمّية بكثير مّما هي عليه في الُّدول العربيّة اليوم.

على عكس ما هو عليه الحال في دول أوروبية كثيرة، يوجد في الواليات المتحدة فصل رسمي بين الِدين ّ ّ ّ ّ والدولة لكن األخيرة ال تزال متدينة جدا اجتماعيا، وحتى سياسيا . إن هذا النموذج األمريكي يدحض فكرة ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ أ ّن الّدين ينحسر تلقائّيا في مجتمع متقدم ومتطور من الّناحية التكنولوجّية. واذا كان األمر كذلك، فيجب ِ ِ ِ أ ْن يكون هناك تفسير آخر لشعبّية الّدين في الواليات المتّحدة وت ارج ِع شعبّيته في أوروبا نسبّيا .

وقد اقتُِرحت نظرّيا ت عَّدة لتفسير هذا االختالف الذي تقف و ارءه عّدة عوامل، ولكن "عامل االرتياح" قد يكون ذا أهمّية خا ّصة، فهنالك الكثير من األدّلة، في جميع أنحاء العالم، على أ ّن انعدام األمن يجذب ِ الَّناس نحو الّدين. إ ّن خدمات الّرعاية االجتماعّية التي تقدمها الحكومة األمريكّية أق ُّل بكثير مّما تقدمه غالبّية الحكومات في أوروبا رغم أ ّن الواليات المتّحدة بلد مزدهر، وبالت ّالي يمكن القول أّنه في الوقت ِ الذي َيقصد فيه األوربيون الَّدولة للحصول على هذه الرعاية، فإ َّن األمريكيين يلتمسونها من باب الّدين، إال أن البعض يعزون ذلك إلى التنوع العرقي والثقافي في الواليات المتحدة حيث عامل االرتياح، مرة َ ْ ُ ْ َ ّ ّ ّ ّ ِ ِ أخرى، قد يكون مهما ، أضف إلى ذلك أّنه يمكن مالحظة رواج الّدين بين األميركيّين ال ّسود، حيث تُوّفر 12 كنائ ُس ال ّسود الّدعم االجتماعي والتضامن في وسط يمكن اعتباره في كثير من األحيان بيئة معادية.

ِ وفيما يتعلق بتوفير الّدين "لعامل الراحة" فالّدول العربّية هي أكثر قربا إلى الواليات المتّحدة منها إلى ِ أوروبا حيث يزدهر الّدين بوضوح في ال ّشرق األوسط حيث الفقر واالضطرابات وانعدام األمن االجتماعي، وقد اكتسبت الحركات اإلسالمّية قَّوتها من خالل تقديم خدمات الرعاية االجتماعّية التي فشلت الحكومات في توفيرها؛ غير أ ّن دوَل الخليج الغنّية تشّكل استثناء في هذا الطرح ألنها توّفر رعاية اجتماعيّة أكثر شموال مما يعني أن الِدين قد ينحسر هناك إذا ما غاب الدعم الحكومي القوي له )أي للدين(. ّ ّ ّ ّ

131

ِ وهناك نظرّية أخرى قد تنطبق على الُّدول العربّية، فهي - أ ّي الّنظرّية - تنظر إلى الّدين على أّنه سوق تُمنح فيه ديانا ُت الَّدولة ح ّق االحتكار أو الحماية من المنافسة؛ وقد كان "آدم سميث Adam Smith"، ِ الخبير االقتصاد ّي الذي عاش في القرن الثامن عشر، أوَل من نظر إلى الّدين من هذا المنظور:

"يرى "سميث" أ ّن الجانب األبرز في دين الَّدولة هو ترويجها للموقف االحتكارّي للّدين المف ّضل، ويعمل هذا الترويج جزئّيا من خالل فرض قيود على دخول المنافسين، وجزئيا من خالل اإلعانات. تركز دراسة "سميث" على اآلثار السلبّية الناجمة عن المواقف االحتكاريّة للكنيسة األنغليكانّية في انجلترا والكنيسة الكاثوليكّية في بلدان أخرى، ويرى أ ّن محتكري الخدمات الدينَّية يميلون - كما هي حال جميع االحتكارات - إلى أ ّن يصبحوا 13 خاملين وغيَر مبدعين، ونتيجة لذلك تنخفض جودة الخدمة والمشاركة الدينَّية."

وقد تَّم التعّمق في د ارسة هذه الُّنقطة في اآلونة األخيرة، وخا ّصة بواسطة "رودني ستارك Rodney 14 Stark" و"روجر فينك Roger Finke" في كتابهما "ممارسات اإليمان". أّما الجانب اآلخر من الح ّجة فهو أّنه في حين أ ّن األديان التي ترعاها الَّدولة محكومة في نهاية المطاف بفقدانها ألتباعها، إّال أ ّن

"ال ّسوق الحّرة" في اإليمان ت ُجبر األديان على االعتماد على نفسها، وتسمح لها باالزدهار، طالما أنها تبذل المزيد من الجهد إلرضاء "زبائنها". ومن أبرز األمثلة على ذلك الواليا ُت المتّحدة. وفيما يتعلق ِ بالّدول العربّية، توحي الّنظرّية آنف ُة الّذكر أ ّن دعم الَّدولة ال يخدم اإلسالم على المدى البعيد، رغم أ ّن خدمة اإلسالم ليست بالضرورة غاي َة الّدعم الذي تقدمه الَّدولة؛ أّما في الممارسة العملّية، فناد ا ر ما تتبنّى ِ الحكوما ُت الّدي َن بدافع من الخير فيها، إّنما بسبب المصالح ال ّسياسّية التي تأمل أ ْن تجنيها من وراء ذلك.

إ ّن االمتيا ازت التي تمنحها الحكومات العربّية للّدين تثير قضايا محّددة فيما يتعلق بالتعليم، فالّدول الموِقعة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية عليها ضمان التعليم الديني واألخالقي لألطفال ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ "وفقا " لقناعات ذويهم، وهذا يعني - من بين أمور أخرى - أ ّن لهم الح ّق في االنسحاب في حال كان نوع التعليم الديني الذي تقدمه الَّدولة يتعارض مع معتقدات الوالدين. يذكر أن جميع الُّدول العربية موقعة على ّ ّ ّ ُ ّ ّ ّ هذه االتفاقّية باستثناء ُعمان وقطر والمملكة العربّية ال ّسعودّية واإلمارات العربّية المتّحدة.

ومن المهِ م هنا التمييز بين التربية الدينَّية واإلرشاد الديني، فاإلرشاد الديني هو تدريس دي ٍّن أو معتقٍّد ّ ُ ّ ّ ٍّ معّين بنا ء على مبادئه، وغالبا ما يطلب العاّمة ذلك كما ورَد في تقرير لألمم المتّحدة:

132

"يرى كثير من اآلباء أ ّن تطوير المعارف والمهارات االجتماعّية لدى أطفالهم من خالل التعليم المدرسي سيكون غير مكتمل ما لم يتضمن ِحسا بالوعي الديني والتعرف على ّ ّ ّ ّ ّ ّ دينهم أو معتقدهم، وبالتالي فإ َّن توفير اإلرشاد الديني في نظام التعليم الحكومي قد يكون ّ ّ ّ ّ ٍّ ٍّ ٍّ 15 مبنّيا على رغبات صريحة أو ضمنّية لتّيا ارت كبيرة من سّكان البالد."

غير أن التقرير قد ذهب إلى القول بأن اإلرشاد الديني في أنظمة التعليم الحكومية "يجب أن يصاحبه ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ ِ ِ ضمانات محددة" لألقليات الدينَّية وأ ْن يحترم قناعات اآلباء واألوصياء الذين ال يؤمنون بأ ِّ ي دين، ٍّ ٍّ ٍّ ويضي ُف أ ّن إمكانّية االنسحاب من هذه األنظمة ال ينبغي أ ْن تكون مرتبطة "بإج ارءات بيروق ارطّية مرهقة " أو بعقوبات.

وفي حين يهدف اإلرشاد الديني إلى تعريف التالميذ بالتقاليد الدينَّية الخاصة بهم، تهدف التربية الدينيَّة ُ ّ ّ إلى توسيع معارفهم حول مختلف األديان والمعتقدات؛ ومن هذا المنطلق، فإ َّن توفير المعلومات حول

األديان األخرى ال ُيعتبر جزءا من التربية الدينَّية، بل هو أقرُب إلى التخ ّصصات األخرى كالتّاريخ أو العلوم االجتماعية. وهذا النوع من التعليم، في حال تم بطريقة محايدة، سيكون له أثر إيجابي في الحث ّ ّ ّ َّ ّ ّ على التسامح ومكافحة التحيز. يضيف تقري ر لألمم المتّحدة:

ِ "ينبغي للمعلومات حول األديا ِن والمعتقدات أ ّن تتضّمن دائما الرؤي َة الحاسم َة بأ ّن األديان ٍّ - بوصفها واقعا اجتماعيا - غيُر متجانسة. ذات األمر ينطبق على الُّن ُظم العقائدّية غيِر الدينَّية. إ ّن لهذه الّرسالة أهمّية خا ّص ة، ألّنها تساعد في تفكيك المفاهيم القائمة على ٍّ ِ ِ ِ عقليّة جماعّية والتي غالبا ما يتم نسُبها إلى جمي ِع أتبا ِع الديانات أو المعتقدات المتنوعة ٍّ ٍّ ٍّ بطريقة سلبيّة ونمطية ...

من المهّم أ ْن ترسم الكت ُب المدرسّي ُة وغيُرها من المواّد صورة معّقدة للّديانات أو المعتقدات المختلفة وتعّدديّتها الداخلّية، وعالوة على ذلك، يجب االهتمام دائما باألصوات البديلة الموجودة في التّقاليد الدينيَّة، بما في ذلك أصوات الّنساء... ال يمكننا إد ارك حقيقة التنّوع 16 بين البشر إّال عندما نتغّلب على التصّو ارت والفهم المتجّذر في داخلنا."

هنالك اختالفا ت أساسّية – قد ال يمكن التوفيق بينها - بين فكرة استخدام التّربية الدينَّية لتوسيع أُُفق ال ّطالب، وبين ما يحدث بالفعل في الكثير من المدارس العربّية؛ حيث يمكن أ ْن يكون للتّدريس تأثي ر 133

عكسي في تعزيز التعصب والتصو ارت المتجذرة، فالقانون األساسي للمملكة العربية السعودية ين ُّص ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ص ارحة على استخدام نظاِم تعليٍّم "يغرس العقيدة اإلسالمّية في جيل الشباب"؛ كما أ ّن المحاوالت في أماكن أخرى العتماد نهج مختلف قد تلقى معارضة شديدة. بعد اإلطاحة بنظام القذافي في ليبيا، على سبيل المثال، طالب المفتي صادق الغرياني بإحداث تغييرات في الكتب المدرسية الجديدة بما في ذلك 17 إزالة فقرة تقول أ ّن الَّناس أحرار في اختيار دينهم.

أما الكويت، ورغم أنها موِقعة على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، إال أن ح َّق االنسحاب من ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ نظام تعليمي معي ن كما هو منصوص عليه في هذا العهد غير مسموح به إال في حال اختيار اآلباء ّ ّ ُ ّ للتعليم الخاص، وتفرض الحكومة اإلرشاد الديني اإلسالمي على جميع الطالب في المدارس الحكومية ّ ّ ّ وهي إرشادات تستند إلى حّد كبير على التّفسير ال ّسّني لإلسالم بالرغم من وجود أقلّية شيعّية كبيرة تقدر بشكل غير رسمي بنحو 30 -40٪ من مجموع السكان، بل إن بعض الكتب المدرسية "تصف بعض ّ ّ ّ ّ 18 ِ المعتقدات والممارسات الدينَّية الشيعية بالهرطقة." أّما في الع ارق، الموّقع أيضا على العهد ذاته، فال ي فرض على الطالب غير المسلمين المشاركة في اإلرشاد الديني في المدارس الحكومية، على األقل من ُ ّ ّ الناحية النظرية؛ إّال أ ّن هنالك تقارير عن ضغوط يمارسها المدرّسون وزمالء الد ارسة على ال ّطالب غير المسلمين للمشاركة في هذا اإلرشاد، كما وردت أنباء عن إجبار بعض الطالب غير المسلمين على المشاركة ولم يسمح لهم بمغادرة الفصول الدراسية خالل دروس اإلرشاد الديني .19 ُ ّ

يتم تسجيل االنتماء الديني للمواطنين على بطاقات الهوية الوطنية في عدد من الُّدول العربية، وهذا أمر ّ ّ ّ ّ ّ ِ مثير للجدل؛ وقد و َصفه تقرير أعَّدته األمم المتّحدة بأنّه "يتعارض نوعا ما مع حرَّية الّدين أو المعتقد َّ المعترف بها عالميا ." وتبرر ال ُّسُلطات ذلك األمر بأنها بحاجة الى معرفة دين الناس ألّنه يتّم تطبيق أنظمة قانونية مختلفة على أديان مختلفة في مجال قانون األحوال الشخصّية كالّزواج وال ّطالق والميراث وحضانة األطفال... الخ، ولكن في حالة األقليات الدينَّية فإ َّن تسجيل االنتماء الديني على بطاقات الهوية ّ ّ ّ يفتح الباب أمام التمييز من قبل المسؤولين وال ّشرطة وغيرهم.

وبصرف الّنظر عن مسألة ما إذا كان يجب على أ ّي شخص أ ّن يكشف عن دينه، يمكن أ ّن تنشأ، خا ّصة على المستوى العملي، صعوبات خطيرة في حال أ ارد شخص ما تغيير دينه أو اختار أال يلتزم بأية عقيدة ّ َ ّ َ ّ كانت. ففي مصر يجب على الجميع، وبموجب القانون، الحصوُل على بطاقة هويّة عند بلوغهم سن

134

ال ّسادسة عشرة مما يضع المسؤولين الحكوميّين في موقف قوّي للغاية بشأن إصدار بطاقات الهوّية والديانة التي يتم تسجيله عليها، وبدون بطاقة الهويّة يصبح المصريّون عمليا غير مواطنين وبالتّالي ال يستطيعون العمل بشكل قانوني وال الد ارسة بعد المرحلة الثانوية وال التصويت وال فتح حساب مصرفي وال ّ َ ّ َ َ ّ ٍّ الحصوَل على رخصة قيادة وال ش ارَء الممتلكات أو بيعها وال استالَم ال ارتب التقاعد ّي وال ال ّسفر.

قد يكون من المألوف للمصرّيين أ ْن يغي روا ديانتهم، وقد يقومون بذلك عن قناعة، ولكن في كثير من األحيان يقدمون على ذلك بسبب الزواج من شخص من دين مختلف؛ حيث يوجد في مصر أقلّية مسيحيّة كبيرة ووفقا لل ّشريعة اإلسالمّية ال يمكن المرأة مسلمة أ ّن تتزوج من رجل غير مسلم، كما يعتنق المسيحيّون اإلسالم في بعض األحيان لغرض الطالق أل ّن الكنيسة القبطّية األرثوذكسّية تفرض قوانين مشّددة في الطالق.

إن اعتناق اإلسالم سهل جّدا في مصر من الناحية العملية، أّما العكس فهو أكثر صعوبة بكثير، فقانون األحوال المدنّية المصرّي يقول إ ّن للمواطنين الح ُّق بتغيير المعلومات الشخصّية في بطاقات الهوّية بما في ذلك انتماؤهم الديني، وذلك ببساطة عن طريق تسجيل التفاصيل في وزارة الداخلية. من الناحية ّ الّنظرّية ال يمكن للوزارة رفض ذلك لكن المحاكم والمسؤولين قالوا في بعض األحيان أ ّن تسجيل االرتداد عن اإلسالم قد يرقى إلى ارتكاب "خطيئة" الِّرّدة وبالتّالي يرى هؤالء أ ّن التحول عن اإلسالم أم ر غير دستورّي، ألن الُّدستور ين ّص على أ ّن اإلسالم هو دين الَّدولة، ويرى آخرون أ ّن التحول من اإلسالم إلى ن ن المسيحّية يعكس "ازد ار ء " "لدين سماوّي " وهذا مخالف للقانو في مصر، كما يرو أ ّن ذلك يشّكل تهديدا ِ ِ للّنظام العاّم . تؤدي الّرّدة عن الّدين في بعض األحيان إلى أعمال عنف إذا علم العاّم ُة بأمرها، لك ّن هذا، إلى حّد ما، نتيجة لفشل الحكومة في معالجة مسألة ال ّطائفّية وعدم تعزيز تلك الحكومة لمبدأ التسامح مع التنوع الديني . لقد علقت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير يدرس تدخل الَّدولة في الحرية الدينَّية في ّ ّ ّ مصر قائل ة:

ن ن ن "إ ّن المصرّيين الذين يولدو مسلمين ويعتنقو المسيحيّة يواجهو ازد ار ء اجتماعيا كبي ا ر ٍّ ومضايقات رسمي ة كذلك، ولذلك فإ َّن عددا قليال جّدا ممن يتحّول من اإلسالم إلى المسيحّية يبادر التخاذ الخطوات الرسمّية اّلالزمة لتعديل وثائق الهوّية الخا ّصة بهم لتعكس دينهم الجديد وفقا لما يسمح به قانون األحوال المدنية. وقد هاجر عدد غير

135

ِ ٍّ محّدد إلى بلدان أخرى، ومنهم من يعيش خْفَية بوثائ َق مزورة ... قال بعض الذين أعلنوا ِ ِ ِ ِ تحولهم على المأل أنهم اعتُقُلوا م ْن قَبل مسؤولي األمن بتهمة انتهاك الّنظام العاّم، وتعرضوا في بعض الحاالت للتعذيب."20

كما َ وجدت من ّظمة هيومن رايتس ووتش أ ّن بعض المسيحيين في مصر تَّم تحويلهم إلى اإلسالم من قبل ال ُّسُلطات الرسمّية بطريق الخطأ، ودون علمهم أحيانا ، حتى أ ّن المسؤولين قد يغيرون لهم أسماءهم في حال كانت أسماؤهم األصلية توحي بأنهم غير مسلمين.

من بين هذه الحاالت حالة فادي نجيب جرجس المولوِد في عائلة مسيحّية في اإلسكندرّية. عندما كان ٍّ ِ عمره خمس سنوات تحّول والده إلى اإلسالم وترك المنزل واعتمد اسَم ُشهرة إسالمّيا ، ألن اسَم شهرته "جرجس" )أ ّي جورج( تد ّل بوضوح على أ ّن حامَله مسيح ي؛ غير أ ّن فادي واصل استخدام اسم الشهرة جرجس وهو اسم الشهرة المكتوب في شهادة ميالده واعتبر نفسه مسيحيا . انتقل فادي في التاسعة عشرة

من عمره إلى القاهرة للعمل، وتقدم بطل ٍّب للحصول على بطاقة هوّية جديدة، ويقول في ذلك:

"كانت هويتي الورقّية مهترئ ة، وأرد ُت الحصول على بطاقة الهوّية الوطنية ... لكّنهم أوقفوني بسبب اسمي فلم يكن اسم الشهرة جرجس ُمْدَرَجا في سجالتهم، بل عبد الحكيم ِ - وهو اسم شهرة والده اإلسالمّية الجديدة - كما كان الّدين مدرجا بشكل خاطئ حيث أدرجوا اسمي على أّني مسلم ثم اتهموني بتزوير هويّتي وشهادة ميالدي وشهاداتي الد ارسّية أيضا ، بل واتّهموني بأنّي كنت أحاول التحّول من اإلسالم إلى المسيحّية، 21 فصادروا وثائقي ونقلوني إلى مكتب الّنيابة العاّمة."

احت ِجز فادي خمسة أياٍّم ثم أُطِلق س ارحه بعد تدخل البابا القبطي، وأسقط المدعي العام في نهاية المطاف ُ َ َ ْ َ ُ ّ ّ تهم َة التزوير لعدم كفاية األدّلة، وطلب منه إعادة تقديم طل ِب الحصول على بطاقة الهوّية لكن طلبه قوبل بالّرفض مّرة أخرى.

في األّيام التي كان فيها المو ّظفون الحكوميّون يملؤون خانات بطاقات الهوّية باليد كان من الممكن في ِ كثير من األحيان إقناعهم بوضع خط في خانة "الّدين" أو تركها فارغة، لكن في سنة 1995 بدأت مصر ِ بإصدار بطاقات الهوّية عن طريق الكمبيوتر؛ وكان نظام الكمبيوتر يسمح بثالثة خيارات فقط في خانة

136

"الِدين" وهي مسلم أو مسيحي أو يهودي، وهي الديانات "السماوية" الثالث، ما يعني أن كل من يرفض ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ قبول أحد هذه الخيا ارت ال يح ّق له الحصول على بطاقة الهوّية.

وبصرف الّنظر عن أولئك الذين يف ّضلون عدم االلتزام بأ ّي دين، كان الَّناس األكثر تضّر ا ر من هذا األمر هم أتباع الطائفِة البهائيِة الذين يعتقد أن عددهم يبلغ نحو ألف ي شخص في مصر. في سنة 2006 ذهب ّ ُ ّ َ ْ َ حسام عّزت محمود وزوجته إلى المحكمة فحصال في بادئ األمر على الح ّق في تسجيل نفسيهما ِ وابنتيهما كبهائيين، لك ّن ذلك أزعج المسلمين والمحافظين، ولذلك قّررت الحكومة استئناف الحكم، ثم ألغت المحكمة اإلدارّية العليا قرار المحكمة الدنيا بذريعة أ ّن البهائيّة ليست ديانة معترفا بها وأ ّن من يعتنقها مرت د. استقبل الجمهور الذي حضر المحكمة الحكم بصيحات "هللا أكبر! النصر لإلسالم"، وكتب صحفي َ َ ّ في صحيفة الجمهوريّة مقاال قال فيه:" إذا تَّم االعتراف بالبهائيّة رسمّيا ، فإ َّن َعَبَدة َ البقر والشمس والنار سيطالبون بذلك أيضا ."

وبصرف الّنظر عن اعتبارها فرقة مهرطقة من اإلسالم، فالبهائّية ال تحظى بشعبيّة في مصر بسبب ِ ارتباطها غير المقصود بإسرائيل، ففي سنة 1868 وبعد أ ْن أُْبعَد عن بلده األم إي ارن، قام األت ار ُك بنفي ِ ٍّ ٍّ مؤّسس هذه الديانة وُيدعى بهاء هللا مع أسرته ومجموعة صغيرة من أتباعه إلى مدينة عّكا، ونتيجة لذلك تم إنشاء المقر الدولي لهذه الديانة في عكا والتي أصبحت فيما بعد جزءا من إسرائيل. وفي ستينيات َّ ّ ّ ّ ُ ِ القرن العشرين سحب الَّرئيس جمال عبد الناصر اعتراف الَّدولة بال ّطائفة البهائّية وصادر ممتلكاتهم، وفي سنة 1975 أ ّكدت المحكمة العليا قرار عبد الناصر من خالل إصدار ق ارر ين ّص على أ ّن الديانات "الُمنزلة" الثالث هي المحميّ ُة بالدستور دون سواها، ورغم ال ّسماح للبهائّيين باعتناق معتقدهم ذاك، لكن ِ ٍّ ممارسة العقيدة البهائّية اعتُبَرْت حينئذ "تهديدا للنظام العام."

غير أ ّن البهائّيين واصلوا معركتهم القانونّية المتعلّقة ببطاقات الهوّية؛ وفي سنة 2008 أمرت محكم ُة القضاء اإلداري و ازرة الداخلية بوضع خ ٍّط على بطاقات الهوية وشهادات الميالد في خانة االنتماء الديني ّ َ ّ ّ ّ ّ ِ للمواطنين البهائّيين، ولم تستأنف الحكوم ُة المصرّي ُة القرار بعد ذلك.

َّ ُينظم الّزواج في لبنان وفقا لعادات وتقاليد 18 طائفة معترفا بها رسمّيا في البالد، وال ُيسَمح ببعض أنواع الّزواج بين األديان، وال يوجد ن ّص في القانون يخ ُّص زيجات أتباع الديانات غير المعترف بها كالهندوسيّة والبهائية أو من ال دين لهم، أو أولئك الذين يريدون ببساطة إقامة م ارسم زواج غير دينّية؛ غير أ ّن لبنان

137

يعترف بالزيجات التي تّمت في الخارج مّما أّدى إلى سلسلة طويلة ال تنتهي من الّرحالت عبر البحر للّزواج في قبرص.

في سنة 2012، قررت خلود سكرية ونضال درويش المولودان في طائفتين مختلفتين )ال ّسنّية وال ّشيعّية( تحدي القوانين السائدة بدال من السفر إلى قبرص ليتزوجا، وكانت النتيجة أول زوا ٍّج مدن ٍّي معتر ٍّف به ّ ّ ّ َ ّ 22 رسميا في لبنان.

وقد بدءا العملية بإزالة انتمائي ِهما الطائفي من وثائق هويتيهما، وهي خطوة أصبح القيام بها مسموحا في ّ َْ ّ ّ لبنان منذ سنة 2009. ووفقا لمرسوم يكاد يكون منسيا صدر سنة 1936 في عهد االنتداب الفرنسي ّ ّ أصبح نضال وخلود "خاضعين للقانون المدني " بسبب عدم انتمائهما إلى أية طائفة دينية، غير أن ذلك ّ ّ ّ ّ ٍّ ٍّ أدخلهما في تجربة مجهولة بسبب افتقار لبنان لنسخة علمانّية من قانون األحوال الشخصّية ذي ال ّصبغة الطائفية، كما ال يوجد حاليا قوانين تخص الجوانب األخرى من الزواج المدني كالميراث والطالق. ّ ّ ّ ّ ّ ّ ٍّ وقد كّلفا محاميا بصياغة عقد زوا ٍّج صحي ٍّح قانونيا باالستناد إلى وثائ َق عّدة، بما في ذلك الُّدستور اللبناني والمادة 16 من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان )الحق في الزواج وتأسيس أسرة(، كما توجب ّ ّ ّ ّ عليهما الحصول على استمارة موّقعة من رئيس البلدّية إلثبات أّنه ال مان َع لزواجهما، واعالنه على المأل قبل 15 أيام من الزفاف أيضا ، لكن ما تزال هناك شكوك حول ما إذا كانت وزارة الداخلّية سوف تعترف بزواجهما رسميّا .

أججت األنباء عن الزواج المدني النقاش مجددا حول نظام المحاصصة الطائفية في لبنان، ففي حين ّ ّ َ ّ ّ ّ أعلن رئيس الجمهوريّة العماد ميشال سليمان دعَمه لهذا الزواج إّال أ ّن رئيس الوزراء نجيب ميقاتي أبدى ٍّ معارضته له. ثم ما لبث أ ّن انضّم مفتي لبنان إلى الجدال، وهّدد بتكفير أ ّي نائب مسلٍّم في البرلمان، أو وزيٍّر في الحكومة إن أَّيدوا الزواج المدني وقال: ْ ّ

"كل مسؤول مسلم، سواء كان نائبا أم وزي ا ر ممن يدعم إضفاء الشرعية على الزواج المدني، حتى ّ ّ ّ لو كان مخي ار، هو مرت د وخارج عن الِدين اإلسالمي ... فهؤالء المسؤولون لن يغسلوا ولن يكفنوا ّ ّ ّ ُ ّ ّ 23 ولن يصلى عليهم وفقا لل ّشريعة اإلسالمّية ولن ُيدفن وا في مقابر المسلمين."

138

وفي تهديٍّد واض ٍّح بمقاومة أي تشري ٍّع يسمح بالزواج المدني، حذر المفتي الشيخ محمد رشيد قباني من أن ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ علماء الّدين لن يتواَنوا عن القيام بواجبهم، وقال "هنالك مترّبصون بشرعنا يحاولون زرع جرثومة الزواج المدني في لبنان"، وقد رد النائب المسيحي الماروني البارز سامي الجميل مستنك ا ر تصريحات المفتي ّ ّ ّ ّ ّ ّ واصفا إياها بأنها تمثل "انتهاكا للَّدولة المدنية ولحق كل شخص لبناني كما هو منصوص عليه في ّ ّ ّ ّ ّ الُّدستور."24

أصر رئيس الوز ارء اللبناني على أن "الزواج المدني هو قضية حساسة ونحن ال نستطيع تحمل الدخول ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ في جدال جديد في هذا البلد"، لكن في أبريل من سنة 2013 وبعد ما يقارب ال ّستّة أشهر من حفل الزفاف وافق وزير الداخلّية بالوكالة مروان شربل أخي ا ر على العقد مما جعل الزواج رسمّيا .

وفي أيلول التالي، أنجبت خلود سكرية ولدا أسمياه غدي الذي قيل أّنه أصبح أوَل طفل متحّرر من ال ّطائفيّة في لبنان، وقد رّحب الَّرئيس ميشيل سليمان بذلك بنشر تغريدة على موقع تويتر جاء فيها: "هنيئا ِ ٍّ لنضال وخلود واللبنانيين بوالدة غدي، أول مولود ُي َس ّجل دون طائفة."

139

الفصل السابع: مسل م للمرة األولى مسل م دائما

ِ ٍّ ِ ٍّ ٍّ أثار قرار المملكة العربّية ال ّسعودّية استئجار ورشة عّم ال صينّي ين لبناء سّك ة حديدي ّة في مدينة مّكة جدال ِ ِ واسعا أل ّن مّكة مدين ة مقّدسة ُيحَّ رُم دخولها على غير المسلمين، غير أ ّن ذل َك لم يثن ال ُّسلطات ال ّسعوديّة

وال الشركة الصيني ة - وهي فرع من جي ِش التحريِر الشعبي - التي كان حريصا على الفوِز بعقِد بناِء سك ِة ّ ّ ّ ِ ٍّ ٍّ ِ الحديد تلك كونه كان مربحا . قام ال ّس عودي ّون بح ّل المشكلة بكل بساطة عن طريق تقديِم هدية صغيرة لكل

عام ٍّل من عما ِل الشركة، وهي عبارة عن كتاب مطبوع باللغة الصينية يتحدث عن اإلسالم. عند تلك

ٍّ اللحظة حصل أم ر ال يمكن وصفه سوى أّن ه معجزة، ففي غضون 24 ساعة َقَّرَر أكثُر من 600 عامل

صيني اعتناق اإلسالم - بكامل إرادتهم على ما يبدو- وتم ذلك باحتفا ٍّل كبيٍّر حضره الد كتور عبدالعزيز ّ ّ َ ُ ّ

1 الخضيرّي وكيل إمارة منطقة مّكة المكّرمة.

ُيعتََبُر اعتناق اإلسالِم أم ا ر سهال للغاية -رغم أ ّن تركهُ يعتبُر أكثر صعوبة - حيث أ ّن ك َّل ما يحتاجه

الفرد للدخول في اإلسالم هو نطق شهادة أ ْن ال إله إّال هللا وأ ّن محمدا رسول هللا، ولكي تكوَن الشهادةُ

مقبول ة يجب النطق بها بكل إخال ُص ، وربما لم يكن هذا حال العمال الصينيين الستمائة.

ترح ُب أغل ُب الّد يانات بالمنتسبين الجدد، ويتم ح ّث المسلمي َن على المشاركة في الّدعوة إلى اإلسالم، ِ ِ ِ فالعديد من آيات القرآن تشجع على ذلك: "أدع إلى سبيل رَب َك بالحكمة والموعظة الحسنة" )سورة النحل

اآلية 125(، "ولتكن منكم أم ة يدعون إلى الخير" )سورة آل عمران اآلية 103(.

من خالل تنفيذ هذه اآليات بشك ٍّل عملي أصبح ِت المملكة العربية السعودية واحدة من أكبر الدول ّ ُ ّ ّ ّ ّ المصد رة للد ي ِن منذ ثمانينيات القرِن العشرين، ويعزى ذلك إلى تخ وف المملكة من انتشار اإلسالم الش يعي ّ ّ ّ ّ ّ إبان الث و ِرة اإلي ارني ِة و الغزِو السوفييتي ألفغانستان والذي قاد، باإلضافِة إلى أشياء أخرى ، إلى إنشاِء عدٍّد ّ ّ ّ ّ 140

ٍّ ِ ٍّ كبير من المدارس الّدينّية الُمتأث ّرة بال ّس عودّية في باكستان؛ كما أ ّن المؤّس سات واألف ارد السعودّي ين على حد

سواء نشروا كمي ا ٍّت كبيرةٍّ من األد ِب اإلسالمي في العديِد من المناط ِق حول العالم إما بكلفة قليلة أو ّ ّ بالمجان. كان الهدف من بعض هذه الجهود الَّدعوية جذب المسلمين اآلخرين نحو اإلسالِم الوهابي ، وقد ّ ُ ّ ُ ُ َ ّ

الق ْت هذه الجهود نجاحا في دول كثيرة. إ ّن المملك ُة العربّية ال ّسعودّية هي موط ُن النبي ومسقط رأسه، ولذا ِ فإ َّن األفكاَر والممارسات الّدينّية ال ّسعوديّة "الوهابّية" ت ُعتبُر األكثَر "ص ّحة وموثوقّية". كان الهد ُف من ِ ِ ٍّ ٍّ بعض المنشو ارت األخرى دخول أشخاص جدد في اإلسالم من خالل كتب مثل "دلي ُل مختصُر مَو َّض ح

ِلفهِم اإلسالم" الذي يمكن قراءته على األنترنت كما يمكن أيضا إعادة طباعته مجانا من قب ِل أي شخص

2 طالما لم ُي غير أ ّي شيء في محتواه، كما أصبحت نسخ القرآن المترجمة إلى اإلنكليزية التي تّم ت ِ ِ ِ طباعتها بإش ارف جمعّي ة "اقرأ" الخيرّي ة ومق ّرها في مدينة جّدة متوفرة في الواليات المتّحدة األمريكّية م ّج انا .

ِ ِ غير أ ّن الدعوة في العديد من الّدول العربّية تُعتبر طريقا يخدم هدفا واحدا ، ففي حين تُ َش َج ُع على الّدعوة ِ ِ إلى اإلسالم، تُعتََبُر الدعوة التي يقوم بها غير المسلمين عمال تحريضّي اَ ومحّ رما من قَبل القانون أو

ال ّس ياسة الحكومّي ة، ففي الجزائر على سبيل المثال، يواجه أ ّي شخص "يحّ ر ُض أو يجبُر أو يستخدم ِ ِ ٍّ وسائل إغ ارئّي ة في سبيل تحويل مسلٍّم إلى ديانة أخرى" غ ارم ة محتمل ة تقدُر بمليون ديناٍّر ج ازئري )أو ما

يعادل 12900 دوالر أمريكي ( وسج ٍّن لمدة خمس سنوات. كما يمنع القانون صناعة أو تخزين أو توزيع ّ َ َ َ ٍّ ٍّ ٍّ ِ مواّد مطبوعة أو مسموعة أو مرئية بغرض "زعزعة إيما ِن" المسلمين؛ أّما في الكويت، ال يمنع القانوُن

الكويتي الدعوة ألي ديانٍّة غير االسالِم فحسب بل إنه يحِ رم أيضا التعليم الديني المنظ م لديانات غير ّ ّ َ ُ ّ ُ َ ّ ّ َ

الّديانة اإلسالمّية. كان من نتائج ذل َك الق ارر من ُع المدارس البريطانّي ة في الكويت من تعليم الّدين المقاَ رْن

والذي يعتبر أحد المواد الد ارسية المطلوبة في المنهاج الد ارسي البريطاني ، وفي قطر يعاق ب من يدعو إلى ُ ّ ّ ّ ّ ّ ّ َ َ ُ َ ُ ٍّ ِ ديانة غير اإلسالم بال ّسجن لفترة تص ُل إلى عشر سنوات كما أ ّن عقوب َة حيازة وسائل دعوّية غيَر إسالمية

141

ٍّ ِ تصل لل ّسجن لسنتين، فضال إلى دف ِع غ ارمة تقدر بـ 10000 ريال قطري )2740 دوالر أمريكي( كما يتّم

ترحيل األجنبي الذي يشتبه بقيامه بنشاط تبشيري . ّ ُ َ

ِ ِ تُعتبر هذه اإلجراءات نوعا من سياسات الحماية االقتصادّية التّقليدّية القديمة والتي فيها تقوم الحكومات

بحماية ال ّص ناعات غير المربحة من المنافسة من خالل دعمها مالّيا أو من خالل فرض قيود على

المستوردات. إ ّن فكرة أ ّن الّدين بحاجة للحماية بهذه الطريقة لن يعّزز عقيدة أتباع تلك الّديانة، ولن يزيد

من محاسن ومزايا هذا الّدين، وبال شك ليس من صميم عمل الحكومة الج ازئرّي ة، بأ ّي شكل من األشكال،

منع "زعزعة إيمان" المواطنين الج ازئرّيين كما يقول القانون الج ازئرّي.

سوف يداف ُع البعض عن هذه القوانين بح ّج ة أ ّن اإلسالم يجب معاملته معامل ة خا ّصة ألّنه الّدين ال ّصحيح

الوحيد. تحاوُل الحكوما ُت العربّية على ال ّط رف المقابل تبرير هذه اإلجراءات في سيا ِق االستثناءات ِ الثقافّي ة ، وحتى في سياق المخاوف األمنّي ة، أي أ ّن هذه الحكومات تخشى أ ْن يؤّدي التباُد َل الحَّر لألفكاِر

حول األديان إلى الفتنة، لكن في حال وقعت هذه الفتنة، فإ َّن الجزء األكبر من المسؤولية يقع على عات ِق

هذه الحكوما ِت العربية ألن ها حاولت ولسنوات عديدة المحافظة على الت ناس ِق االجتماعي عن طري ِق اإلك ارِه ّ ّ َ ّ ّ بدل القبوِل الطوعي ، كما أَّنها لم تسمح للعام ة بمناقشة االختالفات الدينية بشك ٍّل منفت ٍّح ومتحرٍّر. إن ََ َ ّ ّ ّ ّ ّ

اعتبار وجود معارضين محتملين هو سب ب لقمع المعارضة الّدينيّة يعطي هؤالء الحجة ليقولو ما يشاؤون.

ٍّ إ ّن ممارسات وسياسات أغلب الحكومات العربّية تتعارض بشكل جوهرّي مع المواثي ِق الّدولّية التي

وضعتها األمم المتحدة بخصوص حرية المعتقد، فالمادة الثامنة عشر من اإلعالن العالمي لحقوق ّ ّ ّ ّ ِ ِ اإلنسان تقول أ ّن لك ّل إنسان "الح ّق في حرّية الفكِر والضمير والدين" وتَْعتَبُر األمم المتّحدة هذا الح ّق ِ ِ مطلقا وغيَر مشروط " وال يمكن تعديله بأ ّي شكل من األشكال من ق َب ل أ ّي دولة." وال تسمح هذه الماّدة

142

ٍّ ِ بأ ّي قيد على حريّة الفكِر والضمير أو على حرّية تبن ّي عقيدة أو دين أو التخّل ي عنهما مهما كان نوع هذا

القيد."3

ِ ٍّ يمكن تأويل الماّدة 18 على أَّنها تحتوي على صَي ٍّغ متعددة من عدم اإليمان إلى جانب األيمان، بل إ ّن ِ ِ ذلك هو ما صّرحت به لجنة األمِم المتّحدة لحقوق األنسان سنة 1933 عندما قالت: "تحمي الماّدة 18 ِ ِ المعتقدات التوحيدّية والالتوحيدّية واإللحادية والح َّق في عدِم االعتقاد بأ ّي دي ٍّن أو عقيدة."

كما تُبِّين الماّدة 18 بوضوح أ ّن للّن اس الحرّي َة في تغيير ديانتهم أو معتقدهم، وهي نقطة يوليها المسلمون ِ ِ ال ارغبون بالِّرَّدة عن اإلسالم اهتماما خا ّص ا ، فمن خالل تخليهم ع ِن لإلسالم، يعِّرض هؤالء األشخاص ٍّ ٍّ أنفسهم التّهامات محتملة بالِّرَّدة، وهي "جريمة " تستح ّق أ ْن ُي عاَقب مرتكبُها بالموت في نظر الكثير من

المسلمين وبعض الحكومات العربّية.

تم تضمين نص حرية تغيير الدين في المادة 18 بطلب من تشارلز مالك، وهو مسيحي لبناني كان ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ ِ عضوا في اللجنة الّدولّية التي وضعت مسّودة اإلعالن إّبان الحرب العالمّية الثانية. رغم أ ّن "حرّية ِ المعتقد" توحي ضمنا بحريّة تغيير المعتقد، إّال أ ّن إص ارر تشارلز مالك على ذكر ذلك ص ارح ة في الماّدة ِ ِ 18 نات ج عن تجاربه السابقة في لبنان وهو بل د ُعرف عنه حينئذ الت ّعايش المتآلف نسبّيا بين مجموعاته

الدينية والعرقي ة المتعد دة، وهو ما حوله إلى مالذ للهاربين من االضطهاد الديني،4 غير أن عدة دول ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ ِ عربيّة عارضت ُمصطلح "تغيير الّدين" أل ّن قوانين ال ّشريعة تُعار ُض الّرَّدة عن الّدين وبسبب توّجسها من ِ ِ ِ نشاط البعثات التبشيرّي ة المسيحيّة، وقد أتى االعت ارض األشّد من المملكة العربّية ال ّسعودّية التي أبد ْت ،

بشكل عاّم، اعت ارضا على ما اعتبرته تأثي ا ر ثقافّي ا غربي ّا في مسّودة الق ارر، وعّللت رفضها للمسّودة بأ ّن

الح ّق في تَغيير الّدين "سوف يفت ُح الباب على مص ارعيه أمام النشاط التبشيرّي واالضطرابات ال ّس ياسّي ة

143

5 وربما يؤدي إلى نشوب الحروب." إّال أ ّن الّدول المسلمة األخرى قبلت بالمسّودة في نهاية المطاف، في ِ 6 حين كانت المملكة العربّية ال ّسعودّية هي الوحيدة َ التي لم تصّوت لصالحه.

بعد بضع سنوات، أُدخّل ت الماّدة الثامنة عشرة حرفّي ا في الميثاق األوربي لحقوق اإلنسان، والذي ُي عتبر ٍّ ملِزما للّد ول األور وبّي ة ال ّس بعة واألربعين األعضاء في المجلس األوروبي حينئذ؛ غير أ ّن محاوالت إدراج

هذه المادة في العهد العالمي للحقوق المدنية والسياسية قوبلت بمعارضة من الدول المسلمة مرة أخرى ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ٍّ ِ ِ وبشكل خا ّص من ق ّب ل أفغانستان والمملكة العربّية ال ّسعودّية واليمن والعراق ومصر؛ حيث كان موضوع

الح ّق في تغيير الّدين َح َج َر العثرة أماَم قبولهم بالقرار.

تبنت الجمعي ة العام ة لألمم المتحدة مسودة العهد العالمي سنة 1966 بعد أن ح ِذ ف ت منه كلمة "تغيير" ّ ّ ّ ّ ّ ّ ْ ُ َ ْ

ليح ّل مكانها عبارة تقول أ ّن كل شخص لديه "حرّية اعتقاد أو تبني العقيدة أو الّديانة التي يختارها"، ٍّ ِ وأضاف العهد أّنه "ال يجوز إك اره أحد على ما َيمن ُع حريت ُه في تبن ّي العقيدة أو الّدين الذي يختاره." لقد

مثّل هذا م اروغ ة دبلوماسّي ة لضما ِن الموافقة على مسّودة اإلعالن التي في جوهرها ال تختلف عن ِ مضمون الماّدة 18 كونها سمح ْت للّن اس باختيار دينهم دوِن اللجوِء إلى كلمة "تغيير" المثيرة للجدل. وفي

سنة 1981 خّف َف "إعال ُن األمم المتّحدة إللغاء جميع أشكال التع ّص ب والت ّمييز على أساس الّدين أو ِ المعتقد" من لغة المسّودة قليال من خالل حذف كلمة "تبّن ي"، لك ْن بغ ّض الّن ظِر عن المصطلحات، يشير

كال اإلعالنين ص ارحة إلى ح ّق الّناس في تغيير ديانتهم.

من بين الّدول األعضاء في جامعة الدول العربية، كانت الجزائر وجيبوتي والعراق واألردن ولبنان وليبيا

والمغرب والص ومال والس ودان وسوريا وتونس واليمن من بين الدول التي صادقت على العهد العالمي ّ ّ ّ َ ْ ّ ِ للحقوق المدنّية وال ّسياسّية، فأصبحت هذه الّدول ُم لَزمة ببنود هذا العهد نتيج ة لذلك؛ أّما البحرين ومصر

والكويت وموريتانيا فقد صادقت على العهد ولكنها أبدت بعض التحّف ظات؛ حيث عّللت البحرين وموريتانيا

144

ذلك بأ ّن لل ّش ريع َة اإلسالمّية األولويّ ُة على هذا العهد، وقد وّقعت جزر القمر عليه ولكّن ها لم تصادق عليه

في حين لم توقع ُعمان وقطر وال ّس عوديّة واإلمارات العربّية المتّحدة على الميثاق ولم تصادق عليه.

وعلى الصعيد الدولي ، دفع اإلص ارر المت ازيد على قضايا حقوق اإلنسان العديِد من الدول المسلمة إلى ّ ُ ُ ّ ٍّ ٍّ ٍّ صياغة أنظمة حقوقّي ة بديلة لمواجهة الفكرة التي تقول بأ ّن المسلمين على وجه الخصوص غيُر معنيين

ق بحقو اإلنسان وللتّصدي لما اعتبروه مفاهيَم "غربية " من خالل تطوير بدائ َل تغني عن هذه المفاهيم، ٍّ ٍّ ِ ِ لكن في الواقع؛ كانت تل َك محاوالت لخل ِق بيئة محدودة لحقوق اإلنسان باستخدام َقَدْاسة اإلسالم ذريع ة

لإلتيان بهذه البدائل.

إن أحد أبرز األمثلة الفاضحة عن هذه البدائل هو اإلعالن اإلسالمي العالمي لحقوق اإلنسان الذي أُِقَّر ّ ُ ّ ّ

سنة 1981 وتُرجم إلى اإلنكليزّية؛ وأوض َح ْت "أ ّن إليزابيث مايرAnn Elizabeth Mayer" أّنه تّم طمس

األج ازِء األكثِر تقييدا والموجودة في النص العربي لإلعالن7 حيث تبدأ المادة 12أ في الت رجمة اإلنكليزية ّ ّ ّ ّ ّ ّ

بالقول أ ّن : "لك ّل شخص الح ّق في التعبير عن أفكاره ومعتقداته طالما بقي ملتزما بالحدود المنصوص ِ عليها في القانون." إ ّن هذه الترجمة تجع ُل اإلعالن يبدو متوافقا مع األع ارف الّدولّية أل ّن التعبيَر عن ٍّ المعتقدا َت - بخالف اعتناق المعتقدات - يمكن، وفي ظروف معيّنة، أ ّن يتّم تقييُده بالقانون. )انظر

الفصل التالي.(

إن الت رجمة اإلنكليزية للق ارر مضِللة وغير دقيقٍّة ، حيث يقول النص العربي، في واقع األمر، أن "لكل ّ ّ ّ ُ َ َ َ ُ ّ ّ ّ ّ ِ ِ ٍّ ٍّ ِ ِ شخ ٍّص الح ّق في الت ّفكيِر واالعتقاد والتعبيِر عن أفكاره ومعتقداته دون تد ّخ ل أو معارضة من ق َب ل أ ّي ٍّ ِ ِ شخص طالما أنه ملتز م بالحدود المنصوص عليها في ال ّشريعة." المشكلة األولى هنا هي أ ّن الّن ّص

العربي ال يميز بين اعتناق المعتقد والتعبير عنه، ف ِك ال األمرين خاضعان لضوابط قانونيٍّة بشك ٍّل يتعارض ّ َ ّ

مع الّن ظرة الّدولّية المقبولة، أّما المشكلة الثانية فهي أ ّن كلمة "القانون" الواردة في الت ّرجمة اإلنكليزيّة ال

145

تعني القانون األساسي بل تعني الشريعة .اإلسالمية ال يمكن في الحقيقة اعتبار الوثيقة إعالنا للحقوق ّ ّ ُ

بقدر ما هي إعال ن بأ ّن ال ّشريعة اإلسالمّية هي ما يحّد ُد الحقو َق التي باستطاعة الناس التّمتّ ُع بها؛ أضف

إلى ذلك أّنه ال يمك ُن تحديُد هذه القوانين بدّقة، أل ّن ال ّشريعة اإلسالميّة ال تُعتََبُر نظاماَ قانونياَ مدَّونا ، إنما ِ ِ ِ تحتمل العديد من التأويالت والتفسيرات من قَبل رجال الّدين.

ِ ِ يتضّم ُن "إعالن القاهرة لحقوق اإلنسان في اإلسالم" مشاك َل مشابهة، وقد تّم تبّنيه سنة 1990 من قَبل

منظ مة المؤتمر اإلسالمي 8 التي تتألف من 57 بلدا ، ويوص ف هذا اإلعالن بأن ه "دليل أو مرشد للدول ّ ّ ُ َ ّ

األعضاء في جمي ِع مناحي الحياة." يشير هذا اإلعالن إلى "الحقوق والحرّي ات األساسّية وفقا لإلسالم" وال

يتحدث عن حرية المعتقد، بل يرفض الت مييز بين الناس على أساس المعتقد الديني. كما تعتبر حرية ّ ْ ّ ّ ّ ُ ََُ ّ َّ الت ّعبير َم ص ون ة "طالما أنها ال تتعارض مع مبادئ ال ّشريعة، وينتهي اإلعالن بالقول أ ّن "جميع الحقوق

والحرّي ات المنصو ِص عليها في هذا اإلعالن تتماشى مع ال ّشريعة اإلسالمّية" وأ ّن "ال ّشريعة اإلسالمّية هي ٍّ المصدُر الوحيُد لتفسير أو توضيح أّي ة مادة في هذا اإلعالن."

ِ ت ُو ّض ح هذه ال ّص يغ "البديلة" مقاربة محّد دة مع قضايا حقوق اإلنسان، وهي صيغ ال يجب المغاالة في

تقدير أهميتها، فكما تَُبِيّ ُن "زيا ميرال Ziya Meral" هذه الحقو ُق معروفة فقط لدائ ٍّرة صغي ٍّرة من رجال ِ ِ ِ الّدولة المسلمين والنّاشطين، وبالكاد تت ّم اإلشارة لها من ق َب ل المسلمين أثناء الّن قاشات حول انتهاكات

حقوق اإلنسان في العالم اإلسالمي .9 ّ

إ ّن الِّرَّدة عن الّدين أم ر قد يرّح ب به المسلمون أو يدينوه، تبعا للظرف؛ فهم يرّحبون بها عندما يرتُّد أح د

ما عن الّديانة المسيحيّة ويدخل في اإلسالم، بينما يعتبرون خروج المسلم عن دينه جريم ة نك ارء.

هنالك العديد من االختالفات في وجهات النظر بخصوص ما يمكن اعتباُره ِرَّد ة، وبخصوص العقوبة التي

يجب تطبيقها، وال يوجد ن ّص واضح في القرآن بخصوص هذا األمر، تقول إحدى اآليات، والتي كثي ا ر ما

146

ٍّ ُي ْستَ ْشَهُد بها: "ال إك اره في الّدين" )سورة البقرة: اآلية 256(، إّال أ ّن بعضهم يرّد بقول ُيْن َس ُب إلى الرسول

"من يرتَّد عن دينه ي قتل"، ويرى البعض أن الِرَّدة تتجاوز تخلي الفرد عن معتقده الديني ببساطٍّة ، بل يجب ُ ّ ّ ُ ّ الن ظر إليها في سياقها التاريخي خالل حياة النبي ، فعلى سبيل المثال يقول طارق رمضان: ّ ّ ّ

"اتخذ النبي تدابير صارمة ، في زمن الحرب فقط، ضد م ِن اعتنقوا اإلسالم رياء ولغر ٍّض ّ ُ َ ّ َ وحيٍّد هو اختراق المجتم ِع اإلسالمي والحصول على معلوما ِت لتسريبها إلى العدو. كان ّ ِ هؤالء في الواقع خون ة اقترفوا خيانة عظمى تستح ّق أ ْن يعاّق ب عليها بالموت أل ّن أفعالهم

10 من شأنها أن تؤّدي إلى تدميِر المجتم ِع المسلم."

ِ ِ يرى عبد المعطي بيومي، البروفيسور في أكاديمية األبحاث اإلسالميّة في القاهرة، أ ّن الِّرَّدة عن اإلسالم ِ ِ ٍّ ليست كافي ة بحّد ذاتها للحكم على المرتّد باإلعدام، وقال في مقابلة على محطة بي بي سي أ ّن عقوب َة

ِ ِ ٍّ ِ اإلعدام ت ُ َط َّب ُق فقط إذا ُوجَد أ ّن الملحَد يعم ُل بشكل يتعارض مع مصال ِح المجتم ِع واألمة اإلسالمّية، ِ ِ ِ ِ وعملّيا ال ُيعاَقب الملحد بتُهَمة تخليه عن الّدين وانما بتُهَمة الخيانة. أّما عبد ال ّص بور شاهين، الكات ُب

اإلسالمي واألكاديمي في جامعة القاهرة، فيرى أن التخلي عن الدين ال ي عتبر جريمة بحِ د ذاته، لكنه يقد م ّ ّ ّ ّ ُ ُ ّ ّ ّ ُ

نظرة أكثَر محدودّي ة لما يمكن قبوله فيقول: "إذا تحّل واإلنسان من اإلسالم إلى الكفر فيجب أ ّن يظل

َِّ األمر مسألة شخصيّة يجب عدُم المجاهرة بها، ولكن إذا َجا َهَر اإلنسان ب رد ته فإ َّن ذلك يرقى إلى التسبب ِ بالفتَن َة ، وبالتالي ُي عتبر تصّ رفه تصّ رفا مشابها لمن يحارب اإلسالم، ويجب عند ذلك قتُل ُه." إ ّن ذلك يعني

11 أ ّن المرتّدين عن الّدين يفقدون حّق هم في حرّية التعبيِر ويعاَقبون بالموت.

ال ي عتبر مثل هذا النوع من المواقف إسالميا ِصرفا؛ فالفيلسوف اليوناني أفالطون ، على سبيل المثال، ُ ُ ّ ّ

يعتبر أ ّن اإللحاَد والمعصية هي من أسباب ارتكاب الّ رذائل، بالتّالي هي مشاكل يجب التعامل معها

بالقانون ، كما ويؤّيد أفالطون في الجزء العاشر من كتاب القانون وض َع الّدين تحت ُسلطة الدولة، ومعاقب َة

147

َم ْن يتحّد ثون أو يتصّ رفون بوقاحة مع اآللهة، وهذ فكرة ال تبدو غريبة للعرب في يومنا هذا. يقول

أفالطون:

"يجب أ ْن يكون هناك قانون واحد يجعل الّ رجال عموما أق ّل ُع رضة النتهاك القانون

بالقول أو الفعل أو ارتكاب الحماقات، ألّنه لن ُيسَمح لهم بممارسة ال ّش عائر الّدينيّة التي

تخال ُف القانون."

كما َحَّد َد أفالطون نوعين من غير المؤمنين يجب معاقبتهم تبعاَ للقانون ؛ األول هو المنافق، والثاني هو

ِ ٍّ الشخص الذي تّم تضليله، فيكون بالتالي بحاجة لردعه وفرض قيود عليه، حيث يضيف أفالطون:

ٍّ ٍّ "دع أولئك الذين غّي روا قناعاتهم، بسبب افتقارهم للفهم ال بسبب ُخْبث أو طبيعة شري ٍّرة،

ِ ٍّ وْليرسلهُم القاضي إلى دار اإلصالح وأ ْن يحكم عليهم بمقاساة ال ّسجن لفترة ال تقل عن ٍّ ِ ِ خم ِس سنوات ُي سمح لهم خاللها بالتواصل مع المواطنين اآلخرين، باستثناء أعضاء

ِ ِ ن المجلس الليلي، واجع ْل أعضا َء المجلس يتناقشو مع المساجين فيما يخ ّص تحسين

ص ّح تهم الفكرّية، وعندما تنتهي فترة َس جنهم يجب إعادة من تعافى فكُره إلى مجتمع

العقالء، لكن في حال لم يحدث ذلك، وفي حال تّم ت إدانتهم مّرة أخرى، يجب أ ّن يعاَقبوا

بالموت."

يقول "آر أف ستالي R.F. Stalley" في كتابه "مقدمة إلى قواني ِن افالطون ": "ال ش ّك أ ّن أفالطون كان

يتوقع من أعضاِء المجل ِس الليلي أن يح ولوا الملحدين إلى الدين من خال ِل نقا ٍّش فلسفي ، ولكن بما أن ْ ّ ّ ّ ّ ِ أََم َل الملحد الوحيَد في الحريّة - والنجاة في الواقع - يكمن في موافقته على إرشادات مرشديه، فإ َّن من

الصعب أ ّن تت ّسم ظرو ُف الّن قاش باإلنصاف والحريّة، وبالتالي ُيعتَبر وصف هذه ال ُخ طوة بأنها "غسيل

148

َّ 12 للّد ماغ" هو الوص َف األكثَر دق ة ". أما النوع األخطر من المذنبين فهم من يجمعون بين اإللحاد "وازدراء

البشرّي ة" وهؤالء يجب سجنهم مدى الحياة، يقول أفالطون:

"ال تدع إنسانا ح ّا ر يقترُب منه، وأتركه يحصل على وجبات طعامه التي يخ ّصصها له ِِ 13 ُح ّارس القانون من أيدي العبيد، وعندما يموت ألقه خارَج حدود الّدولة وال تدفْنه."

رسم "توماس مور" في كتابِه "المدينة الفاضلة" صورة تخيلية لمجتم ٍّع مثالي في بدايا ِت القرِن الساد ِس ُ ّ عشر، وهو مجتمع يسود فيه التسامح الديني إال مع الملحدين. آمن سكان المدينة الفاضلة بالحياة بعد ّ ّ ِ الموت حين ُيعاقب المذنب وُيكافأ التقي، وقد اعتُبَر ذلك ضروريا للّن ظاِم ال ّص حيح، فالّناس سيحتقرون

جميع القوانين واألعراف االجتماعّية عالني ة في حال لم يكن هنالك ما يردعهم. يقول "مور" في الكتاب:

"من يشك أ ّن رجال ال يخشى شيئا سوى القانون ، وال أم َل ل ُه في الحياة بعد الموت، ِ ِ ِ سيقوم بكل ما بوسعه ليلت ّف على قواني َن دولته بالحيلة أو ينتهكها بالعنف ، ال من أج ِل

شيء سوى إشبا ِع غرورِه الشخصي ؟" ّ

ِ ومن هذا المنطلق ال يمكن معاملة غير المؤمنين كمواطنين يتمتّعون بحقوق المواطنة الكاملة. يضيف

"مور":

ٍّ "يجب أّال ُيمن َح أ ّي شخص يحمل مث َل هذه اآلراء أّي ة م ارت َب شرفّية أو مناصب أو

ٍّ َّ مسؤوليات عامة، فهو ُم َص ن ف عالميا بأّنه وضي ع وبليد، غير أّنهم ال يعاقبونه ألنهم

مقتنعون أّن ه ال يمكن إرغام شخ ص على اختيار معتقد ما بالقّوة."

ال يختلف هذا عن فكرة "الموت المدن "ي في األردن اليوم حيث ي ج َّ رد المرتدون عن اإلسالم من جميع ّ ُ َ ُ ِ حقوقهم االجتماعّية األساسّية مثل الّ زوا ِج والميراث وحضانة األطفال.

149

ٍّ كان الفيلسوف اإلنكليزّي "جون لوك John Locke" مؤّي دا للحرّية الّدينيّة، فقد قال في رسالة كتبها سنة ٍّ ِ 1689 بعنوان "رسالة في الت ّسامح": "ال يح ّق أل ّي إنسا ٍّن بأ ّي شكل من األشكال تجريُد أ ّي شخ ٍّص من ِ ٍّ ٍّ ِ حقوقه المدنيّة بح ّجة انتمائه إلى كنيسة أو ديانة أخرى ، كما ال يح ّق أل ّي شخص أو كنيسة أو حتى أحد ِ 14 دول الكومونويلث مصادرة ُ الحقو ِق المدنّية أو الممتلكات باسم حماية الّدين."

اعتبر "لوك" التنوع الديني أم ار مفيدا وليس سببا لالضطرابات األهلية، تلك االضطرابات التي يرى أَّنها ّ ّ َ تحدث نتيجة محاولة محاربة التنوع الديني، لكنه وجد أنه من الصعب تقب ل الملحدين بحجة أن إطالق ُ ّ ّ ّ َ ّ ّ ّ ّ

العنان لهم يمك ُن أ ْن يوه َن العقيدةَ الّدينّية لألّم ة، وبالتّالي سيقّوض قيمها األخالقية؛ كما شّكك "لوك" ٍّ بنزاهة الملحدين حيث يقول: "إ ّن الوعود والمواثيق واأل َْي مان التي تمث ّل روابط المجتمع ليس لها أّي ة قيمة ِ بالّن سبة للملحدين، أل ّن االبتعاد عن هللا - ولو بالفكر فقط - سيؤّدي إلى ح ّل هذه الّروابط."

إ ّن الّنظرّية القائلة أّنه ال يمكن الوثوق بالملحدين – ألنهم ال يخشون العقوبة اإللهي ّة إ ْن كذبوا أو أخلّوا ِ بالوعود - وّفرت أساسا قانونّي ا للت ّمييز الذي استمّر في إنكلترا لمّد ة قرنين بعد وفاة "لوك"، فقد ُمن َع ٍّ الملحد ون من شغل مناص َب محّد دة ، أو أ ْن ُيْدُلوا بشهادتهم في المحاكم ألّن ها كانت تشترط على ال ّشاهد

أ ّن يؤّدي َق َس ما دينّي ا ، لكن في نهاية األمر تّم التغّل ب على هذه الّنقطة من خالل القبول "بتأكيدات" غير ٍّ ِ دينّية كبديل للَق َس م. وفي سنة 1880 انت ُخ َب "تشارلز برادالف Charles Bradlaugh"، وهو ملحد

وعضو في الحزب الجمهورّي ، عضوا في البرلمان عن مقاطعة "نورثامبتون Northampton" وعند

وصوله إلى مجل ِس العموم ط لب أن يؤدي "التأكيد" غير الديني بدال من ق س ِم الوالء، غير أن البرلمان ََ ّ ّ ّ َ َ ّ

َ رَف ض طلبه فدار نقاش حاّد كانت نتيجته خسارة "برادالف" لمنصبه؛ بعد ذلك أُجريت انتخابات جديدة

شارك "برادالف" فيها ونجح ليتّم حرمانه من مقعده مرة أخرى. تكّرر هذا األمر ثالث م ّرات لكن في سنة

150

ِ 1886 أعيد انتخاب "برادالف" للم ّرة ال ّاربعة وُس م َح له عندها بتأدية "التّأكيد" غير الديني بدل الَق َسم لشغل

مقعده في البرلمان.

من الصعب تحديد الموقف القانوني من الِرَّدة في الدول العربية بدقة، وأحد أسباب ذلك أن النظم القانونية ّ ّ ّ ّ ّ َ ّ ّ ّ ِ في هذه الّدول هي مزي ج من القواني ِن الّدينّية والعلمانّي ة . إ ّن قوانين ال ّشريعة اإلسالمّية في بعض الّدول هي

المهيمنة، بينما تُطَّبق قوانين ال ّشريعة على قوانين أحوال ال ّش ؤون المدنّية كالّ زوا ِج وال ّط ال ِق ... إلخ في

الّد ول األخرى. قد يشوب بع َض نصوص ال ّشريعة اإلسالمّية بع ُض االلتباس واإلشكال ألنها نصو ص

غير وضعّية )أي ليست من وضع البشر( وغيُر مدّونة على شكل قانون، وألنها تقبل الكثير من

اجتهادات القضاة وتأويالتهم، أضف إلى ذلك أ ّن ما تن ّص عليه نصوص ال ّشريعة - أو يبدو أَّنها تن ّص

عليه - قد ال يعكس بالضرورة التطبيق الفعلي لهذا القانون، والمضمون الحقيقي للنص الشرعي قد ال ّ ّ ّ ّ ّ ّ

يتطابق بال ّضرورة مع تطبيقه فعليا ، فالمرتّد ون عن اإلسالم يتّم التعامل معهم وفقا للمزاج العاّم للمجتمع

بقدر أكبر مّما تن ّص عليه ال ّشريعة اإلسالميّة.

ليس هناك قوانين وضعيّة في الجزائر ومصر واألردن ولبنان وليبيا والمغرب وُعمان وتونس ضّد الِّرَّدة

عن اإلسالم، وال ت ُعتبر الِّرَّدة خروجا عن القانون في دولة البحرين رغم أ ّن الّد ستور ين ّص على أ ّن قانون

الشريعة "مصدر أساسي " لل تشريع ما يعني أن الِرَّدة قد تعتبر أم ا ر غير قانوني، أما في الع ارق فتمنع ّ ّ ّ ّ ّ ُ َ ّ ّ َ ُ

القوانين والت ّشريعا ُت الحكومي ّة الِّرَّدة عن اإلسالم؛ لك ّن القواني ُن المدنّية وقانون العقوبات ال ين ّصان على ٍّ أّي ة عقوبة على الِّرَّدة.

ٍّ تُعتَبر الِّرَّدة عن اإلسالم في ك ّل من الكويت وقطر وال ّس عودّية وال ّس ودان واإلمارات واليمن جريم ة عقوبتها ِ الموت من الناحية الّنظرّية، لكن من الّناحية العملّية لم تطَّب ق أ ّي عقوبة إعدام بتهمة الِّرَّدة في أ ّي من هذه ِ الّدول، كما لم تحصل أّي ة عملية إعداٍّم بتُهمة الِّرَّدة في ال ّسعودّية منذ أكثر من عشرين عاما وفقا لو ازرة

151

15 الخارجّية األمريكّية، وفي الحاالت الّنادرة التي يصبح فيها حكم اإلعدام ممكنا ، تتفادى هذه الّدول

تطبيقه عادة .

ِ فعلى سبيل المثال صادفت ال ُّسلطات الكويتّي ة سنة 1996 أول حالة ِرَّدة عن اإلسالم منذ االستقالل

عندما ارتَّد حسين علي قمبر، وهو شيعي، عن اإلسالم وتحول إلى المسيحية وغير اسمه إلى "روبرت"، ّ ّ ّ ّ ٍّ وكان قمبر قد انفصل عن زوجته وأصبح موضوع ُ رّد ته معروفا أثناء جلسة محكمة بخصوص حضانة ِ أطفالهما. بموجب ال ّشريعة اإلسالمّية ُب ذلت الكثير من الجهود لثني قمبر عن ق ارره ولكن دون جدوى ؛ عند

ِ ذلك بدأ اإلسالمَي ون بمضايقته ورفع الّد عاوى القضائّي ة المطالبة بإدانته بتهمة الّرَّدة، ثم تّم تحويل القضية ِ ٍّق إلى المحكمة، ف َح َك م أحد القضاة على قمبر بالموت. َو َض َع ذلك ال ُحكُم ال ُّسلطات الكويتي ّة في مأز ألّنه

لم يكن هناك ش ّك - في نصوص ال ّشريعة - أ ّن قمبر مرتّد، ف ارحت تبحث عن ح ّل للخروج من هذا

16 المأزق فأصدرت له جواَز سفٍّر وسمحت له بمغادرة البالد بهدوء.

حدثت ق ّصة مشابهة في اليمن سنة 2000 وذلك عندما ارتّد محّم د عمر حجي الالجئ ال ّص ومالي عن ِ ِ اإلسالم واعتنق المسيحيّة؛ فاعتُق َل وُوّجَهت إليه تهمة الّرَد ة، إ ال أ ّن ا كثير من المحاوالت أُجريت خلف ِ الستار لتفادي حكم اإلعدام، وانتهت القضّي ة بمن ِح حجي إعادة توطين طارئ له ولزوجته ولطفله في

نيوزيالندا.17

ِ من بين اثنتين وعشرين من الدول األعضاء في جامعة الّدول العربّية، تُ ّصنف ال ّسعودّي َة وال ُّس ودا َن من قبل

قانون الواليات المتّحدة األمريكّية للحرّية الّدينّية الّدولّية على أّنها "دو ل تثير قلقا استثنائيا ." بعد انفصال

جنوب السودان عن السودان واستقالله سنة 2011، اتخذ الشطر الشمالي ، والذي ما يزال يعرف ّ ّ ّ ُ ّ ٍّ ٍّ بال ّس ودان، طابعا إسالمّيا أكثر قّوة وبرو ا ز، فوفقا لتقدي ارت حكومّي ة يشّكل المسلمون 97% من ال ّس كان، ِ ٍّ وأغلبهم من السّن ة، بينما يشّكل المسيحّي ون ما نسبته 3%. ينقسم المسلمون في هذا البلد في فَرق وطوائ َف

152

ٍّ ٍّ دينية متنّوعة ، كال ّش يعة وال ّصوفيين واإلخوان الجمهوريون وعدد متزايد من السلفّي ين. إ ّن التّمييز

واالنتهاكا ِت الدينية والطائفية منتشرة في السودان رغم أن التعص ب الديني يغلب عليه البعد العرقي، وفي ّ ّ َ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ

هذه الدّ وامة فإ َّن االتهامات بالِّرَّدة هي أم ر شائع نوعا ما، ولكن ناد ا ر ما ينتج عنها اتهاما ت رسميّ ة،

وقانون الِّرَّدة في ال ّسودان يتّصف بالغموض ويجّرم والِّرَّدة وما يش ّجع على الِّرَّدة.

تميل الِّرَّدة في ال ّسودان إلى كونها متّعلقة باالختالفات الّدينّية والعرقّي ة أكثر من كونها متعلقة بالتخل ّي

الفعلي عن المعتقد، ففي سنة 2011 على سبيل المثال اعتقلت الشرطة في جنوب الخرطوم 150 رجال ّ وامرأة وطفال أغلبهم من الِع رق الهوسي ِبتهمِة الِرَّدة، مستندين في ذلك إلى الطريقة التي كانوا يؤد ون فيها ّ ُ ّ ّ ِ ال ّص الة َ اإلسالمّية، فاحتُجز بعضهم شهرين تقريبا ليفَرَج عنهم جميعا في نهاية المطاف، وذلك بعد

18 تعليمهم "كيفيّة أداء الشعائر الّدينيّة بال ّشكل الذي ت اره السلطة السودانية صحيحا ." يشّدد القانون ِ ال ّس وداني على من ِح ك ّل متهٍّم بالِرّدة فرص ة للتوبة؛ رغم أ ّن الِّرَّدة ت ُعتبُر جريم ة عقوبتها اإلعدام، وهذا ما

يف ّس ر عدم حدوث حاالت إعدام، وقد يف ّسر أيضا عدم الجّدّية في التّعامل مع قانون الِّرَّدة.

في المقابل، هنالك من يعتقد أ ّن قانون الِّرَّدة ال ُي َطَّب ُق على النحو الكافي، كما َي ظهر في خبر ُنشر في

صحيفة سودان تريبيون:

"قال عمار صالح رئيس المركز اإلسالمي للدعوة والد ارسات المقا رن ة أن حاال ِت الِرَّدة ُ ّ ّ ّ ََ ّ ّ ِ واإللحاد في ال ّسودان في ارتفا ٍّع مستمٍّر ؛ متهما ال ُّسلطات بالتّقصير في معالجة هذه

القضية، وقال في مؤتمر صحفي عقده الثالثاء أن عدد المرتدين عن اإلسالم في ّ ّ َ ّ ّ

الخرطوم وحدها وصل لنحو 109 مرتدين؛ موضحا أ ّن هذا الرقم في تزايد مستمّر

ومخيف خا ّصة مع تواجد الملحدين والمثلي ّين جنسيا . هاجم صالح الحكومة ال ّس ودانية ٍّ لعدم قيامها بَرّد حازم ضّد المب ّش رين الذين يعملون بكل ج أرة في ال ّسودان، وأضاف أ ّن

153

أ ّي شخص ُينكر وجود الّنشاط التبشيري أو الزيادة في عدد الذين يتحولون إلى المذهب

الشيعي هو إما يعيش في المريخ أو في حالة إنكار. ناشد صالح الجهات الرسمية ّ َ ّ ٍّ ِ والمجتمع ال ّس وداني الوقو َف في وجه حمالت التبشير بالنّص ارنية والعثور على ح ّ ل طويل

األمد للمشكلة، وأضاف أ ّن جهوَد الحكومة في هذا السياق متواضعة مقارن ة بجهود

19 حمالت التبشير بالّنص ارنية."

قد يكون كثير مما سبق مجرد رهاب ليس أكثر، ولكن ه أيضا عالمة على الغليان الديني متعد ِد األبعاد في ّ ّ ُ ّ ّ ّ ِ ال ّسودان. َذَكرت و ازرة الخارجّية األمريكّية في تقريٍّر لها عن الحرّية الّدينّية نُشَر سنة 2002 ما يلي:

"في شهر كانون األول/ديسمبر قام أشخاص مجهول ون بنشِر ملصقا ٍّت في الخرطوم

تح ّث المسلمين على عدم االحتفال بأعياد الميالد أورس ال ّس نة؛ مشّددين على أ ّن

االحتفال بأعياد غير المسلمين يرقى إلى رتبة الكفر. خل َق تزايد أعداد السلفّي ين بين

المسلمين ص ارعا مع المسلمين غيِر السلفي ّين، ففي الت ّاسع والعشرين من شهر كانون ِ الثاني/فبراير ح ّث أف ار د من مجموعة أنصار السَّنة في الخرطوم عاّم ة المسلمين على

االمتناع عن االحتفال بعيد المولد الّن بوّي ال ّش ريف، مّم ا أّدى إلى مالحقتهم من قبل

ناشطين صوفي ّين. في اليوم التالي اندلعت مواجها ت عنيف ة بين الطرفين مخّلفة ما بين

35 إلى 50 مصابا ."

في ال ّط رف المقابل تبدو األمور في الّدول التي ليس فيها قانون محدد بخصوص الِّرَّدة أكثَر تعقيدا ، فال

يوجد في األردن مثال قانو ن واض ح َيمَن ُع المسلمين من التخّلي ع ِن اإلسالم، كما ال يوجد عقوبات قانوني ّة

َِّ رسمّي ة لذلك، غير أ ّن الحكومة األردنّي ة ال تعترف رسمّيا بحاالت الّردة عن اإلسالم؛ ال ّشي ُء الذي قد

154

يكون له عواق ُب خطيرة على المرتّد ين حيث تستمر معاملتهم على أّن هم مرتّد ون عن اإلسالم بدال من

معاملتهم على أّن هم معتنقون لديانة أخرى أو ملحدون.

ِ إ ّن قانون األحوال الشخصيّة في األردن ُيعمل به من قبل نوعين من المحاكم، وهي محاكم شرعي ّة

للمسلمين، ومحاكم أخرى ألتباع الّديانات غير اإلسالمّية المعترف بها. ُيعَرض المرتّدون عن اإلسالم ِ ِ على المحاكم ال ّشرعّية - بشكاوى ذويهم أو أشخاص آخرين - ويتّم تجريدهم من الحقوق المهّم ة ، وهذا

عمليا هو "الموت المدني". ّ

"استمعت المحاكم الشرعية في األردن بين عامي 2005 و2006 إلى حالت ي ِرَّدة عن ْ ّ ّ َ ْ

اإلسالم، ففي كانون الثاني/يناير من سنة 2005 أعلنت محكم ُة االستئناف ال ّشرعيّة عن ِ وض ِع مسلٍّم تحّول إلى المسيحيّة تحت وصاية الّدولة، وجّردته من حقوقه المدنّية،

وأعلنت أ ّن زواجه باط ل ، كما وأعلنت المحكمة أنه لم يعد له أ ّي ح ّق في الميراث وأن ّه لن ِ ُيسمح له بالّزواج مّرة أخرى من زوجته إّال إ ْن عاد إلى اإلسالم، كما أّن ه ُحرَم من اعتباره

تابعا ألي دي ٍّن آخر؛ وتضَّمن قرار المحكمة احتمال تحويل رعاية الطفل القانونّي ة ٍّ والجسدّي ة إلى شخ ٍّص آخر. عندئذ غادر هذا المرتّد األردن وحصل على لجوٍّء واستقر

في دول ة أخرى. حصلت حالة مشابهة سنة 2006 عندما قّررت المحكمة تجريد مواطن

أردني آخر من أو ارقه الثبوتية حارمة إياه من حقوقِه االجتماعية األساسية."20 ّ ّ ّ

كما هو الحال في األردن، ال يوجد في مصر قانون محد د يحِرم الِرَّدة ولكن حصلت حالة "موت مدني " ّ ّ ُ ّ َ َ ّ ِ أخرى عندما ُوض َع طفل في السابعة من عمره تحت وصاية جّده البالغ من العمر 73 عاما أل ّن والَد ي

ال ّط فل غّي را دينهما واعتنقا الّديانة البهائية. قال الجّد واسمه محّم د عبد الفت ّاح أّن ه ذهب إلى المحكمة عمال

بنصيحة المفتي المصرّي العاّم حيث قال: "نصحني المفتي أ ْن أعتبر أبنتي قد ماتت، وأن أرفع دعوى

155

قضائيّة للمطالبة بالوصاية على حفيدي." غير أ ّن ق ارر المحكمة لم ُيطبَّق أل ّن والَد ِي الطفل كانا قد غادرا

مصر مصطحبين طفليهما.21

ُيعتَبُر اللجوُء إلى الدعاوى القضائية في الّن زاعات الّدينّية أم ا ر شائعا جّدا في مصر، ويستخدمها

اإلسالميّون لمضايقة من ال يتّفقون معهم في الّأري على وجه الخصوص، حت ّى لو كانوا مسلمين. يروي

ناصر أبوزيد، أستاذ األد ِب العربي في جامعِة القاهرة، كيف بدأت المشكلة سنة 1992 عندما تقدم ُ ّ ّ َ ِ ِ لوظيفة مدّرس في الجامعة. َدَرست اللجنة المسؤولة عن التّرقية الوظيفّية ثالثة تقارير عن عمله، وقررت

أن اثنين منها كانا يصبان في مصلحته، أما التقرير الثالث الذي تم تحضيره من قبل الد كتور اإلسالمي ّ ّ ّ ّ ّ ِ عبد ال ّص بور شاهين فقد شّكك في معتقدات أبو زيد الّدينّية، مّد عيا أ ّن بحث ابو زيد تضّم ن "إهان ة واضحة

للعقيدة اإلسالمّية" مّم ا دفع باللجنة إلى رفض تعيينه في المنصب بمعارضة سبعة أصوات يقابلها موافقة ُ

ستة أصوات. لم يكت ِف الدكتور شاهين بحرمان أبو زيد من ترقيته في الوظيفة، بل كتب مقاال في إحدى

الصحف يتهم فيه أبو زيد بالِّ رَّد ة، فدفعت تلك المقالة بدورها مجموع ة من المحامين اإلسالمّي ين إلى رفع

دعوى قضائّية ليجبروا أبو زيد على طالق زوجته بذريعة أ ّن الم أرة المسلمة ال يح ّق لها الزواج من ُمرتَّد

عن اإلسالم، وعندما فاز المحامون بالّدعوى لم يكن أمام أبو زيد سوى الهروب من مصر برفقة

زوجته.22

وجدت الكاتبة المصرّي ة، والمدافعة عن حقوق الم أرة نوال السعداوي ، نفسها في موقف مماثل سنة 2001

عندما سعى اإلسالمّي ون في طالقها من زوجها بعد 37 عاما من الزواج، بح ّجة أ ّن آ ارءها تخرجها من

اإلسالم، ويبدو أ ّن ال ّس بب الّ رئيس وراء ذلك كان مقابلة أجرتها ال ّس عداوي وقالت فيها أ ّن تقبي َل الحجِر 23 ِ األسود في الكعبة ما هو إّال "بقايا طقوس وثنّي ة" لكن لحسن ح ّظ ال ّس عداوي، ُقوبل طل ُب ال ّط الق

بالّ رفض.

156

ِ كلتا هاتين الحالتين أصبحتا ممكنتين بسبب وجود الح سبة، وهي مبادئ قانونّي ة إسالمّي ة مبني ّ ة على فكرة

المسؤولي ّة الجماعّي ة، أي أ ّن لك ّل ُمسلٍّم دور يقوم به ليساهم في عمل الخير ومحاربة الشر. بعد نجاح ِ ِ اإلسالمّي ين في القضّية التي رفعوها ضّد أبو زيد أصبحت الح سبة في مصر عبارة عن ميثا ٍّق للفضوليين، ٍّ مّما سمح لذوي الميول الّدينّية - وغير الدينية أحيانا - برفع عدد ال ُيحصى من الّدعاوى القضائيّة ٍّ الكيدّية ضّد شخصيات مرموقة ُيش ّك في معتقداتها الّدينّية.

من الّناحية العملّية كانت هذه دعاوى قضائيّة خا ّصة، لم ُيعَرض كثي ر منها أمام القضاء، ولكن كان لها ِ تأثير مخيف. في سنة 2009 اتّهمت ال ّش بك ُة العربّية لمعلومات حقو ِق اإلنسان ومق ُّرها في القاهرة أ ّن

حكومة مبارك تسمح لبعض القضايا بالوصول إلى المحكمة رغم أ ّن المت ّهمين فيها لم يكن لهم أي ّة

مصلحة حقيقّي ة أو وضع قانوني فيها، وأضافت قائلة: "أصبحت هذه الحاالت غير القانونّي ة أصال تشّكل

تهديدا يخيم فوق رؤوس جميع المثقفين في مصر، فبدال من عقد نقا ٍّش منطق ٍّ ي مفتوح مبني على آ ارِء ّ ّ ّ ّ ِ 24 المثّق فين، يقوم مسؤولو الح سبة بمالحقتهم قضائي ّا ويرفعون ضّدهم سلسلة من الدعاوى القضائّي ة، وُيقال ِ 25 أ ّن محاميا ُيدعى نبيه الوحش َرَفع أكثر من 1000 قضّي ة ح سبة خالل 10 سنوات.

بغ ّض الّنظر عن اإلجراءات القانوني ّة، يبقى احتمال أ ْن يقوم بعض الحمقى بتسوية األمور بأنفسهم ممكنا ،

ففي سنة 1992 قام عضوان من الجماعة اإلسالمّية - وهي حركة مسّلحة - بإطالق النار على فرج

فودة وقتلوه، وفودة علماني بارز كثي ا ر ما كان َيسخُر وبال هوادة من شخصّيات إسالمّي ة بارزة. رّح بت

جماعةُ اإلخوان المسلمين علنا بقتل فودة، وأثناء محاكمة القتلة َو َصف أحُد علماء األزهر، وكان عضوا ِ سابقا في جماعة اإلخوان المسلمين، تصُّ رف القاتلْي ن بأنه عم ل مبّ ر ر أل ّن ال ُّسلطات المصرّي ة فشلت في

معاقبِة فودة بعد أ ِن ارتد عن اإلسالم.26 وبعد ذلك بعامين طِعن نجيب محفوظ - العربي الوحيد الذي فاز ّ ُ َ ّ

بجائزة نوبل لألدب - في رقبته خارج منزله بعد أ ِن اتّهمته بعض الجماعات المسّل حة بالِّ رّدة. نجى

157

محفوظ، الذي كان في الثانية والثمانين من عمره في ذلك الوقت، من محاولة االغتيال تلك، ولكّن ها

تسب بت في شل ٍّل جزئي في يده اليمنى. ّ ّ

يتضح مما سبق أّنه ما ي از ُل أماَم الّدول العربّية طري ق طوي ل جدا قبل أ ْن تصبح حريّة العقيدة واقعا

ملموسا ، وليس مرّد هذه المشكلة ال ّس ياسا ُت الحكومي ُة فحسب، وانما مجتمعات ال تتقبل أ ّن ما يختاره الفْرد

من اعتقادات هو أم ر يعنيه وحده وال يعني أحدا سواه.

158

الفصل الثامن: الح ّق في اإلساءة والتسّبب ال ّصدمة واإلزعاج

إن تبادل األفكار والمعتقدات هو أحد نشاطات البشر الطبيعية، ولوال تجريب الّناس لألفكار، ولوال ت عبيرهم

عن آرائهم واختالفهم في الّأري لبقيت الحضارة تراوح في العصر الحجرّي ، ولذلك ال يمكننا االدعاء بأ ّن ٍّ أفكارنا هي ُملكنا ما دمنا نحتفظ بها ألنفسنا، فنحن بحاجة ألن ُيسمح لنا بالتّعبير عنها، وبحاجة للقيام بذلك التّعبير ِرفقة اآلخرين أحيانا . إ ّن الح ّق في حّرية الفكر والعقيدة وحّرية التّعبير وحّرية تكوين الجمعيات مترابطة فيما بينها، وقد تّم جمعها معا على الت ّوالي في المواد 18 و19 و20 من اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان. ّ

وخالفا لحّرية المعتقد، ال ت ُعتبر حّرية التّعبير وال حّرية تكوين الجمعيات حقوقا مطلقة ، أل َّن ممارستها قد تتعارض أحيانا مع حقوق اآلخرين، ولذا قد يكون من ال ّض روري أحيانا فرض بعض القيود من أجل تحقيق توازن بين هذه الحقوق التي قد تتعارض مع بعضها البعض، لكن وفقا للعهد الدولي للحقوق ّ ّ المدنّية وال ّسياسيّة، يجب أ ْن تبقى مث ُل هذه القيود في حّد ها األدنى، فيقول هذا العهد مثال أ ّن أّي ة قيود على حّ رية التّعبير ال يجب أّال تكون محّد دة بالقانون فحسب، بل يجب أيضا أ ْن تكون ضرورية من أجل احت ارم حقوق اآلخرين وسمعتهم أو لحماية األمن القومي والن ظام العام أو الصحة العامة أو اآلداب ّ ّ ّ ّ ّ العاّمة.

ترى المحكمة األوروبيّة لحقوق اإلنسان أ ّن المطاَلبات بالت ّعّد دية والت ّسامح وسعة األفق كثيرة جّدا - على األق ّل في المجتمعات الديمق ارطّي ة - قد تصل إلى المطالبة بحماية حّرية التّعبير حتى لو تسببت في اإلساءة إلى اآلخرين. وفي ق ارٍّر تاريخي صدر سنة 1976 ق ررِت المحكمة األوروبية أن حرية التعبير ال ّ ّ ّ ّ ّ ّ تنطبق على األفكار "اإليجابّي ة أو األفكار غير المؤذية أو ما يأتي منها على سبيل الالمباالة، بل تنطبق ٍّ أيضا على األفكار التي تسيء وتصدم وتزعج أ ّي شريحة من ال ّس كان."

ترف ُض معظم الحكومات العربّية وكثي ر من المسلمين هذا األمر رفضا قاطعا ، ويرون أَّنه يجب حماية ِ األشخاص المتدي ّنين من الت ّعليقات التي تحمل إساءة ما لهم أو تضعهم موضع ال ّسخرية. ولو ُط ّب َق هذا في الماضي لتم سجن الكثير من المفك رين والك ت اب األكثر أهمي ة في الت اريخ اإلسالمي ، أما محاولة ّ ْ ّ ُّ ّ ّ ّ ّ تطبيقه في الوقت الحاضر فينتج عنها جميع أنواع الممارسات التمييزّي ة والُمجحفة، فك َّل ما يحتاجه األمر

159

هو أ ْن يزعم أحدهم أَّنه تعّرض لإلساءة، وهذا ما يخلق فرصا لتصفية الحسابات، إّم ا عن طريق المحاكم أو في ال ّش ارع، وغالبا ما يكون ذلك ألموٍّر تافهٍّة للغاية.

وبعد بضع سنوات من إصدار المحكمة األوروبيّة حكَم ها بخصوص الح ّق في اإلساءة، راحت من ّظمة إسالمي ة ت ع رف باسم المجلس اإلسالمي في أوروبا تدفع في االتجاه المعاكس، فأصد رت هذه المنظمة في ّ ُ َ ّ َ ْ ّ سنة 1981 اإلعالن اإلسالمي العالمي لحقوق اإلنسان الذي يقول فيما يقول أَّنه ال يجوز أن ي سم ح ألحٍّد ّ ّ ْ ُ َ َ "بازد ارء المعتقدات الّدينّية لآلخرين أو ال ّسخرية منها أو الت ّحريض عالنية على العداء ضّد ها أو االستخفاف بالمشاعر الدينية لآلخرين. بعبارة أخرى سعى اإلعالن اإلسالمي لمنح حصانٍّة خاصة ّ ّ ّ ّ للمعتقدات الّدينّية بوصفها تختلف عن غيرها من أشكال االعتقاد. وا ِن استبدلنا كلمة "دينّي ة" في اإلعالن بكلمة "سياسّي ة" ألصبحت المشاكل أكثر وضوحا ، أي سيؤّدي ذلك إلى تقييد الّنقاش العام. وما يدعو للسخرية غير المقصودة، سعى اإلعالن اإلسالمي أيضا إلى حظر نشر "الباطل أو الزور"، إذ سيقول ّ ّ ّ الملحدون في هذه الحالة أَّنه يجب حظر الّدين نفسه ألَّنهم يرونه زو ا ر.

بين عامي 1999 و2011، وبطل ٍّب من الدول اإلسالمية بشكل أساسي ، أصدرِت الجمعية العامة لألمم ّ ّ ّ ّ ّ المتّحدة، ولجنة األمم المتّحدة لحقوق اإلنسان، ومجلس حقوق اإلنسان في األمم المتّحدة، سلسلة من ِ ِ القرارات لمواجهة "تشويه األديان". انتُقَد ْت هذه القرارات بدعوى أّنها تتعارض مع حّرية التّعبير، وتعكس ِ ِ إلى حّد ما ال ّسياس َة الّدولّي َة في ذلك الوقت، أ ْي أّنها كانت استجابة للتع ّصب والتّحامل الذي ازداد حينها ضّد المسلمين عموما ، وخا ّص ة في الغرب، َ ووصِم عاّمة المسلمين باإلرهاب؛ لكن من ناحية عالج هذه ٍّ المشكلة، كانت هذه القوانين غيَر مدروسة وتسير يف االتجاه الخاطئ.

تقول إحدى المن ّظمات التي تدافع عن حّرية التّعبير في المادة 19: "إ ّن مفهوم التّشهير بالّدين غير واضح، ويفتقر إلى أساس متين في القانون الدولي ." فمصطلح "تشهير" بمعناه الطبيعي يشير إلى ّ ّ ّ اإلساءات غير المبّ ررة لسمعة شخ ٍّص ما. ومثله مثل المعتقدات األخرى ال يمكن أ ْن تقول أ ّن األديان لديها سمعتها الخاصة بها، وقد ورد في تقريٍّر لألمم المتحدة أن حماية السمعة في القانون الدولي "تهدف َ َ ّ ّ ّ ّ ّ 1 إلى حماية األفراد، وليس القيم المجّ ردة أو المؤّسسات."

يعالج القانون الدولي التعصب الديني واألشكال األخرى من التحامل والتعصب بوصفها خطاب كراهية. ُ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ َ ويدعو العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية على سبيل المثال الحكوما ِت لحظِر "الد عوة إلى الكراهية ُ ّ ّ ّ ّ ّ ّ

160

القوميّة أو العنصرّي ة أو الّدينّية التي تشّك ل تحريضا على التّمييز أو العداوة أو العنف." وقد َوَرد في المادة :)19(

"من األنسب حظر أشكال معينة من خطاب الكراهية، غير أ ّن تقييد الّن قاش في القضايا

الخالفّي ة، بما في ذلك الّدين، لن يعالج المشاكل االجتّماعّي ة الكامنة و ارء التّحامل ٍّ والتّع ّصب، والتي تقّ وض المساواة. يحتاج األمر بدال من ذلك إلى نقاش مفتوٍّح حول هذه القضايا للت ّعريف بال ّض رر الذي قد يسّببه التّحامل والتّعصب، ولمحاربة القوالب الّن مطية ال ّس لبّي ة )أو التّعميم ال ازئد(."

في سنة 2009، أصدر ثالثة من المقّ ررين الخا ّص ين باألمم المتّحدة بيانا مشتركا يعّ زز هذه الّناحية:

"علينا أال نغفل غايتنا في إيجاد أنجع ال ّس بل الممكنة لحماية األف ارد من الّد عوة إلى ِ ٍّ الك ارهية والعنف من ق بل أف ارد آخرين؛ وا ّن خطاب الك ارهية ليس سوى َعَر ٍّض لهذه الظاهرة، أي التجلي الخارجي لمكنونا ٍّت أعمق بكثيٍّر أال وهي عدم التسامح والتعصب ّ َ َّ َ ّ األعمى؛ ولذلك فإ ّن الّردوَد القانونّية، كالقيود على حّرية التّعبير وحدها، هي أبعُد من أ ْن تكون كافية إلحداث تغيي ارت حقيقية في العقلّي ات والت ّصورات والخطاب. ٍّ لمعالجة األسباب الجذرّي ة للتع ّصب نحتاج إلى مجموعة أوس َع من الت ّدابير ال ّسياسّية، 2 كالحوار في مجال الثقافات مثال ، أو بتكثيف التّعريف بالتّسامح والتّنّوع."

وأضاف هؤالء أَّنه ينبغي أ ْن تتضّم ن هذه ال ّسياسات تعزيَز حّرية التّعبير بدال من تقييدها فيقولون: "إ ّن الرَّد االست ارتيجي على خطاب الكراهية هو مزيد من الكالم." كما حذروا من اعتبار قضية "التشهير" ّ ّ ّ ّ ٍّ بالّدين مساوي َة لقضّية العنصرّي ة التي يرون أّنها تقوم في كثير من األحيان، وبشكل واضح، على أفكار ٍّ باطلة عن التفّ وق العنصرّي ، فغالبا ما تّد عي األديان التفّ وق ، وبالت ّالي "فإ ّن العناصر التي تشّكل تصريحا عنصرّي ا قد ال تكون مساوية للعناصر التي تشّك ل تصريحا يشهر بالّدين على هذا النحو."

وعلى المستوى العملي البحت، وجدت د ارسة لألمم المتحدة أن القوانين الوطني ة التي تحمي الدين تفشل ّ ْ ّ ّ ّ ّ ق ٍّ ن في حماية الحقو الّدينّية لألف ارد وتكب ُت أ ّي حوار يمكن أ ْن يكو "بن ّا ء وصحي ّا وضروريّا "، وغالبا ما ينطوي تطبيق هذه القوانين على التّمييز ألَّنها تحابي الّدين ال ّسائد في بلد ما. تقول الد ارسة:

161

"وهناك أمثلة كثيرة على اضطهاد األقّليات الّدينيّة والمعارضين والملحدين وغير الموّح دين نتيجة لتشريعات تخ ّص اإلساءة للّدين، أو نتيج ة للت ّطبيق المفرط للقوانين المحايدة إلى حّد ما. وعالوة على ذلك، فإن الح ّق في حّرية الّدين أو المعتقد كما هو ِ منصوص عليه في المعايير القانونيّة الّدولّية ذات ال ّصلة ال يشمل الح ّق في امتالك دين 3 أو معتقد مح ّصن ضّد الّنقد أو ال ّسخرية."

وثّمة نقطة أخرى جديرة بالمالحظة، وهي أ َّن القادة في المؤّسسات الّدينيّة، في كثير من البلدان، يتّمتعون بنفوذ وتأثير يتجاوزان القضايا الّدينيّة، وبالت ّالي فإنّه ليس من المصلحة العاّمة أ ْن تكون هنالك قواني ُن تحميهم من التّمحيص واّل نقد.

تضاء َل دعم حماية األديان من "التّشهير" تدريجّي ا في مجلس حقوق اإلنسان في األمم المتّحدة، وفي سنة 2011 تبّنى المجلس ق ار ا ر لم يذكِر "التّشهير أو تشويه ال ّسمعة أو ازدراء األديان" على اإلطالق، وتحدث ٍّ بدال من ذلك، وبشكل بّناء أكثر، عن سبل مكافحة التع ّصب، واعتماد القوالب الّن مطّي ة السلبّي ة )التعميم المفرط(، وتشويه السمعة والتمييز والت حريض على العنف، والعنف الفعلي ضد اآلخرين على أساس الدين ّ ّ ّ ّ ّ ّ أو المعتقد. تبنى المجلس القرار الذي تقدمت به باكستان لصالح منظمة المؤتمر اإلسالم ي ودون إجراء ّ ّ ّ ّ تصويت.

كان هذا القرار بمثابة انتصار كبير لحرية التعبير على المستوى الدولي ، و أرت الدول المسلمة في تبني ّ ّ ْ المجلس للق ارر انتصا ا ر إد اركا منها بأّنها كانت أق َّل عددا في المجلس أكثر من كونه يمثّل تغيي ا ر في آ ارئها فيما يتعلق بحرية التعبير. لم يكن للقرار تأثير كبير على المستوى الوطني ، بل إن بعض الدول تحركت ّ ّ ّ ّ ّ ّ في االت ّجاه المضاّد .

كانت تونس، على سبيل المثال، علمانية نسبيا خالل 23 عاما من حكم الّ رئيس المخلوع زين العابدين بن ِ علي رغم القيود الكبيرة التي فرضها نظامه على حّرية التّعبير، وقد خلقت االنتفاضة ال ّشعبّية التي أطاحت به في كانون ثاني/يناير 2011 فرصة للعلمانيين والمتدينين المتشّددين على حّد سواء، فقد سعى

المتشّددون ال ّسلفيّون لفرض تفسيرهم لإلسالم وهاجموا األضرحة الصوفية - التي ت َ عتبرونها وثنية - والفعاليّات التي كان ين ّظمها ال ّش يعة، كما هاجموا بعض الفنادق واألف ارد الذين يبيعون الكحول، وضايقوا الكنيسة األرثوذكسية الّ روسّي ة؛ وقد تّم اعتقال خمسة أشخاص بينهم ضابط شرطة بتهمة التّخطيط لخطف اليهود.

162

ِ ويبدو أ ّن ال ّس لطات في تونس ما بعد الثورة كانت محتارة في كيفية الَّرّد، ورّب ما كانت مترّد دة في القيام بذلك أصال ، وقد َوَرد في تقرير لو ازرة الخارجّية األمريكّية أ ّن الت ّحقيقات الحكومّي ة بشأن الهجمات على ِ المواقع الّدينيّة أسفرْت عن عدد محدود من االعتقاالت والمحاكمات، كما ات ُّهمت السلطا ُت بعدم توفير الحماية الالزمة لدور العبادة المسيحّي ة واليهودي ّة وبالفشل في حماية المواقع الصوفّي ة، غير أّنها ات ّخذت خطوات لمنع األئمة "المثيرين للشقاق والفتن" من إلقاء ال ُخطب في المساجد بما في ذلك األئمة ال ّسلفيّون.

في تشرين أول/أكتوبر من سنة 2011 بث ّت قناة نسمة التلفزيونية الخا ّص ة فيلم الرسوم المتحركة ِ "برسيبوليس Persepolis" الذي فاز بجائ ٍّزة في مهرجان كا ْن السينمائي والذي ُع ِ ر َض آنفا في دور ال ّس ينما التونسّي ة دون أ ْن يحدث ض ّج ة تُذكر. الفيلم مبن ي أصال على رواية تحكي ال ّس يرة الّذ اتية لمرجان ساترابي، ويصّ ور األيام األخيرة من حكم ال ّش اه وقيام الث ّورة اإلسالمّية في إي ارن سنة 1979، كما عاشتها ِ ٍّ تلك الفتاة الشاّب ة التي تظهر في مشهد قصير وتتخيل أّنها تتحدث الى هللا الذي ُصّوَر على هيئة رجل ٍّ ٍّ مس ّ ن ذي لحية بيضا َء .

يعتبر تصوير هللا تصّرفا وثنّيا في الت ّعاليم اإلسالمّية، فقامت مجموعة من نحو 300 ا متظاهر بمهاجمة محطة الّت لفزيون ، وحاولوا إضرام النار فيها. في وقت الحق، تّم تغريم مالك المح ّط ة نبيل القروي بـمبلغ 2400 دينار )أو ما يعادل 1500 دوالر أمريكي( بتهمة "اإلخالل بالنظام العاّم وتجاوز اآلداب العاّمة"، كما تّم تغريم اثنين من موظفي القناة كذلك. وقد سعى االّد عاء إلى الحكم عليهم بال ّسجن، وطال َب اثنان على األق ّل من المحامين االسالمّي ين بإنزال عقوبة اإلعدام بهم، وصّرح أحدهما لصحيفة واشنطن بوست أ ّن "أ ّي شيء متعلق باهلل فهو ُم طلق." ٍّ وتعليقا على المحاكمة، ات َّهم ْت من ّظم ُة العفو الّدولّي ُة الحكوم َة الت ّونسّي َة "بعدم وجود إ اردة" للّدفاع عن حّرية التّعبير، وأضافت قائلة: "ال يمكن فر ُض هذه القيود إّال عند ال ّض رورة القصوى، رغم أ ّن حماية اآلداب

العاّمة أو الّنظام العاّم قد تكونان أحيانا سببا مشروعا لتقييد حّرية التّعبير، واتّضح أ ّن الحال لم يكن كذلك... فال يجوز إدانة الّناس واطالق األحكام ضّدهم بسبب آرائهم، حت ّى لو كانت اآل ارُء مثيرة للجدل أو جارح ة."

ِ ِ ِ ٍّ في الفترة ذاتها تقريبا ُح ك م َ على اثنين من الملحدين التّونسّيين بال ّسجن لسبع سنوات ونصف، وتغريم ك ّل منهما بمبلغ قدره 1200 دينار )أو ما يعادل 800 دوالر أمريكي( بعد نشرهما مواّد على شبكة اإلنترنت ِ اعت ُب رت "ضاّرة بالّن ظام العاّم أو باآلداب العاّمة". وهذان الملحدان هما الصديقان جابر الماجري وغازي 163

الباجي وهما في أواخر العشرينات من العمر من منطقة المهدّي ة وهي منطقة ساحلّي ة جنوب المنستير، وهما معروفان محلّي ا بآ ارئهما اإللحادّي ة.

أّل ف الماجري عدة كت ٍّب قصي ٍّرة ، وجعلها متاحة للتحميل من شبكة اإلنترنت؛ كانت إحد اها عن الجنس ِ ِ وآثا ِره على ال ّصحة، وذكَر العديَد من الممارسات الجنسيّة ، بما في ذلك المثلّية الجنسية التي وصفها بأَّنها تُقبل على نحو متزايد "في المناطق ذات التفكير المنفتح،" و وصف االعتداء الجنسي على األطفال وأرَفقهُ برسٍّم كرتوني "للنبي محم ٍّد في الخمسينات من عمره وهو يحاول غواية عائشة وهي في الس ادسة." وكان ّ ّ ّ ّ شكل رداء النبي في ال رسم يوحي بوضوٍّح أَّنه كان في حالة هيجا ٍّن جنسي . كما نشر الماجري كتابا آخر ّ ّ ّ َ َ بعنوان "الهدى والّن ور" والذي يبدأ بال ّسؤال:

"هل ُيحتمل أن يكون القرآ ُن ليس سوى كتاب كامل من األكاذيب ال ّش يطانّي ة واآليات اّل تي "تدغدغ آذان" العرب؟"

لم يتسّبب أ ّي مّما سبق أ ّي ض ّج ة في ذلك الوقت، لكن محاميا في المهدّي ة، يدعى فؤاد ال ّش يخ زوالي، اعترض على بعض ال ّص ور على صفحة الماجري في فيسبوك وطلب منه إزالتها لكن الماجري رفض، ما دفع الزوالي إلى رفع دعو ى قضائي ّة ضّد الماجري لُيلقى القبض عليه وفق األصول.

َش َع َر غازي الباجي في تلك األثناء بالقلق على صديقه وذهب للت ّحّق ق من مل ّف المحكمة عن القضّية ِ ليكتشف أ َّن قضي ة ُرفَع ْت ضّده هو أيضا ، ففّر من البالد كي ال يتّم القبض عليه، لكّنه أ ُد ين غيابيا . ِ سافر الباجي إلى الجزائر وتركيا قبل الت ّسّل ل بطريقة غير شرعّي ة إلى اليونان حيث قال لَم وق ٍّع إلحاد ّي على شبكة اإلنترنت أ ّن وجهات نظره حول اإلسالم قد بدأت تسّب ب له المشاكل منذ أ ْن كان طالبا في الجامعة، وبعد أ ْن تخّرج سنة 2007 قال أَّنه لم يتّم كن من العثور على عمل يتناسب مع مؤهالته، مّما دفعه إلى العمل في بيع تذاكر للمترو في تونس. َس خر منه زمالؤه عندما علموا بأمر إلحاده، وفي نهاية المطاف ُطِرَد من وظيفته "بسبب االت ّهامات الكثيرة بالهرطقة الموّجهة ضّده." وَذ كَر الموقع ذاته أّنه قد ُطرد من وظيفة أخرى بعد أ ْن الحظ زمالؤه أَّنه لم يكن يصوم شهر رمضان، وراحوا يسألونه عن سبب

تركه لل ّصالة وعدم قراءته للقرآن، ثم راحوا ينادونه بأبي لهب )عّم الّرسول(، كما كثرت ال ّش ائعات حول ميوله الجنسية، وقال أَّنه است د ِ عي من قبل اإلدارة وسئل عن آ ارئه الدينية، فكان جوابه أَّنه أتى إلى ّ ُْ َ ّ ّ ٍّ 4 المصنع وأ ّن دينه غيُر ذي صلة بالموضوع.

164

أمضى الباجي في سنة 2011 أربعة أشهر يتعافى من عملي ّة ج ارحي ّة في الّ ركبة، وأمضى تلك الفترة في كتابة كتاب باّل لغة العربّية بعنوان "وْه ُم اإلسالم"، ونشره على شبكة اإلنترنت معتقدا - وفقا لما قاله للموقع ِ ِ َّ ٍّ اإللحاد ّي آنف الّذكر - أنه كان يعيش بعد الث ّورة الت ّونسّي ة "في حقبة جديدة". ضّم أحد فصول الكتاب ٍّ أربعة رسوٍّم كرتونية معّدلة، اثنان منها يربطان المسلمين باإلرهاب، وأخرى مسيئة للرسول، أّما الرسم الرابع فكان يتعل ق بالس ي دة عائشة والنبي محم د، وهو ذات الرسم الذي ظهر في كتاب الماجري عن ّ ّ ّ ّ ّ َ َ الجنس.

قال المحامي الزوالي الذي قام برفع القضّية أَّنه يعتبر إهانة الّرسول جريمة أكثَر خطورة من جريمة القتل، وأضاف لموقع نواة االلكتروني التونسي: "هذه القضية ال عالقة لها بحري ة التعبير وال بالحرية عموما. آمل ّ ّ ّ ّ ّّ ّ ّ ٍّ ٍّ أ ْن ين ّص الّد ستور الجديد على فرض عقوبة صارمة لهذا الّن وع من الجرائم لحماية الّدين ومشاعر المسلمين التّونسّيين."

وقال والد الباجي لموقع نواة أَّنه كان يفّك ر ببيع منزله نتيجة للمحاكمة، أل َّن العائلة أصبحت منبوذة من ِقبل الجيران وأضاف: "أصبحت أذهب إلى مسجٍّد في حي بعيد كي أصلي ... ولم يعد بإمكاني قضاء ُ ُ ّ ّ بعض الوقت في المقهى. حذرونا في المحكمة من االت صال بأي صحفي أو منظما ٍّت لحقوق اإلنسان، ّ ّ ّ ّ ٍّ وأن ّنا إ ْن فعلنا ذلك فإ ّن رّد ة فعل الّأري العاّم ضّد نا قد تكون عنيفة." وأضاف أ ّن ابنه تلّق ى تهديدات بالقتل من قبل ال ّسلفيّين وأ ّن زوجته تلّق ت رسالة فحواها أ ّن الماجري لن يفلت من عقاب ال ّسلفّيين حت ّى لو كان ٍّ َّ في ال ّس جن. وقال إماُم واحد من أكبر المساجد في المهدّي ة لموقع نواة أنه رغم كونه ال يقف وراء هذه َّ الت ّهديدات إّال أنه يعتبر "جريمة" الماجري ال ت ُغتفر، وأضاف: "ال يمكن لوُم المسلمين الذين أسيئ لهم على رّد عنيف قد يصدر عنهم."

وبعد حملة دولي ة للدفاع عنه، أُفِرج عن الماجري بموجب عفٍّو رئاسي في آذار/مارس 2014، وتحديدا ّ ّ ّ بعد سنتين من اعتقاله، أّما الباجي فقد حصل في نهاية المطاف على اّللجوء في رومانيا.

في حزيران/يونيو من سنة 2012 وقعت اضطرابات بسب معرض للف ّن المعاصر في تونس وخلّفت نحو ِ 100 مصاب، وتّم اعتقا ُل 160 آخرين، وُف ر ُض حظر على ال تجوال ليال في ثمان مناط َق من البالد، وترّكزت االحتجاجات على معرض "ربيع الفنون " في المرسى وهي بلدة ساحلّي ة أنيقة في ضواحي تونس العاصمة، وتعتبر بمثابة منتجع صيفي يقصده األثرياء في تونس. سمحت وزارة الثقافة بإقامة المعرض ُ ّ َ َ ْ

165

الذي استّمر عشرة أيام، وشارك فيه عدد كبير من الفّن انين، وكان موّجها بالّدرجة األولى إلى جمهور علماني ليب ارلي . ّ ّ

وعشي َة افتتاح المعرض وصل ْت مجموعة صغيرة من ال ّسلفّيين لالحتجاج، لكّن هم غادروا بعد أ ِن اكتشفوا أ َّن المعرض لم يكن لالحتفال بالش ذوذ الجنسي كما ظنوا بادئ األمر؛ واستمر المعرض حتى أوشك على ّ ّ ّ َ ّ الّنهاية، وهنا تقول هيال عمار وهي واحدة من المشاركين في المعرض:

"سار كل شيء على ما يرام حتى يوم االختتام حين حضر مسؤول محلي لتقييم لوحات ّ ّ معّينة اعتبر أنّها صادم ة، وشارك ال ّصور على اإلنترنت، مضيفا تفسي ارته الخا ّص َة ، 5 وحّذ ر أئّم ة بعض المساجد من طبيعتها التجديفّية." ٍّ عندئذ ُنشر شري ُط فيديو على شبكة اإلنترنت يح ّث "جميع المسلمين" على "الغضب"، فوصل نحو 20 ِ متظاه ا ر إلى المعرض فضال عن عدد كبير من مؤّي دي المعرض الذين تّم ت دعوتهم من قبل المن ّ ظمين، وبعد جداالت حاّدة، فصلت ال ّش رطة بين المجموعتين سلمّي ا وأمرت بإ ازلة عدد قليل من األعمال الفن ّّي ة اّل تي أثارت الجدل، للت ّخفيف من حّدة الت ّوت ّر.

لكن في وقت الحق من ذلك المساء اجتمع عدد أكبر بكثير من المحت ّج ين لتنظيم مسيرة، واتّجهوا نحو المعرض، وأفاد أحد الشهود برؤية المئات من الّناس، كان يلوح بعضهم بال ّس يوف، "ثم ارحوا يلقون بالحجارة على الشرطة. شعرُت بالخوف وركضت إلى السيارة وأغلقت الباب." تّمكن بعضهم من دخول المبنى ومزقوا لوحتين من اللوحات وح ّطموا قطعة منحوتة بضربها بال ّسقف، وقاموا بإخ ارج تجهيزات كثيرة خارَج الفناء وأضرموا فيها الّنار، وكتبوا عبارات على الجدران من قبيل: "ليكن هللا هو القاضي" و "تونس دولة إسالمّي ة، ومع ذلك يهان فيها رسول هللا برخصة من و ازرة الث ّقافة." وقد تلقى بعض الفّن انين رسائ َل ٍّ ِ تهديد ورسائ َل مسيئ ة وُنشَرْت أسماؤهم على موقع فيسبوك.

ليس هنالك ش ّك في أ ّن الكثير من األعمال الفّنّية المعروضة كانت استف اززّي ة وت َ ْس خر من المظاهر المتط رفة في اإلسالم، فتصِور إحدى اللوحات مثال شخصي ة سوبرمان بلحية على النمط الس لفي يحتضن ّ ّ ّ ّ َ ّ ّ ّ رجال ملتحيا آخر بين ذراعيه، ويظهر في لوحة أخرى وجه رجل ملتح قد غضب والّدخان يخرج من

أذنيه، ويظهر في لوحة ثالثة امرأة عارية يغطي أعضا َء ها التناسلي َة طب ق من ال ُك سُك س )نوع من األطباق في شمال أفريقيا( ويحيط بها رجال يرمقونها بنظ ارت ظالمّي ة تهديدّي ة. وَعَرض ن ّح ات ثالثة تماثيل لنساء

166

مح ّج بات تّم دفنهن بالحجارة إلى صدوره ّن ، ويظهر في أحد األعمال الفن ّّي ة خطوط نمل تزحف إلى حقيبة ال ّط فل المدرسّي ة حيث شّك لت خطوط الّن مل عبارة "سبحان هللا" باللغة العربّية، ويظهر في لوحة أخرى هالل وصليب ونجمة داود مع عبارة "République Islaïque de Tunisie " حيث كلمة Islaïque

مؤلفة من كلمتين هما وكلمة laïque وهي كلمة فرنسّي ة تعني "العلمانّي ة".

لك ّن هيال عمار ترى أ ّن الفن ّانين أصبحوا كبش فداء في صراع أكبر حول مستقبل تونس، وصّرحت لقناة الجزيرة:

ِ "لقد ا ْخُتلَق ْت هذه القضّية للتغطية على قضايا أكثر خطورة، فنحن وسط حرب بين العديد من الحركات ال ّسياسّية يحاول فيها ال ّسلفيّون والحركات الّ رجعّي ة األخرى ال ّضغط على الحكومة الحالي ّة لثنيها عن االعتدال والت ّهدئة. إ ّن النّقاشات في الهوّي ة والّدين هي مشاكل زائفة هدفها صرف الن ظر عن الوضع األمني غيِر المستقر ، والمشاكل االقتصادي ة ّ ّ ّ ّ واالجتّماعّي ة الخطيرة التي لم تُح َّل بعُد ، وعن نظام العدالة االنتقاليّة الذي ثَب َت أَّنه من ال ّص عب إقامته... وا ّن ُج َّل معاناتنا في زمن حكم بن علي كان بسبب الّ رقابة الّذ اتية حين َفرضها لمعالجة الموضوعات ال ّسياسي ّة. أّما األن فتعتمد الّ رقابة على مسائ َل دينّي ة وأخالقّي ة، وهذا يجعل الوضع أكثر سوءا ." ٍّ أّد ت قضّي ة "ربيع الفنون " إلى إطالق دعوات لس ّن قانون جديد لحماية "المقّد سات"، فمقاضاة تلفزيون نسمة َّ والملحدين تّمت بموجب القوانين التي ُسن ْت في عهد بن علي الذي طالما استخدمها ضّد خصومه الس ياسي ين. كما أن حزب الن هضة، وهو الحزب الديني المهيمن على الجمعية التأسيسي ة، اشتكى من عدم ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ وجود قانون للتّعامل مع الكفر على نحو خا ّص، وأصدر بيانا قال فيه: "إ ّن الّ رموز الّدينّية فوق كل سخرية أو استهزاء أو انتهاك." وفي شهر آب/أغسطس؛ قّد م الحزب مشروع قانون إلد ارج هللا واألَّنبياء

والقرآن واإلنجيل والت ّو ارة وال ّس ّن ة الّنبوّية والكنائس والمعابد اليهودّي ة والكعبة تحت بند المقّد سات" وطال َب أ ْن ُي َجَّرَم "اللع ُن وال ّس ُّب وال ّس خري ُة والت ّقوي ُض والت ّدني ُس " أل ٍّّي من هذه الرموز بال ّسجن لمّد ة قد تصل إلى عامين ِ ِ مع غرامة قدرها 2000 دينار )1265 دوالر(، كما اقترح مشروع القانون حظَر تّمثيل أو تصويِر هللا واألَّنبياِء .

167

غير أن مشروع القانون هذا تم سحبه بعد اعت ارض منظمات المجتمع المدني الت ونسي ة والدولية، حيث قال ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ هؤالء أَّنه وفقا للماّد ة 19 فإ ّن مشروع القانون يمثل انتهاكا للمعايير الّدولّية لحقوق اإلنسان وبأنّه "يعطي 6 ال ّش رطة والقضاء حّرية التصّ رف في تقرير طبيعة السلوك الذي يشكل" إهانة" أو "استهزاء" "بالمقّدسات."

إن "الكفر أو التجديف" مصطلح فضفاض يستخدم في السياق الديني لوصف مظاهر االزدراء ُ ّ ّ ّ بالش خصيات واألشياء، والكلمة اإلنكليزية مشتقة من الفعل اليوناني blasphemein التي تعني "التحد ث ّ ّ ّ ّ بسوء عن" ولكن في اللغة العربّية يمكن استخدام كلمات مختلفة كثيرة مثل ال ّس ّب وال ّش تّم واّل لعن والت ّكذيب ... الخ، وفي بعض األحيان ُي عتبر الكفر في اإلسالم شكال من أشكال الِّرَّدة. ِ ت َستخد م الّدوُل العربّي ُة عّد ة آلّي ات مختلفة إما منفردة أو مجتّمعة لمنع الخطاب غير المرغوب فيه عن ِ الّدين. وبصرف الّن ظر عن ال ّش ريعة، يمكن أ ْن تشمل هذه اآلليات اإلعالنات الدستوري ّ َة التي تمنح اإلسالم مكانة متّميزة أو محمّية، وأحكاما محّد دة ضّد الكفر، وقوانين عاّم ة حول الّنظام العاّم ووسائل اإلعالم واالت ّصاالت وغيرها، والتي يمكن تطبيقها على الكفر، كما أ ّ ن هناك قوانين مماثلة ضّد ما يمكن تسميته "الكفر العلماني " الذي ينتهك "حرمة" الد ولة كاإلضرار بسمعة البالد، واهانة رئيس الد ولة، وتشويه سمعة ّ ّ ّ المسؤولين الحكومّي ين والجيش، ونشر أنباء "كاذبة" وما إلى ذلك؛ ففي الجزائر مثال يجمع الّد ستور بين الدين والنظام الس ياسي وذلك بمنع "الممارسات التي تتنافى مع األخالق اإلسالمية، وقيم ثورة تشرين ّ ّ ّ ّ ِ الثاني/نوفمبر،" كما أ ّن قانون اإلعالم في المغرب، والذي أُقَّر سنة 2002، يمنع االنتقادات الموّج ه َة "إلى اإلسالم، أو لمؤس سة النظام الملكي أو وحدة أراضي المملكة." ّ ّ ّ

يوجد في سلطنة ُع مان وقطر واإلما ارت العربّية المتّحدة قواني ُن محّددة وعقوبا ت ضّد الكفر )التجديف(، ففي سلطنة ُع مان ُي عتبر ازد ارء أ ّي دين جريم ة جنائي ة، والحّد األقصى لعقوبة إثارة الّن عرات الطائفية أو ٍّ الّدينّية هو ال ّس جن لعشر سنوات؛ وتَ ْصُدُر أيضا أحكام قد تصل إلى ثالث سنوات في بعض األحيان ٍّ وغ ارمة قدرها 500 ريال )1300 دوالر أمريكي( ضّد من "يسب هللا أو أحد أنبيائه علنا "، أو يهين

الجماعات الّدينّية عن طريق الكلمة المنطوقة أو المكتوبة، أو يقّوض ال ّس الم في مجتم ٍّع متديّن يحكمه ق ِ القانون . إ ّن استخدام اإلنترنت بطر "قد ت ُخ ّل بالّن ظام العاّم أو القيم الّدينّية" هو تهمة عقوبتها ال ّسجن؛ وفي َق طر تصل عقوبة التّشهير أو الت ّدنيس أو شتيمة اإلسالم المسيحّي ة أو اليهودّي ة إلى السجن لسبع سنين، كما ين ّص القانون أيضا على أحكاٍّم بال ّسجن لسنة واحدة أو بغ ارمة قدرها 1000 ريال )275 ِ دوالر أمريكي( لك ّل من ُينتج أو يتداول المواّد التي تشّ هر بهذه الّد يانات الث ّالث، فيو دولة اإلمارات

168

ِ العربّية المتّحدة ُيَرَّح ُل ك ُّل من يجّدف، أو يوجه ال ّش تائم واإلهانات ، أو من يستخدم البذي َء من اللغة أو ٍّ السلوك، كما يفرض القانون عقوبات على استخدام اإلنترنت للتبشير ضّد اإلسالم أو “االعتداء" على

ضريح مقدس، أو طقوس دينية ما، أو إهانة أ ّي دين كان، أو تحريض شخص ما الرتكاب معصية أو ما ينافي "قيم العائلة."

تسعى معظم الّدول العربيّة إلى حماية المسيحي ّة واليهودي ّة جنبا إلى جنب مع اإلسالم - على األق ّل نظريّا - باعتبارها الّد يانات ال ّس ماوّي ة الث ّالثة، غير أّنها ال تفعل ال ّشيء ذاته بالّنسبة للمعتقدات األخرى، كما أ ّن ِ العقوبات المفروض َة على مهاجمة اإلسالم أقسى في بعض األحيان مّما ُيْفَر ُض على مهاجمة اليهودي ّة والمسيحّي ة؛ فالعقوبة القصوى "لالستهزاء" بالّدين في اليمن مثال تكون أشَّد إذا كان اإلسالم هو الّدي َن المعني . ّ

ويوجد في عّدة دول أحكا م خا ّص ة بقوانين اإلعالم من أجل حماية الّدين، فاألردن يحظر المواّد التي فيها افت ارءا ت أو شتائُم "لمؤّس سي الّدين أو األنبياء" أو التي فيها ازد ارء "أل ٍّّ ي من الّد يانات التي يحميها الد ستور"، مع احتمال فرض غرامة قدرها 20000 دينار )28000 دوالر أمريكي ( للمخالفين. ويحظر ّ ّ ّ ُ قانون ال ّص حافة والمطبوعات لعام 1990 في اليمن - من بين أمور أخرى - ما يلي:  ك ّل ما يم ّس العقيدة اإلسالميّة ومبادئها ال ّس امية أو يستخ ّف باألديان أو العقائد اإلنسانّية.  كل ما قد يسب ب التمييز القبلي أو الطائفي أو العرقي أو المناطقي ، أو ما قد ي نشر فكر الش قاق ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ َ ّ والت ّفرقة بين أفراد المجتمع، أو ما يدعوهم إلى الِّرَّدة.  ك ّل ما يؤدي إلى انتشار األفكار اّل تي تتعارض مع مبادئ الث ّورة اليمنّي ة، والتي تضّر بالوحدة الوطني ة، أو تش وه صورة من صور الت ارث اليمني ، عربي ة كانت أو إسالمي ة. ّ ّ ّ ّ ّ ويفرض القانون الكويتي عقوبا ٍّت بالسجن على الص حفي ين ال ذين يش وهون أي دي ٍّن أو سمعة أ ٍّي من ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ َ ّ ال ّش خصّي ات الّدينّية، وُي سمح للمواطنين بتوجيه ات ّهامات جنائّي ة ضّد المخالفين المشتبه بهم. أّم ا مرسوُم "ال ّط وارئ" ال ّص ادُر عن األمير في عام 2012، والمعروف باسم قانون الوحدة الوطنّي ة، فيت ّسع ليشم َل وسائل التواصل االجتماعي ، كما أَّنه زاد العقوبات بدرجة كبيرة، حيث يمكن سجن المخالفين لمدة قد َ ّ ّ ّ تصل إلى سبع سنين، وتفرض عليهم غ ارمة قد تصل إلى 200000 دينار )720000 دوالر أمريكي (؛ ّ ومع ذلك قاومت الحكومة ضغوطا من البرلمان لفرض عقوبة اإلعدام على من يكفُر باهلل من المسلمين.

169

ومن المفارقات أ ّن نسبة صغيرة فقط من قضايا الكفر في الّدول العربّية تشم ُل الملحدين والكافرين، ألَّنها ِ في الغالب نتيجة للخالفات بين المسلمين أنفس هم، أو بين المسيحي ّين والمسلمين، أو بين المسلمين ال ّس ّن ة والمسلمين ال ّش يعة، أو مجّ رد مشكلة سببها الضغائن بين الّناس، وفي كثير من األحيان يكون من المستحيل أ ْن نعرف ما قاله الجاني بال ّض بط، أل َّن الكلمات ال يمكن تك ار رها في الت ّقارير ال ّص حفّي ة، وفوق ك ّل هذا فإ ّن الكثير من الحاالت التي تُحال إلى المحكمة تافهة للغاية، الهدف منها أحيانا اإلغاظ ُة ال أكثر.

في سنة 2013 ح كم على المد رس الكويتي مصعب شمسة بالسجن لمدة خمس سنوات بسبب تغريدة له ُ ّ ّ ّ حول الد ور الالهوتي لألئم ة حيث اعتبرت إهانة للدين. نفى شمسة االت هام مد عيا أن تغريدته - التي ذكر ّ ّ ّ ُ ّ ّ ّ ّ فيها حفيد النبي وأشارت، على ما يبدو، إلى الخالفات الدينية بين الس نة والش يعة - قد أ ُسيء تفسيرها. َ ّ ّ ّ ّ ّ وقال محامي شمسة أ ّن األخيَر حذف الت ّغريدة بعد عشر دقائ َق من نشرها، وأوضح في تغريدتين الحقتين ما كان يقصده في تغريدته المحذوفة. نا َل شمسة حكما بال ّسجن سنة واحدة بتهمة االسته ازء بالّدين المنصوص عليها في المادة 111 من قانون الج ازء الكويتي ، لكن المحكمة أضافت مد ة أربع سنوات ّ ّ ّ أخرى لنش ره مواَّد مسيئٍّة ومخالفٍّة لقانون الوحدة الوطنية، و"إلساءة استخدام" الهاتف المحمول، باعتباره

نشَر التغريدة َ المخالف َة من هاتفه المحمول ذاك.

وفي مدينة "بسكرة" الج ازئرّي ة ُح كم على سامية سميتس البالغة من العمر 26 عاما بال ّسجن لعشر سنوات– وهو الحّد األقصى المسموح به من قبل القانون - بتهمة تدنيس القرآن الكريم، وقد كانت في السجن أصال حين ارتكاب الجريمة المزعومة وذلك بسبب قضية مدنية، وات ُهمت من قبل سجناء آخرين بأّنها م زقت نسخة من القرآن، غير أن "سميتس" - التي لم يمث لها أحد في المحكمة بشكل قانوني - نفت ّ ّ ّ ّ ْ تمزيق المصحف وقالت أَّنه سقط سهوا في الماء أثناء نقاش دار هناك، وبعد ذلك بعام َق ِب ل قا ٍّض سماع ِ ِ استئنافها وأُ ْسق َطت التّهمة لعدم كفاية األدّل ة، بما في ذلك فش ُل االّد عاء بتقديم القرآن الممّزق كدليل. ِ في أول عامين بعد سقوط نظام مبارك في مصر أ ُْ ود َع ْت على األق ّل 17 قضية اتّهاٍّم بازد ارء الّدين في ٍّ المحاكم، وكان سبب كثير منها المنافسا ُت المتجّذ رة ُ بين المسيحيّين والمسلمين، لك ْن تّم في إحدى القضايا استدعاء معِل مة قبطي ة لالستجواب، واحت جزت ليلة بعد أ ِن ات همها طال بها بإدالئها بتصريحا ٍّت مهينٍّة للنبي ُ ّ ّ ُ ّ ّ ّ ٍّ محّم د في ال ّص ف؛ وفي قضّية أخرى ، أُحيل خطي ب مسل م إلى المحكمة بتهمة تمزيق نسخة من اإلنجيل خالل االحتجاجات التي اندلعت رّدا على نشر فيديو من 14 دقيقة بعنوان "براءة المسلمين."

170

ِ ِ إحدى أكثر الحاالت غ اربة في مصر شملت اثنين من ال ّ صبية المسيحي ّين األقباط تتراوح أعمارهم بين التسعة والعشرة أعوام؛ فقد أمضيا خمسة عشر يوما ره َن االحتجاز في قسم األحداث، وذلك بعد ات ّهامهما

بالتبّ ول على صفحات من القرآن. وقيل أ ّن األوالد - اّل ذين يعيشون في قرية سكاُنها مزي ج من المسلمين والمسيحّيين - ارتكبوا الجرم المزعوم خلف المسجد؛ وقال أحد الجيران لوكالة اسوشييتد برس أ ّن الَف ت َيي ْن 7 أ ُّم ّي ان وال يستطيعان تّمييز صفحات القرآن. ٍّ يبدو في حاالت كهذه أ ّن الكفر يمكن أ ْن يقع حتى لو كان في ذهن ال ّش اهد فقط، فال دليل على أ ّن ن الَف ت َيين المصري ّين أو ال ّس جين َة الج ازئرّي َة أو المغّ رَد الكويت َّي يضمرو ازد ار ء للّدين فعال . وبالن ّظر إلى سياق هذه الحاالت الثالث فإن الت ّوت ّ ارت ال ّط ائفّي ة في مصر والكويت، والجدل الذي دار بين ال ّس جناء في الجزائر ٍّ ربما تثير تساؤالت حول دوافع المت ّهمين، ويبدو في كثير من األحيان أ ّن عامل "أوقع ُت بك!" له دو ر في ذلك، فأولئك الذين يبّلغون عن حاالت كهذه يشعرون بال ّسعادة لكونهم أوقعوا بالمتّهم أكثر من شعورهم بأّنهم تعّرضوا لإلهانة. " Jyllands-Posten في سنة 2005 نشرت ال ّص حيفة الّد انماركية " يوالندس - بوستن بعض الّ رسوم المسيئة للنبي محم د مم ا أثار موجة احتجاجات في جميع أنحاء العالم اإلسالمي استمرت لعد ة أشهر. ّ ّ ّ ّ ّ ّ ِ وكان اليمن أحد تلك الّدول، حيث َنَزل آالف المتظاهرين الى الشوارع وأعلنت المتاجر مقاطع َة المنتجات الّد انماركّي ة. وكتبت صحيفة يمن أوبزرفر، وهي صحيفة أسبوعّي ة تُنشر باللغة اإلنجليزّية، تقري ا ر عن هذه ٍّ االحتجاجات إضاف ة إلى تعليق تحريرّي وُن س ٍّخ صغي ٍّرة لثالثة من الّ رسوم المسيئة بعد طمسها جزئيا بإشارة X بخ ّط أسو د غامق.

اعت ُقل بعد أسبوٍّع رئي ُس تحرير ال ّصحيفة محمد األسدي بتهمة اإلساءة إلى اإلسالم، وطال َب محامي االّد عاء بإعدامه وبإغالق ال ّص حيفة ومصادرة أصولها. عّل قت الحكومة ترخيص ال ّص حيفة ومنعْت ها من الّن شر ألكثَر من ست ّة أشهر رغم استم ارر المو ّظ فين بالّن شر على شبكة اإلنترنت. ٍّ ٍّ قال األسدي أ ّن المشكلة الحقيقية لم تكن في الّ رسوم التي أدانتها صحيفته أصال ، بل في مقالة افتتاحية ٍّ أثارت غضب المتشّددين من خالل دع وتها المسلمين إلى قبول اعتذار الّد انمارك والت ّصّ رف "برويّة ووقار"، غير أن محامي االد عاء والمد عي العام اليمني أص ار على أن الت ُّهم تقع على الص ور وحدها، وال ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ يمكن استخدام الت قرير اإلخباري وال المقال االفتتاحي كأدل ة. ّ ّ ّ ّ

171

نرى مما سبق أ ّن ُن ُظَم القضاء العربّية تمنح المواطنين أحيانا فرصا إلقحام أنفسهم في القضايا المعروضة على المحاكم، وذلك في حال كان لديهم أري شخصي قوي يدفعهم للقيام بذلك، ومحاكمة صحيفة اليمن ّ ّ ُ اوبزرفر ليست استثناء . كما أن عبد المجيد ال زنداني ، وهو الص ديق السابق ألسامة بن الدن، وال ذي ّ ّ ّ ّ ّ ّ صنفته الواليات المتحدة كإرهابي دولي )أي الزنداني( والذي كان قد غ رر بالعلماء الغربيين لإلقرار ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ "باإلعجاز العلمي " في القرآن، والذي أعلن فيما بعد أَّنه اكتشف عالجا لفيروس نقص المناعة المكتسبة ّ ُ )اإليدز( أيضا ، قد انضم إلى هذا الص ارع القانوني ، وزعم أن صحيفة اليمن أوبزيرفر قد تسببت بأض ارٍّر، ّ ّ ّ َ َ ّ ّ ِ وأّن ها بإعادة إنتاج الّ رسوم المسيئة ونشِرها قد انتهكت الحقوق المدنيّة للمسلمين، غير أ ّن اّدعاءات ال زنداني رفضت في نهاية المطاف، وغَّرم ِت المحكمة األسدي بمبلغ 500000 ريال )2320 دوالر ّ ّ ُ َ ُ َّ ٍّ أمريكي( بذريعة أَّنه تعامل مع الّ رسوم بشكل "غير الئق."

172

الفصل التاسع: طع م الحرّية؟

ِ خلقت الثّورة المصرّية اّلتي أطاحت بالرئيس حسني مبارك سنة 2011م فرصة لغير المؤمنين للخروج من الظل أكثر من أي بلٍّد عرب ٍّي آخر ، فظهر الملحدون على شاشات الت لفاز المصرية ليتحد ثوا عن عدم ّ ّ ّ َ ّ ّ ّ ِ ٍّ إيمانهم على المأل، وأ ُجري ْت معهم مقابال ت في ال ّص حف وعقدوا اجتماعات علني ة، حتى أّنهم طالبوا بأن تُأخذ حقوقهم بعين االعتبار عند صياغة دستور جديد.

ِ وكان واضحا أ ّن أحد الُم حرمات تم كسُره، ولم يعد بإمكان المصرييّن تجّن ب حقيقة أ ّن غير المؤمنين ِ ِ موجود ون، حت ّى لو كانت الفكرة بالّن سبة للغالبّي ة العظمى ال ت ازل بغيضة ، وحت ّى لو مالت وسائ ُل اإلعالِم إلى تصويِر الملحدين كنماذج لالنحال ِل األخالقي الذي وصلت إليه مصر. َ َ ّ ٍّ كان لهذا بال ش ّك صلة بروح الثّورة اّلتي عصفت بالبالَد رغم تباين اآل ارء حول ماهّي ة تلك ال ّص لة، وقد يكون هناك أكثر من تفسير لذلك؛ كما ينبغي الت ّمييز بين اإللحاد كظاه ٍّرة ، بالكاد كانت تُرى بعد صعود اإلسالم السياسي، وبين اإللحاد الذي ربما كان موجودا أصال ولسنوا ٍّت عد ٍّة في بعض الحاالت، ولكن ّ ّ دون أن ُيسَم َع له صو ت.

ِ ٍّ ٍّ لم تك ِن الثّورة المصرّية وانتشاُر الخطاب اإللحاد ِّي في مصَر سببا ونتيجة بقدر ما كانا نتيجتين لعملية واحدٍّة ، أال وهي عملية مساءلة السلطة وتحد يها، الشيء الذي كان لوسائ ِل الت واص ِل االجتماعي دور مهم ّ ُ ّ ّ ِ ِ فيه من خالل تسهيل تبادل المعلومات واألفكار. غير أ ّن االنتفاضة ال ّش عبّي ة ساهمت أيضا في مسائلة ِ ِ الّدين ألّن ها ربما جمعت الكثيَر من الجماعات المتباينة من الناشطين ال ّس اعي َن إلسقاط النظام و َصَهَرتهم في بوتقٍّة ايديولوجيٍّّة واحدة.

ِ ِ يقول جمال، الملحُد والناش ُط السياس ُّي : "أثناء الثّورة ُولَد عند الشباب عموما شعو ر بإمكانية الت ّشكيك في ٍّ ِ ٍّ أِّية فك ٍّرة قائمة أو أّية مؤسسة كانت موجودة قبل الثّورة، وحت ّى في الّدين نفسه." غير أ ّن ذلك لم يكن من

فراغ حتما ، فمن المحتمل أ ّن الثّورة ّض د نظام مبارك ش ّج عت المشّك كين على تجاوز الع ارقيل، وأّمنت لهُم ات ّصاال مع من يحمل ا فكر مماثال ، إّال أ ّن بذوَر اإللحاد رّبما كانت موجودة أصال . وَي عتبر جمال الحصوَل على المعلومات عامال أساسّي ا في ذلك، ويتابع قائال :

173

"لقد سمع ُت الّناس يقولون على شاشات التلفزيون وفي أعمدة ال ّص حف أ ّن اإلنترنت أّد ى ٍّ ٍّ إلى صعود اإللحاد والت ّشكيك في األديان بشكل عاّم ، وأعتقُد أ ّن هذا التقييم دقي ق إلى حّد كبيٍّر ، أل ّن انتشار اإلنترنت في مصر منذ سنة 2000 وحتى يومنا هذا أّد ى إلى وصول ٍّ ٍّ كٍّّم هائل من المعلومات دون أ ّي تصفية تُذكر، وبالت ّالي فإّن ك لو أردت أ ْن تقرأ عن المسيحية من مصادرها المباشرة الستطع َت العثور عليها في شبكة اإلنترنت، ولو أرد َت

أ ْن تق أر عن اإللحاد أو اإلسالم أو أي ُن َس ٍّخ أخرى من اإلسالم، أو عن األشخاص الذين ٍّ 1 يشتمهم الُد عاة سيكون بمقدورك وبك ّل بساطة البح ُث عنهم في غوغل."

ولقد تشكل ت رحلة جمال نحو اإللحاد من خالل نشاطه السياسي في الد رجة األولى حيث يقول: "لم تكن ّ ْ ّ ّ ِ َّ غايتي ترَك اإلسالم وحس ْب، بل الخروَج من ك ّل دين، وقد أصبح ُت على قناعة أ ّن قضيّة الّدين كل ها ضارة ال نفع منها."

نشأ جمال وترعرع فيما يصف ُه بأسرة مصرّي ة محافظ ة نموذجّي ة، والتحق في المراحل األولى من تعليمه ٍّ ٍّ ٍّ ِ بمدرسة دينّي ة. وكان والده معلما وخطي َب جمعة في أحد المساجد المحلّية، وكثي ا ر ما كان يصطحب ابنه ِ ِ جمال معه إلى المسجد لسماع الخطبة. وفي منتصف س ّن المراهقة، كان جمال يستلهُم من عظات َع ْمرو خالد، وهو محاس ب ساب ق أ ّس َس قاعدة شعبي ة واسع ة من خالل اعتماد أسلوب المب ّشرين المسيحي ّين األمريكي ّين عبر شاشات التلفزيون. وعلى عكس الكثير من األئمة المتجّه مين في المساجد المصرّية، ِ ٍّ ٍّ ٍّ ِ ارتدى َع ْمرو خالد البدالت األنيق َة وتحّد ث بلغة واضحة ولهجة ُ وديّة مرسال الدعابات أحيانا ، غير أ ّن ٍّ ٍّ حما َس جمال لم يدْم طويال ، فقد ألحَد في غضون سني َن قليلة وبشكل سرٍّّي دون أ ْن يبلغ حتى والديه، ِ ِ ِ وع ند إجراء المقابلة معه طل َب عدَم الكشف ع ْن أّية تفاصي َل يمك ُن أ ْن تؤّد ي إلى تحديد هويته.

يقول جمال:

ِ "بدأت الت ّصّد عات تظهر عندما كنت في س ّن 19 أو 20 وذلك نتيج ة للسياسة بشك ٍّل ِ ِ ِ ٍّ ِق رئيس. كنت أحاول أ ْن أفهم ما هي عّلة مصر من حيث الحكم، وأن أفهَم سج ّل حقو ِ ِ اإلنسان وقضي َة غيا ِب الديمق ارطية والفساد وغيِر ذلك، وبدأ ُت أميل إلى فكرة إصالح ِ المجتمع من المنظور الّد نيوي، وهذا ما دفعني إلى االنضمام إلى االحتجاجا ت. كنّا ِ مجموع ة من الشباب من جميع األح از ِب والحركات بغ ّض الّن ظر عن اإليديولوجّي ات،

174

ِ ِ باستثناء أ ٍّّي حركة إسالمّي ة طبعا . كّنا نن ّظم المظاه ارت معا ونطبع المنشو ارت ونعقد اللقاءات. كان ْت ت ْجَمُعنا غاية واحدة هي إسقا ُط نظاِم مبارَك وتحقيق الديمق ارطّي ة."

كل ما ازد انخ ارط جمال في الن شا ِط السياسي أكثر ترسخت نظرته للدين على أَّنه العقبة أمام التغيير حيث ّ َ ُ ّ ّ َ ّ ْ ُ ّ ُ َ يقول:

"كّن ا نقوم بك ّل هذه النشاطات االحتجاجّي ة، ثم أذهب إلى المسجد على سبيل المثال ِ ِ ِ لسما ِع خطبة الجمعة ألجَد إماما سلفّي ا يخطب في النّاس قائال أّنه من الخطأ الخروُج ِ على الحاكِم أل ّن هللا هو من وّاله، وأ ّن علينا إصال َح أنفسنا أوال ال الحكوم َة ، وُه ار ء من هذا القبيل. كان اإلمام في الحقيقة يتزلف إلى الحكومة، وعندها بدأ ُت أرى الخطأَ في

خلط الّدين بالسياسة، وكيف أ َّن الخطا َب الدين َّي يمكن أ ْن ُيضَّر بالجهود اّلتي بذلناها ِ كناشطي َن في سبيل تحسين حياة الّناس وتحقيق الديمق ارطّي ة. ك ُّل ما كان الُد عاةُ الديني ّون يقولونه للناس يتل ّخص في أ ّن هذا األمر ح ار م، وأّنه ال يمكنكم االحتجاج أو الت ّشكيك ِ ِ ِ ِ ِ فيما يقوم به حسني مبارك، واستَمّروا بصرف أنظار النّاس إلى الحلول الفردّي ة كاإلكثار ِ ِ من الصالة والصياِم واصال ِح حياتهُم الخا َّصة.

عندما تناقشنا مع َم ْن ارحوا ينساقون و ارء هذه ال ُحج ِج لم يكن نقاشنا سهال أبدا ، فقد ٍّ ِ ِ ِ ٍّ حاولنا تقديم ُحج ٍّج منطقّي ة لهم، ُح َج ٍّج تستنُد إلى األدّل ة الت ّجريبّي ة ، ولكّن هم، في ك ّل مّرة ، ِ كانوا يلجؤون إلى حج ٍّج من القرآن والحديث الّن بوّي ، أو إلى أقوال بع ٍّض م َن المشاي ِخ أو األئّم ة." ِ ٍّ ويرى جمال أ ّن الحركات االسالمّي َة كانت على أتّم االستعداد لتقديم تنازالت لنظام مبارك، فقادة هذه الحركات ليسوا قواعدها ال ّش عبّي ة بال ّضرورة، ويقول في ذلك: ِ ِ ِ "علينا أ ْن نتذّك ر أ َّن أحَد المبادئ المركزية للحركة ال ّس لفّية وجماعة اإلخوان المسلم وَن ما ِ قبل سنة 2011 لم تكن تدعو لإلطاحة بحسني مبارك وحكومته، بل أّنهم لم يؤمنوا ب َخياِر الثّورة، وكالهما كانتا منافقتين للغاية لشخ ِص حسني مبارك، ولم تكن لهما من ٍّ ٍّ ٍّ غايات سوى إب ارِم صفقات معه، سعيا لالنضمام إلى البرلمان أو الت ّمت ِّع بمزيد من الحرّية في المساجد وأشيا َء من هذا القبيل."

175

َدف َع اإلص ارُر على أ ّن ال ّص الة َ، ال ال ّس ياسة، من شأنها أ ْن تح ّ ل مشاك َل مصر بجمال إلى إعادة الّنظر في ٍّ حماسه ال ّساب ِق تجاه َعمرو خالد اّلذي كان كثي ا ر ما كان يستشهد بآية من القرآن تقول: "إ ّن هللا ال يغّير ما بقوٍّم حتّى يغّيروا ما بأنفسهم )سورة الّرعد: اآلية 11(." ِ يرى جمال أ ّن رسالة عمر خالد األساسّي َة هي ذا ُت رسالة الّد عاة الت ّقليدي ّي َن ، رغم اختالف أسلوبه الّدعوّي عن أسلوبهم، فيقول:

"وكان ثلثا حديثه يدور حول تطوير الّذ ات، ولكّن ه كان يغّلف ذلك بالقيم الدينّية والوحي الديني من الت اريخ اإلسالمي ، ولذلك كان يلقي خطبا تحفيزي ة ، ويروي قصصا ملهمة ّ ّ ّ ّ ُ َ ّ ُ ِ تح ّض على ال َجّد في العمل، واالجتهاد في المدرسة، والتصُّد ِق على الفق ارء.

وأنا غيُر مقتن ٍّع بأ ّن هنالك إسالما "معتدال " وآخَر " ارديكالّي ا "، بل هنالك ُدعاة مختلفون ٍّ ٍّ ِ ِ يحاولون استرضاء الّناس، واظهاَر الّدين بطرق معينة ُبغي َة استيعاب هموِم ومخاوف ٍّ ٍّ شريحة معيّنة من ش ارئ ِح المجتمع.

فعندما كان عمرو خالد يخط ُب ، على سبيل المثال، كان يتوّجه بخطابه ذاك إلى ال ّط بقات المتوّس طة والعليا في مصر مّم ن تعل ّم أبناؤهم في الجامعة األميركّي ة في القاهرة، ٍّ أو مّمن عاشوا نم َط حياة شديد التّحّرر، فلو أخبرهم بضرورة الفصل بين الّ رجال والّن ساء، أو أ ّن المرأة يجب أّال تذهب إلى المدرسة أو العمل، ما كانوا ليستسيغوا األمر."

ِ ِ وتفتّح ْت عينا جمال أكثر عندما انك ّب على د ارسة الحضا ِرة الغربّي ة وفكِرها، وذلك في بداية د ارسته في الجامعة، فيقول: "كانت تلك أوَّل م ّرة أ ّط لع فيها على الكثيٍّر من الّنصوص األساسيِّة في الحضارة ِ ِ اإلنسانّي ة، كتاري ُخ اإلغري ِق والّ روما ِن وثقافت ِهما، إضاف ة إلى الثقافة العربّية الكالسيكّية، وثقافة عصر ِ الّن هضة وعصر الت ّنوير، وجمي ِع أولئك المفّك رين." كما الحظ أ ّن معظم الكتّاب الذين كان ْت أعمالهم ت َُد َّ رُس ِ ِ ِ ٍّ في الجامعة كانوا في الغالب مّمن "ُي َشَّه ُر بهم على منابر المساجد في ُخ َطب ال ُجُمَعة، أو في أي مناسبة ِ ِ ينبري فيها واع ظ ما للحديث عن الحضا ِرة الغربّي ة بوصفها حضارة فاسدة؛ ويقول: "أدرك ُت لدى ق ارءة هذه الّنصوص من مصادرها المباشرة، واّل تي طالما نّدد بها الّد عاةُ أّنها كانت تتكلّم عن الحرّية وتََقُّدِم البشريّة ِ والعلمانّية ، وما هذه إال مفاهيُم طبيعي ّ ة جّد ا ."

176

تداعى حكم حسني مبارك أخي ا ر، وذلك في شهر شباط/فبراير من العام 2011، بعد ما يقرُب من ثالثي َن ِ ٍّ ٍّ عاما من الحكم، وتولى المجل ُس األعلى للقّ وات المسّل حة ال ُحكَم بشكل مؤّق ت. وبعد بضعة أشهر حاَز ِ ِ حزُب الحرّية والعدالة التاب ُع لإلخوا ِن المسلمي َن وحلفاؤهم على 235 مقعدا من أصل 508 في االنتخابات ِ البرلمانّي ة. كما فاز حزُب الّن ور ال ّس لف ُّي بـ 123 مقعدا ، مّم ا َمَن َح اإلسالميّين أغلبي ّ ة ساحقة ، وتب َع ذلك في ِ شهر حزيران/يونيو 2012م انتخابا ت رئاسية فاز فيها محّم د مرسي مرّش ُح جماعة اإلخوان المسلمين ِ ِ ٍّ متفوقا على منافسه الفريق أحمد شفيق، الجنرال ال ّس اب ِق وآخُر رئيس وز ارء في عهد حسني مبارك.

لقد كانت تلك اللحظة لحظ ة برز فيها اإلسالميّون ، إّال أ ّن فوز مرسي لم يك ِن انتصا ا ر حقيقّي ا كما بدا ِ ِ ِ للوهلة األولى، فقد وضعت الجول ُة األخيرةُ من االنتخابات الرئاسّي ة الناخبي َن بين خيارين ال ثال َث لهما، خيارين كان أحالهما ُمّا ر، إما اإلخوان أو شخصّي ة من الّن ظام ال ّس ابق. ونتيج ة لذلك صّو َت لمرسي الكثيُر ِ مّم ْن يكرهون شخ َص شفيق ويتطّل عون إلى الت ّغيير، ال حّبا بجماعة اإلخوان المسلمين. بدا مرسي في بادئ األمر وكأن ه يعزو فوزه في االستحقاق االنتخابي الرئاسي لمن صوتوا له من خارج جماعِة اإلخوان ّ ّ ّ ّ ِ ِ ِ المسلمين، قاعدة دعمه الت ّقليدّي ة، وفي خطاب ألقاه في ميدا ِن الت ّحريِر بعَد إعال ِن الن ّتيجة ألمح مرسي إلى

أ ْن ال إقصا َء في فترة حكمه، فقال:

"أقول للجميع، لكل فئات الشعب المصري، ألهلي وعشريتي في هذا اليوم المشهود، إّنني

اليوم باختياركم بإرادتكم أنتم بعد فضل هللا عز وجل، رئي س لك ّل المصرّيين بجميع فئاتهم، أينما كانوا، في الداخل أو في الخارج، في كل محافظات ومدن وقرى مصر، ٍّ سأكون في هذا اليوم المشهود على مسافة واحدة من ك ّل المصرّيين، لك ّل قدره ومكانته، 2 ال تمييز إال بمقدار عطاء ك ّل منهم لوطنه واحترامه للّدستور والقانون."

إال أن كل ادعاءاته بعدم اإلقصاء سرعان ما تبخرت، ف ف ق د االسالميون الدعم والتأييد سريعا، وبعد مضي ّ ّ َّ ّ ّ ْ ََََ ّ ّ ّ ُ ّ خمسة أشهٍّر فقط من توّليه منصب الّرئاسة أصدر مرسي مرسوما اعتبره الكثيرون أنه ينشد من خالله ِ من َح نفسه صالحّي ات ديكتاتورّية. ورغم ما قيل بأّنها كانت صالحّيات مؤّقتة بانتظار انتخابات مجلس ال ّشعب الجديدة، كان هذا المرسوم في حقيقة األمر يهدف إلى منع مواجهة أ ٍّّي من ق ار ارته الّرئاسّية اعت ارضا في المحاكم. وتعليقا على ذلك كت َب "بيتر بومونت Peter Beaumont" في صحيفة الغارديان البريطانّية: "بعد ح ّل مجلس ال ّشعب، أصبح ْت ك ّل من ال ّس لطتين الت ّشريعّي ة والت ّنفيذّية بين يدي مرسي، بل

177

وزاد عليها - على ما يبدو- ال ّس لط َة القضائّي َة، معتب ا ر نفسه فوق المحاكم، وعيّن نائبا عاّم ا دون الت ّشاور 3 مع أحد." وبعد بضعة أسابيع َنشرت صحيفة إيكونيميست الت ّقييَم التّالي لرئاسته:

" وعد السيد مرسي بتشكي ِل حكومٍّة قوي ٍّة ، وبتحسين االقتصاِد ، وبصياغِة دستوٍّر تقدمي َ َ ّ ّ ّ ُيَقّر بالتوافق، ويبّدد مخاوف جميع المصري ّين، إّال أ َّن المصرّي ين يشكون اليوم من ركوٍّد ٍّ ِ ِ ِ ِ في االقتصاد، وحكومة تشوبها األخطاء، وتدهوٍّر في حال الخدمات العاّم ة المنها رة ِ أصال ؛ كما واشتكى غير اإلسالمي ّين من عدم احتوائهم من قبل الّ رئي ِس الذي تجاه َل دعوة لحضور حف ِل تنصي ِب البابا القبطي الجديد زعيِم األقليِة المسيحيِة التي تمثل ٪10 ّ ّ ّ ِ من سّكا ِن مصر؛ كما تجاهل اإلسالمّي ون انسحا َب األعضاء الليب ارلّي ين والمسيحي ّين من اللجنة المؤّل فة من 100 شخ ٍّص والمكّل فة بكتابة الّدستور، والتي سارعت بعد ذلك إلى ٍّ ِ ِ ٍّ 4 طرِح مشروِع دستور تضَّم َن في اللحظة األخيرة بنودا ُوضعت السترضاء الجيش."

كان الدستور الجديد بحاجٍّة إلى دعٍّم شعب ٍّ ي واس ٍّع ليصبح أساسا لمصر ما بعد مبارك، إال أن ه كان - ّ ُ ّ ّ ّ على العك ِس تماما - سببا لالنقسام ومثار جد ٍّل مستمٍّر . تم ِت الموافقة على الدستور في استفتاٍّء شعب ٍّي َ ّ ّ ُ ّ ّ بنسبة 64٪ من األصوات وْسط شكاو ى حوَل عدِم التّشاوِر ال ّسليِم، وهي نسبة أق ّل مّم ا كان يرقى إليه طموح اإلخوان المسلمون . كانت نسبة المشاركِة في االستفتاء الشعبي ضعيفة نسبيا ، فهي لم تتجاوز ُ ُ ّ ّ ِ 33٪، أ ْي أ ّن حواَلي 20٪ فقط من الّن اخبين المؤّهلي َن للتّصويت قد قال "نعم"، في حين أ َّن ثال َث ٍّ محافظات من أص ِل 27 محافظ ة في مصر صوتت بأغلبيتها "بال"، كان أبرَزها محافظ ُة القاهرة اّلتي

صّ وتت بنسبة 57٪ تقريبا ضَّد الّدستور.

وفي حزيران/يونيو 2013 عيَّن مرسي 17 محافظا جديدا ، وأكثُر ما أثار الجدل اختياُره لعادل الخّياط لمنص ِب محاف ِظ األُقصر، المق ِصد السياحي الش هير. ينتمي الخياط إلى الجنا ِح الس ياس ِي للجماعِة ُ ّ ّ ُ ّ ّ ِ ِ ِ ِ اإلسالمي ّة المت ّهمة بالمسؤولية عن مذبحة األقصِر اّلتي وقعت 1997، والتي ارح ضحيتَها 58 سائحا

وأربع ُة مصريين. بدا تعيين أحد أعضاء هذه الجماعة محافظا لألقصِر خطوة استف اززّي ة للغاية رغم أّنها ِ أعلنت نبذها للعنف إّبان الهجوم. كانت الجماعة تُعتبر معادي ة لل ّس ياحة ولآلثاِر اّلتي تعود إلى ما قب َل اإلسالم، وقد نشرْت منشو ا ر في موقعها على شبكة االنترنت تقول فيه: "بما أ َّن القرى ال ّس ياحي َة فيها ما ِ يغض ُب هللاَ كالخمور والقمار وغيرها من المحّ رمات، فبنا ُء هذه الفنادق والقرى هو إعان ة ألصحابها على

178

اإلثِم والمعصية، وهذا ما ال يجوز ال ّس ما ُح به." وقد اعت َبرت صحيف ُة المصرُّي اليوَم أ ّن اختيار مرسي ِ 5 للخّياط كان السترضاء الجماعة "ألنها ال ّطر ُف الوحيُد الذي يقف إلى جانب اإلخوان ضّد ال ّ شعب."

وفي خطوٍّة مماثلة عيّن مرسي اإلسالم َّي عالء عبد العزيز وزي ا ر للثقافة، وهذا ما اعتبره الكثيرون خطوة ِ ِ ِن استف اززّي ة، وسرعان ما َفص َل عبَد العزيز رؤسا ُء الهيئة المصرّية العاّم ة للكتاب ، وق ّط اعُ الفنو الجميلة، 6 وداُر األوّب ار المصرّية، والمكتب ُة الوطنّي ُة واألرشي ُف. ٍّ ٍّ ِ في تلك األثناء، أّد ْت عّد ة فضائ َح طالت شخصّيات إسالمّي ة إلى موجة من ال ّس خرية ضّدهم بسبب سلوكهم غير الوِرع؛ فقد حاول العضو الس لفي في البرلمان أنور البلكمي أن يفسر سبب تضميِد وج ِهه َ ُ ّ ُّ ّ ْ ّ َ َ ٍّ ِ ِ ِ بضمادة كبي ٍّرة بإبالغ ه ال ّش رطة أّن ه تعّ ر َض لهجوٍّم من قبل بع ِض اللصوص الذين سرقوا منه 16000 ِ ا دوالر وحاولوا أ ْن يسلبوه سيارتَه، لك ْن تبيّن الحقا أن ّه اخترع هذه الق ّصة إلخفاء حقيقة أّن ه أجرى عملية 7 جراحّي ة تجميليّة ألنفه. أّما ال ّس ياس ي ال ّس لف ي اآلخر علي ونيس فقد أُدي َن بارتكاب الفاحشة علنا ، وذلك ِ ِ 8 عندما ضبطته ال ّش رط ُة في سيارته المركونة "يداع ُب" طالب ة كانت جالس ة في ح ْجِره.

ِ ٍّ ٍّ وبعد عاٍّم من توّل يه ُسَّدةَ الّ رئاس َة كأّ ول رئيس مصرٍّّي منتخب ديمق ارطّي ا ، اجتاح ْت مصَر موج ة أخرى من ِ ِ االحتجاجات انتهت بأ ّن أطا َح الجي ُش المصرُّي بمرسي وتّم وضعه في ال ّس جن، وكان ذلك بداي ة لسلسلة جهوٍّد متضاف ٍّرة ووحشّية غالبا لقم ٍّع جماعة اإلخوان المسلمين، وقد القت تلك الجهود دعما علنّيا من بع ِض دوِل الخلي ِج العربي أيضا. مع سيطرة الجيش على مقاليد الحكم، تم تقديم مرسي وشهور حكِمه ّ ّ ُ َ ٍّ االثني عشر كب َش فداء لجمي ِع مشاك ِل مصر، بما في ذلك ما اعتبره الكثيرون "مشكلة" اإللحاد.

ٍّ قال الكاتب حلمي نمنم في مقابلة على قناة دريم: "ظهرْت حركة اإللحاد هذه ألول م ٍّرة في تاريخ مصر ن ٍّ خالل ال ّس نة اّلتي حكَم فيها مرسي واإلخوان المسلمو مصر، ووصفها على أّنها رّد ةُ فعل ضّد سوء حكم جماعة اإلخوان المسلم ون اّلتي َدَفع ْت عاّمة المصرّيين إلى المساواة بين الّدين والقمع، وبالتالي فإن ما ن اره مع ظهور اإللحاد هو رّد فعل ضد حكم اإلخوان المسلمين الضعيف والفقير فكريا وذو األفكار واألفعال البالية والمهترئة حتى عندما نقارنه بالفقه والفكر اإلسالمي المعاصر."9

لكن خالد دياب، وهو صحفي ملحد ، كان قد كتب عن اإللحاد في مصر بما ال يتفق مع هذا ال أري حيث ّ ّ ّ ّ يقول: "بالّن سبة لألشخاص الذين تخّلوا عن دينهم أو الذين هم بال دي ٍّن أصال ، ال أعتقد أ ّن لرئاسة مرسي أي دوٍّر في تخل يهم عن دينهم، فلو كان األمر كذلك لم ا كان لمصر والعالم العربي تاري ِخ طويل من ّ ّ َ ّ

179

َّ ٍّ اإللحاد، وقد ت َخلى عدد كبير من هؤالء عن دينهم قبل الثّورة بفت ٍّرة طويلة، وبعضهم ملحد منذ فترة طويلة."

ٍّ ٍّ ِ ويبدو أ ّن االهتمام باإللحاد في وسائل اإلعالم المصرّية قد تطّور ألسباب سياسية أبرزها األداء المتشّدد ِ ٍّ ٍّ لإلسالميي َن في أّول انتخابات برلمانّي ة بعد ُحكم مبارك، و ازد ذلك االهتماُم أكثر خالل الفترة اّلتي أعقبت ِ تول ّي مرسي رئاسة مصر، وما تال ذلك من اإلطاحة به على يد الجيش المصرّي . يقول دياب:

ٍّ ٍّ ِ "بدأت وسائ ُل اإلعالِم بالت ّعامل مع اإللحاد بشكل مكثّف ، خصوصا في الفترة اّلتي أعقبت ِ اإلطاح َة بمرسي، فبدت بذلك وكأّن ها تحاول اإليحاء للناس بأ ّن تفسي ارت اإلسالم تلك هي اّلتي قادت الّناس إلى الكفر، ويبدو أ ّن الحكومة استخدمت اإللحاد للترويج لفك ِرة أ ّن

مصر تمّر بأزمة إيمان َسببُها الرئيس هو جماعة اإلخوان المسلمين والتي كانت تب ّس ط األمور إلى حّدها األقصى، بل إلى درجة الغباء أحيانا ."

ٍّ ٍّ لم أجد في أ ٍّّي من مقابالتي اّلتي أجريتها مع الملحدين أ َّي صلة حقيقّي ة لإلخوان بإلحاد هؤالء، ف رغم أ ّن اإلخوان لم يحاولوا اقناع هؤالء "بالتوبة"، فقد كان إلحادهم في الغالب ٍّ ِ عملي ة فكرّي ة أو روحّي ة، إذ كانت غاي ُة عدد كبيٍّر منهم في بداية األمر ترسي ُخ إيمان هم أو

فهُم دينهم بشكل أكبر." ٍّ لك ّن دياب يعتقد أ ّن اإلطاحة بمبارك وما تال ذلك من تداعيات قد خَلق ْت فرقا كبي ا ر فيما يتعلق باإليمان

والكفر، إّال أ ّن ذلك لم يكن كما رّوج له إعالميو العسكر. ويتابع دياب حديثه قائال : ِ "جعل ْت الثورة المصرّية غيَر المؤمنين أكثَر ج أرة وانفتاحا من ذي قبل، وَدفعت الّناس إلى ٍّ االستفسار عن ك ّل شيء حتى الت ّشكيك به، مّما جعل المجتم َع أكثر انفتاحا على الت ّسامح مع الخالفات، وقد أصبح المصريون عموما - حتى المؤمنون منهم - أكثر

انفتاحا من السابق على الُّن ُظم العقائدي ّة األخرى، وأصبحوا اآلن يتقّبلون فكرة عدم وجوب أ ْن يكون الّناس جميعا في مساٍّر واحد، فيمكن مثال أ ْن تكون إنسانا طّيبا دون أ ْن تكون مؤمنا ، وفي المقابل يمكن أ ْن تكون مؤمنا وسيّئا في الوقت ذاته.

وأعتقُد أ ّن اإلخوان المسلمون استفادوا قليال من هذه الّن قطة، فقد صّوت الكثيرون لصالحهم وذلك ألّنهم أ َروا فيهُم الّرجال األتقياء والمن ّظمين الجديرين بإدارة البالد، غير أ ّن 180

إدراك الّناس أ ّن مجرد كون اإلنسان تقّي ا ال يعني أن ّه إنسا ن مؤه ل بالضرورة قد أنار عقول الكثير من الناس، فعدم تمتعك بالتقوى ال يعني أن ك إنسان سي ء. َ ّ ّ ّ

ومن العوامل األخرى مواق ُف ال ّس لفّي ين واإلخوان المسلم ون حيث ظنّوا أنف َسهم الوحيدين الذين يدينون باِإلسالم الصحيح. لم يكن هذا سببا ابتعاد الّناس عن الّدين، لكّنه كان

كفيال بتوعيتهم أ ّن أ ّي إنسا ٍّن ُع رض ة لالت ّهام بالكفر؛ فحين يتّهم هؤالء المتطرفون الّناس 10 بالكفر- ولو كانوا مسلمين ملتزمين- سيبرز السؤال الت ّالي: إلى أين سينتهي ذلك؟"

ِ ٍّ إ ّن إطالق األحكام ليس حك اُر على ال دعاة أو الحركات اإلسالمّي ة بأ ّي شكل من األشكال، فال ّص حف ي ِ المصرّي مجدي عبد الهادي يشير إلى ما ُيدعى "مجموعات القصا ِص الصغيرة" المؤلفة من أف ارد يرون أ ّن من واجبهم فر َض القانون، ومعاقبة المذنبين، أل ّن الدولة عاجزة عن ذلك برأيهم، ويشّكل هؤالء مصدَر إزعا ٍّج يومي للمواطنين المصري ين األقل الت ازما . ّ ّ ّ

يصف عبد الهادي في منشوٍّر على صفحته ال ّش خصّي ة كيف أ ّن محاسبا في مركٍّز لخدمة السيارات رفض ِ كتاب َة اسِم والده حين كان يقوم باستيفاء بياناته، وذلك أل ّن ال ّط ريقة اّلتي ُكتب بها االسم كانت غير ِ ٍّ إسالمّي ة على حّد زعمه. كما قام سائ ُق سّي ارة أجرة بتأنيب صديقة عبد الهادي لخروجها حاسرةَ ال ّرأس، فأجابت بأّن ها مسيحّي ة قبطية، إّال أ ّن السائق أصّر على ضرورة ارتدائها للحجاب اقتدا ء بالسيدة مريم العذ ارء. بالمناسبة، إ ّن هذا الّن وع من المضايقة كان تكتيكا اعتمده مؤّس س حركة اإلخوان المسلم ون حسن البّنا في عشرينيات القرن العشرين، فقد اعتاد البنّا على مضايقة جيرانه بإرسال مالحظات ال تحمل اسم كاتبها، وكان ينتابه الش ّك في كونهم مسلمين غير ملتزمين. ويضيف عبد الهادي قائال :

ٍّ ٍّ ٍّ ِ "لي جا ر حّوَل حديقة منزله إلى مسجد صغير مزّود بمكبر صوت موصول بأحد أعمدة ِ ٍّ اإلنارة في الخارج، ثّم ما لبث أن انضّم إليه جا ر آخُر على مقربة منه واضعاُ ُمكّبرْي ٍّ صوت على سطحِ شقته باتجاهين مختلفين، وكان يمنح ابن ُه ال ّص غير أحيانا فرصة رفع األذان في الحي في الساعة االربعة فج ا ر ليذك ر الناس أن "الصالة خير من النوم". ّ ّ ّ ّ ٍّ ال أصّد ق أ ّن مسؤول الحي قد عجز ع ِن ات ّخاذ إج ارءات بحّق هم بعد أ ْن تقّدم ُت بشكو ى ضّدهم، إّم ا أل ّن حال ُه حا ُل جي ارني، أ ْي أّنه يعتقد أّنهم على صواب، والدولة على خطأ، أو أّنه لم يستط ِع االهتمام بالموضوع أكثر من ذلك، أو ربما لل ّس ببين معا ؛ إّال أّن ي عندما

181

عاودت االتّصال به لتذكيره بأ ّن المشكلة لم تُح ّل، الحظ ُت أّنه كان قد َض ب َط هاتفه ِ ٍّ المحموَل على نغمة رني ٍّن إسالمّية.

إ ّن األذان في واق ِع األمِر يُب ّث في اإلذاعة المصرّية الرسمّي ة، وفي التلفزيون ، وفي معظم ال ّشبكات الخا ّصة، كما أ ّن أوقات الصالة تُنشر أيضا في جميع ال ّص حف اليومّي ة، إضافة ٍّ ٍّ ٍّ إلى احتواء الجّ وال على ب ارم َج ألذان مس ّجل ومضبوط بدّق ة وفق الت ّوقيت الصحيح، ولهذا األمِر معنى أكبُر من كونه تذكي ا ر للناس بالصالة، فهو أقرب إلى الت ّسّل ط، ومحاولة 11 السيطرة على الفضاء العاّم أقرب من تذكير الّناس بالصالة."

ت ارفق ْت حملة القمع ضّد جماعة اإلخوان المسلم ون مع بدء النظام العسكرّي بإثبات جدارته ومؤهالته الديني ة، فتم وضع دستور جديد بعد طرحه لالستفتاء الشعبي في كانون ثاني/يناير 2014، دستوٍّر ظل ّ ّ ّ ّ ِ فيه اإلسالُم دي َن الدولة وبقي ْت "نصوص ال ّش ريع ُة اإلسالمّي ُة المصدر الرئيس للتشريع"، على أ ْن تُن ّظ م األمور ال ّش خصّي ة والّد ينّي ة للمسيحيّين واليهود وف َق "شريعتهم" الخا ّص ة، كما ن ّص الّدستور الجديد على أ ّن ٍّ ٍّ "األسرة هي نواة المجتمع قائمة على أس ٍّس دينّي ة وأخالقي ّة ووطنّي ة"، لك ّن هذه البنود من الّدستور لم تسر ٍّ دون مواجهة التحدّيات، فقد تقّد مت مجموعةُ من الملحدين المصري ّين باعت ارضات رسمّي ة، مطالبين بعدم 12 شملهم في مشروع الّدستور ذاك، لكن دون جدوى.

غير أ ّن مواّد أخرى في الّدستور ن ّصت على عدم التمييز بين الّناس على أساس الّدين أو المعتقد، وقد وص َف الّدستور حّرّية المعتقد "بالمطلقة" رغم أّن ه ين ّص على أ ّن ممارسة األديان اإلب ارهيمّية يجب أ ّن يكون خاضعا للقانون )لكن لم تكن هنالك أُّي ة إشا ٍّرة لألديان غيِر اإلب ارهيمّية(، وللجميع "الح ّق في حّرّية ٍّ 13 التّعبير عن أريه سوا ء بالقول أو الكتابة أو الت ّص وير أو أ ّي وسيلة من وسائل التّعبير والّن شر". وقد َكتبت رنا علم في صحيفة ديلي نيوز المصرّية أ ّن هذه البنود من الّدستور فيها تناق ض، فتقول:

"كيف يمكن للمرء ضما ُن الحرّية عندما يقتصر الّدستور على األديان اإلب ارهيمّية الثالثة، متجاهال بذلك مليار ومائة مليون هندوسي على مستوى العالم، و488 مليون بوذيا، ّ ّ ِ ٍّ عداك عن أتباع الديانات األخرى ؟ كما يتجاهل هذا الّدستور أ ّن عدَم اعتناق أ ّي دين هو حّرّية شخصّي ة أيضا .... فليس بمقدور المرء أ ْن يكون ملحدا في مصر. ومن أغرب ما نجدهُ في هذا الّدستور كتابة الديانة على البطاقة ال ّش خصّية، كما أ ْن ال أحَد يستطيع

182

ِ الّ زواج مثال ما لم يك ْن من معتنقي إحدى الديانات اإلب ارهيمّية الثالثة، فال زواج مدنيا في مصر.

وفوق هذا وذاك، هنالك تمييز في الديانات اإلب ارهيميّة الث ّالث ضّد الشيعة، فالحديث عن مكر الشيعة وضاللهم، وحاجة مصر إلى إيقاف مد الفكر الش يعي هو الش غل الش اغل ّ ّ ّ ّ ُ ّ ُ ِ ٍّ لوسائل اإلعالم المصرّية المقروءة منها والمرئي ّة. وفي خطوٍّة الفتة منعت الحكومة ٍّ المصرّية الح ّج ا َج ال ّشيع َة من دخول مصر عّدة مّارت حتى بعد سريان العمل بالّد ستور "التقدمي".14 ّ ّ ّ ِ َبيد أ ّن المسلمي َن ال ّشيع َة لم يكونوا الوحيدين اّلذين أح ّسوا بنتائ ِج هذه الحرّية الجديدة المزعومة، فقد طال ْت ِ مساجَد ال ّسّنة أيضا ، حيث بدأت الحكومة - وبعد أسبوعين فقط من بدء العمل بالّدستور الجديد - بتحديد ٍّ مواضي َع محّددة لل ُخطبة لك ّل صالة جمعة، إّال أ َّن بعض مشايخ المساجد اّلتي تديرها الّدولة لم يرضخوا َّ ٍّ ٍّ للق ارر، فما لبثوا أ ْن تلقْوا تهديدات بات ّخاذ إج ارءات تأديبّية بحّقهم. أّما المساجُد اّلتي ال تخضع لسلطة ٍّ 15 الّدولة فقد تلقت تهديدات بأ ّن الحكومة ستضع يدها عليها. وفي هذه األثناء كان الجيش المصرّي يبني مسجدا جديدا ضخما سِمي فيما بعد مسجد المشير الطنطاوي قائِد الجي ِش الذي أُقيل على يِد مرسي سنة ُ ّ َ ُ ّ َ ُ 16 ٍّ 2012. لم يكن ذلك في الحقيقة سوى استبدا ٍّل لتسُّلط الّدين بتسّلط من نوٍّع آخر.

ٍّ ٍّ وفي شهر حزي ارَن /يونيو من سنة 2014 وبعد مضي أسبوٍّع على انتخاب ال ّسيسي كرئيس جديد لمصر نشرْت صحيف ُة األه ارم المصرّية مقاال تحدثت فيه عن إعداد الحكومة خ ّط ة أمنيّ ة "لمواجهة اإللحاد في مصر واإلجهاز عليه". فبدت تلك الخ ّط ُة الّتي طّورتها و ازرة ال ّشباب والّرياضة - بحسب ما أوردته ال ّصحيفة - انعكاسا للّرؤية ال ّس ائدة بأ ّن "اإللحاَد هو مشكل ُة ال ّشباب" وأّنه سيأخذ أبعادا أكبَر قد تشمل ِ 17 المجاالت "الّدينّية والنّفسيّ َة واالجتماعّي َة والتّربوّي َة".

نشرْت صحيفة البديل اإللكترونّي ة ومقّرها القاهرة ُقبيل نهاية سنة 2013 على صفحتها الّرسمية فيلما ٍّ ٍّ ُيظهر ثمانية ُشّبا ٍّن مصرّيين يتحدثون عن إنكارهم أل ّي عقيدة دينّية والت ّحامل الذي واجهوه نتيج ة لذلك، ن حيث قال أحدهم: "ليس من ال ّسهل على الّناس تقُّبل فكرة أ ْن أكو بال دين" ويقول آخر: "لو َعلَم الّناس ٍّ في مكان العمل بذلك األمر ألصبح ُت بال عمل". ويقول ثال ث وهو سلف ي ساب ق : "إ ّن مطالبنا بسيطة ِ 18 للغاية وأساسّي ة، فنحن ال نطمع إال بالحصول على ذات الحقوق اّلتي يتمتّع بها أ ّي مصرّي آخر".

183

ِ ِ ٍّ وقد تَّم ذكُر أسماء غير المؤمنين مم ْن ظه روا في الفيلم وهم ستّةُ رجال وام أرتان كانت وجوههم ظاهرة للكامي ار باستثناِء واحٍّد منهم. وقدم هذا الفيديو الموجز في اثنتي عشرة دقيقة آ ارءهم بأسلو ٍّب واقع ٍّي دون ّ ّ التّعليق عليه. قد ال يكون لهذا األمر أهمّي ة كبيرة في العديد من الّدول، لك ْن حين يتعّلق األمر بوسائل ٍّ ِ اإلعالم المصرّية المتحّدثة باللغة العربّية فقد بد ْت تلك الحادث ُة أم ا ر غير مألوف أبدا وغير مسبوق، فم ث ُل ِ ِ ِ ِ هذه اآل ارء ستُقاَب ُل باإلدانة أو ستُوا َج ُه من قَبل المعارضين لها على أق ّل تقدير، هذا إ ْن ُعِر َض ْت أصال .

عندما حاولت الفضائّية العربّيةHonest TV معالج َة موضوع اإللحاد في برنام ٍّج حوارٍّّي مباشٍّر، أوضح مقّدم البرنامج محّمد موسى أ ّن هذا البرنامج جز ء من الحرب على تلك "األفكار الهّدامة" معتب ا ر اإللحاَد مؤامرة خارجي ة. وقد َقِبل مصطفى زكريا، وهو ملح د من اإلسكندرّية، الظهور في هذا البرنامج في خطوٍّة ٍّ شجاعة أو رّبما حمقا َء منه، فأخبَر المشاهدين أ ْن ليس لديه أدنى رغبة في "إهانة األديان" إّنما كانت ٍّ رغبته وببساطة هي أ ْن يتّقبله المجتمع المصرّي كملحد. لم تكن غاية زكريا نقد الّدين أو اإلسالم. ِ ِ ِ ِ ٍّ وأضاف أ ّن على النّاس استيعا ُب ضرورة بقاء المعتقدات الدينّية أم ا ر شخصّيا ، وأن ّنا بحاجة أل ْن نعامل بعضنا البعض كبشر.

ورّدا على تصريحات زكريا، طاَل َب رج ُل الّدين المعرو ُف محّمد علي جمعة باعتقاله واعدامه. يقول هذا ال ّشيخ أ ّن اإللحاَد "ظاهرة جديدة ابتكرها ال ّصهاينة". أّم ا رئيس مديرّية أمن اإلسكندرّية فقد قال للبرنامج أنّه ِ ِ ِ ٍّ كان بصدد تشكيل فرقة تد ّخل خا ّصة من ال ُّضّباط المتخ ّصصين في معالجة "ج ارئَم" كهذه العتقال الملحدين.19

ِ ٍّ وبشكل عاّم كانت الّنقاشا ُت اّلتي دارت على شاشات الّتلفزيون المصرّي عن اإللحاد غيَر ُمنصفة. تقول ِ أميرة نويرة، أستاذةُ األدب االنكليزِّي في جامعة اإلسكندريّة:

"حتّى عندما يقولون أّننا سنتحدث اليوم عن اإللحاد، فإنّهم يعتبرونها مشكلة، أو شيئا ما ٍّ يجب التّصّدي له، ال حقيق ة واقعة. وهذا يشبه إلى حّد كبيٍّر حديثهم عن المثلّي ة الجنسّي ة ِ على سبيل المثال. وحتّى إ ْن تحّدثوا عنه فإ َّن في حديثهم هذا ما يشيُر ض منا إلى ضرورة محاربته.

فك ّل ذلك الّن قاش يميل إلى ضرورة اعتناق المرء عقيدة محّددة ويح ُّض ال ّشبا َب على ضرورة االلت ازِم بمعتقداتهم. لم ألحظ أي عد ٍّل حقيق ٍّي في التعامل مع الناس الذين لديهم ّ ّ ّ ّ

184

ٍّ ن شكوك حول الّدين، فحتّى ُمقّدُم البرنام ِج ُمنحا ز. وأعتقد أّنهم يخشو أ ْن يبدوا بنظر الّناس أّنهم يش ّجعون الملحدين، لذا فإّنهم يسلكون ال ّطريق اآلخر تأكيدا منهم على أّنهم ال يؤيدون اإللحاد."20

ِ ِ عندما ظهر الملحُد إسماعيل محّمد على قناة المحور الفضائّية سنة 2013، كان عال م من علماء جامعة ِ ِ ِ األزهِر يف ّسر للمشاهدين سبب اعتباِر اإللحاد جريمة ، فقال:

"أوال ألنّه يتعارض مع قانون سيادة الّدولة.

واألمر الثاني هو أ ّن الترويج لإللحاد ال ينجم عنه سوى إثارة ال ّشكوك باألديان ال ّسماوّية مّما ُيعتبر شكال من أشكال ازد ارء األديان. ِ وثالثا ... أل ّن التّضلي َل الفكرّي بحّد ذاته يعتبر جريم ة بح ّق العقل، وذلك حين تقوم ٍّ ٍّ 21 بتضليل إنسان بسيط عمدا ... ُمقنعا إّياه أ ْن ال وجود هلل وأ ّن الحياةَ مادّية ... ٍّ بدا أ ّن الغاية من هذا البرنامج مناقشة مطالب إسماعيل محّمد وعدد من الملحدين اآلخرين بأ ّن تُؤخذ حقوقهم بعين االعتبار في مشروع الّدستور المصرّي الجديد. إّال أ ّن الحوار لم يكن مثم ا ر، فكّلما حاول ِ ِ محّمد الّرَّد على رجل الّدين كانت ُمقّدم ُة البرنامج رهام ال ّسهلي تضغط عليه باستم ارر ليشرح لها ما اّلذي "جناه" من و ارِء اإللحاد:

-ال ّسهلي: المعذرة محّمد، لكن أوُّد أ ْن أسألك سؤاال ، ما الّذي جنيته من اإللحاد؟

-محمد: ال شيء على اإلطالق.

-ال ّسهلي: يجب أ ْن أسألك ... ِ -محمد: )مخاطبا ُمقّدمة البرنامج(: وما الذي جنيتُموه من الّدين؟ ُّ -ال ّسهلي: ك َّل شيء. حياتي كلها من الّدين.

ِ ٍّ ٍّ ٍّ -محمد: أوال ، أنا أيضا استفدت من إلحادي في ك ّل شيء، فأنا أتمتّع بإنسانّية ارئعة ٍّ وجميلة جّدا ...

185

-ال ّسهلي: آه ...

-محمد: ليست هذه هي القضّية.

-ال ّسهلي: تقصد أّنك استفدت من اإللحاد؟

ٍّ -محّمد: إ ّن الفكرة برمتها أ ْن ثّم َة نقا ُط التباس يجب توضيحها قليال ونحن ال نفعل ذلك...

-ال ّسهلي: ما الذي جنيته من اإللحاد؟

ٍّ -محّمد: لم أج ِن شيئا ، ما من مكسب في ذلك ... ك ُّل ما في األمر أّنني تغّيرت. لقد ٍّ ٍّ اعتدت على اإليمان بشيء معّين، واآلن أنا أُؤمن بشيء آخر. أنا إنسا ن مثلك وأنا مواط ن مصر ي مثلك وأنتمي إلى هذا المجتمع ولي حريّتي في التّعبير عن ُوجهة نظري. ِ ٍّ فيما يتعّلق بالفكرة اّلتي نروجها )لإللحاد(، فنحن ال نرّوج لشيء على اإلطالق، ونحن ال نريد من الّناس أ ْن يلحدوا وال أ ْن يتخّلوا عن دينهم، إّنما ...

-ال ّسهلي: هل أنت سعي د بإلحادك محّمد؟

-محمد: المعذرة من فضلك، دعيني أتحّدث قليال ...

-ال ّسهلي: ممم ...

-محّمد: الحديث عن اإللحاد واعتباره جريم ة وما إلى ذلك ... إذا كان األمر كذلك فإ ّن علينا ُمصادرة العديد من كتب الفالسفة في مكتباتنا وجامعاتنا. فالكثير من الفالسفة ن الذين ندرس فلسفتهم باإلضافة إلى فالسفة اليوم يقولو أشيا َء من هذا القبيل. فعندما ِ ندرس مثال كتبا لــ ِ" نيتشه" وهو القائل بأ ّن "هللا ميت" – أعني على سبيل المثال فقط – هل يعني ذلك اآلن ...

ِ ِ -ال ّسهلي: )تقاطعه مذعورة على ما يبدو من ذكر أ ّن هللا مّيت(: أستغفر هللا.

ثّم تحّول الّنقاش إلى الحديث عن الّدستور المصرّي الجديد.

186

-ال ّسهلي: ماذا تريد من الّدستور الجديد؟

-محّمد: نريد دول ة للمواطن المصرّي.

ٍّ -ال ّسهلي: هذا أّول سؤال تجيب عليه اليوم.

-محّمد: نعم سيدتي، نعم، فهذا السؤال مه م جّدا ، إّنه سؤا ل عن تحديد مصير، فهو يتعّلق بمستقبلنا جميعا ...

-ال ّسهلي: مصير؟ مصيُر ماذا؟

-محمد: نحن ندعو إلى دولِة مواطنٍّة ال فرق فيها بين مسلٍّم ومسيح ٍّي، دولٍّة يستطيع ّ ّ فيها المسيحي مثال أن يصبح رئيسا للجمهورية، دولٍّة ليس فيها ... لقد كان المسيحي ُّ ْ ّ ّ ٍّ ممنوعا لفت ٍّرة محّددة من أ ْن يصبح رئيسا للّدولة وأظ ّن أ ّن ذلك هو الحال حتّى اآلن.

-ال ّسهلي: المسيحّيون تُمّثلهم الكنيسة وهي اّلتي تطالب بحقوقهم، ماذا عنك أنت؟ ماذا تريد؟

ٍّ -محّمد: نحن ضّد إعطاء األفضلّية للكهنوت أو بعبارة أص ّح نحن ضّد تحكم ...

-ال ّسهلي: أنت كملحد، ماذا تريد من الّدستور؟

-محّمد: أنا أتحّدث كمواط ٍّن مصرٍّّي.

-ال ّسهلي: آه ...

-محّمد: أنا أتحّدث كمواط ٍّن مصرٍّّي. ٍّ -ال ّسهلي: وكملحد أيضا .

-محّمد: ال سيدتي، أنا أتحّدث كمواط ٍّن مصرّي. ٍّ -ال ّسهلي: أنت كملحد طالبت بأ ْن ُيسمع صوتك، لذا ما االختالف الذي لمسته وتريد اقت ارحه لبقّية المصريّين وجميُع هم اآلن ُمَمّثلون في الّدستور الجديد؟

187

-محّمد: ال يا سيدتي، أنا أتحّدث كمواط ٍّن مصرّي، ... أنا لست مهتّما بعقيدة أحد، أنا لست مهتّما بعقيدتك. ٍّ -ال ّسهلي: أنت كملحد، طالبت كثي ا ر بأ ْن ُيسم َع صوتك، لذا ما االختالف الذي لمسته وتريد اقت ارحه على بقّية المصرّيين وجميعهم اآلن ُمَمّثلون في الّدستور الجديد؟

-محمد: سبق لي أن قلت ل ِك، وهذا مثال واضح وبسيط، أن ليس من ح ِق المسيحي ّ َ ْ ْ ّ ّ التّرّشح لرئاسة الجمهوريّة.

أ َحبط سيُر الّنقاش محمد فاشتكى أّنه لم ُيع َط الفرصة للحديث ثّم اعتذَر إلى المشاهدين والى "جميع أصدقائه" مما أتاح الفرصة لل ّسهلي لتك ارر مقولة أ ّن اإللحاد مؤامرة خارجّية وسأل ْت محّم د إ ْن كان هؤالء األصدقاء خارج مصر.

-محمد: ال سّيدتي، نحن مصرّيون، كّلنا مصريون، اسمحي لي ...

ٍّ -ال ّسهلي: أال تتواصل مع أحد في الخارج؟

-محّمد: ال سيدتي نحن شّب ان مصريّون، وأعني بذلك أّننا لسنا عمالء أو جواسيس.

-ال ّسهلي: لم يذكر أح د أّنكم جواسيس، لكن دعونا نأخذ فاصال قصي ا ر.

ن حتّى المشاهدو الذين اتصلوا بالبرنامج صبُّوا جاَم غضبهم على محّمد فقد اتّهمه البعض بالتّسبب في "تصديع" الصف االجتماعي و/أو التورط بمؤام ٍّرة خارجيٍّة ، رغم أن أحدهم ات هم محمدا بأنه كان جزءا من ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ خطة شّ ريرة يحيكها اإلخوان المسلم ون. وكان من ضمن المتّصلين بالبرنامج أّم محّمد واّلتي َع َ زْت سبب ِ إلحاده إلى "شدة تعّلقه بالكمبيوتر" وأضافت أ ّن إخوته غضبوا كثي ا ر عندما شاهد وا البرنامج.

غير أن ظهور محمد على شاشة التلفزيون لم يكن كارثة في نظر الجميع، فقد أشار الصحفي والناشط ّ ّ ّ ّ ّ الحقوقي البارز هشام قاسم إلى أن مجرد السماح له بالظهور كان اخت ارقا فريدا من نوعه، فيقول: "ذهلت ّ ّ ّ ّ ّ ُ ٍّ عندما شاهدت البرنامج حيث أّن ي لم أتوّقع رؤية شيء من هذا القبيل في حياتي."

188

22 ٍّ كما ُعرضت مقابلة مع أيمن رمزي نخلة على قناة الّنهار الفضائية، وهو أمين مكتبة في إحدى الكّليات، كان قد ترك ديانته المسيحية. أجرت المقابل َة معه رهام سعيد اّلتي مثلها مثل رهام ال ّس هلي لم تترك له المجال ليشرح وجهة نظره. ودار بينهما الحوار الت ّالي:

-سعيد: ما هو دينك؟

-نخلة: أنا من خلفية مسيحية.

-سعيد: ماذا تقصد "بالخلفية"؟

-نخلة: أعني أّني كنت مسيحيا ، أّما اآلن فأنا إنسان. عندما ُولدت كان أبواي مسيحيين، لذا فقد وضعوا الديانة "المسيحية" على شهادة والدتي. بقيت مسيحيا لعّدة سنوات لكّن ي اآلن إنسان.

-سعيد: لم يقل أح د أنك حيوان...)تضحك(.

-نخلة: ال أضع الّدين ضمن دائرة اهتماماتي فهو ليس مصدر قل ٍّق أو اهتماٍّم بالسبة لي...

-سعيد: أال تؤمن باهلل؟

-نخلة: ال يعنيني ذلك. كل ما يهّمني هو اإلنسان.

-سعيد: تقصد أّني أندرج ضمن دائرة اهتماماتك؟

-نخلة: بالتّأكيد نعم...

ِ استمّرت المقابلة وهو متشبّ ث بفكرة أ ّن األلوهيّة واألديان "ليست في دائرة اهتماماته"، وأ ّن هّمه الوحيد هو كيف له أ ْن يعيش كإنسا ٍّن محترم، ما دفع السيدة رهام سعيد إلى تك ارر سؤالها "من خلق اإلنسان؟" مشيرة

إلى أّنه "قد اختلطت عليه األمور" بسب تعّمقه في ق ارءة الكتب.

-سعيد: أريد أ ْن أعرف ما الذي جعلك تُقدم على اتخاذ ق ارٍّر كهذا؟

-نخلة: كان ذلك تطّو ا ر فكريّا .

189

-سعيد: أم أّنه كان نتيج ة لجلوسك في المكتبة وق ارءتك للكتب؟

-نخلة: لقد قرأت آالف الكتب.

-سعيد: من الذي ضّللك إذا ؟

-نخلة: لست ضاّال ، واّنما أعتقد أ ّن تطوري الفكري قد ساقني إلى فعل هذا.

-سعيد: ألم تخف؟

-نخلة: ومّم أخاف؟

-سعيد: تخّيل أ ّن هنالك نسبة 1% أّن ك مخطئ؟

-نخلة: إنه ق ارري الشخصي. ّ ّ ّ

-سعيد: )تكمل سؤالها(: ...ونزلت إلى القبر واكتشفت أ ّن هللا ح ق؟

-نخلة: إنه ق ارري الش خصي ، وال يح ُّق ألحٍّد أن يفرض الموت علي أو أن يعتبرني ّ ّ ّ ْ ّ ْ مخطئا ومن ثّم يقتلني ألّنه ليس هو من منحني الحياة.

-سعيد: من منحك الحياة إذا ؟

-نخلة: أبواي ولداني.

-سعيد: ومن خلق أبويك؟

-نخلة: آباؤهم وأجدادهم.

-سعيد: أشعر برغبٍّة في البكاء اآلن.

ِ -نخلة: ولَم تبكين؟ ال، ال تبكي.

-سعيد: ألّنني تأثّرت بكالمك، ألديك الج أرة حّقا لتقول ذلك؟

-نخلة: أنا ال أخشى الغد أو المستقبل.

190

-سعيد: ولكن أال تخشى أ ْن يعتبرك الّناس كاف ا ر؟ أال تُقلقك هذه الكلمة؟

وبعد بضعة أسابيع، أعلن وزير الثّقافة طرد نخلة من عمله وأحاله إلى النائب العاّم بسبب نشره أفكا ا ر "إلحادي ة وشاّذ ة في المجتمع المصرّي". اتُّهم بعدها "بإنكار وجود هللا وانكار األديان السماو ةي واألنبياء 23 والكتب المقّدسة بطرٍّق مباش ٍّرة عبر المح ّط ات الفضائية وغير مباش ٍّرة داخل المؤسسة التعليمية."

حتّى عندما تحاول الب ارمج التلفزيونّية تسليط ال ّضوء على هذه المواضيع، تكون هذه الب ارمج مرت ّبة بحيث تميل الكّف ة لصالح اإليمان. ُمعز مسعود هو داعية يظهر في التلفاز وُمستع د لمناقشة الُمشّككين بالدين ٍّ بأسلوب نقد ّي أق ّل على عكس الكثير من الّد عاة التقليديين، وهو شا ب عصرّي ومنفتح في ُمقتبل العمر نسبيا فهو من مواليد 1978، وغالب حديثه يدور عن رحمة هللا بعباده أكثر من الحديث عن العقاب ويؤكد على الجانب الروحي لإلسالم. ّ ّ ٍّ ِ يبدو مسعود وكأنّه قد أدرك ثالث نقاط بسيطة لم ُيدركها غيره ُ من الُّدعاة ورجال الّدين التقليديين، النقطة ِ األولى هي أنّه ليس من الضروري أ ْن يخيف عقا ُب هللا المشّككين فيخض َع هْم ، بل رّبما يزيد من شكوكهم. النقطة الثّانية هي أ ّن المشككين غالبا ما يميلون إلى االستياء عندما تخبرهم أّنه من العيب أ ْن يسألوا

أسئلة كهذه أو أّنهم ُملزمون بضرورة الثقة بوجود هللا وأ ّن عليهم التوّقف عن شّكهم. أّما الّنقطة الثالثة فهي أ ّن أولئك الّناس الذين تخلوا عن دينهم الرسمي في تو ٍّق دائٍّم للجانب "ال روحي" في حياتهم.

لم تك ِن ال ّشكو ُك في الّدين بنظر مسعود عائدة إلى وساو ِس ال ّشيطان أو نتيج ة لمؤامرة خارجّية كما كان يظّنها البعض، فهي شكوك يمكن تفّهمها وا ْن كانت خاطئة ويجب مواجهتها بدال من إنكارها على الفور. وبهذه ال ّطريقة الّذكّية قّدم مسعود برنامجا بعنوان "رحلة اليقين" على شاشة الّتلفزيون المصرّي خالل شهر رمضان سنة 2012. كانت مّد ة كل عرض 15 دقيق ة وناقش فيها مسعود أفكار "ملحدين بارزين" من

أمثال نيتشه وداروين ودوكينز وكان يهدف من وراء ذلك إلى تفنيد هذه األفكار. َكت َب محّمد خير في تعليق له ُنشر في صحيفة األخبار اللبنانّية:

"يميل مسعود إلى المزج بين العلماٍّء والفالسفٍّة كداروين ونيتشه من جهة - والذين لم ِ ٍّ يكن اإللحاد وحده في نظرهم قضّية ذات أهمية - وبين شخصّيات أعلنت تأييدها لإللحاد طوا َل مسيرة حياتهم أمثال "ريتشارد دوكينز" صاحب كتاب "وهم اإلله" و"ال ّسير أنطوني فلو Anthony Flew" من جهة أخرى.

191

دفع هذا العرض التلفزيوني إلى تفسير اإللحاد في غالب األمر على أنه نتيجة حتمية َ َ َ ّ ّ ٍّ الضط اربات نفسية، كما هي حا ُل داروين حينما فقد ابنته الشابة، أو أنّه ُيسبب مشاك َل نفسيٍّة، وهذه حال نيتشه الذي أصيب بانهيار عقلي في أواخر سني عمره. ُ ّ

إال أن الصفة اإليجابية التي ميزت برنامج مسعود التلفزيوني عن غيره هي أنه لم يكرر ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ األخطاء ال ّشائعة كنظريّة التّطور اّلتي تزعُم أ ّن اإلنسان ينحدر من ساللة القردة. ٍّ كما أ ّن مسعود لم يَّد ِع أيضا استناده إلى خلفيات علمّية تؤهله إلى مناقشة نظرية التطور، فقد كان صادقا مع مشاهديه عندما قال بأ ّن داروين لم يصطدم مباشرة مع المعتقدات األساسية للدين المسيحي.

ِ والس مة األبرز اّلتي مّيزت هذا البرنامج عن غيره قد تكون في ذلك التفسير "المنطقي" الّنادر في عاَلِم الب ارمج الدينية، باإلضافة إلى حقيقة أّنه يسمح بمواجهة الحجج بدال من إنكارها كما كان يحدث في الماضي."24

ُيقال أ ّن فيلم "الملحد" الذي ُعرض سنة 2014 هو أّول فيلٍّم يسّل ط ال ّض وء على موضوع اإللحاد في تاريخ ٍّ ٍّ ال ّسينما المصريّة، وقد أثار الفيلُم جدال واسعا حتّى أثناء إعداده وذلك بسبب عنوانه بشكل رئيس. إّال أ ّن ٍّ ُمخرج الفيلم نادر سيف الّدين أ ّكد في مقابلة له مع صحيفة األه ارم أ ّن الفيلم ال يؤيد اإللحاد واّنما سيناقش 25 ِ "مشكل ة اجتماعيّ ة محورّية نعاني منها جميعا في مجتمعاتنا اليوم". وقد أسه َب في شرِح أهداف الفيلم في ٍّ مقابلة له على قناة العربّية جاء فيها: ٍّ "ولدى سؤاله عن سبب تعاطيه مع قضّية قد تُحدث الكثير من المشاكل لمجّرد تسمية الفيلم بهذا االسم، أجاب سيف الّدين بأّنه قد الحظ ازدياد عدد الملحدين في مصر وأّنهم ِ بدأوا يطالبون بحقوقهم مما جعله يشعر بضرورة إنتاج فيلٍّم يعال ُج هذه المشكلة ويسّلط 26 ال ّضوء على المفاهيم الخاطئة اّلتي يتبناها الملحدون."

ٍّ وافق شيوُخ األزهر في نهاية المطاف على عرض فيلم "الملحد" بعد أ ْن تشاوروا في وقت ساب ٍّق في نص

الفيلم، كما وافق جهاز الرقابة الحكومّية على عرضه، إّال أ ّن مصير ذلك الفيلم كان الفش َل وُيعزى ذلك على ما يبدو إلى طبيعة عنوانه المثيرة للجدل. وقد ترّددت دور السينما المصرّية في عرضه خوفا من 27 إثارة االحتجاجات الشعبية وأشارت التقارير إلى أّنه لم ُينتج سوى 15 نسخ ة فقط من هذا الفيلم. يحكي 192

الفيلم قصة داعية مسلم وابنه الملحد واسمه نادر. تضيف المقالة اّلتي ُنشرت في موقع العربية: "كان ذلك الشيخ مقدما لبرنام ٍّج دين ٍّي أيضا على إحدى القنوات الفضائية، إال أنه أصبح أُضحوكة المشاهدين بعدما ُ ّ ّ ّ َ ٍّ ٍّ ُكشفت حقيقة ُمعتقد ابنه، فقد أصبح يتلّقى مكالمات على الهواء من أُناس اتّصلوا به ليخبروه أّنه ليس 28 أهال ألن يكون داعي ة بسبب عجزه عن إقناع ابنه بأ ْن يؤمن باهلل." غير أ ّن رسالة الفيلم - بعيدا عن

الّدعوة إلى اإللحاد - توحي بأ ّن اإللحاد قد يكون ُمهلكا ، حيث يموت والد نادر لعدم قدرته على تحّمل هوِل أ ْن يكون ابنه ملحدا .

وفي حين كانت وسائل اإلعالم الن ّاطقة بالعربّية تميل إلى التهويل من موضوعَ اإللحاد وتغّذي الت ّحامل والتمييز ضّد ه، كانت وسائ ُل اإلعالِم المصرّية الناطقة باللغة اإلنكليزية تطرق الموضوع بطريقة أكثر واقعية وتوازنا ، وكانت المواّد المنشورة باللغة اإلنكليزية موّج ه َة إلى جمهور بعينه وغالبا ما كانت تمّر دون ق مالحظة الجماهير لها، مما منح الن ّاشرين هامش حرية أكبر عند الت ّطّ ر إلى مواضيع ح ّساسة كهذه.

فعلى سبيل المثال انتقدت صحيفة Egypt Independent في إحدى مقاالتها محاكمة ألبير صابر 29 الذي أدين بالتّجديف )الكفر( و"ازدراء األديان،" في حين عالجت مقاال ت أخرى ظاهرة اإللحاد بص ارح ة أكبر والمشاكل الّتي قد يواجهها غير المؤمنين، وقد استهلت إحدى المقاالت عن المرتدين عن المسيحية واإلسالم بالقول:

ٍّ ٍّ "يقول الملحدون في بلد متدي ّن كمصر أ ّن أعدادهم في ت ازيد مستمّر رغم كون اإللحاد أم ا ر محظو ا ر وممقوتا بشدٍّة ، إال أن أي ظهوٍّر ألية حركٍّة جديدة كان يقابل ِبرِد فع ٍّل ثقاف ٍّي. ّ ّ ّ ّ ّ ُ ّ ّ والتقت الصحيفة بـ ِخمسة عشر ملحدا معظمهم في العشرينيات من العمر في مقهى في ّ وسط القاهرة في محاولٍّة منها لفهم الِم حن اّلتي يواجهها ملحدو مصر."

وذهبت الصحيفة إلى القول أّنه "أ ْن تكون شاّبا وملحدا ربما يكون أم ا ر صعبا جّدا وباألخ ّص للذين ما زالوا يعتمدون على األهل فيما يتعلق بالمصروف الشخصي ويخافون من البوح بمعتقداتهم الحقيقية والتي قد ّ ّ تؤدي إلى عزلهم عن األسرة وحرمانهم من المصروف المالي.30

كانت تلك المقابالت من اختصاص ال ّصحفي منير أديب اّلذي أّلف كتبا باللغة العربية تحّدث فيه عن اإللحاد في مصر. وبينما يعرض النقاشات اّلتي تدور بين المؤمنين والملحدين ويستعرض "العالقة بين

193

التمرد السياسي والتمّرد الديني"، إّال أّنه يو ّضح أنّه ال يشجع اإللحاد. كما يعرض الكتاب أيضا "تفنيدا 31 علمّيا ودينيا " ألفكار الملحدين وُيقّدم أمثل ة واضح ة عن ُمشّككين أصبحوا مؤمنين في نهاية المطاف.

وبحلول نهاية سنة 2013 قامت صحيفة ديلي نيوز مصر بنشر قائمة تضّم المقاالت األربع عشرة األكثر ق ارءة لذلك العام على صفحتها على االنترنت. تطّرق ثالثة من هذه المقاالت لموضوع اإللحاد على وجه الت ّحديد. كان أحد هذه المقاالت يحمل عنوان "جي ل من الملحدين" وكتبته أ م معنّي ة باألمر كون ابنها البالغ من العمر اثني عشر ربيعا " بدأ فجأة يستخ ّف برجال الدين، وقد اتّهمت فيه رجال الّدين بتشويه اسم اإلسالم حيث تقول:

" رغم أّنني لست مثاال للم أرة المتدينة لكن يؤلمني رؤية مثل هذا االزدراء يصدر من ابني

تجاه أولئك الذين ُيفتَر ُض أ ْن يكونوا ُمقّدسين. واألسوأ من هذا وذاك أنّني لم أستط ِع الّدفاع عن أولئك المشايخ كوني ال أريد له أ ْن يستمع إلى تلك األشياء البالغة القبح اّلتي

يتفّوه بها هؤالء الّرجال. ونحن اليوم ممّزقون بين حقيقة ديننا وبين الّرسالة اّلتي جاء بها 32 أولئك الّ رجال الُملتحون، وال ّس ؤال هو ماذا ُيفترض بنا أ ْن نقول ألطفالنا؟"

ق ٍّ وتطّر مقا ل آخر إلى مناقشة قضّية عضو ساب ٍّق في جماعة اإلخوان المسلم ون وقد أعلن في ُمدّونته ِ على اإلنترنت أ ّن الّدين عنده ُ أصبح "ُمعّل قا ". َوَورد في المقال أ ّن ال ّشباب "يشعرون بالعزلة بسبب ُخ َط ب الجمعة الجوفاء والّتي تشير بطريق ة أو بأخرى إلى أ ّن جميع غير المسلمين هم زنادق ة وليسوا 33 بمصرّيين."

ٍّ فإلقاء اّللوم على التّطّرف أو المشايخ الغافلين الرتفاع نسبة اإللحاد إّنما يخدم غايات سياسي ة أو رّبما ِلطمأنة المؤمنين األكثر اعتداال إلى حد ما، وقد يكون التطرف الديني عامال في ذلك، لكن تخيل أن ّ ّ ّ ّ ّ ّ ْ تختفي مشكلة اإللحاد إذا ما تّم التّعامل مع التّطّرف ما هو إّال خداع للذات وفش ل في االعت ارف ِ باعت ارضات الملحدين على الّدين بحّد ذاته. وقد تناول الُمغترب المصرّي خالد دياب هذه القضايا المحورّية في مقال بعنوان "اعت ارفات كافٍّر مصرّي" حيث أ ّن الشكوك اّلتي ارودته وهو طفل حول سبب ذهاب أصدقائهم اإلنكليز إلى الّنار لدى وفاتهم قد تطّورْت وتحّ ول ْت إلى أسئلة مختلفة حول وضع المرأة والميول الجنسي فضال عن األخطاء العلمية والتناقضا ِت الموجودة في القرآن." ويضيف دياب: ّ ّ

194

"ناهي َك عن األسئلة الميتافيزيقّية والفلسفّية من قبيل: لماذا من شأن هللا العادل والّ رحيم أن يخلق كائنا َمعيبا ثم ُيخضعه إلى االمتحان، في الوقت الذي يعلم فيه - وهو العالم بكل شيء-عاقبتَه مسبقا ؟ وال أخ ّص بهذا اإلسالم وحده بالتّأكيد فال ّسؤال ينطبق على بقيّة األديان."34

ٍّ ٍّ وقال دياب في مقالته أ ّن هذه هي المّرة األولى اّلتي يفصح فيها عن إلحاده في جريدة مصرّية وأنه كان يتوقع أ ّن عمله سُيغضب بعض الُقّارء، حيث يقول: "أنا ال أرغب في إهانة ُمعتقدات الّناس الخا ّصة بهم، لكن ي أؤمن بأن لي الحق في التعبير عن قناعاتي القلبية الخاصة التي توصلت إليها بعد سنوا ٍّت من ّ ّ َ ّ ّ ّ ّ ّ ّ ُ الش ّك والتّساؤل والتّرّدد واّلتفكير." ومن المثير لالهتمام رغم ذلك كّله أّنه لم يكن هنالك أ ّي تداعيات أو ٍّ ردود فعل غير مرغوب فيها، ورّبما مرُّد ذلك أ ّن نبرة المقال كانت ُمنتقاة بعناية وغيُر استف اززّية. ولدى سؤاله فيما بعد عن االستجابة لمقالته، أجاب دياب:

ٍّ "بالمجمل كان رّد الفعل إيجابيّا ، فقد تّم ق ارءة المقال على نطاق واسع وأثار الكثير من الفضول واالهتمام. وبالّن ظر إلى ك ّل ذلك ال ّض جيج حول مواقف المسلمين تجاه اإللحاد والّرّدة، بد ْت رّدة الفعل العاّمة وكأ ّن الّناس تقول أنّنا حتى ولو لم نكن نوافقك الّأري إّال أّننا نتقّبل حّقك في التّعبير عن أ ارئك، بل إ ّن المقالة مّكنتني من التّواصل مع المجتمع المتنامي من غير المؤمنين."35

ِ قد تكون تلك إشارة على تغير الزمن، أو أ ّن دياب كان محظوظا كون أ ّن أحدا لم يشتك منه. لقد وّسع ْت أحداث العام 2011 اآلفا َق أمام غير المؤمنين، لكن القانون ما ي ازل يشّك ل تقييدا لما يرغبون بالت ّعبير عنه، وما ازل أمام مصر طري ق طوي ل حتّى يتمّكن الملحدون من تحقيق ُحلمهم بأ ْن يتّم اعتبارهم أناسا عقالنّي ين وطبيعّيين.

195

الفصل العاشر: سياسات اإللحاد

إ ّن التخلي عن الّدين في البلدان العربية عادة ما يكون له تبعات كثيرة، وفي حال كان هذا الدين هو اإلسالم فإنه قرار عادة ما يترافق مع تبعات سياسّي ة عدا عن العواقب االجتماعيّة والقانونّية، وان تخلي المسلم عن دينه ُيعتبر مجازفة، فهو إما يصبح موضوعا يتباهى به من يبغض اإلسالم، أو يُتهم بأّنه عميل في معركٍّة لم يشأ خوضها. فعندما يعتقل شاب فلسطيني لمجرد نشره أفكاره اإللحادية على ُ ّ ّ االنترنت، تعتبره الشرطة تلقائّيا بأنّه مأجو ر من الصهاينة فتتحقق من حسابه المصرفي بحثا عن الدليل ٍّ الذي يثبت صحة ادعائها. وكذلك فقد ُسئل ملح د كان يظهر على التلفزيون المصرّي إن كان على اتصال ٍّ مع أ ّي أحد من خارج البالد لكنه أنكر أن يكون كذلك أو أن يكون عميال للخارج. ٍّ إ ّن اعتبار المسلمين السابقين عمالء لبعض القوى األجنبيّة يلغي أي ّة حاجة إلى أخذ حججهم على محمل الجد، غير أ ّن ال ّشك بوجود مؤامرة ضد اإلسالم والمسلمين ليست محض خيال ٍّ رغم المبالغة فيها في غالب األمر، فهناك الكثير من المنظمات البغيضة في الدول الغربّية تسعى إلى إثارة التحّيز ضّد المسلمين لدوافع عرقّية وما إلى ذلك، وت َعتبر هذه المنظمات المسلمين السابقين مادة دسمة في محاوالتهم تلك.

يركز المتطرفون من اليمين السياسي في أوربا على اإلسالم على وجه خاص في حمالتهم ضد الهجرة ّ ّ ّ ّ ّ بحجة أ ّن المسلمين باتوا على وشك االستيالء على أوربا، حيث تدعو حركة "أوقفوا أسلمة أوربا" التي

تأ ّسست في الدنمارك إلى إيقاف الهجرة من الدول المسلمة بشكل نهائي والى إيقاف الهجرة من الدول األخرى بشكل مؤقت، كما تدعو إلى "ترحيل اّلالجئين المسلمين الساخطين إلى أوطانهم وكذلك المهاجرين اآلخرين وجميع المجرمين المهاجرين."1 ويزعم "نيك غريفين Nick Griffin " الزعيم السابق للحزب القومي البريطاني أن بريطانيا وأيرلنديا باتتا تتحوالن إلى "ح ٍّي إسالم ٍّي فقيٍّر من دول العالم ّ ّ ّ ّ ّ ّ 2 الثّالث"، وتحّد ث بنب ٍّرة يغمرها الحنين إلى الماضي عن "المسيحيّة التقليدّية الّنزيهة وال ّشريفة والمحترمة التي دافعت عن أوربا ضد الغزو اإلسالمي، مسيحية الحمالت الصليبية، مسيحية أجدادنا."3 ّ ّ ّ ّ ّ

كما يساهم اليمين المتطّرف في الواليات المتّحدة األمريكيّة في نشر المخاوف من "األسلمة"، رغم أنه يركز على اإلرهاب أكثر من تركيزه على الهجرة. فعلى سبيل المثال يصّر "روبرت سبنسر Robert

196

Spencer" على فكرة أ ّن اإلرهاب هو جوهر اإلسالم وذلك على موقعه على شبكة االنترنت "مراقبة الجهاد Jihad Watch" فيقول:

"في المجتمع األمريكي المسلم ال يوجد هنالك فرق بين المسلمين المسالمين والجهاديين، ّ ّ وفي حين يميل األمريكيون إلى تصّور أن الغالبّية الُعظمى من المسلمين األمريكّيين هم من الشخصيّات الوطنّية ومن أصحاب الفكر المتمدن مّمن يتقّبلون وبكل رحابة صدر 4 ضوابط التعّددّية األمريكّية، إال أ ّن هذا االفتراض لم يتم إثباته على أرض الواقع."

وعلى ال ّطرف المقابل نجُد الفكر اليسارّي الذي يدعم الحركات اإلسالمّية تحت ستار محاربة اإلمبرياليّة، ويحمل أصحاب هذا الفكر وجهة نظر استشراقية حيث يعتبر هؤالء أن اإلسالميّين والمتدّينين المحافظين هم ذوو ثقافة أصيلة، في حين ينبذون أصحاب النظرة التقدمية بوصفهم مستغربين ينشرون الفكر الغربي ّ ّ ّ وعمالء لإلمبريالية. وبالتالي فاالنتهاكات التي ترتكب على أسا ٍّس دين ٍّي والتي سيرفضها اليساريون لو ّ ّ ُ ّ َوقع ْت في الد ول الغربية ستُعتبر مقبولة في السياق العربي، فمثال تصف مريم نمازي وهي عضو مجلس المسلمين السابقين في بريطانيا ما سبق على أنّه سياسات الخيانة، وتقول: "إّنها لخيان ة ليس للمعارضين وضحايا اإلسالم المتشدد فحسب، واّنما خيانة للمبادئ التي لطالما دافع عنها اليسار كالعدالة االجتماعية والمساواة والعلمانية والشمولية.... الخ.5

وال ترى "نامازي" أن هناك فرق كبير بين اإلسالميين في الشرق األوسط واليمين المتطرف في الدول ٍّ الغربية رغم أن هذا األخير "يته ّجم على الّناس وعلى المساجد ال لشيء سوى لخلفّياتهم ويلقي باللّوم الجماعي على جميع ال ّسكان." وترى أنه كالهما ينحدران من خلفّية واحدة، وتقول:

"لكن هناك اختالفات واضحة بين اإلسالميين في الشرق األوسط واليمين المتطرف في

الدول الغربية نتيجة وجود االختالف في ال ّسلطة، إّال أ ّن فلسفتهما وسياستهما وسياسة الك ارهّية التي ينتهجونها مشابه ة تماما لبعضها البعض، لذا فإّننا نقاتل على كال الجبهتين خصوصا في الغرب.

ٍّ فليس بمقدورك محاربة طرف دون اآلخر، وخا ّص ة أ ّن اليمين المتطّرف يقّدم المسلمين والمهاجرين كبش فداء، فهم يهاجمون قضايا ال ّشريعة وقوانين الّرّدة بمعنى أّنهم يتظاهرون بدعم المرتّدين والم رأة في الدول المسلمة بينما هم في الحقيقة ال يأبهوا البتّة

197

بالّنساء والشعوب في ال ّشرق األوسط وشمال أفريقيا، كما أن اليمين المتطرف يسعى

جاهدا لترحيل الجميع وال يبدون أ ّي اهتماٍّم في حصول هؤالء على حقوقهم في الّلجوء والحماية."6

ومثله مثل نظيره البريطاني، يرى مجلس المسلمين السابقين في شمال أمريكا نفسه أنّه محصور بين نقيضين: اإلسالم السياسي والمدافعين عنه من جهة، واليمين المتطرف من الجهة األخ رى، ويرى أنه ّ ّ ّ يقاوم كال منهما، وقد جاء في بيا ٍّن له على صفحته الّرسمّية على االنترنت بعنوان "ال للتّع ّصب وال للدفاع":

ٍّ ٍّ "هناك من يرّوج ألفكاٍّر عنصرّية ومتع ّصبة ضّد المسلمين وضّد أ ّي إنسان من خلفيّة ٍّ مسلمة وحتّى ضّد الّناس ممن ال يمتّون لإلسالم ِب صلة )كديانة السيخ(. تميل هذه ٍّ األصناف من الّناس المتع ّصبين إلى التعامل مع ك ّل المسلمين ككيا ٍّن واحد خال من الشقاق واالختالفات الداخلّية.

في الطرف المقابل هناك من يرّد على المتع ّصبين والُمبغضين لألجانب من خالل تبرير مظاهر العنف في اإلسالم والتّصّرفات الف ّظة من بعض المسلمين. أما النوع الثّاني، أي المدافعين عن اإلسالم، فغالبا ما يتصدون لكل أنواع النقد الموّجه ضد اإلسالم والمسلمين رغم أنهم يوجهون هذا النقد ذاته إلى األديان واإليديولوجيات األخرى كالمسيحّية وال أرسمالّية والشيوعيّة وغيرها.

وكوننا أناسا تربّينا كمسلمين أو اعتنقنا اإلسالم بملء إرادتنا ومن ثّم تخلينا عنه ألّننا لم نعد نستطيع اإليمان به أكثر من ذلك، فإننا نجد أنفسنا بين هذين النقيضين؛ المتع ّصبين والمدافعين ونرفض إرضاء أي منهما. ونحن ال نسعى إلى تعزيز الك ارهّية ضد كل المسلمين فقد كّنا مسلمين وعدد كبير من أفراد عوائلنا وأصدقائنا هم مسلمون، كما نعي ِ أ ّن هناك تنوعا واختالفا بين المسلمين ونحن لن وال نشارك في محو هذا التّنّوِع الموجود بين المسلمين في جميع أنحاء العالم.

ٍّ لقد َدّرس ُمعظمنا وما زال كثي ا ر من األديان، ونحن كمجموعة على د ارية كبيرة بالفظائع التي ارتكبتها األديان األخرى على مّر التاريخ، ونحتفظ بحّقنا في التّركيز على اإلسالم

198

كونه أكثر دي ٍّن جّربناه، فهو الّدين الذي ترعرعت غالبّيتنا عليه، وهو الدين الذي حاولنا اإليمان به من صميم قلوبنا.

ففي الوقت الذي نشجب فيه التّع ّصب الذي يصدر عن أولئك الذين ينشرون أفكارهم ِ العنصرّية والُمبغضة لألجانب تحت رداء انتقاد المسلمين، فإّننا نشجب أيضا النسبوية الثقافّية واألخالقّية الموجودة لدى أولئك الذين ُيرّوجون لفكرة أ ّن جميع النّاس ذوي ٍّ الخلفّيات المسلمة متشابهون وأّنهم يريدون اعتناق اإلسالم، وأ ّن اإلسالم أق ُّل قابلّية ٍّ 7 بطريقة أو بأخرى للتّمحيص من غيره من المعتقدات."

إن أحد التّحديات التي تواجه المسلمين ال ّسابقين هي كيفية تجنب أن يصبحوا وقودا للتحّيز والتحامل في الغرب.

ن إن مصطلح "اإلسالموفوبيا" المثير للجدل موجود منذ أكثر من قر من الزمن، حيث ُس ّجل أّول استخداٍّم له في فرنسا سنة islamophobia( 1919( في إشا ٍّرة إلى موقف مدراء المستعمرات الفرنسّي ة، كما ُس ّجل أّول استخدام لهذا المصطلح في بريطانيا على يد "إدوارد سعيد" سنة 1985 والذي ربط هذا المصطلح بمعاداة السامية قائال: " ت ازمن ظهور معاداة اإلسالم في المجتمع المسيحي الغربي المعاصر ّ َ ّ ّ 8 ٍّ مع معاداة السامّية ونب َت من المصدر ذاته وتغذى من الجدول عينه." حاز هذا المصطلح على قبول ِ واسع عقب تقريٍّر لـ "رونيميد ترست Runnymede Trust" ّصّدر سنة 1997 بعنوان: "اإلسالموفوبيا: التحّدي الذي يواجهنا جميعا " والذي سّلط الضوء على موقف البريطانيين تجاه المسلمين المقيمين في 9 ِ بريطانيا، وبعد عّدة سنوات بدأ مصطلح "اإلسالموفوبيا" يُستخدم من قبل مختلف الهيئات العالمّية بما في ذلك األمم المتّحدة، ومن المهم التنويه إلى هذه الخلفّية التّاريخّية وذلك نتيج ة لتلك االدعاءات الباطلة - ٍّ والمتكّررة - في الواليات المتّحدة األمريكّية والتي تقول إ ّن هذا المصطلح قد أوجده ُ اإلسالميّون لغاية ٍّ محّددة وهي تصوير أنفسهم على أّنهم ضحايا، فعلى سبيل المثال تقول إحدى المقاالت الُمضّل لة على موقع يميني متطّرف على االنترنت: ِ "لم يأت مصطلح "اإلسالموفوبيا" الجديد من العدم بل اخترعته المؤّسسة الّدولّية للفكر 10 اإلسالمي وهي من ّظمة تابعة لإلخوان المسلمين ومركزها في شمال فرجينيا."

199

لكن الفكرة القائلة بأ ّن اإلسالموفوبيا غير موجودة وأنّه تّم اختالق هذا المصطلح لقمع أي انتقاد حّر لإلسالم ما تزال قائمة، وقد تفاقمت هذه المشكلة بسبب عدم وجود تعري ٍّف لإلسالموفوبيا يتفق عليه

الجميع، كما يعتبر كثيرون أن هذا المصطلح مثير للجدل، وقد اقترح البروفيسور الّارحل "فريد هاّليدي ِ Fred Halliday" أ ّن مصطلح Anti-Muslimism سيكون أكثر دّقة ألّنه عادة ما يشير إلى العداء

للمسلمين ال لإلسالم ومبادئه، وقد اعترف "روبين ريتشاردسون Robin Richardson" وهو ُمحّرر تقرير رونيميد الذي صدر سنة 1997 باالنتقادات الموجهة إلى التقرير وقّدم فيما بعد تعريفا أكثر تعقيدا "لإلسالموفوبيا" قائال :

"هو مصطل ح مختز ل يشير إلى المزيج المتعّدد األوجه للسلوك والخطاب والتّ اركيب والتي تُعّبر عن مشاعر الخوف والقلق والّرفض والعداء للمسلمين وخصوصا في الّدول التي ٍّ ٍّ ٍّ 11 يعيش فيها الناس من أصول إسالمّية كأقلّيات."

وتجدر اإلشارة إلى أ ّن تقرير "رونيميد" كان معنّيا بوضع المسلمين في بريطانيا على وجه التحديد وكان ٍّ ٍّ يحتوي على تعليمات "لمواجهة االفت ارضات اإلسالموفوبيّة التي تقول بأ ّن المسلمين هم كيان واحد خال من التطوٍّر الداخل ٍّي أو التنوٍّع أو الحوار، وأيضا للتنويه إلى المخاطر األساسية التي تخلقها أو تفاقمها ّ ّ ّ ّ اإلسالموفوبيا على المجتمعات المسلمة وبالتالي على سعادة المجتمع كك ّل ."

وبصرف الّنظر عن الجدل الذي أُثير حول مصطلح اإلسالموفوبيا، فإن التحامل والتحيز من النوع الذي ٍّ أورده تقرير " رونيميد" موجود فعال وليس من الصعب تمييزه، وعادة ما يشتمل هذا التحامل على تعميمات ٍّ ٍّ خاطئة وُمضّللة عن اإلسالم و/أو المسلمين - باإلضافة إلى أناس آخرين يُفترض أنهم مسلمون - وذلك لتصويرهم بطريقة سلبية، إال أن كثي ا ر متفقون بأن مصطلح اإلسالموفوبيا يصعب تطبيقه بشك ٍّل عقالني

على االنتقادات الحقيقّية والصادقة لإلسالم كدين، فال يجب أن يصبح التصدي لإلسالموفوبيا تفويضا لكبت النقد الحر والنزيه، وهو ما يوضحه المنتدى البريطاني ضد العنصرية واإلسالموفوبيا: ّ ّ ّ

"إن مخالفة أو رفض معتقدات المسلمين وممارساتهم ال ُيعتبر إسالموفوبيا، ففي الحقيقة تُعتبر الخالفات والمناقشات جزءا مهّما من اإلسالم المعاصر في المجتمعات المسلمة ٍّ في ك ّل من بريطانيا والعالم وهي ضرورية ليظل اإلسالم مالئما ، وبالتالي فإن االختالف

200

في الرأي والّنقد المشروَعين من قبل غير المسلمين ليس متوّقعا فحسب بل ويجب تقديره ٍّ 12 أيضا ، غير أن ذلك يجب أن يتم بعقالنّية وضمن المعقول."

ٍّ ولسوء الح ّظ ُيف ّسر هذا الكالم أحيانا على أّنه بمثابة تفويض لشتّى أشكال اإلساءات، ففي كلمة ألقاها عن اإلسالم قال "نيك غيفرين Nick Griffin" النائب عن الحزب القومي البريطاني اليميني المتطرف: "لقد ّ ّ ّ توّسع هذا الدين الخبيث من حفنة من المجانين الغريبي األطوار منذ حوالي 1300 سنة إلى أن ار َح اآلن 13 يكتسح البلد تلو اآلخر في جميع أنحاء العالم، فإن تقرأ القرآن ستجد أ ّن هذا ما يريدونه بالضبط". ُحوكم ٍّ ٍّ بعدها "غيفرين" بعد أن ُوجهت له عدة اتّهامات باستخدامه كلمات أو انتهاجه سلوكا ُيقصد منه إثارة الك ارهية العنصرّية إال أنّه نفى في المحكمة أن تكون كلماته عنصرّية وقال في المحكمة: "إ ّن هناك فرقا شاسعا بين انتقاد دي ٍّن ما وبين القول ص ارح ة أ ّن هذا ته ُّج م على أتباعه، فعندما أنتقُد اإلسالم فإّنني أنتقد ٍّ هذا الّدين والثّقافة التي يؤّسسها ال المسلمين كمجموعة بالتأكيد...". وبعد إعادة محاكمته تّم تبرئته من جميع التُّهم المنسوبة إليه في نهاية األمر.14

ِ ِ هناك اختالفات بين الّدين و العرق بال شك، فالعرق على سبيل المثال مورو ث وال يمكن تغييره على

عكس الدين، وهذا من الناحية الّنظرّية على األقل، لكن من الضرورّي إدراك أ ّن الّدين قد يكون أكثر ٍّ بكثير من كونه مجّرد نظاٍّم عقائد ّي فهو في الغالب يشّكل هوّي ة وانتما ء ثقافّيا - وأحيانا سياسّيا ، فهناك نكت ة قديم ة عن االضطرابات الطائفيّة في أيرلنديا ال ّشماليّة حيث أخرَج شخ ص رجال من سّيارته مطالبا ٍّ إّياه باإلفصاح فيما إذا كان مسيحيّا كاثوليكّيا أو أرثوذكسيا ، فأجاب الّرجل - في محاولة لتجّنب المشاكل ٍّ - بأّنه يهود ي ملح د ، فسأله الرجل الُمعتدي وهو غير ارض بالجواب فيما إذا كان ملحدا يهودّيا بروتستانتّيا أم ملحدا يهودّيا كاثوليكيا . كان هذا أحد األسباب التي دفعت باللجنة األوروبّية المناوئة ِ ق للتع ّصب والعنصرّية إلى تعريف العنصرّية بأّنها "االعتقاد بأن أمو ا ر كالعر واللون واللغة والدين والجنسّية ٍّ ٍّ والقومّية أو األصول القومية أو العرقّية تبرر ازدراء شخ ٍّص أو مجموعة من األشخاص، أو بأنها االعتقاد ٍّ بتفّوق شخص أو مجموعة."

ٍّ ٍّ غالبا ما تتحّول اإلشارة إلى "العالمات" الثقافّية كالّدين واللغة والملبس إلى بديل ألشكال أكثر ص ارح ة من ٍّ العنصرّية، "فالعنصريّة ال تعني بأ ّي شكل من األشكال الّنقاش المباشر حول مواضيع على أسس ٍّ عنصرّية واضحة." تقول هبة كريشت وهي ملحدة عربيّة خالل حواٍّر مع أعضاء آخرين من مجلس المسلمين السابقين في شمال أمريكا:

201

ٍّ "إ ّن معظم المواقف العنصريّة هي في ظاهرها ليست موّجه ة إلى شعوب معينة، فقد كثرت المواقف العنصرّية حول األّمهات العازبات وموسيقى الّارب والطوابع التي تحمل صو ا ر لل ّطعام وال ُستر ذوات القبعة وتمائم )شعارات( كرة القدم، وهذه ليست شعوبا أو أع ارقا بحّد ذاتها، فالنقاشات العنصرّية التي دارت حولها يمكن اختصارها بمعتقدات ُمعّم مة فيما يتعلق بعادات ومجتمعات أولئك الذين تصدر عنهم هذه المواقف العنصرية.

ق فالتّع ّصب ضّد المسلمين هو في ُصلبه تعصب ضد العر ، وحتى أ ّن مناقشة مسألة ِ البيض الذين يعتنقون اإلسالم تشتمل على أمور كال ّسرقة واإلغ ارء الذي تعرض له هؤالء البيض من ِقبل الناس ذوي البشرة الحنطية، ونحن ال نسدي معروفا ألحد عندما نختبئ ِ 15 خلف مقولة أ ّن "اإلسالم ليس عرقا ..."

كما تقول هبة كريشت إ ّن المسلمين السابقين في الغرب يواجهون التّحّيز والتحامل ذاته الذي واجهوه عندما كانوا مسلمين، وتقول: "إ ّن العنصرّية التي تسمح لآلخرين باالفت ارض أّننا نتبّنى مشاعر المسلمين أو معتقداتهم بسبب انتماءاتنا العرقّية ّرغم ما يصدر منا أفعال وأقوال إّنما هي العنصرّية ذاتها التي يعاني منها المسلمون ."

كان أعضاء مجلس المسلمين السابقين في شمال أمريكا يتناقشون حول أ ّي مصطل ٍّح يستخدمون للتمييز بين "التمييز المفرط ضّد اإلسالم والنّقد المعقول لإلسالم." وال ّسبب في ذلك برأي كريشت هو أ ّن مصطلح اإلسالموفوبيا أصبح مصطلحا جامعا ُيستخدم إلسكات الّنقد المشروع أليديولوجية ما وإلدانة التع ّصب ضّد المسلمين، ويجب التفريق بين هذين المفهومين بل يجب ابتكار مصطلحين جديدين لكل مفهوم." لم

يؤدي الّنقاش إلى التّو ّصل إلى ح ّل إال أّنه يشّكل وبوضوٍّح مشكل ة معّقدة بالنسبة للمسلمين السابقين.

ق وتقول المصرّية ريم عبد ال ارز : "أعتقد بأن نقد أّي ة أيديولوجيّة هو أمر مقبول، أّما التّمييز ضّد الناس ٍّ على أساس معتقداتهم فهذا ما يجب رفضه، وال بأس أن تنتقد فكرة ما، أّما أن نتحّيز ضّد شخص ما ألّنه مؤم ن بّدين معي ّن فهذه هي اإلسالموفوبيا." كما ترى أنها ما كانت لتسخر من الناس بسبب نمط لباسهم الديني ، وتقول: "لدي أصدقاء يقومون بأموٍّر لغرض السخرية فحسب، أما أنا فأشعر أنه أن تصبح متهكما ّ ّ ّ ّ ّ ُ لهذه الغاية فحسب لن يحّقق أ ّي إنجاٍّز على أرض الواقع."

202

قد يكون عدم الحكم على األمور وفقا ل مظهرها الخارجي مبدأ عاما جيدا ، فقد تم استجواب أُنا ٍّس اتهموا ّ ّ ّ ّ ُ باإلرهاب لمجّرد أّنهم "كانوا َيبدون" كمسلمين أو عرب –ولكن هل من الخطأ القيام بهذا دائما ؟ ضمن ٍّ النطاق العام "لمظهر المسلمين فإ ّن أنماطا محّددة من اللباس تشير إلى طريقة تفكيٍّر محّددة ، وهذا ما يقصده من يتبنى ويرتدي هذه األنماط، حيث تستشهد "كيران أوبال Kiran Opal" وهي أحد مؤسسي ٍّ ٍّ مجلس المسلمين ال ّسابقين في شمال أمريكا بمثال عن رجل مسلٍّم يرتدي ثوبا طويال و له لحي ة يقارب ٍّ طولها 15 سم كان يمشي برفقة ام أرتين ُمنّقبتين وستّة أطفال خلفهم، وتقول أنها حين ترى منظ ا ر كهذا تقول في نفسها: "أستطيع أن أحكم على هؤالء النّاس وأعتقد أّنهم يقمعون الم أرة ويؤمنون بتفوقهم

كمجموعة ويسيؤون إلى األشخاص المثلّيين والسحاقيات والمتحولين جنسيا وثنائيي الجنس واألقلّيات 16 الدينّية ... فهل يعني ذلك بأّني مبغضة لإلسالم )إسالموفوبّية(؟"

وبينما يصارع المسلمون السابقون للنأي بأنفسهم عن التع ّصب ضّد المسلمين، يدلي عدد من الملحدين الغربّيين البارزين بتعليقات وتصريحات تزيد األمر تعقيدا ، فعلى سبيل المثال َنشر ريتشارد دوكينز تغريدة مثيرة للجدل يقول فيها:

"إن جوائز نوبل التي حصل عليها جميع مسلمي العالم أقل من تلك التي حصلت عليها كلية ترينيتي في كامبريدج وحدها رغم أنهم حققوا إنجازات عظيمة في العصور الوسطى."17

من ال ّصعب أن تجد مبّر ا ر لهذا المنشور سوى أنه يهدف إلى االستخفاف بالمسلمين عام ة رغم كون المعلومات الوردة فيه دقيقة في الواقع، وتشّكل ندرة إنجازات المسلمين العلمية في العصر الحديث 18 موضوعا مهّما وقابال للنّقاش وتفسي ارته ُمعّقدة، إال أ ّن إثارة هذا الموضوع على موقع تويتر الذي يحدد التغريدة بمئة وأربعين حرفا فقط بالكاد يشّكل دعوة إلى نقاش ُمسهب، بل إنه يغذي الخطاب المعادي للمسلمين. كما قام دوكينز بإعادة نشر رابط مقا ٍّل على تويتر يؤّكد مقولة أ ّن مصطلح اإلسالموفوبيا إّنما ٍّ 19 هو من اختراع اإلخوان المسلمين رغم أّنه ما لبث أن حذف التغريدة بعد وقت قصير كونه أدرك خطأه.

ٍّ أّما على صفحته الخا ّصة على االنترنت حيث المجال مفتو ح أمامه للحديث بإسهاب دونما قيود على عدد الكلمات فقد راح دوكينز يوجه انتقادات الذعة لإلسالم دون إسهاب أو خو ٍّض في التفاصيل من قبيل 21 20 "تنامي تهديد اإلسالم"، كما اقترح أ ّن كلمة "التّعّد دّية الثقافّية" في أوروبا إّنما ترمز إلى اإلسالم. وقال: 22 "إ ّن اإلسالم بات يشّكل أعظم قوٍّة شر من صنع اإلنسان في عالمنا اليوم،" و" إن أري َت مسلما يضرب

203

زوجته فال جدوى من االتصال بالشرطة أل ّن العديد من رجال الشرطة في بريطانيا يخشون أن يُتَهموا 23 بالعنصرّية أو اإلسالموفوبيا.

ُيعتبر "دوكينز" و "سام هاريس Sam Harris" والّارحل "كريستوفر هيتشنز Christopher Hitchens" من "الملحدين الجدد" المعروفين بمنهجهم الشعبوي الالذع والعدواني أحيانا ، فقد كتبت "ناثان لين ّ ٍّ Nathan Lean" في مقال نقد ٍّّي في مجّلة Salon:

"لم يكن حضور "دوكينز" و "هاريس" ورفاقهم على ال ّساحة العاّمة ملحوظا كثي ا ر رغم أنهم موجودون منذ سنين حيث لم يشكل اإللحاد حينها أم ا ر عظيما ولم يكن بمثابة مهن ة بحَّد ق ذاته إلى أن قّرر محّمد عطا ورفاقه من ال ّشر األوسط خطف الطائرات ونسف برجي ٍّ التجارة العالمّيين في سبتمبر/أيلول من سنة 2001 وعندئذ تغّير ك ّل شيء....

لم يبرز اإلسالم بشك ٍّل علن ٍّي في هجمات "الملحدين الجدد" حتى تاريخ الحادي عشر من ّ ّ سبتمبر/ أيلول. وعادة ما كان اإللحاد العدّو األبرز للمسيحّية كونه ّظاهرة نشأت في أوربا رغم اعتبار البعض اليهود واليهوديّة أعدا ء للمسيحية أيضا ، إال أ ّن الملحدين الجدد انخرطوا في جوقة "الُمبغضين الجدد" المتعاظمة بداف ٍّع من حماسهم الجديد في أعقاب ٍّ الهجمات اإلرهابيّة، ف ارحوا يخلطون بين اشمئ اززهم من الّدين بشكل عام وكرههم لإلسالم على وجه الخصوص...

تحوّلت الّنقاشات حول االستحالة العملّية لوجود هللا وحول الالعقالنيّة العلمية لوجود الحياة اآلخرة إلى ُرهاب من هجرة المسلمين أو إلى موضوع الحجاب، فقد أصبح "الملحدون الجدد" هم اإلسالموفوبّيين الجدد وأصبحت إهاناتهم للمسلمين تشبه اللغة الغوغائية للعنصريّين الجهلة أكثر من كونها تقييما ُمستندا إلى العقل والمنطق 24 والعقالنّية."

يرى الكاتب والفيلسوف األسترالي "راسل بالكفورد Russell Blackford" أ ّن المشكلة في هذا الّنهج ال تكمن في مجّرد أّنه يساوي بين نقد اإلسالم وأفكار اليمين المتطّرف فحسب، بل إّنه يساعد اليمين المتطّرف في كسب مزيد من االحترام، وقد ذهب "سام هاريس" وهو أحد الملحدين األمريكّيين البارزين

204

ٍّ إلى أبعد من ذلك حيث قال إ ّن الّناس الذين يتحّدثون بعقالنّية عن التّهديد الذي يشّكله اإلسالم على 25 أوروبا هم في الحقيقة فاشّيون ."

يرى "بالكفورد" أن اليمين المتطرف سيستفيد من توفر االنتقادات العقالنية سياسيا للفكر اإلسالمي ّ ّ ّ ّ واألنشطة الثّقافّية الم ارفقة له، ويشمل ذلك تبني ما كان يُعرف بالقضايا الليب ارلّية كمعارضة الّزواج القسرّي وجرائم "ال ّشرف" وختان الّنساء وفرض ال ّضوابط على لباس الم أرة.

ويضيف بالكفورد:" إ ّن هنالك أسبابا دفعت بالمن ّظمات اليمينّية المتطرفة إلى استحضار الحجج الُمرتكزة ٍّ على العلمانّية ومناصرة حقوق الم أرة، وهي حج ج مفيدة كونها تُحاكي العقل والعاطفة باستقاللّية بعيدا عن استرضاء االنتهازيّين في اليمين المتطّرف، وبصرف الّنظر عن الجهة التي تستخدم هذه الحجج، إال أّنها ٍّ ٍّ تنطبق وبشكل معقول على عناصر ُمعيّنة في اإلسالم، أو على األق ّل على المواقف والممارسات المرتبطة به."

وعلى المستوى العملي يرى "بالكفورد" بأنه "يجب نصح المعارضين لإلسالم ممن ال يريدون الظهور ّ ّ ُ ّ ّ بمظهر المتعاطفين مع اليمين المتطّرف أو المغفلين بأن ينتبهوا لالنطباع الذي ينقلونه، وعليهم توضيح مواقفهم بأوضح صو ٍّرة ممكنة إن أمكن وأن ينؤوا بأنفسهم عن الشخصّيات اليمينيّة المتطّرفة التي تأتي بالحجج ذاتها،" ويضيف قائال :"إن عبارة "إن أمكن" مهمة جدا ألن ما هو عملي في مقا ٍّل فلسف ٍّي مثال قد ّ ّ ّ ّ ّ ّ ال يكون عمليا في حالة الرسم الكاريكاتوري الساخر أو حتى في كتا ٍّب جدل ٍّي موجٍّه إلى جمهوٍّر من ّ ّ ّ ّ ّ ّ ّ العامة، ويجب أّال نستبعد مواهب األشخاص الذين ال يتوافق مزاجهم أو تدريبهم مع التّواصل المحدود والدفاعي، كما وال يجب أن يكون تواصلنا دائما بطرٍّق ممّلٍّة و رتيبٍّة في نظر الكثي رين، وال ينبغي علينا ٍّ 26 المشي على قشر الَبيض للحصول على شيء ما."

وبصرف الّنظر عن رّدة الفعل، يجادل بعض المسلمين السابقين بأ ّن "الملحدين الجدد" يقولون أشياء يجب قولها – أشياء قد ال يجرؤ حتى المسلمون السابقون على قولها.

تقول سارة حيدر عضو مجلس المسلمين ال ّسابقين في شمال أمريكا: "بإمكانك تقديم الكثير من الحجج التي تثبت بأ ّن الّنهج الذي ينتهجونه ليس األكثر عقالنّي ة، ورّبما ليس األنسب بشتّى ال ّطرق، إّال أّنه ال ٍّ يبدو متع ّصبا من وجهة الّنظر التي انطلقنا منها، كما وأنّه ال يبدو عنصرّيا بأ ّي شكل من األشكال." ومن بين المسلمين السابقين تأتي االنتقادات لإلسالم من الليبراليين الذين يعيشون في الغرب " ومّمن لديهم

205

ٍّ ِ حساسّية مفرطة تجاه التع ّصب أو تجاه أ ّي شيء يمكن أن يم َّت للتّع ّصب بصلة." كما ترى سارة حيدر أن" أولئك الذين ال يعيشون في الغرب أو المهاجرين الجدد سيفرحون باألشياء التي يقولها "دوكينز" و "هاريس." وتضيف قائلة:

"ليس لدى الكثير من المسلمين ال ّسابقين أدنى مشكلة مع ما ُيدعى "الملحدين الجدد"، بل ٍّ إّنهم يرون أ ّن هذا الّنهج في المواجهة ضرورّي جدا ، إذ تُعتبر هذه نقطة خالف في المجتمع، فهناك من يدافع عن رأيه في كال الجانبين. وأوّد اإلشارة إلى أ ّن قّلة قّليلة

يعتقدون أّ ّن "سام هاريس" و "ريتشارد دوكينز" في الحقيقة متع ّصبون ، والخالف في غالب األمر هو حول فعالّية التكتيكات التي يتبعونها."

عندما يكون شخ ص ما ُمتعّمقا جّدا في الّدين فإ ّن تصريحا صادما واحدا كفي ل بجعله يعيد تقييم معتقداته، فعندما كن ُت مسلمة لطالما قيل لي إ ّن اإلسالم هو الّدين األكثر

تقّدما فيما يتعّلق بحقوق الم أرة، وهو شي ء أؤمن به ولم أتكلف عناء التّحّقق منه - فلماذا سيكذب شيخي عل َّي؟ وكان لقائي بملحٍّد وق ٍّح هو ما دفعني في الواقع إلى م ارجعة معتقداتي واتّضح في الّنهاية أّنه يعرف نصوص دينية من ديني أكثر منّي، وسأل ُت نفسي: هل أساء هذا الرجل لي؟ نعم! هل آذى "مشاعري الدينّية"؟ نعم، إال أنّني ما كنت ألترك النقاش لوال عدوانيته."27

تتضّمن حّريّة التعبير كما ن ّصت المحكمة األوروبّية لحقوق اإلنسان الح ّق في "اإلهانة والتسبب بصدمة واإلزعاج" لكن ذلك ال يعني أ ّن الناس لديهم الحرية في قول أشياء هجوميّة ألتفه األسباب، بل إ ّن هناك ٍّ ٍّ ٍّ مناسبات معّينة يح ُّق لهم فيها القيام بذلك، إذ إّنه من الممكن قمع الّنقاش المشروع بسهولة لوال وجود هذا ق الح ّق في اإلهانة ألن البعض سيدعي أنه تعرض لإلساءة، وهناك الكثير من األمثلة التي تّم التطر إليها في فصوٍّل سابقٍّة من هذا الكتاب.

ٍّ ولكن الناس ذوي األفكار والمعتقدات المختلفة بحاجة إلى التّعايش في جّو من التّعّددية والتّسامح وعدم ٍّ ٍّ التّمييز واحت ارم حقوق بعضهم البعض، ورغم صعوبة التّوفيق بين هذه المطالب الُمتضاربة بشكل كامل، إال أ ّن الهدف في الحقيقة هو في إحداث توازٍّن عاد ٍّل قدر اإلمكان فيما بينها.

206

وقد قّدمت د ارس ة أجرتها مفوضية البندقّية "Venice Commission " سنة 2008 برعاية المجلس 28 األ وروبي بعض االقتراحات عن المواضع التي يجب أن يحصل فيها هذا التّوازن. تقول المفوضية:

"يجب أن يكون انتقاد األفكار الدينّية ممكنا ، حتى وان فهَمه البعض على أّنه إيذا ء لمشاعرهم الدينيّة. إن إهانة مبدأ أو عقيدة أو ممثِّل دين ما ال ترقى بال ّضرورة إلى درجة إهانة مشاعر الشخص الذي يؤمن

بذلك الدين." وعالوة على ذلك يجب أال يتّم تجريم اإلهانات إلى المشاعر الدينيّة ما لم تحتوي على تحري ٍّض على الك ارهّية.

وأقّرت المفوضية بأ ّن الخط الفاصل بين الحديث الُمهين والتحريض على الك ارهية "غالبا ما يصعب ِ تحديده." وتتضّمن العوامل ذات ال ّصلة نّية المتكلّم الُمتّهم أو المؤّلف ومدى تأثير ما يصدر عنه وال ّسياق الذي صدر فيه التّصريح والجمهور المقصود وما إذا كان ال ّشخص الذي صّرح بذلك التّصريح يتحّدث ٍّ بصفة رسمّية. ٍّ وقد حّذر التّقرير أيضا من كثرة االعتماد على القانون كوسيلة لقمع أحاديث الك ارهّية كونها قد تخل ُق ٍّ توّقعات ال يمكن تحقيقها وقد تقّدم للُمذنبين نص ا ر إعالمي ّا من خالل تحويلهم إلى شهداء. يقول التقرير:

"حالها حال المشاكل األخرى في المجتمع فإ ّن إيجاد التّوازن بين حرّية الّدين وحرّية التّعبير ليست َمهّمة المحاكم في المقام األول، بل هي َمهّمة المجتمع كك ّل وذلك من خالل المناقشات العقالنيّة بين جميع فئات المجتمع بما في ذلك المؤمنين وغير المؤمنين."

ِ ٍّ وفيما يتعّلق بمسألة العرق والّدين فقد أقّرت المفوضية إلى حّد ما أ ّن هناك فرقا بين اإلهانات العنصرّية واإلهانات الموّجهة ضّد أتباع دي ٍّن معّي ٍّن ، وترى المفوضية أ ّن "هذا الفرق قد دفع بالبعض إلى االستنتاج ِ بأ ّن مجاال أوسع من النقد مقبو ل حينما يتعّلق األمر بالّدين أكثر منه فيما يتعّلق بالعرق ،" ولكنها قالت إنّه ال يجب استخدام هذا األمر كذريعة إللغاء الحدود بين "المناقشة الفلسفّية الصادقة التي تدور حول األفكار الّدينّية وبين اإلهانات الّدينّية الغير ُمبّررة."

وتجدر اإلشارة إلى أ ّن كلمة "غير ُمبّررة" َوردت في مواضع عّدة من تقرير المفوضية، وقد تكون اختبا ا ر ُمفيدا للكالم المرفوض. وحّددت اللجنة اختبا ا ر آخر وهو أن نسأل فيما إذا كان التّعبير عن األفكار

207

ٍّ 29 "يساهم بأ ّي شكل من أشكال النقاش العاّم الذي من شأنه تعزيز التّقّدم في القضايا اإلنسانّية". كما ترى المفوضية أن ليس جميع األفكار تستحق أن يتم تداولها حيث تقول:

ٍّ ٍّ "وبما أ ّن ممارسة حرّية التّعبير تحمل في ثناياها واجبات ومسؤولّيات ، نتوقع من كل عضو في أي مجتم ٍّع ديمق ارطي أن يتجنب قدر اإلمكان التعابير التي فيها ازدراء أو ّ ّ ّ التي تسيء لآلخرين دون أ ّي مبّرر وتتعدى على حقوقهم.

ٍّن بإمكان الّرقابة الّذاتّية المعقولة أن تساعد في إحداث تواز بين حرّية التّعبير وال ّسلوك األخالقي ، وقد يكون االمتناع عن التفوه بتعابير معينٍّة مقبوال تماما عندما تكون الغاية ّ ّ ّ ّ ٍّ ٍّ ٍّ منه عدم إيذاء مشاعر اآلخرين بال ُمبّرر، في حين أنّه غير مقبول بصورة واضحة عندما يكون هذا ناجما عن الخوف من ردود الفعل العنيفة."

ٍّ ٍّ وتقول المفوضية أّنه يجب أال "تت ارجع حرّية التّعبير كيفما اتفق" عندما توا َجه بردود فعل عنيفة ، وتضيف: ٍّ "قد يكون لدى أشخاص بعينهم حساسية مفرطة تجاه النقد في ظروف معيّنة...وال يجب أن يكون ذلك ٍّ ذريع ة لمنع أ ّي شكل من أشكال النقاش."

يتألف العرب الغير المؤمن من كل من النّاشطين وغير الناشطين )الذين ال يفضلون تغيير الواقع(، وعلى عكس "الملحدين الجدد" يفضل بعضهم تفادي التّسبب في اإلساءة حيث تقول بدرا وهي من لبنان:

"عندما أشعر أنني عاجزة عن ممارسة حقوقي على أتّم وجه قد أختار عدم المواجهة أل ّن ٍّ الثمن سيكون غاليا وأنا ال أرغب أن يتّم استد ارجي إلى معركة غير ُمجدية أو غير ٍّ مفيدة، ودائما ما أختاُر الُمغادرة ليس بال ّضرورة مباشرة واّنما عند نقطة ُمعيّنة، وأعتقد أّنني باتباعي لهذا الخيار تمكنت من الحصول على الحياة التي أريد دون أ ّي أض ارر أو بأق ّل ضرٍّر ممكن."

يعتمد مدى قدرة غير المؤمنين على المضي في تأكيد ذاتهم على ظروفهم الشخصية، والعيش كملحد في ُ ّ ّ ٍّ دولة كالمملكة العربّية ال ّسعودّية يستوجب تقديم المزيد من التنازالت أكثر من أ ّي مكا ٍّن آخر، وهو ما يوضحه عمر هادي بقوله:

208

ن ٍّ "سَيستا ُء الُمتطّرفو من أ ّي شيء إال أّنني ال أريد مهاجمة المجتمع، فأنا ال أصوم لكني ال أتناول ال ّطعام في شهر رمضان أمام أُمي أل ّن ذلك من شأنه أن يضايقها فأنا أحبها كثي ا ر. تَ ُش ُّك أمي أحيانا في أمري لكنها ال تسألني أبدا وأنا ال أحيد عن طريقي لكيال

أريها أ ّي شيء. وكما أنّني أحترم أّمي وال أريد إغضابها فإّنني ال أريد إغضاب المجتمع. ٍّ ٍّ من الواضح أ ّن هناك بعض الشخصّيات الدينيّة التي تحظى بشعبّية واسعة...في اعتقادي هم منافقون وما هم عليه إّنما هو ألجل السلطة والمال ولكّنني أدرك في الوقت ذاته أن غالبية الشعب تحترمهم وال أريد اإلساءة ألي شخص، وأرى أنه علي بنفسي ّ ّ ّ ّ فقط. كما أعي أن هذا يتعارض مع مفهوم حرية التعبير والحق في اإلساءة، لكن هذا هو الواقع الذي نعيشه."

وتعتبر معرفة أين نرسم الخ ّط الفاصل في نقد اإلسالم وممارساته سؤاال ُمهّما بالّنسبة للمسلمين ال ّسابقين، ق أّما بالّنسبة ألولئك الذين يعيشون في ال ّشر األوسط فإ ّن هناك سؤاال أكثر أهمّية وهو: كيف يحظى هؤالء بقبول حّقهم في اإللحاد. ال يُعتبر هذا األمر مسألة دينّي ة بقدر ما هو مسألة ثقافيّ ة وسياسيّة، فهو يحّ ول تركيز الص ارع باتّجاه تحدي الحكومات والتّحّيز والتحامل االجتماعي بعيدا عن األديان. هنالك حاجتان مختلفتان إال أّنهما مرتبطتان ببعضها البعض: األولى هي حّرّية المعتقد والثانية دولة علمانّي ،ة وكالهما ٍّ سيعودان بالفائدة على المسلمين وغير المسلمين والمسلمين السابقين على حّد سواء.

إن تحّدي آ ارء الناس الدينّية ال يعزز بال ّضرورة من حّريّة المعتقد، ومما ال شك فيه أن غير المؤمنين ٍّ ِ ٍّ بحاجة إلى إثبات وجودهم واّال فإّنه قد يتّم تجاهل حقوقهم بك ّل بساطة، غير أن منهج "الملحدين الجدد" يميل أكثر إلى محاولة تشويه صورة الّدين بدال من التّشجيع على التّسامح، وهذا ما يؤّدي عادة إلى نتائج عكسيّة عندما يتعلق األمر بالعالم العربي.

ُيعّد التّسامح مع األقلّيات بكافة أنواعها مبدأ ما ازلت الحكومات والمجتمعات في المنطقة مترّددة في تقُّبله، ٍّ ويُنظر إلى التّعّددّية على أّنها نقطة ضعف بدل أن تكون نقطة قّوة ممكنة، كما أّدى تطّور السياسات االنتخابّية في بعض الّدول العربّية أيضا بالبعض إلى اإلفراط في تبسيط فكرة األغلبية حيث ال يدركون حتى اآلن أهميّة حماية حقوق األقلّيات.

209

إن العمل على تغيير هذا الواقع سيساعد غيَر المؤمنين على تحقيق حّرّيتهم إّال أّنهم ال يستطيعون تحقيقها بمفردهم فهم بحاجٍّة إلى تشكيل تحالفا ٍّت مع اآلخرين ممن يسعون لتحقيق تغيير سياسي ّ ّ ّ واجتماعي، وقد ُيضطّرون إلى إقناع الحلفاء الُمحتَملين الذين قد يعتريهم الشك بأ ّن حّرّية اإليمان تص ّب في صالح الجميع بما في ذلك المؤمنين.

إن إحدى العقبات إلي تحول دون القبول الشعبي العام هي تلك الفكرة السائدة بأن اإللحاد من شأنه أن ّ ّ ّ ّ يقود إلى االنهيار االجتماعي واشاعة الفجور، وهو ما يجب مواجهته واألدلة الالزمة لذلك متوفرة وبكثرة، ّ ّ ّ حيث تُظهر األمثلة من أماكن أخرى من العالم أّنه من الممكن أن تزدهر المجتمعات غير المتدينة، وال تعني ال حري ة ال دينية بالضرورة أن هناك انحدا ا ر في المعتقد الديني، إذ يظهر مثال الواليات المتحدة ّ ّ ّ ّ ُ ّ ّ ُ ّ ٍّ ٍّ األمريكّية أن الحرية الدينّية قادرة في ظروف معّينة على االزدهار دون اللجوء إلى هذا الّنوع من الّدعم المتواصل واإلج ارءات التي تُطِّبقها الحكومات العربيّة، وفي الواقع قد يعاني الدين على المدى ال ّطويل إذا كان مدعوما من الحكومات.

ٍّ ٍّ ولتحرير أنفسهم من الّدين يحتاج غير المؤمنين إلى دولة علمانّية ، إّال أ ّن إحراز تقدم في العلمانيّة ال ٍّ يجلب بال ّضرورة تطو ارت في الحرّية الدينّية إذ إ ّن النوع التسلطي من العلمانيّة ليس أفضل حاال من األنواع التسلطية من الدين، لذا يجب تطوير العلمانّية في إطاٍّر من التسامح.

ٍّ ٍّ لقد أسيء فهم مفهوم العلمانيّة على نطاق واس ٍّع في البلدان العربّية ولطالما تّمت مساواتها بإجحاف مع اإللحاد، وكّلما استمّر هذا الفكر كّلما ق ّل احتمال علمنة الّدولة، وإلح ارز أ ّي تقّدٍّم في هذا االتّجاه يجب إقناع الناس أ ّن العلمانّية ليست طريقا خفّيا لإللحاد واّنما هي طريق إلى الحرّية وذلك أنها تمنع الناس من فرض معتقداتهم على اآلخرين، وقد تكون هناك حاالت يجب فيها على غير المؤمنين الوقوف إلى جانب

المؤمنين بدال من العلمانيّين الشديدي العداء للدين. فمثال قد يرحب غير المؤمنين بالحظر الذي فرضته سويسرا على بناء المآذن، لكن من المهم أإدراك التأثير السلبي الذي تركه ذلك على حرية المؤمنين. وبالمثل، فإن تأييد تشديد القيود التي فرضتها فرنسا على ارتداء الحجاب - في الوقت الذي نعارض فيه

القوانين التي تلزم الم أرة بارتداء زي معّين في المملكة العربية السعودية - ال يبدو للوهلة األولى موقفاُ ثابتا ومنسجما فيما يتعلق بالحّرية ال ّشخصّية.

210

إن المكانة المتمّي زة التي يحظى بها الّدين في الّدول العربّية اليوم مشابهة تماما لما كان عليه الحال في ِ ٍّ أوروبا، فأفالطون عندما كان يدعو إلى عقاب أولئك الذين "يتكّلمون أو يتصّرفون بوقاحة" عن آلهة ن اليونان القديمة قبل أكثر من ألفي عام هو أشبه ببعض رجال الّدين ال ّسعوديّين في القر الحادي والعشرين.

غيَر أن أوروبا اتجهت تدريجيا نحو العلمانّي ة وبات اإللحاد أم ا ر شائعا جّدا اآلن، إذ إ ّن ال رحلة الممتّدة من اعتراف "توماس مور Thomas More " بعدم جدوى معاقبة غير المؤمنين - كون أنه ال يستطيع أح د

اختيار اإليمان بالقوة - إلى تقّبل الح ّق في اإللحاد لم تحدث بمعزل عن أمور أخرى، فقد تطّور مفهوم ٍّ ٍّ ٍّ الحّرّية الّدينّية بالتّوازي مع أفكاٍّر سياسّية عن حكومة محدودة وسيادة ال ّشعب واستقالل الفرد باإلضافة إلى منا ٍّخ فلسف ٍّي متغير حيث يقول " ستيفن غاي Steven Gey": ُ ّ ّ

"لم يكن ممكنا االستم ارر في الهجمات الّرسمّية ضّد اإللحاد في أوروبا االستمرار في ظل الجو الفلسفي األوسع الذي خلقه عصر التنوير، وقد جعلت التجريبية والشك الفكري ّ ّ ّ َ ْ ّ ّ ّ ّ ّ والثورة العلمية التي رافقت عصر التنوير والسياق االجتماعي واالقتصادي الذي حدثت ّ ّ ّ 30 فيه من الصعب الحفاظ على الحماية القانونّية لل ّسلطة الّدينّية."

ٍّ إ ّن إدراك أوروبا التدريجي بأ ّن قمع اإللحاد هو وض ع غير قابل لالستم ارر يطرح احتمال أن تحذو الدول العربّية حذَوها في نهاية المطاف، فاالنفتاح الذي طرأ على الخطاب العام في ال ّسنوات القليلة الماضية ُّ وتدف ِق األفكار وتحّدي الوضع الّارهن يشبه إلى حد ما ما جرى خالل عصر التّنوير في أوروبا وقد يكون لذلك التأثيرات ذاتها.

إ ّن أحد العقبات األساسّية من الّناحية السياسّية هي أ ّن األنظمة العربّية ما ازلت ترى في الّدين أداة مفيدة في ممارسة ال ّسلطة، فهذه الحكومات تكون في وضع أفضل في فرض إرادتها عندما تزعم أنها تتصرف ٍّ ِ ٍّ وفقا لرغبة هللا، كما أن أوروبا ُحكمت لقرون من قبل ملوك طالما اّدعوا "حّقهم اإللهي" بعروشهم، وهذا األمر ما ازل موجودا حتى اليوم في أج ازء من ال ّشرق األوسطـ بل حتّى أن الحكومات العربّية األكثر علمانّي ة تميل إلى إظهار مؤهالتها الدينية، غير أن ذلك قد ال يستمّر طويال إذ لطالما كانت مزاعم الحكومات بال ّشرعّية الّدينّية بديال عن ال ّشرعّية االنتخابّية، لكن هذا األمر يصبح أقل قبوال لدى الشعوب

211

العربية اليوم وقد يتحول إلى نقطة ضعف في المستقبل، فقد بدأ العرب يدركون أ ّن الحكومات التّقّية والورعة ليست كالحكومات المؤهلة والكفؤة.

إن األمر بال شك ليس بهذه البساطة، فالمملكة العربّية ال ّسعودّية - وهي الحالة األكثر تطّرفا - تتصدى بحزٍّم ضّد الحرية الدينّي ة، ومالم تحدث ثّورة سيكون من ال ّصعب رؤية أ ّي تغييٍّر على المدى المنظور، ولكن التّصّدعات بدأت تظهر في أمكنة أخرى، كما أ ّن الحكومات العربّية قلق ة جدا بشأن صورتها على المستوى الدولي وبدرجات متفاوتة وتشعر بأّنها باتت ُمضط رة إلى تقديم الوعود بإعطاء الناس حقوقهم حتى لو كانت تعار ُض تطبيقها على أرض الواقع. ين ّص الدستور التونسي ما بعد الثّورة على أّنه "على الّدولة حماية الّدين وضمان حرّية المعتقد والضمير والممارسات الدينّية." أما الدستور المصري الذي أُقر سنة 2014 فينص على أن "حرية المعتقد مطلقة،" وينص الدستور الع ارقي ما بعد صد ام حسين على أن ُ ّ ّ ّ ّ "لك ّل فرٍّد ح رية الفكر والمعتقد والضمير." لقد قبلت الحكومات العربية بهذه المبادئ رسمّيا ، لكن ذلك كان ألجل المداهنة فحسب، وما عليها فعله اآلن هي الشّروع في تحويل هذه المبادئ إلى واق ٍّع ملمو ٍّس .

212

المصادر والمالحظات

Chapter One:

1 Author’s interview, May 2014. 2 Husseini, Waleed al-: “Why I left Islam.” Proud Atheist blog, 30 August 2010. http://proud- a.blogspot.com/2010/08/why-i-left-islam.html 3 Gross, Michael Joseph: “Disaster Movie.” Vanity Fair, 27 December, 2012. http://www.vanityfair.com/culture/2012/12/making-of-innocence-of- 4 Arab Attitudes Towards Political and Social Issues, Foreign Policy and the Media.” Poll conducted jointly by the Anwar Sadat Chair for Peace and Development at the University of Maryland and Zogby International, May 2004 5 Global Index of Religiosity and Atheism. WIN/Gallup International, 2012. http://www.wingia.com/web/files/news/14/file/14.pdf 6 Qassem, Abdul Aziz: “Fighting atheist tendencies.” English translation from al-Watan newspaper, re- published in English by the Saudi Gazette, 20 February 2014. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentid=20140221196390 7 “Saudi Arabia: New Terrorism Regulations Assault Rights.” Human Rights Watch, 20 March 2013. https://www.hrw.org/news/2014/03/20/saudi-arabia-new-terrorism-regulations-assault-rights 8 Basic Law, 1992. http://www.servat.unibe.ch/icl/sa00000_.html 9 “Containing atheism.” Saudi Gazette, 12 April 2014. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentid=20140412201628 10 Baras, Abdurahman: “Academics warn against adverse impact of e-games on children.” Okaz/Saudi Gazette, 6 December 2013. 11 Muayyad, Shams al-: “The absence of role models.” Al-Madinah, republished in English by the Saudi Gazette, 7 May 2014. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentid=20140507204324 12 Author’s interview, May 2014. Omar Hadi is a pseudonym. 13 Al-Hayat (in ), 6 May 2014. http://alhayat.com/Articles/2171453 14 “Driving affects ovaries and pelvis, Saudi sheikh warns women.” Al-Arabiya, 28 September 2013. http://english.alarabiya.net/en/variety/2013/09/28/Driving-affects-ovary-and-pelvis-Saudi-sheikh-warns- women.html 15 Whitaker, Brian: “Subverting Saudi Arabia through song.” Blog post, 31 October 2013. http://www.al- bab.com/blog/2013/october/subverting-saudi-arabia-through-song.htm 16 Qassem, Abdul Aziz: “Fighting atheist tendencies.” Al-Watan newspaper; republished in English by the Saudi Gazette, 20 February 2014. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentid=20140221196390

213

17 Bashraheel, Laura: “Scholarship students: Big dreams, slow change.” Saudi Gazette, 11 March 2013. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentid=20130311156300 18 Author’s email correspondence with Kabli, October 2013. 19 “Fatwa prohibiting travelling abroad causes controversy in Saudi Arabia.” Al-Arabiya, 6 May 2014. http://english.alarabiya.net/en/perspective/features/2014/05/06/Fatwa-prohibiting-traveling-abroad-causes- controversy-in-Saudi-Arabia-.html 20 Banna, Hassan al-: “Between Yesterday and Today”. http://m.www.islamicbulletin.org/free_downloads/resources/between_yesterday_and_today.pdf 21 Shaffer, Brenda (ed): The Limits of Culture: Islam and Foreign Policy. Cambridge, Massachusetts, MIT Press, 2006, p 63 22 Sarami, Nasser al-: “Saudi Arabia: A wave of atheism or a misunderstanding.” Al-Arabiya, 23 May 2012. http://english.alarabiya.net/views/2012/05/23/215974.html 23 For more about Islam and the early years of the internet see: Bunt, Gary: Virtually Islamic. Cardiff: University of Wales Press, 2000. 24 Qassemi, Sultan Sooud al-: “Gulf atheism in the age of social media.” Al-Monitor, 3 March 2014. http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/03/gulf-atheism-uae-islam-.html. Ben Kerishan’s Land of Sands blog is archived at http://thelandofsands.blogspot.co.uk/ 25 Bauer, William: “Interview with a Saudi atheist.” Your Middle East, 30 April 2013. http://www.yourmiddleeast.com/columns/article/interview-with-a-saudi-atheist_11146 26 Jebreili, Kamran: “Arab atheists inch out of shadows despite persecution in Mideast.” Associated Press, 3 August 2013. http://www.dallasnews.com/news/local-news/20130803-arab-atheists-inch-out-of-shadows- despite-persecution-in-mideast.ece 27 “Ex-Muslim atheists are becoming more outspoken, but tolerance is still rare.” The Economist, 24 November, 2012. http://www.economist.com/news/international/21567059-ex-muslim-atheists-are- becoming-more-outspoken-tolerance-still-rare-no-god-not 28 Alyasery, Mazin and Hussein, Gehad: “Online war on Atheism in the Arab world.” Your Middle East, 29 April 2013. http://www.yourmiddleeast.com/opinion/elyasery-and-hussein-online-war-on-atheism-in-the-arab- world_13938 29 http://www.il7ad.com/ 30 https://www.youtube.com/user/ArabAtheistBroadcast/ 31 https://www.youtube.com/user/fiberoty 32 https://www.youtube.com/watch?v=JomoCGa36Aw&feature=youtu.be 33 “Jordanian poet prepares for jail.” The National, 2 September 2009. http://www.thenational.ae/news/world/middle-east/jordanian-poet-prepares-for-jail 34 Author’s interview and email exchange with Mohammed al-Khadra, September 2014. 35 https://www.facebook.com/ArabAtheistsLibrary 36 The translated verse says: “Is it the goal of religion that you should pluck out your beards, O community whose ignorance is a laughing-stock to other nations?” See: Arberry, A J: Poems of Mutanabbi. London: Cambridge University Press, 1967. p116

Chapter Two:

1 Stroumsa, Sarah: Freethinkers of Medieval Islam. Leiden, Brill: 1999 2 Quoted by Samuli Schielke, “The Islamic World”, chapter in The Oxford Handbook of Atheism. Oxford: Oxford University Press, 2013 3 Stroumsa, op cit, pp 95-96 4 Nicholson, R A: A Literary History of the Arabs. Cambridge: Cambridge University Press, 1985. p 324. 5 Nicholson: op cit, p 314. 6 Nicholson: op cit, p 319. 7 Nicholson: op cit, pp 323-324. 8 Hitchens, Christopher: The Portable Atheist: Essential Readings for the Non-Believer. Philadelphia: Da Capo Press, 2007. p7. 9 Dashti, Ali: In Search of Omar Khayyam. Abingdon, Oxon: Routledge, 2011. p14. Dashti was an Iranian rationalist, journalist and senator who died in 1982. His book was originally published in Persian. 10 Letsch, Constanze “Turkish composer and pianist convicted of blasphemy on Twitter.” The Guardian, 16 April 2013. http://www.theguardian.com/world/2013/apr/15/turkish-composer-fazil-say-convicted-blasphemhy

214

11 Schielke, op cit 12 Garnett, Joy: “Edham the atheist.” http://newsgrist.typepad.com/joygarnett/2013/11/edham-the- atheist.html 13 Juynboll, G H A: “Ismail Ahmad Adham (1911-1940), the Atheist.” Journal of Arabic Literature. 3: 1972, pp 54-71. Cited by Garnett, op. cit. 14 “Abdul-Rahman Badawi.” Philosophers of the Arabs website, undated. http://www.arabphilosophers.com/English/philosophers/modern/modernnames/eAbdul_Rahman_Badawi.ht m 15 Qassemi, Sultan Sooud al-: “Gulf atheism in the age of social media”. Al-Monitor, 3 March 2014. http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/03/gulf-atheism-uae-islam-religion.html 16 http://forums.islamicawakening.com/f17/abdullah-al-qasimi-64655/ 17 Hourani, Albert: A History of the Arab Peoples. London: Faber and Faber, 1991. p 306 18 Hourani, op cit, p 306. 19 Hourani, op cit, p 307. 20 Hourani, op cit, pp 243-244. 21 Barakat, Halim: The Arab World: Society, Culture and State. Los Angeles: University of California Press, 1993, p 249 22 The Philosophers of the Arabs website describes some of them and outlines their views. http://www.arabphilosophers.com/English/philosophers/modern/modern.htm 23 Email correspondence with the author, July 2014. 24 Schielke, op cit 25 Quoted by Norman Cigar: “Islam and the state in South Yemen: the uneasy coexistence.” Middle Eastern Studies, Volume 26, Issue 2, 1990 26 Quoted by Cigar, op cit 27 Somalia, on the Horn of Africa but technically an Arab country since it joined the Arab League in 1974, also had a period of Marxist rule which attempted to blend scientific socialism with Islamic tenets 28 Cigar, op cit 29 Manea, Elham The Arab State and Women’s Rights. New York: Routledge, 2011 30 Barakat, op cit, p 258 31 Barakat, op cit, p 257 32 Mutaqqun Online: ‘Male hijab according to Qur’an and Sunnah’. http://www.muttaqun.com/malehijab.html 33 “Al-Qa’eda in Iraq alienated by cucumber laws and brutality.” Daily Telegraph, 11 Aug 2008. http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/middleeast/iraq/2538545/Al-Qaeda-in-Iraq-alienated-by- cucumber-laws-and-brutality.html Impositions such as this were said to be a major reason for al-Qa’ida’s declining support among Iraqi Sunnis. 34 Author’s email correspondence with Ghassan Abdullah, April 2014. 35 Mudhoon, Loay: “In the Footsteps of Averroes.” Qantara website, 2009. http://en.qantara.de/content/the- reformist-islamic-thinker-muhammad-shahrur-in-the-footsteps-of-averroes. See also Muhammad Sharour: “The Divine Text and Pluralism in Muslim Societies.” Chapter in Mehran Kamrava (ed): The New Voices of Islam. University of California Press, 2007. 36 Shahrour, Muhammad: “A New Approach.” Undated article on Deen Research Center website. http://www.deenresearchcenter.com/LinkClick.aspx?fileticket=ZYQFChaoOxY%3D&tabid=97&mid=706 37 Deen Research Center. http://www.deenresearchcenter.com/Home/tabid/36/Default.aspx 38 Deen Research Center. http://www.deenresearchcenter.com/DRC/AboutDRC/tabid/54/Default.aspx 39 Author’s interview, April 2014. Gamal is a pseudonym. 40 Author’s interview, April 2014. 41 Author’s interview, April 2014. Ahmad Saeed is a pseudonym 42 “L’islam peut-il être réformé?” Poste de Veille website, 12 March 2013. http://www.postedeveille.ca/2013/03/l-islam-peut-il-etre-reforme-kacem-ghazzali.html. The interview was originally published in German by Die Zeit.

Chapter Three

1 “Isra and Miraj: The Miraculous Night Journey.” https://www.islamicity.com/articles/Articles.asp?ref=IC0608- 3086

215

2 Munajid, Muhammad Salih al-: “Evidence for the truth of the Prophethood of Muhammad” http://islamqa.info/en/2114 3 Institute of Islamic Information and Education: “The Authenticity of the ” http://www.iiie.net/index.php?q=node/46 4 Pickthall, Marmaduke: The Meaning of the Glorious Qur’an. http://web.archive.org/web/20071114044153/http://www.al-sunnah.com/call_to_islam/quran/pickthall/ 5 “Arabs Hated The Quran.” Australian Islamist Monitor, 28 October 2008. http://www.islammonitor.org/index.php?option=com_content&view=article&id=1680:arabs-hated-the- quran&catid=183&Itemid=20 6 The True Furqan. http://en.wikipedia.org/wiki/The_True_Furqan 7 For details of the SuraLikeIt affair, see: Bunt, Gary: Virtually Islamic. Cardiff: University of Wales Press, 2000, pp 125-130. 8 Institute of Islamic Information and Education: “The Authenticity of the Quran” http://www.iiie.net/index.php?q=node/46 9 ibid. 10 Hoodbhoy, Pervez: Islam and Science: Religious Orthodoxy and the Battle for Rationality. London and New Jersey: Zed Books, 1991. p67. 11 Hoodbhoy, op cit. p 68. 12 Golden, Daniel: “Western Scholars Play Key Role In Touting 'Science' of the Quran.” Wall Street Journal, 23 January 2002. http://online.wsj.com/news/articles/SB1011738146332966760 13 Dr Moore’s “The Developing Human with Islamic Additions” textbook. The Islam Papers, 1 November 2013. http://islampapers.com/2013/11/01/the-developing-human-with- islamic-additions/ 14 See, for example, Zindani’s video, “This is Truth” https://www.youtube.com/watch?v=YJCchGjTzGQ 15 “United States Designates bin Laden Loyalist.” US Treasury Department, 24 February 2004. http://www.treasury.gov/press-center/press-releases/Pages/js1190.aspx 16 Bhagavad Gita, 2:16. 17 Hoodbhoy, op cit. pp 66-67. 18 “Life on Earth.” http://www.quran- islam.org/main_topics/quran/science_in_quran/life_on_earth_(P1213).html 19 “The Quran on Mountains” http://www.islam-guide.com/ch1-1-b.htm 20 “The Miracle of Iron” http://www.islamreligion.com/articles/562/ 21 For a variety of translations of this verse, see http://www.multimediaquran.com/quran/057/057-025.htm 22 Clothing: Qur’an 7:26; food: 10:59, 45:05, 2:57, 7:160; cattle: 39:06 23 “Does the Qur’an contain scientific miracles?” Blog post by Hamza Andreas Tzortzis, 21 August 2013. http://www.hamzatzortzis.com/essays-articles/exploring-the-quran/does-the-quran-contain-scientific- miracles-a-new-approach/ 24 The Book of Curiosities. Chapter 1: On the mensuration of the Earth and its division into seven climes, as related by Ptolemy and others. http://cosmos.bodley.ox.ac.uk/hms/home.php 25 “Abu Arrayhan Muhammad ibn Ahmad al-Biruni.” http://www-groups.dcs.st- and.ac.uk/~history/Biographies/Al-Biruni.html 26 Quoted by Iqbal, Muzaffar: Science and Islam. Westport, CT: Greenwood Publishing, 2007. p. 157. 27 Ziadat, Adel: Western Science in the Arab World: The Impact of Darwinism, 1860–1930, London: Macmillan, 1986, p. 94 Quoted in ‘Muslim Responses to Darwinism.’ Islam Herald website. Retrieved 27 November 2008. http://www.islamherald.com/asp/curious/evolution/muz/muz-part3.asp. 28 “Academic Year Launched.” http://staff.aub.edu.lb/~webbultn/v1n1/ 29 Elshakry, Marwa: Reading Darwin in Arabic, 1860-1950. Chicago: University of Chicago Press, 2014. pp 8-9 30 Shanavas, T O: Evolution and/or Creation: An Islamic Perspective. Philadelphia: Xlibris Corporation, 2005. 31 Edis, Taner: ‘Cloning Creationism in Turkey.’ Reports of the National Center for Science Education, vol. 19 no. 6, pp. 30–35, Nov–Dec 1999. 32 Atlas of Creation. Available online at: http://www.harunyahya.com/books/darwinism/atlas_creation/atlas_creation_01.php 33 For example, in 2004 a group of Muslim students in biomedical sciences at the Vrije Universiteit in Amsterdam were reported to have uncritically copied text from “Islamic creationist” websites for an essay assignment on “Man and evolution”. See: Koning, Danielle: “Anti-evolutionism among Muslim students.” ISIM Review, Autumn 2006. http://www.isim.nl/files/Review_18/Review_18-48.pdf.

216

34 Author’s interview, February 2012. Mohammed Ramadan is a pseudonym. 35 Youssef, Nour: “Last week in Egypt in TV.” Arabist blog, 17 November 2013. http://arabist.net/blog/2013/11/17/last-week-in-egypt-in-tv 36 “Darwinism from an Islamic Perspective.” On Islam, 24 July 2012. http://www.onislam.net/english/ask-the- scholar/muslim-creed/muslim-belief/174719-darwinism-from-an-islamic-perspective.html 37 Koning, Danielle: “Anti-evolutionism among Muslim students.” ISIM Review, Autumn 2006. http://www.isim.nl/files/Review_18/Review_18-48.pdf 38 A video of the news report with commentary from the Arab Atheists Network can be found at https://www.youtube.com/watch?v=7SRE1kz3HG4. A text version of the news report, in Arabic, is here: http://www.aljazeera.net/news/pages/bda5151b-42f2-4aeb-aff3-ea0efe321b1e 39 Zhaghloul el-Naggar’s website: http://www.elnaggarzr.com/en/ 40 Husseini, Waleed al-: “Cosmos and Islamic censorship.” Blog post, 16 March 2014. http://proud- a.blogspot.com/2014/03/Cosmos.html

Chapter Four:

1 “French Rapper Diam’s embraces Islam.” Saudi Gazette, undated. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentID=2009101951948. The Saudi Gazette was chastised by one of its readers for saying that Diam’s had “converted”. Many Muslims believe that everyone is born with a natural faith in God, so non-Muslims who embrace Islam are considered to be returning or “reverting” to their original faith. 2 Ghalib, Mirza: “From Islam to atheism after a stint of employment in Saudi Arabia.” http://www.nairaland.com/882035/islam-atheism-after-stint-employment 3 Michael Martin, in his introduction to The Cambridge Companion to Atheism (Cambridge University Press, 2007) described these two types of non-belief as negative atheism and positive atheism. 4 Kayyani, Saeed: “I felt a weight being lifted off my shoulders”. Blog post, 11 August 2013. http://www.al- bab.com/blog/2013/august/email-from-an-arab-atheist-2.htm 5 Author’s email correspondence with Kayyani. 6 Smith, Jesse M: “Becoming an Atheist in America: Constructing Identity and Meaning from the Rejection of Theism.” Sociology of Religion, 2011, vol 72 (2), pp 215-237. 7 “US Religious Knowledge Survey.” Rew Research, 28 September 2010. http://www.pewforum.org/2010/09/28/u-s-religious-knowledge-survey/ 8 “How Ignorant About Religion Are Religious Americans?” Friendly Atheist blog, 27 September 2010. http://www.patheos.com/blogs/friendlyatheist/2010/09/27/how-ignorant-about-religion-are-religious- americans/ 9 Author’s interview, April 2014. Gamal is a pseudonym. 10 The story, related by Ibn Khallikan, is quoted in Nicholson, R A: A Literary History of the Arabs. Cambridge: Cambridge University Press, 1985. pp 377-378. 11 Qassem, Abdul Aziz: “Fighting atheist tendencies.” English translation from al-Watan newspaper, re- published in English by the Saudi Gazette, 20 February. http://www.saudigazette.com.sa/index.cfm?method=home.regcon&contentid=20140221196390 12 Author’s interview, May 2014. Sarah Way is a pseudonym 13 Author’s interview, September 2014. Hashem al-Shamy is a pseudonym. 14 Munajjid, Muhammad: “Atheism is a greater sin than shirk.” Islam Q & A website. http://islamqa.info/en/113901 15 Cheruppa, Hassan: “Religion is solution for moral degradation: Scholar.” Saudi Gazette, 30 January 2014. 16 16. Author’s email correspondence, March 2014 17 Qassemi, Sultan Sooud al-: “Gulf atheism in the age of social media.” Al-Monitor, 3 March 2014. http://www.al-monitor.com/pulse/originals/2014/03/gulf-atheism-uae-islam-religion.html

Chapter Five:

1 2. Adib, Mounir: “Salafi woman turned atheist recounts her journey.” Egypt Independent, 4 November 2013. http://www.egyptindependent.com/news/salafi-woman-turned-atheist-recounts-her-journey 2 Author’s interview, April 2014 3 http://www.islamicity.com/quran/maududi/mau36.html

217

4 Barakat: Halim: The Arab World: Society, Culture and State. Berkeley and Los Angeles: University of California Press, 1993. pp. 100–101. 5 Barakat: Halim: op cit, p. 117. 6 https://www.facebook.com/GODS.FACKER/posts/437110759728752 7 Loewenthal, Kate; MacLeod, Andrew and Cinnirella, Marco: “Are women more religious than men? Gender differences in religious activity among different religious groups in the UK.” Psychology Department, Royal Holloway, University of London, 2001. http://digirep.rhul.ac.uk/file/a4d4660e-7408-3162-7ab7- 61dd4ee6ad60/3/Are_women_more_religious_than_men.pdf 8 Brewster, Melanie: “Atheism, gender and sexuality.” Chapter in The Oxford Handbook of Athiesm. Oxford: Oxford University Press, 2013. 9 ibid. 10 Bureau of Democracy, Human Rights and Labor: International Religious Freedom Report for 2012. http://www.state.gov/j/drl/rls/irf/religiousfreedom/index.htm?year=2012&dlid=208400 11 Tadros, Mariz: “Behind Egypt’s Deep Red Lines”. MERIP, 13 October 2010. http://www.merip.org/mero/mero101310 12 “Sudanese woman sentenced to death for apostasy gave birth with her legs chained, her husband says.” Telegraph, 29 May 2014. 13 “Meriam Ibrahim's brother turned her in because 'she won't repent'.” CNN, SBS, 5 June 2014. http://www.sbs.com.au/news/article/2014/06/05/meriam-ibrahims-brother-turned-her-because-she-wont- repent 14 “Meriam Ibrahim was 'kidnapped' and I went to police before she boarded flight to America, her brother says.” Telegraph, 25 June 2014. http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/africaandindianocean/sudan/10925293/Meriam-Ibrahim-was- kidnapped-and-I-went-to-police-before-she-boarded-flight-to-America-her-brother-says.html 15 Pew Research: Religous Landscape Survey. http://religions.pewforum.org/reports# 16 http://www.atheists.org/about-us/history 17 Bekiempis, Victoria: “New Atheism and the Old Boys’ Club.” Bitch magazine, May 2011. http://bitchmagazine.org/article/the-unbelievers 18 McCreight, Jen: “Where Are All The Atheist Women? Right Here.” Ms blog, 3 November, 2010. http://msmagazine.com/blog/2010/11/03/where-are-all-the-atheist-women-right-here/ 19 Author’s interview, May 2014. 20 http://ex-muslim.org.uk/2013/12/two-day-international-conference-on-the-religious-right-secularism-and- civil-rights/ 21 http://outcampaign.org. See also: MacAskill, Ewen: “Atheists arise: Dawkins spreads the A-word among America’s unbelievers.” The Guardian, 1 October 2007. http://www.theguardian.com/world/2007/oct/01/internationaleducationnews.religion 22 http://www3.norc.org/gss+website 23 Self-declared atheists comprised 2.5% of heterosexual respondents and 5.6% of LGBT respondents. Agnostics comprised 4% of the heterosexual respondents are agnostics, 12% of LGBT respondents. Linneman, T and Clendenen, M: “Sexuality and the Secular”, chapter in Atheism and Secularity: Volume 1 – Issues, Concepts, and Definitions, edited by Phil Zuckerman. Santa Barbara, CA: Praeger, 2010. 24 Singer, B and Deschamps, D: Gay and Lesbian Stats: A Pocket Guide of Facts and Figures. New York: Harper Collins, 2010. 25 Brewster (op cit) points out that this may also happen in the opposite direction: that atheists, having freed themselves from religion, are more able to explore their sexuality. 26 “They Want Us Exterminated.” Human Rights Watch, August 2009. http://www.hrw.org/reports/2009/08/17/they-want-us-exterminated-0 27 Kugle, Scott Siraj al-Haqq: Homosexuality in Islam. Oxford: Oneworld, 2010. 28 The Kaaba in Mecca is covered with a cloth known as the kiswa, which is replaced with a new one annually. 29 Video interview with Huffington Post. http://live.huffingtonpost.com/r/archive/segment/5363d19efe3444b0130002d9 30 Author’s interview, July 2014. 31 Author’s email correspondence with Kayyani.

218

Chapter Six:

1 CIA World Factbook. https://www.cia.gov/library/publications/the-world-factbook/geos/ku.html 2 “Furore as 155 arrested for not fasting.” The National, 10 September 2009. http://www.thenational.ae/news/world/middle-east/furore-as-155-arrested-for-not-fasting 3 Death Threats and Arrests for Facebook Ramadan Fast Break Protesters.” Morocco News Board, undated. http://www.moroccoboard.com/news/34-news-release/664-death-threats-and-arrests-for-facebook- ramadan-fast-break-protesters 4 Author’s interview, April 2014. 5 Guellali, Amna: “The Problem with Tunisia’s New Constitution.” Human Rights Watch, 3 February 2014. http://www.hrw.org/news/2014/02/03/problem-tunisia-s-new-constitution 6 Whitaker, Brian: “Tunisia’s discriminatory new constitution.” Blog post, 12 December 2011. http://www.al- bab.com/blog/2011/blog1112a.htm#tunisia_discriminatory_new_constitution 7 “In 30 countries, heads of state must belong to a certain religion.” Pew Research Center, 22 July 2014. http://www.pewresearch.org/fact-tank/2014/07/22/in-30-countries-heads-of-state-must-belong-to-a-certain- religion/ 8 Barro, Robert and McCleary, Rachel: “Which countries have state ?” Working Paper 10438, National Bureau of Economic Research, Cambridge, MA. 2004. http://www.nber.org/papers/w10438 9 Report of the Special Rapporteur on freedom of religion or belief, Heiner Bielefeldt. A/HRC/19/60, 22 December 2011. http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G11/175/41/PDF/G1117541.pdf?OpenElement 10 Worren, Torstein: Fear and Resistance: The Construction of Alawi Identity in Syria. Master thesis in human geography. University of Oslo, Dept of Sociology and Human Geography, 2007. pp 49-52. https://www.duo.uio.no/bitstream/handle/10852/16035/fear_and_resistance.pdf?sequence=2 11 Author’s interview, September 2014. Hashem al-Shamy is a pseudonym 12 For further discussion, see: Zuckerman, Phil: “Secularization: Europe Yes, United States No.” Skeptical Inquirer, March/April 2004. http://www.skeptic.ca/secularization.htm 13 Barro and McCleary, op cit 14 Stark, Rodney and Finke, Roger: Acts of Faith: Explaining the Human Side of Religion. Oakland: University of California Press, 2000. 15 Report of the Special Rapporteur on freedom of religion or belief, Heiner Bielefeldt A/HRC/16/53. 15 December 2010. http://daccess-dds-ny.un.org/doc/UNDOC/GEN/G10/177/93/PDF/G1017793.pdf?OpenElement 16 ibid 17 “Grand Mufti calls for changes to school textbooks.” Libya Herald, 18 October, 2012. http://www.libyaherald.com/2012/10/18/16414/#ixzz35YjCCGVB 18 US State Department: “International Religious Freedom Report for 2012.” http://www.state.gov/j/drl/rls/irf/religiousfreedom/index.htm?year=2012&dlid=208398#wrapper 19 US State Department: “International Religious Freedom Report for 2012.” http://www.state.gov/j/drl/rls/irf/religiousfreedom/index.htm?year=2012&dlid=208390#wrapper 20 “Prohibited Identities: State Interference with Religious Freedom.” Human Rights Watch/EIPR, November 2007. http://www.hrw.org/en/reports/2007/11/11/prohibited-identities 21 Ibid. 22 Whitaker, Brian: “Sects and marriage in Lebanon.” Blog post, 28 January 2013. http://www.al- bab.com/blog/2013/blog1301a.htm#sects-and-marriage-in-lebanon 23 Whitaker, Brian: “Mufti’s threats over civil marriage in Lebanon.” Blog post, 29 January 2013. http://www.al- bab.com/blog/2013/blog1301a.htm#mufti-threats-civil-marriage-lebanon 24 “Gemayel slams Lebanon mufti over civil marriage remarks.” Daily Star, 29 January 2013. http://www.dailystar.com.lb/News/Politics/2013/Jan-29/204185-sleiman-defends-civil-marriage-at-cabinet- meeting.ashx

Chapter Seven:

1 “Over 600 Chinese nationals working in Saudi embrace Islam.” Gulf News, 27 September 2009. http://gulfnews.com/news/gulf/saudi-arabia/over-600-chinese-nationals-working-in-saudi-embrace-islam- 1.540965

219

2 http://www.islam-guide.com/ 3 CCPR General Comment No. 22: Article 18 (Freedom of Thought, Conscience or Religion). http://www.refworld.org/docid/453883fb22.html 4 Kristine Kalanges: “Religious Liberty in Western and Islamic Law: Toward a World Legal Tradition.” OUP USA, 2012, p 60. 5 ibid, p61. 6 Mayer, Ann Elizabeth: Islam and Human Rights – Tradition and Politics. Boulder, Colorado: Westview Press 2007. p. 150. 7 Mayer, Ann Elizabeth: op. cit. Mayer’s book discusses these Islamic rights schemes extensively. 8 It was renamed in 2011 and is now known as the Organisation of Islamic Cooperation. 9 Meral, Ziya: “No Place to Call Home: Experiences of Apostates from Islam, Failures of the International Community.” Christian Solidarity Worldwide, 2008. http://www.academia.edu/2462595/No_Place_to_Call_Home_Experiences_of_Apostates_from_Islam_Failure s_of_the_International_Community 10 Ramadan, Tariq: “Muslim Scholars Speak out on Jihad, Apostasy and Women”, 2007. http://pa.cair.com/files/Muslim_Scholars_Speak_Out.pdf 11 Abdelhadi, Magdi: “What Islam says on religious freedom”. BBC, 27 March 2006. http://news.bbc.co.uk/1/hi/world/south_asia/4850080.stm 12 Stalley, R F: An Introduction to Plato’s Laws. Indianapolis: Hackett Publishing, 1983. pp 177-178 13 Plato: Laws. Translated by Benjamin Jowett. Internet Classics Archive. http://classics.mit.edu/Plato/laws.10.x.html 14 Locke, John: A Letter Concerning Toleration. 1689. Translated from Latin by William Popple. http://www.constitution.org/jl/tolerati.htm 15 Bureau of Democracy, Human Rights and Labor: International Religious Freedom Report for 2012. http://www.state.gov/j/drl/rls/irf/religiousfreedom/index.htm?year=2012#wrapper 16 Longva, Anh Nga: “The apostasy law in the age of universal human rights and citizenship”. Fourth Nordic conference on Middle Eastern Studies, Oslo, 1998. http://www.hf.uib.no/smi/pao/longva.html 17 Barbara Baker: “Yemen Court Sentences Somali Convert to Death”, Today, 7 July 2000. http://www.christianitytoday.com/ct/2000/julyweb-only/55.0.html 18 Bureau of Democracy, Human Rights and Labor: International Religious Freedom Report for 2011. http://www.state.gov/j/drl/rls/irf/2011/af/192763.htm 19 “Sudanese centre says incidents of apostasy, atheism increasing in country”. Sudan Tribune, 15 May 2013. http://www.sudantribune.com/spip.php?article46577 20 Meral, Ziya: “No Place to Call Home: Experiences of Apostates from Islam, Failures of the International Community.” Christian Solidarity Worldwide, 2008. http://www.academia.edu/2462595/No_Place_to_Call_Home_Experiences_of_Apostates_from_Islam_Failure s_of_the_International_Community 21 Sherbini, Ramadan al-: “Bahai daughter, Muslim father locked in court battle over child’s custody.” Gulf News, 9 August 2009. http://web.archive.org/web/20090815013038/http://archive.gulfnews.com/region/Egypt/10338696.html 22 For more details see: Whitaker, Brian: What’s Really Wrong with the Middle East. London: Saqi Books, 2009, pp. 126-128. 23 Szymanski, Tekla: “Battling Bigotry”. World Press Review (Vol. 48, No. 9), September 2001. http://www.worldpress.org/Mideast/311.cfm 24 ANHRI press release, 1 October 2009. http://www.anhri.net/en/reports/2009/pr1001.shtml 25 Whitaker, Brian: “The biter bit”. Blog post, 10 October 2009. http://www.al-bab.com/blog/blog0910a.htm 26 Soage, Ana Belén: “Faraj Fawda, or the cost of freedom of expression.” Middle East Review of International Affairs, Volume 11, No. 2, June 2007. http://meria.idc.ac.il/journal/2007/issue2/jv11no2a3.html

Chapter Eight:

1 “UN resolutions on combating defamation of religions.” Statement by Article 19 and the Cairo Institute for Human Rights Studies. 11 September 2008. http://www.article19.org/data/files/pdfs/press/un-resolutions-on- combating-defamation-of-religions.pdf

220

2 “Freedom of expression and incitement to racial or religious hatred.” Joint statement by Githu Muigai, Asma Jahangir and Frank La Rue, 22 April 2009. http://www2.ohchr.org/english/issues/religion/docs/SRJointstatement22April09.pdf 3 “Rabat Plan of Action on the prohibition of advocacy of national, racial or religious hatred that constitutes incitement to discrimination, hostility or violence.” 5 October 2012. http://www.ohchr.org/Documents/Issues/Opinion/SeminarRabat/Rabat_draft_outcome.pdf 4 Ghazzali, Kacem el-: “Tunisian Atheists sentenced to seven and a half years of prison.” Atheistica blog, 1 April 2012. http://atheistica.com/2012/04/01/tunisian-atheists-sentenced-to-seven-and-a-half-years-of-prison/ 5 Ryan, Yasmine: “Tunisia’s embattled artists speak out.” Al-Jazeera, 15 June 2012. http://www.aljazeera.com/indepth/features/2012/06/2012615111819112421.html 6 “Tunisia: Draft law criminalising offending religious values is repressive and vague.” Article 19, 16 August 2012. http://www.article19.org/resources.php/resource/3420/en/tunisia:-draft-law-criminalising-offending- religious-values-is-repressive-and-vague 7 “Egypt frees 2 Coptic boys held for Quran defiling.” The Associated Press, 4 October 2012. http://news.yahoo.com/egypt-frees-2-coptic-boys-held-quran-defiling-190054905.html

Chapter Nine:

1 Author’s interview, April 2014. Gamal is a pseudonym. 2 Speech by President Morsi in Tahrir Square, 24 June 2012. http://www.al- bab.com/arab/docs/egypt/morsi_speech_120624.htm 3 Beaumont, Peter: “Morsi ‘power grab’ angers Egypt opposition groups.” The Guardian, 23 November 2012. http://www.theguardian.com/world/2012/nov/23/morsi-power-grab-angers-opposition 4 “Egypt’s constitutional referendum: A dubious yes.” The Economist, 22 December 2012. http://www.economist.com/news/middle-east-and-africa/21568756-flawed-constitution-will-be-endorsed- argument-far-over 5 Whitaker, Brian: “Egyptian provinces need elected governors.” Blog post, 18 June 2013. http://www.al- bab.com/blog/2013/june/egyptian-provinces-need-elected-governors.htm 6 Whitaker, Brian: “Artists versus Islamists in Egypt’s culture war.” Blog post, 20 June, 2013 http://www.al- bab.com/blog/2013/june/artists-versus-islamists-in-egypt-culture-war.htm 7 “Egypt MP quits over nose job cover-up.” Al-Jazeera, 6 March 2012. http://www.aljazeera.com/news/middleeast/2012/03/201235224452570454.html 8 “Egypt Salafist ex-MP convicted of public indecency.” BBC, 21 July 2012. http://www.bbc.co.uk/news/world- middle-east-18937515 9 Quoted by Samaan, Magdy: “Atheists Rise in Egypt.” Zam Magazine, 13 October 13. www.zammagazine.com/chronicle-3/38-atheists-rise-in-egypt 10 Author’s interview, April 2014. 11 Abdelhadi, Magdy: “The age of unreason.” Blog post, 16 April 2014. http://maegdi.wordpress.com/2014/04/16/the-age-of-unreason/ 12 Adib, Mounir: “Atheists call for reduced religious footprint in constitution.” Egypt Independent, 19 September 2013. http://www.egyptindependent.com/news/atheists-call-reduced-religious-footprint-constitution 13 “Constitution of the Arab Republic of Egypt, 2014.” Unofficial English translation. http://www.sis.gov.eg/Newvr/Dustor-en001.pdf 14 Allam, Rana: “A constitution not worth its ink.” Daily News Egypt, 19 February 2014. http://www.dailynewsegypt.com/2014/02/19/constitution-worth-ink/ 15 “Egypt mosques: Weekly sermon themes set by government.” BBC, 31 January 2014. http://www.bbc.co.uk/news/world-middle-east-25983912 16 Abdelhadi, Magdy: “The age of unreason.” Blog post, 16 April 2014. http://maegdi.wordpress.com/2014/04/16/the-age-of-unreason/ 17 Al-Ahram (in Arabic), 18 June 2014. http://gate.ahram.org.eg/UI/Front/Inner.aspx?NewsContentID=506013 18 https://www.youtube.com/watch?v=rVPdVS-eImE 20 December 2013. 19 “Police vow to arrest Alexandria-based atheists.” Mada Masr, 26 March 2014. http://madamasr.com/content/police-vow-arrest-alexandria-based-atheists 20 Author’s interview, April 2014.

221

21 http://www.masress.com/en/video/3063055 and https://www.youtube.com/watch?v=OOF375-NZhc, 10 November 2013 22 https://www.youtube.com/watch?v=oESeyFgtpbE&list=PLx2EFu656F-ErXUFQaZ6ywgMFFm2zB__r, 15 April 2014. 23 Elwatannews, 13 May 2014, https://www.elwatannews.com/news/details/480971 and Sout al-Umma, 13 May 2014, http://www.soutalomma.com/articles/72748(both reports in Arabic). 24 Kheir, Mohammed: “Egyptian TV: Darwin, Nietzsche, and a Certain God.” Al-Akhbar, 1 August 2012. http://english.al-akhbar.com/content/egyptian-tv-darwin-nietzsche-and-certain-god. See also: Kazim, Butheina: “In the company of Moez Masoud.” Al-Jazeera, 17 August 2012. http://www.aljazeera.com/indepth/opinion/2012/08/201281694821594437.html 25 Montasser, Farah: “Al-Molhid (The Atheist) Egyptian film praises Islam, says film crew.” Ahram Online, 25 November 2012. http://english.ahram.org.eg/NewsContent/5/32/59125/Arts--Culture/Film/AlMolhid-The- Atheist-Egyptian-film-praises-Islam,-.aspx 26 Controversial Egyptian film ‘The Atheist’ gets go ahead by censors.” Al-Arabiya 14 March 2012. http://english.alarabiya.net/articles/2012/03/14/200689.html 27 Al-Arabiya in Arabic, 3 February 2014. http://www.alarabiya.net/ar/culture-and- art/2014/02/03/%D8%AF%D9%88%D8%B1-%D8%B9%D8%B1%D8%B6- %D9%85%D8%B5%D8%B1%D9%8A%D8%A9-%D8%AA%D8%B1%D9%81%D8%B6- %D8%A7%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D8%A7%D9%84- %D8%A7%D9%84%D9%85%D9%84%D8%AD%D8%AF-.html 28 “Controversial Egyptian film ‘The Atheist’ gets go ahead by censors.” Al-Arabiya 14 March 2012. http://english.alarabiya.net/articles/2012/03/14/200689.html 29 Shams El-Din, Mai: “Rights groups condemn detention of atheist on blasphemy charges.” Egypt Independent, 24 September 2012. http://www.egyptindependent.com/news/rights-groups-condemn- detention-atheist-blasphemy-charges 30 Adib, Mounir: “While atheism in Egypt rises, backlash ensues.” Egypt Independent, 30 September 2013. http://www.egyptindependent.com/news/while-atheism-egypt-rises-backlash-ensues 31 Dawakhly, Sherif al-: “New book at Cairo’s book fair tackles atheism.” Egypt Independent, 25 January 2014. http://www.egyptindependent.com/news/new-book-cairo-s-book-fair-tackles-atheism 32 Allam, Rana: “A generation of atheists.” Daily News Egypt, 7 January 2013. http://www.dailynewsegypt.com/2013/01/07/a-generation-of-atheists/ 33 Abdelfattah, Mohamed: “Leaving Islam in the age of Islamism.” Daily News Egypt, 24 January 2013. http://www.dailynewsegypt.com/2013/01/24/leaving-islam-in-the-age-of-islamism/ 34 Diab, Khaled: “Confessions of an Egyptian infidel.” Daily News Egypt, 15 August 2013. http://www.dailynewsegypt.com/2013/08/15/confessions-of-an-egyptian-infidel/ 35 Author’s email correspondence, March 2014.

Chapter Ten:

1 Enemies Not Allies: the Far Right. One Law For All, 2011. http://www.onelawforall.org.uk/wp- content/uploads/Enemies-not-Allies-web-version1.pdf 2 “A statement regarding Nick Griffin's use of the term 'Fenian' from his MEP Constituency Office.” 18 October 2012. http://www.nickgriffinmep.eu/content/statement-regarding-nick-griffins-use-term-fenian-his-mep- constituency-office 3 “Easter Message from BNP Chairman hits mark!” Stormfront, July 2006. http://www.stormfront.org/forum/t696276/ 4 Spencer, Robert: “2 Men, in New York and Florida, Charged in Qaeda Conspiracy.” Jihad Watch, 30 May 2005. http://www.jihadwatch.org/2005/05/2-men-in-new-york-and-florida-charged-in-qaeda-conspiracy.html 5 Siding With the Oppressor: The Pro-Islamist Left. One Law For All, 2013. http://www.onelawforall.org.uk/wp- content/uploads/SidingWithOpressor_Web.pdf 6 Author’s interview, May 2014. 7 No Bigotry and No Apologism.” http://www.exmna.org/about-us/ 8 For more information about the history of the term “Islamophobia”, see: Richardson, Robin: “Islamophobia or anti-Muslim racism – or what? – concepts and terms revisited.” 2012 http://www.insted.co.uk/anti-muslim- racism.pdf

222

9 Islamophobia: a challenge for us all. Runnymede Trust, 1997. http://www.runnymedetrust.org/publications/17/32.html 10 Berlinski, Claire: “Moderate Muslim watch: How the term ‘Islamophobia’ got shoved down your throat.” Ricochet, 24 November 2010. http://ricochet.com/archives/moderate-muslim-watch-how-the-term- islamophobia-got-shoved-down-your-throat 11 Richardson, Robin: op cit 12 “Racism and Islamophobia.” FAIR website, undated. http://www.fairuk.org/docs/Islamophobia%20&%20Racism.pdf 13 “BNP leader said Islam was ‘wicked’.” Daily Mail, 3 November 2006. http://www.dailymail.co.uk/news/article-414343/BNP-leader-said-Islam-wicked.html 14 Wainwright, Martin: “Islam is vicious, wicked faith, claims Griffin.” The Guardian, 26 January 2006. http://www.theguardian.com/uk/2006/jan/26/otherparties.thefarright 15 “Islamophobia? Muslimophobia? Anti-Muslim Bigotry? A discussion between Ex-Muslims on appropriate neologisms.” Hiba Krisht was using the name “Marwa” at the time of the blog post. http://aveilandadarkplace.com/2014/05/21/islamophobia-muslimophobia-anti-muslim-bigotry-a-discussion- between-ex-muslims-on-appropriate-neologisms/ 16 “Islamophobia? Muslimophobia? Anti-Muslim Bigotry? A discussion between Ex-Muslims on appropriate neologisms.” http://aveilandadarkplace.com/2014/05/21/islamophobia-muslimophobia-anti-muslim-bigotry- a-discussion-between-ex-muslims-on-appropriate-neologisms/ 17 https://twitter.com/RichardDawkins/status/365473573768400896 18 Whitaker, Brian: “The right answer or the wrong question?” The Guardian, 27 March 2004. http://www.theguardian.com/uk/2004/mar/27/religion.world 19 https://twitter.com/mjrobbins/status/327004128171679745 20 http://old.richarddawkins.net/articles/596422-jedi-ism-britain-s-fourth-largest-religion-is-still-going- strong/comments?page=1#comment_596425 21 http://old.richarddawkins.net/articles/4563-human-rights-ruling-against-classroom-crucifixes-angers- italy/comments?page=1#comment_411188 22 http://old.richarddawkins.net/videos/476560-pat-condell-no-mosque-at-ground-zero/comments?page=2 23 http://old.richarddawkins.net/articles/641974-islam-and-islamophobia-a-little- manifesto/comments?page=1#comment_845164 24 Lean, Nathan: “Dawkins, Harris, Hitchens: New Atheists flirt with Islamophobia.” Salon 30 March 2013. http://www.salon.com/2013/03/30/dawkins_harris_hitchens_new_atheists_flirt_with_islamophobia/ 25 Harris, Sam: “Head-in-the-Sand Liberals.” Los Angeles Times, 18 September, 2006. http://www.samharris.org/site/full_text/the-end-of-liberalism/ 26 Blackford, Russell: “Islam and ‘Islamophobia’ – a little manifesto.” The Hellfire Club blog, 30 June, 2011. http://metamagician3000.blogspot.co.uk/2011/06/islam-and-islamophobia-little-manifesto.html 27 Author’s interview and email exchange, July 2014. 28 European Commission for Democracy through Law (Venice Commission): “Report on the relationship between freedom of expression and freedom of religion” CDL-AD(2008)026. http://www.venice.coe.int/webforms/documents/default.aspx?pdffile=CDL-AD(2008)026-e 29 European Court of Human Rights, Gündüz v Turkey, 2003. 30 Gey, Steven: “Atheism and the Freedom of Religion.” Chapter in The Cambridge Companion to Atheism. New York: Cambridge University Press, 2007.

223